السبت، 24 مارس 2012

موسوعة العقيدة - الفرق الإعتقادية : الخوارج



الخوارج

        الخوارج والمرجئة والوعيدية‏:‏ كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى‏:‏ خارجياً سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين أو كان بعدهم على التابعين بإحسان والأئمة في كل زمان‏.‏
        والمرجئة‏:‏ صف آخر تكلموا في الإيمان والعمل إلا أنهم وافقوا الخوارج في بعض المسائل التي تتعلق بالإمامة‏.‏
        والوعيدية‏:‏ داخلة في الخوارج وهم القائلون‏:‏ بتكفير صاحب الكبيرة وتخليده في النار فذكرنا مذاهبهم في أثناء مذاهب الخوارج‏.‏
        اعلم أن أول من خرج على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه جماعة ممن كان معه في حرب صفين وأشدهم خروجاً عليه ومروقاً من الدين‏:‏ الأشعث ابن قيس الكندي ومسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي حين قالوا‏:‏ القوم يدعوننا إلى كتاب الله وأنت تدعونا إلى السيف‏.‏ حتى قال‏:‏ أنا أعلم بما في كتاب الله‏!‏ انفروا إلى بقية الأحزاب‏!‏ انفروا إلى من يقول‏:‏ كذب الله ورسوله وأنتم تقولوا‏:‏ صدق الله ورسوله قالوا‏:‏ لترجعن الأشتر عن قتال المسلمين وإلا فعلنا بك مثل ما فعلنا بعثمان فاضطر إلى رد الأشتر بعد أن هزم الجمع وولوا مدبرين وما بقي منهم إلا شرذمة قليلة فيها حشاشة قوة فامتثل الأشتر أمره‏.‏
        وكان من أمر الحكمين‏:‏ أن الخوارج حملوه على التحكيم أولاً وكان يريد أن يبعث عبد الله بن عباس رضي الله عنه فما رضي الخوارج بذلك وقالوا هو منك وحملوه على بعث أبو موسى الأشعري على أن يحكم بكتاب الله تعالى فجرى الأمر على خلاف ما رضي به فلما لم يرض بذلك خرجت الخوارج عليه وقالوا‏:‏ لم حكمت الرجال‏!‏ لا حكم إلا لله‏.‏
وهم المارقة الذين اجتمعوا بالنهروان‏.‏
        وكبار الفرق منهم‏:‏ المحكمة والأزارقة والنجدات والبهسية والعجاردة والثعالبة والإباضية والصفرية والباقون فروعهم‏.‏
        ويجمعهم‏:‏ القول بالتبري من عثمان وعلي رضي الله عنهما ويقدمون ذلك على كل طاعة ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك ويكفرون أصحاب الكبائر ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة‏:‏ حقاً واجباً‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض طوائف الخوارج

الأزارقة
        أصحاب أبي رشد نافع بن الأزرق الذين خرجوا مع نافع من الصرة إلى الأهواز، فغلبوا عليها وعلى كورها وما وراءها من بلدان‏:‏ فارس وكرمان في أيام عبد الله بن الزبير وقتلوا عماله فيها بهذه النواحي‏.‏
        وكان مع نافع من أمراء الخوارج‏:‏ عطية بن الأسود الحنفي وعبد الله بن ماخون وأخواه عثمان والزبير وعمر ابن عمير العنبري وقطري بن الفجاءة المازني وعبيدة بن هلال اليشكري وأخوه محرز بن هلال وصخر بن حبيب التيمي وصالح بن مخراق العبدي وعبد ربه الكبير وعبد ربه الصغير‏.‏في زهاء ثلاثين ألف فارس ممن يرى رأيهم وينخرط في سلكهم‏.‏ فأنفذ إليهم عبد الله بن الحرث بن نوفل النوفلي بصاحب جيشه‏:‏ مسلم بن عبيس بن كريز ابن حبيب فقتله الخوارج وهزموا أصحابه‏.‏ فأخرج إليهم أيضاً عثمان بن عبد الله ابن معمر التميميح فهزموه‏.‏
        فأخرج إليهم حارثة بن بدر العتابي في جيش كثيف فهزموه وخشي أهل البصرة على أنفسهم وبلدهم من الخوارج‏.‏ فأخرج إليهم المهلب بن أبي صفرة فبقي في حرب الأزارقة تسع عشرة سنة إلى أن فرغ من أمرهم في أيام الحجاج ومات نافع قبل وقائع المهلب مع الأزارقة وبايعوا بعده قطري بن الفجاءة المازنين وسموه‏:‏ أمير المؤمنين‏.‏
وبدع الأزارقة ثمانية‏:‏
        إحداهما‏:‏ أنه أكفر علياً رضي الله عنه وقال‏:‏ إن الله أنزل في شأنه‏:{‏ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام}[البقرة:204] ‏"‏ وصوب‏:‏ عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله وقال‏:‏ إن الله تعالى أنزل في شأنه‏:{‏ ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله}[البقرة:207]"‏‏.‏
        وقال عمران بن حطان وهو مفتي الخوارج وزاهدها وشاعرها الأكبر في ضربة ابن ملجم لعنه الله لعلي رضي الله عنه‏:
‏ يا ضربة من منيب ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوماً فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزانا
        وعلى هذه البدعة مضت الأزارقة وزادوا عليه تكفير‏:‏ عثمان وطلحة والزبير وعائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم وسائر المسلمين معهم وتخليدهم في النار جميعاً‏.‏
والثانية‏:‏ أنه أكفر القعدة وهو أول من أظهر البراءة من القعدة عن القتال وإن كان موافقاً له على دينه وأكفر من لم يهاجر غليه‏.‏
والثالثة‏:‏ إباحته قتل الأطفال المخالفين والنسوان منهم‏.‏
والرابعة‏:‏ إسقاطه الرجم عن الزاني إذ ليس في القرآن ذكره وإسقاطه حد القذف عمن قذف المحصنين من الرجال مع وجوب الحد على قاذف المحصنات من النساء‏.‏
والخامسة‏:‏ حكمه بأن أطفال المشركين في النار مع آبائهم‏.‏
والسادسة‏:‏ أن التقية غير جائزة في قول ولا عمل‏.‏
والسابعة‏:‏ تجويزه أن يبعث الله تعالى نبياً يعلم أنه يكفر بعد نبوته أو كان كافراً قبل البعثة‏.‏
والكبائر والصغائر‏:‏ إذا كانت بمثابة عنده وهي كفر‏.‏
والثامنة‏:‏ اجتمعت الأزارقة على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر ملة خرج به عن الإسلام جملة ويكون مخلداً في النار مع سائر الكفار       
  واستدلوا بكفر إبليس وقالوا‏:‏ ما ارتكب إلا كبيرة حيث أمر بالسجود لآدم عليه السلام فامتنع وإلا فهو عارف بوحدانية الله تعالى‏
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النجدات العاذرية
        أصحاب نجدة بن عامر الحنفي ،وقيل‏:‏ عاصم وكان من شأنه أنه خرج مع اليمامة مع عسكره، يريد اللحوق بالأزارقة فاستقبله‏:‏ أبو فديك وعطية ابن الأسود الحنفي في الطائفة الذين خالفوا نافع بن الأزرق فأخبروه بما أحدثه نافع من الخلاف‏:‏ بتكفير العقدة عنه وسائر الأحداث والبدع وبايعوا نجدة وسموه أمير المؤمنين‏.‏
        ثم اختلفوا على نجدة فأكفره قوم منهم لأمور نقموها عليه منها أنه بعث ابنه مع جيش إلى أهل القطيف فقتلوا رجالهم وسبوا نساءهم وقو موها على أنفسهم وقالوا‏:‏ إن صارت قيمتهن في حصصنا فذلك وإلا رددنا الفضل ونكحوهن قبل القسمة وأكلوا من الغنيمة قبل القسمة‏.‏ فلما رجعوا إلى نجدة وأخبروه بذلك قال‏:‏ لم يسعكم ما فعلتم قالوا‏:‏ لم نعلم أن ذلك لا يسعنا فعذرهم بجهالتهم‏.‏
        واختلف أصحابه بذلك فمنهم من وافقه وعذر بالجهالات في الحكم الاجتهادي، وقالوا‏:‏ الدين أمران‏:
‏         أحدهما‏:‏ معرفة الله تعالى ومعرفة رسله عليهم السلام وتحريم دماء المسلمين يعنون موافقيهم والإقرار بما جاء من عند الله جملة‏.فهذا واجب على الجميع والجهل به لا يعذر فيه‏.‏
        والثاني‏:‏ ما سوى ذلك‏:‏ فالناس معذورون فيه‏.‏إلى أن تقوم عليهم الحجة في الحلال والحرام‏.‏
        قالوا‏:‏ ومن جوز العذاب على المجتهد المخطىء في الأحكام قبل قيام الحجة عليه فهو كافر واستحل نجدة بن عامر دماء أهل العهد والذمة وأموالهم في حال التقية وحكم بالبراءة ممن حرمها‏.‏قال‏:‏ وأصحاب الحدود من موافقيه لعل الله تعالى يعفو عنهم ومن نظر نظرة أو كذب كذبة صغيرة أو كبيرة أصر عليها فهو مشرك ومن زنى وشرب وسرق غير مصر عليه فهو غير مشرك وغلظ على الناس في حد الخمر تغليظا شديداً‏.‏
        ولما كاتب عبد الملك بن مروان وأعطاه الرضى‏:‏ نقم عليه أصحابه فيه فاستتابوه فأظهر التوبة فتركوا النقمة عليه والتعرض له‏.‏
        وندمت طائفة على هذه الاستتابة وقالوا‏:‏ أخطأنا وما كان لنا أن نستتيب الإمام وما كان له أن يتوب باستتابتنا إياه‏:‏ أخطأنا من ذلك وأظهروه الخطأ وقالوا له‏:‏ تب من توبتك وإلا نابذناك فتاب من توبته‏.‏وفارقه‏:‏ أبو فديك وعطية ووثب عليه أبو فديك فقتله‏.‏ ثم برئ أبو فديك وعطية من أبي فديك انفذ مروان بن عبد الملك‏:‏ عمرو بن عبيد الله بن معمر من التميمي مع جيش إلى حرب أبي فديك فحاربه أياماً فقتله ولحق عطية بأرض سجستان ويقال لأصحابه‏:‏ الطوية ومن أصحابه‏:‏ عبد الكريم بن عجرد زعيم العجاردة‏.‏
        وإنما قيل للنجدات‏:‏ العاذرية لأنهم عذروا بالجهلات في أحكام الفروع‏.‏
        وحكى الكعبي عن النجدات‏:‏ أن التقية جائزة في القول والعمل كله وإن كان في قتل النفوس‏.‏
        قال‏:‏ وأجمعت النجدات على أنه لا حاجة للناس إلى إمام قط، وإنما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم ،فإن هم رأو أن ذلك لا يتم إلا بإمام يحملهم عليه فأقاموه جاز.
        ثم افترقوا بعد نجدة إلى‏:‏ عطوية وفديكية وبرئ كل واحد منهما عن صاحبه بعد قتل نجدة وصارت الدار لأبي فديك إلا من تولى نجدة‏.‏ وأهل سجستان وخراسان وكرمان وقهستان من الخوارج على مذهب عطية‏.‏
        وقيل‏:‏ كان نجدة بن عامر ونافع بن الأزرق قد اجتمعا بمكة مع الخوارج على ابن الزبير ثم تفرقا عنه‏.‏واختلف نافع ونجدة‏:‏ فصار نافع إلى البصرة ونجدة إلى اليمامة‏.‏
وكان سبب اختلافهما أن نافعاً قال‏:‏ التقية لا تحل والقعود عن القتال كفر واحتج بقول الله تعالى‏:‏{ إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله}[النساء:77] ‏"‏ وبقوله تعالى‏:{‏ يقاتلون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}[المائدة:45] ‏"‏‏.وخالفه نجدة وقال‏:‏ التقية جائزة واحتج بقول الله تعالى‏:‏{‏ إلا أن تتقوا منهم تقاة}[آلعمران28] ‏"‏ وبقوله تعالى‏:‏{‏ وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه}[غافر:28]‏ وقال‏:‏ القعود جائز والجهاد إذا أمكنه أفضل قال الله تعالى‏:‏ ‏"{‏ وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً}[النساء:95] ‏"‏‏.‏ وقال نافع‏:‏ هذا في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين كانوا مقهورين وأما في غيرهم مع الإمكان فالقعود كفر لقول الله تعالى‏:{‏ وقعد الذين كذبوا الله ورسوله}[التوبة:90]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البيهسية
        أصحاب أبي بيهس الهيصم بن جابر، وهو أحد بني سعد بن ضبيعة، وقد كان الحجاج طلبه أيام الوليد فهرب إلى المدينة ،فطلبه فيها عثمان بن حيان المزني فظفر به وحبسه وكان يسامره إلى أن ورد كتاب الوليد بأن يقطع يديه ورجليه ثم يقتله ففعل به ذلك‏.‏
        وكفر أبو بهس‏:‏ إبراهيم وميمون في اختلافهما في بيع الأمة وكذلك كفر الواقفية‏.‏وزعم‏:‏ أنه لا يسلم أحد حتى يقر بمعرفة الله تعالى ومعرفة رسله ومعرفة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والولاية لأولياء الله تعالى والبراءة من أعداء الله‏.‏
        فمن جملة ما ورد به الشرع وحكم به‏:‏ ما حرم الله وجاء به الوعيد فلا يسعه إلا‏:‏ معرفته بعينه وتفسيره والاحتراز عنه‏.‏
        ومنه ما ينبغي أن يعرف باسمه ولا يضره ألا يعرفه بتفسيره حتى يبتلي ويجب أن يقف عندما لا يعلم ولا يأتي بشيء إلا بعلم‏.‏ وبرئ أبو بهس عن الواقفية لقولهم‏:‏ إنا نقف فيمن واقف الحرام وهو لا يعلم أحلالاً واقع أم حراماً، قال‏:‏ كان من حقه أن يعلم ذلك، والإيمان‏:‏ هو أن يعلم كل حق وباطل، وإن الإيمان هو العلم بالقلب دون القول والعمل‏.‏
        ويحكى عنه أنه قال‏:‏ الإيمان‏:‏ هو الإقرار والعلم وليس هو أحد الأمرين دون الآخر‏.‏
وعامة البيهسية على أن العلم والإقرار والعمل كله إيمان، وذهب قوم منهم إلى أنه لا يحرم سوى ما ورد في قوله تعالى‏:‏{‏ قل لا أجد فيما أوحى إلى محرماً على طاعم يطعمه‏}[الأنعام:145]،‏ وما سوى ذلك فكله حلال .
ومن البيهسية قوم يقال لهم‏:‏ العونية وهم فرقتان‏:‏
        فرقة تقول‏:‏ من رجع من دار الهجرة إلى القعود برئنا منه وفرقة تقول‏:‏ بل نتولاهم لأنهم رجعوا إلى أمر كان حلالاً لهم‏.‏
        والفرقتان اجتمعتا على أن الإمام إذا كفر كفرت الرعية‏:‏ الغائب منهم والشاهد‏.‏
        ومن البيهسية صنف يقال لهم‏:‏ أصحاب التفسير زعموا‏:‏ أن من شهد من المسلمين شهادة أخذ‏:‏ بتفسيرها وكيفيتها‏.‏
        وصنف يقال لهم‏:‏ أصحاب السؤال‏:‏ قالوا‏:‏ إن الرجل يكون مسلماً‏:‏ إذا شهد الشهادتين وتبرأ وتولى وآمن بما جاء من عند الله جملة وإن لم يعم فيسأل ما افترض الله عليه ولا يضره أن لا يعلم حتى يبتلي به فيسأل ،وإن واقع حراماً لم يعلم تحريمه فقد كفر ،وقالوا في الأطفال بقول الثعلبية‏:‏ إن أطفال المؤمنين مؤمنون وأطفال الكافرين كافرون‏.‏
        ووافقوا القدرية في القدر وقالوا‏:‏ إن الله تعالى فوض إلى العباد فليس لله في أعمال العباد مشيئة‏.‏ فبرئت منهم عامة البيهسية‏.‏
        وقال بعض البيهسية‏:‏ إن واقع الرجل حراما لم يحكم بكفره حتى يرفع أمره إلى الإمام الوالي ويحده وكل ما ليس فيه حد فهو مغفور‏.‏
        وقال بعضهم‏:‏ إن السكر إذا كان من شراب حلال فلا يؤاخذ صاحبه بما قال فيه وفعل‏.‏
        وقالت العونية‏:‏ السكر كفر ولا يشهدون أنه كفر ما لم ينضم إليه كبيرة أخرى‏:‏ من ترك الصلاة أو قذف المحصن‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصحاب صالح بن مسرح
        يقول الشهرستاني :ولم يبلغنا عنه أنه أحدث قولاً تميز به عن أصحابه، فخرج على بشر بن مروان فبعث إليه بشر الحارث بن عميرة أو الأشعث بن عميرة الهمذاني، أنفذه الحجاج لقتاله، فأصابت صالحا جراحة في قصر جلولاء
فاستخلف مكانه شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني المكنى بأبي الصحارى، وهو الذي غلب على الكوفة وقتل من جيش الحجاج أربعة وعشرين أميراً كلهم أمراء الجيوش ثم انهزم إلى الأهواز وغرق في نهر الأهواز، وهو يقول‏:{‏ ذلك تقدير العزيز العليم‏.}[يس:38]‏
        وذكر اليمان‏:‏ أن الشبيبية يسمون‏:‏ مرجئة الخوارج لما ذهبوا إليه من الوقف في أمر صالح‏.‏ ويحكى عنه‏:‏ أنه برئ منه وفارقه ثم خرج يدعي الإمامة لنفسه‏.ومذهب شبيب ما ذكرناه‏.‏ من مذاهب البيهسية إلا أن شوكته وقوته ومقاماته مع المخالفين‏.‏ مما لم يكن لخارج من الخوارج‏.‏وقصته مذكورة في التواريخ‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العجاردة
        أصحاب عبد الكريم بن عجرد‏.‏ وافق النجدات في بدعهم وقيل‏:‏ إنه كان من أصحاب أبي بيهس ثم خالفه وتفرد بقوله‏:‏ تجب البراءة عن الطفل حتى يدعى إلى الإسلام ويجب دعاؤه إذا بلغ وأطفال المشركين في النار مع آبائهم ولا يرى المال فيئاً حتى يقتل صاحبه وهم يتولون القعدة إذا عرفوهم بالديانة ويرون الهجرة فضيلة لا فريضة ويكفرون بالكبائر ويحكى عنهم‏:‏ أنهم ينكرون كون سورة يوسف من القرآن ويزعمون أنها قصة من القصص قالوا‏:‏ ولا يجوز أن تكون قصة العشق من القرآن‏.‏
        ثم إن العجاردة‏:‏ افترقوا أصنافاً ولكل صنف مذهب على حياله إلا أنهم لما كانوا من جملة العجاردة أوردناهم على حكم التفصيل بالجدول والضلع وهم‏:‏
الصلتية‏:
‏         أصحاب عثمان بن أبي الصلت والصلت بن أبي الصلت‏.‏ تفردوا عن العجاردة بأن الرجل إذا أسلم توليناه وتبرأنا من أطفاله حتى يدركوا فيقبلوا الإسلام‏.‏ ويحكى عن جماعة منهم‏:‏ أنهم قالوا‏:‏ ليس لأطفال المشركين والمسلمين ولاية ولا عداوة حتى يبلغوا فيدعوا إلى الإسلام فيقروا أو ينكروا‏.‏
الميمونية
        أصحاب ميمون بن خالد‏.‏ كان من جملة العجاردة إلا أنه تفرد عنهم‏:‏ بإثبات القدر خيره وشره من العبد‏.‏ وإثبات الفعل للعبد‏:‏ خلقاً وإبداعاً‏.‏ وإثبات الاستطاعة قبل الفعل‏.‏ والقول بأن الله تعالى يريد الخير دون الشر وليس له مشيئة في معاصي العباد‏.‏ وذكر الحسين الكرابيسي في كتابه الذي حكى فيه مقالات الخوارج‏:‏ أن الميمونية يجيزون نكاح بنات البنات وبنات أولاد الاخوة والأخوات وقالوا‏:‏ إن الله تعالى حرم نكاح البنات وبنات الاخوة والأخوات ولم يحرم نكاح بنات أولاد هؤلاء‏.‏ وحكى الكعبي والأشعري عن الميمونية إنكارها كون سورة يوسف من القرآن‏.وقالوا بوجوب قتال السلطان وحده ومن رضي بحكمه فأما من أنكره فلا يجوز قتاله‏:‏ إلا إذا أعان عليه أو طعن في دين الخوارج أو صار دليلاً للسلطان وأطفال المشركين عندهم في الجنة
الحمزية‏:‏
أصحاب‏:‏ حمزة بن أدرك‏.‏
        وافقوا الميمونية في القدر وفي سائر‏:‏ بدعها‏.‏ إلا في أطفال مخالفيهم والمشركين فإنهم قالوا‏:‏ هؤلاء كلهم في النار‏.‏ وكان حمزة من أصحاب الحسين بن الرقاد الذي خرج بسجستان من أهل أوق وخالفه خلف الخارجي في القول بالقدر واستحقاق الرئاسة فبرئ كل واحد منهما عن صاحبه‏.‏ وجوز حمزة إمامين في عصر واحد ما لم تجتمع الكلمة ولم تقهر الأعداء‏.‏
الخلفية
        أصحاب خلف الخارجي وهم من خوارج كرمان ومكران‏.‏ خالفوا الحمزية في القول بالقدر وأضافوا القدر خيره وشره إلى الله تعالى وسلكوا في ذلك مذهب أهل السنة وقالوا‏:‏ الحمزية ناقضوا حيث قالوا‏:‏ لو عذب الله العباد على أفعال قدرها عليهم أو على ما لم يفعلوه كان ظالماً‏.‏وقضوا بأن أطفال المشركين في النار ولا عمل لهم ولا ترك‏.‏ وهذا من أعجب ما يعتقد من التناقض‏!‏
الأطرافية
        فرقة على مذهب حمزة في القول بالقدر‏.‏إلا أنهم عذروا أصحاب الأطراف في ترك ما لم يعرفوه من الشريعة إذا أتوا بما يعرف لزومه من طريق العقل‏.‏ وأثبتوا واجبات عقلية كما قالت القدرية‏.‏ ورئيسهم‏:‏ غالب بن شاذك من سجستان‏.‏ وخالفهم عبد الله السديورى وتبرأ منهم‏.‏
الشعيبية
        أصحاب شعيب بن محمد وكان مع ميمون من جملة العجاردة إلا أنه برئ منه حين أظهر القول بالقدر‏.‏ قال شعيب‏:‏ إن الله تعالى خالق أعمال العباد‏.‏والعبد‏:‏ مكتسب لها‏:‏ قدرة وإرادة مسئول عنها‏:‏ خيراً وشراً مجازى عليها‏:‏ ثواباً وعقاباً‏.ولا يكون شئ في الوجود إلا بمشيئة الله تعالى‏.‏ وهو‏:‏ على بدع الخوارج في الإمامة والوعيد وعلى بدع العجاردة في‏:‏ حكم الأطفال وحكم القعدة ة الولي والتبري‏.‏
الحازمية         أصحاب حازم بن علي‏.أخذوا بقول شعيب في أن الله تعالى خالق أعمال العباد ولا يكون في سلطانه إلا ما يشاء‏.‏ وقالوا بالموافاة وأن الله تعالى‏:‏ إنما يتولى العباد على ما علم أنهم صائرون إليه في آخر أمرهم من الإيمان ويتبرأ منهم على ما علم أنهم صائرون إليه في آخر أمرهم من الكفر‏.‏ وأنه سبحانه لم يزل محباً لأوليائه مبغضاً لأعدائه‏.‏ ويحكى عنهم أنهم يتوقفون في أمر علي رضي الله عنه ولا يصرحون بالبراءة عنه‏.ويصرحون بالبراءة في حق غيره‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثعالبة
        أصحاب ثعلبة بن عامر‏.‏كان مع عبد الكريم بن عجرد يداً واحدة إلى أن اختلفا في أمر الأطفال فقال ثعلبة‏:‏ إنا على ولايتهم‏:‏ صغاراً وكباراً حتى نرى منهم إنكاراً للحق ورضاً بالجور‏.‏فتبرأت العجاردة من ثعلبة‏.‏ونقل عنه أيضاً أنه قال‏:‏ ليس له حكم في حال الطفولة من ولاية وعداوة حتى يدركوا ويدعوا فإن قبلوا فذاك وإن أنكروا كفروا‏.‏وكان يرى‏:‏ أخذ الزكاة من عبيدهم إذا استغنوا وإعطاءهم منها إذا افتقروا‏.‏
الأخنسية‏:
        أصحاب‏:‏ أخنس بن قيس‏.‏من جملة الثعالبة‏.‏ وانفرد عنهم بأن قال‏:‏ أتوقف في جميع من كان في دار التقية من أهل القبلة إلا من عرف منه إيمان فأتولاه عليه أو كفر فأتبرأ منه‏.وحرموا الاغتيال والقتل والسرقة في السر‏.ولا يبدأ أحد من أهل القبلة بالقتال حتى يدعي إلى الدين فإن امتنع قوتل سور من عرفوه بعينه على خلاف قولهم‏.‏وقيل إنهم جوزوا‏:‏ تزويج المسلمات من مشركي قومهم‏:‏ أصحاب الكبائر‏.‏وهم على أصول الخوارج في سائر المسائل‏.‏
المعبدية
        أصحاب معبد بن عبد الرحمن كان من جملة الثعالبة‏.خالف الأخنس في الخطأ الذي وقع له تزويج المسلمات من مشرك‏.‏ وخالف ثعلبة فيما حكم من أخذ الزكاة من عبيدهم وقال‏:‏ غني لا أبرأ منه بذلك ولا أدع اجتهادي في خلافه‏.وجوزوا أن تصير سهام الصدقة سهماً واحداً في حال التقية‏.‏
الرشيدية
        أصحاب رشيد الطوسي ويقال لهم العشرية‏.وأصلهم‏:‏ أن الثعالبة كانوا يوجبون فيما سقى بالأنهار والقنى نصف العشر فأخبرهم زياد بن عبد الرحمن‏:‏ أن فيه العشر ولا تجوز البراءة ممن قال‏:‏ فيه نصف العشر قبل هذا‏.‏ فقال‏:‏ رشيد إن لم تجز البرءة منهم فإنا نعمل بما عملوا فافترقوا في ذلك فرقتين‏.‏
الشيبانية
        أصحاب شيبان بن سلمة‏.الخارج في أيام أبي مسلم وهو المعين له ولعلي بن الكرماني على نصر بن سيار وكان من الثعالبة فلما أعانهما برئت منه الخوارج‏.‏ فلما قتل شيبان ذكر قوم توبته فقالت الثعالبة‏:‏ لا تصح توبته لأنه قتل الموافقين لنا في المذهب وأخذ أموالهم ولا تقبل توبة من‏:‏ قتل مسلماً وأخذ ماله إلا بأن يقتص من نفسه ويرد الأموال أو يوهب له ذلك‏.‏
ومن مذهب شيبان‏:‏ أنه قال بالجبر ووافق جهم بن صفوان في مذهبه إلى الجبر ونفى القدرة الحادثة‏.وينقل عن زياد ابن عبد الرحمن الشيباني أبي خالد‏:‏ أنه قال‏:‏ إن الله تعالى لم يعلم حتى خلق لنفسه علماً وأن الأشياء إنما تصير معلومة له عند حدوثها ووجودها‏.‏ونقل عنه أنه تبرأ من شيبان وأكفره حين نصر الرجلين‏.فوقعت عامة الشيبانية‏:‏ بجرحان ونسا وأرمينية‏.‏والذي تولى شيبان وقال بتوبته‏:‏ عطية الجرجاني وأصحابه‏.‏
المكرمية
        أصحاب مكرم بن عبد الله العجلي كان من جملة الثعالبة وتفرد عنهم بأن قال‏:‏ تارك الصلاة‏:‏ كافر لا من أجل ترك الصلاة ولكن من أجل جهله بالله تعالى‏.وطرد هذا في كل كبيرة يرتكبها الإنسان وقال غنما يكفر لجهله بالله تعالى وذلك أن العرف بوحدانية الله تعالى وأنه اطلع على سره وعلانيته المجازى على طاعته ومعصيته أن يتصور منه الإقدام على المعصية والاجتراء على الخالفة ما لم يغفل عن هذه المعرفة ولا يبالي بالتكليف منه وعن هذا قال النبي عليه السلام‏:‏ ‏"‏ لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ‏"‏‏.الخبر‏.‏
        وخالفوا الثعالبة في هذا القول‏.وقالوا‏:‏ بإيمان الموافاة والحكم بأن الله تعالى إنما يتولى عباده ويعاديهم على ما هم صائرون إليه من موافاة الموت لا على أعمالهم التي هم فيها فإن ذلك ليس بموثوق به إصراراً عليه ما لم يصل المرء إلى آخر عمره ونهاية أجله فحينئذ إن بقى على ما يعتقده فذلك هو الإيمان فنواليه وإن لم يبق فنعاديه وكذلك في حق الله تعالى‏:‏ حكم الموالاة والمعاداة على ما علم منه حال الموافاة‏.وكلهم على هذا القول‏.‏
المعلومية والمجهولية
        كانوا في الأصل حازمية إلا أن المعلومية قالت‏:‏ من لم يعرف الله تعالى بجميع أسمائه وصفاته فهو جاهل به حتى يصير عالماً بجميع ذلك فيكون مؤمناً‏.‏ وقالت‏:‏ الاستطاعة مع الفعل والفعل مخلوق للعبد فبرئت منهم الحازمية‏.‏
        وأما المجهولية فإنهم قالوا‏:‏ من علم بعض أسماء الله تعالى وصفاته وجهل بعضها فقد عرفه تعالى‏.وقالت‏:‏ إن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى
البدعية‏:‏        أصحاب‏:‏ يحيى بن أصدم‏.‏ أبدعوا‏:‏ القول بأن نقطع على أنفسنا بأن من اعتقد اعتقادنا فهو من أهل الجنة ولا نقول‏:‏ إن شاء الله فإن ذلك شك في الاعتقاد ومن قال‏:‏ أنا مؤمن إن شاء الله فهو شاك‏.‏ فنحن من أهل الجنة قطعاً من غير ذلك‏
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإباضية
        أصحاب‏:‏ عبد الله بن إباض الذي خرج في أيام مروان بن محمد فوجه إليه عبد الله بن محمد بن عطية فقاتله بتبالة‏.وقيل إن عبد الله بن يحيى الإباضي كان رفيقاً له في جميع أحواله وأقواله‏.قال‏:‏ إن مخالفينا من أهل القبلة كفار غير مشركين ومناكحتهم جائزة وموارثتهم حلال وغنيمة أموالهم من السلاح والكراع عند الحرب حلال وما سواه حرام‏.‏ وحرام قتلهم وسبيهم في السر غيلة إلا بعد نصب القتال وإقامة الحجة‏.‏
        وقالوا‏:‏ إن دار مخالفيهم من أهل الإسلام دار التوحيد إلا معسكر السلطان فإنه دار بغي وأجازوا شهادة مخالفيهم على أوليائهم‏.وقالوا في مرتكبي الكبائر‏:‏ إنهم موحدون لا مؤمنون‏.‏وحكى الكعبي عنهم‏:‏ أن الاستطاعة عرض من الأعراض وهي قبل الفعل بها يحصل الفعل‏.‏ وأفعال العباد‏:‏ مخلوقة لله تعالى‏:‏ إحداثاً وإبداعاً ومكتسبة للعبد‏:‏ حقيقة لا مجازاً‏.‏
        ولا يسمون إمامهم‏:‏ أمير المؤمنين ولا أنفسهم‏:‏ مهاجرين‏.‏ وقالوا‏:‏ العالم يفنى كله إذا فني أهل التكليف‏.‏قال‏:‏ وأجمعوا على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفركفر النعمة لا كفر الملة‏.‏ وتوقفوا في أطفال المشركين وجوزوا تعذيبهم على سبيل الانتقام وأجازوا أن يدخلوا الجنة تفضلاً‏.‏ وحكى الكعبي عنهم‏:‏ إنهم قالوا بطاعة لا يراد بها الله تعالى كما قال أبو الهذيل‏.‏
ثم اختلفوا في النفاق‏:‏ أيسمى شركاً أم لا قالوا‏:‏ إن المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا موحدين إلا أنهم ارتكبوا الكبائر فكفروا بالكبر لا بالشرك‏.‏
        وقالوا‏:‏ كل شئ أمر الله تعالى به فهو‏:‏ عام ليس بخاص وقد أمر به المؤمن والكافر وليس في القرآن خصوص‏.‏
        وقالوا‏:‏ لا يخلق الله تعالى شيئا إلا دليلاً على وحدانيته ولا بد أن يدل به واحداً‏.‏وقال قوم منهم‏:‏ يجوز أن يخلق الله تعالى رسولاً بلا دليل ويكلف العباد بما يوحي إليه إظهار المعجزة ولا يجب على الله تعالى ذلك إلى أن يخلق دليلاً ويظهر معجزة‏.‏وهم جماعة متفرقون في مذاهبهم تفرق‏:‏ الثعالبة والعجاردة‏.‏
الحفصية
وهم أصحاب‏:‏ حفص بن أبي المقدام‏.‏تميز عنهم بأنه قال‏:‏ إن بين الشرك والإيمان خصلة واحدة وهي معرفة الله تعالى وحده فمن عرفهن ثم كفر         بما سواه‏:‏ رسول أو كتاب أو قيامة أو جنة أو نار أو ارتكب الكبائر‏:‏ من الزنا والسرقة وشرب الخمر‏.فهو كافر لكنه بريء من الشرك‏.‏
الحارثية
        أصحاب الحارث الإباضي‏.‏خالف الإباضية‏:‏ في قوله بالقدر على مذهب المعتزلة وفي الاستطاعة قبل الفعل وفي إثبات طاعة لا يراد بها الله تعالى‏.‏
اليزيدية
        أصحاب يزيد بن أنيسة الذي قال بتولي المحكمة الأولى قبل الأزارقة وتبرأ ممن بعدهم إلا الإباضية فإنه يتولاهم‏.‏ وزعم أن الله تعالى سيبعث رسولاً من العجم وينزل عليه كتاباً، قد كتب في السماء ،وينزل عليه جملة واحدة، ويترك شريعة المصطفى محمد عليه السلام ويكون على ملة الصابئة المذكورة في القرآن وليست هي الصائبة الموجودة‏ بحران ، وواسط
وتولى يزيد من شهد لمحمد المصطفى عليه السلام من أهل الكتاب بالنبوة وإن لم يدخل في دينه‏.‏وقال‏:‏ إن أصحاب الحدود‏:‏ من موافقيه وغيرهم‏:‏ كفار مشركون‏.‏ وكل ذنب صغير أو كبير فهو شرك‏
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصفرية الزيادية
        أصحاب زياد بن صفر‏.خالفوا‏:‏ الأزارقة والنجدات والإباضية في أمور منها‏:‏ أنهم لم يكفروا القعدة عن القتال إذا كانوا موافقين في الدين والاعتقاد ولم يسقطوا الرجم ولم يحكموا بقتل أطفال المشركون وتكفيرهم وتخليدهم في النار‏.‏وقالوا‏:‏ التقية جائزة قي القول دون العمل‏.‏
        وقالوا‏:‏ ما كان من الأعمال عليه حد واقع فلا يتعدى بأهله الاسم الذي لزمه به الحد كالزنا والسرقة والقذف فيسمى زانياً سارقاً قاذفاً لا‏:‏ كافراً مشركاً‏.‏وما كان من الكبائر مما ليس فيه حد لعظم قدره مثل‏:‏ ترك الصلاة والفرار من الزحف فإنه يكفر بذلك‏.‏ونقل عن الضحاك منهم‏:‏ أنه يجوز تزويج المسلمات من كفار قومهم في دار التقية دون دار العلانية‏.‏ ورأى زياد ابن الأصفر جميع الصدقات سهماً واحداً في حال التقية‏.‏
        ويحكى عنه أنه قال‏:‏ نحن مؤمنون عند أنفسنا ولا ندري‏!‏ لعلنا خرجنا من الإيمان عند الله‏.‏ وقال‏:‏ الشرك شركان‏:‏ شرك هو‏:‏ طاعة الشيطان وشرك هو‏:‏ عبادة الأوثان‏.‏
والكفر كفران‏:‏ كفر بإنكار النعمة وكفر بإنكار الربوبية‏.‏
والبراءة براءتان‏:‏ براءة من أهل الحدود سنة وبراءة من أهل الجحود فريضة‏.‏
        ولنختتم المذاهب بذكر تتمة رجال الخوارج‏:‏
        من المتقدمين‏:‏ عكرمة وأبو هارون العبدي وأبو الشعثاء وإسماعيل بن سميع‏.‏
        ومن المتأخرين‏:‏ اليمان بن رباب‏:‏ ثعلبي ثم‏:‏ بيهسي وعبد الله بن يزيد ومحمد بن حرب ويحيى بن كامل‏.:إباضية‏.‏
        ومن شعرائهم‏:‏ عمران بن حطان وحبيب بن مرة صاحب الضحاك بن قيس‏.ومنهم أيضاً‏:‏ جهم بن صفوان وأبو مروان غيلان بن مسلم ومحمد بن عيسى‏:‏ برغوث وأبو الحسين كلثوم بن حبيب المهلبي وأبو بكر محمد بن عبد الله بن شبيب البصري وعلي بن حرملة وصالح قبة بن صبيح بن عمرو ومويس بن عمران البصري وأبو عبد الله بن مسلمة وأبو عبد الرحمن بن مسلمة والفضل بن عيسى الرقاشي وأبو زكريا يحيى بن أصفح وأبو الحسين محمد بن مسلم الصالحي وأبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن الخالدي ومحمد بن صدقة وأبو الحسين علي بن زيد الإباضي وأبو عبد الله محمد بن كرام وكلثوم بن حبيب المرادي البصري‏.‏
        والذين اعتزلوا إلى جانب فلم يكونوا مع علي رضي الله عنه في حروبه ولا مع خصومه وقالوا‏:‏ لا ندخل في غمار الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم‏:‏ عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة الأنصاري وأسامة ابن زيد حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
        وقال قيس بن حازم‏:‏ كنت مع علي رضي الله عنه في جميع أحواله وحروبه حتى قال يوم صفين‏:‏ ‏"‏ انفروا إلى بقية الأحزاب انفروا إلى من يقول‏:‏ كذب الله ورسوله وأنتم تقولون‏:‏ صدق الله ورسوله ‏"‏‏فعرفت أي شيء كان يعتقد في الجماعة‏:‏ فاعتزلت عنه‏

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


إبطال شبهات الخوارج في التكفير

        الخطيئة والإنسان اسمان بينهما من التلازم مثل الذي بين الشمس والظل، فالخطيئة تكاد تكون من طبيعة الإنسان وجبلته، وقد تعامل الإسلام مع العصاة بمنطق جمع بين الحكمة والرحمة فهو لم يطرد العصاة من رحمة الله، بل أمرهم بالتوبة والرجوع إليه، وحذرهم من المعاصي، وتوعدهم بالعقاب.

        وقد كان العاصي يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيعاتبه، ويأتيه آخر فيأمر بإقامة الحد عليه، ويأتيه آخر فيأمره بالتوبة والرجوع إلى الله، كل حسب معصيته وحكمها، إلا أن الثابت تواتراً أنه – صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعامل العصاة كما يعامل المرتدين الخارجين عن الإسلام، ولا أدل على ذلك من إقامة الحدود الشرعية فعلى الرغم من أن كل ما ترتب عليه حد فهو من الكبائر، إلا أن الشرع عاقب كل جريمة بحسبها، فالسارق تقطع يده، وشارب الخمر يجلد، وكذلك الزاني غير المحصن، ولو كانت هذه الكبائر كفراً لوجب قتل هؤلاء جميعاً ما لم يتوبوا .

        وفي قصة ماعز والغامدية أعظم دلالة على ذلك، فقد جاء ماعز إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – معترفاً بذنبه، فقال: ( إني زنيت، فأعرض عنه النبي - عليه الصلاة والسلام - حتى شهد على نفسه أربع شهادات، فأقبل عليه النبي قائلاً: أبك جنون ؟ قال: لا، يا رسول الله، فقال: أتزوجت، قال: نعم يا رسول الله، فقال النبي للصحابة: اذهبوا به، فارجموه ) رواه البخاري ، وتخلف ثلاثة من الصحابة عن غزوة تبوك في وقت كان النفير فيه عاماً، وكان الجهاد واجباً على كل قادر، فلما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - واعتذر المنافقون عن تخلفهم، شعر هؤلاء الصحابة بعظم ما اقترفوا من التخلف عن النبي – صلى الله عليه وسلم – والجهاد معه، فاعترفوا بذنبهم، وأدركوا خطأهم، فأعرض عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم – وهجرهم عقوبة لهم، غير أنه لم يعاملهم معاملة المرتدين الكافرين .

        ومضى على هذا النهج الخلفاء الراشدون، مستندين في تعاملهم مع أصحاب الكبائر على ما دلت عليه دلائل الكتاب والسنة، وما علموه من سيرة نبي الأمة .

        حيث دلَّ القرآن في آيات كثيرة على عدم كفر العصاة كقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان }(البقرة: 78) فقد سمى الله القاتل أخاً في الدين، ولو كان كافرا لنفى عنه الأخوة الإيمانية .

        وقوله تعالى: { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين - إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون }(الحجرات: 9) فقد أثبت الله الإيمان للطائفتين المتقاتلين رغم كون إحداهما باغية، والبغي - ولا سيما في دماء المؤمنين - من أعظم الكبائر وأشنعها، ومع ذلك سمى الله المتصفين به مؤمنين، ودعاهم إلى الصلح والتوبة .

        ومن الآيات الدالة على عدم تكفير مرتكبي الكبائر، قوله تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }(النساء: 48) حيث قسّم سبحانه الذنوب إلى قسمين: ذنوب لا يغفرها الله - لمن مات مصراً عليها - وهي الشرك، وذنوب أصحابها تحت مشيئة الله، إن شاء غفر لهم، وإن شاء عاقبهم، ولا شك أن السرقة، وشرب الخمر، وقتل النفس المعصومة، ذنوب دون الشرك، ولا يمكن مساواتها به، فأصحابها تحت مشيئة الله إن شاء عذبهم فترة من الزمن، ثم يخرجهم من النار بتوحيدهم على ما دلت عليه أحاديث الشفاعة، وإن شاء عفا عنهم وأدخلهم الجنة برحمته .

        هذه بعض أدلة القرآن الكريم على عدم تكفير مرتكبي الكبائر، أما أدلة السنة فكثيرة جداً، بلغت مبلغ التواتر، فمنها حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجماعة من أصحابه: ( بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه ) فبايعناه على ذلك . متفق عليه . وهو حديث صحيح صريح بيّن فيه النبي - صلى الله عليه وسلم – أن أصحاب الكبائر من السراق والزناة والقتلة إن أقيم عليهم الحد في الدنيا فهو كفارة لهم عن خطاياهم، وإن قدموا على الله بتلك الذنوب فهم تحت مشيئته إن شاء عفا عنهم، وإن شاء عاقبهم، ودخولهم تحت المشيئة دليل على عدم كفرهم، لأن مصير الكفار محسوم، وهو النار وبئس المصير .

        ومن أدلة السنة على عدم تكفير أصحاب الكبائر، حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق، قلت: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق، قلت: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق، على رغم أنف أبي ذر ) متفق عليه . وهو حديث صريح في أن هذه الكبائر لا تبطل التوحيد، ولا تحول دون دخول الموحد الجنة، حتى وإن عوقب عليها .

        ومن الأدلة أيضاً حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً، استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة ) رواه أبو داود و النسائي . فترك الصلاة من أكبر الكبائر عند الله، ومع ذلك فقد نص الحديث على أن التارك لها تحت مشيئة الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له .

        ومنها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ( أتدرون من المفلس ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار ) رواه مسلم . فقد أثبت النبي – صلى الله عليه وسلم - أن الظالم الذي سفك الدماء، وقذف العفيفات، وأكل أموال الناس بالباطل، قد تكون له حسنات يُقْتَصُّ للناس منها، ولو كان كافراً لم تكن له حسنات، لأن الكفر يبطل كل عمل صالح، كما قال تعالى: { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون }(الأنعام: 88) .

        ومن الأحاديث أيضاً حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: قال الله: ( يا بن آدم: إنك لو أتيتني بقراب الأرض – ما يقارب ملأها - خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة ) رواه الترمذي . ولا شك أن من لقي الله بالمعاصي كالزنا والسرقة والقتل لم يلقه مشركاً، فهو داخل تحت هذا الوعد الإلهي بالمغفرة والصفح .

        ومن الأدلة أيضاً على عدم كفر أصحاب الكبائر أحاديث الشفاعة، وهي أحاديث تنص على خروج طوائف من عصاة الأمة من النار بعد أن دخلوها بذنوبهم، كحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال – خطاياهم، فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر – أي جماعات - فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل ) رواه مسلم .
        وحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير ) رواه البخاري ومسلم ، وهي أحاديث صحيحة نص العلماء على تواترها منهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، والحافظ ابن حجر العسقلاني ، و السخاوي ، والقاضي عياض وغيرهم، يقول الإمام البيهقي في "شعب الإيمان" : " وقد ورد عن سيدنا المصطفي - صلى الله عليه وسلم - في إثبات الشفاعة وإخراج قوم من أهل التوحيد من النار، وإدخالهم في الجنة أخبار صحيحة قد صارت من الاستفاضة والشهرة بحيث قاربت الأخبار المتواترة، وكذلك في مغفرة الله تبارك وتعالى جماعة من أهل الكبائر دون الشرك من غير تعذيب فضلا منه ورحمة والله واسع كريم " .
------

أدلة الخوارج في تكفير عصاة الأمة

        وبناء على ما سبق قد يسأل سائل إذا كانت أدلة أهل السنة والجماعة على عدم تكفير أصحاب الكبائر بهذه الكثرة، وبهذا الوضوح، فعلى ماذا اعتمد من خالفهم ؟ وكيف تأتّى لمخالفيهم تكفير عصاة الأمة وفساقها ؟

        والجواب عن هذا أن أول من ابتدع القول بكفر أصحاب الكبائر هم الخوارج، وكان كلامهم ونقدهم – في بدايته - مسلطاً على الحكام، الذين وقعت منهم معاص استحقوا الكفر بسببها – من وجهة نظرهم –، فكفَّر الخوارج الحكام أولاً، ثم عمموا القول بالتكفير على كل أصحاب الكبائر، وبذلك يظهر أن مسلك التكفير لم يكن مسلكا علميا بحتا قاد إليه الكتاب والسنة، وإنما كان مسلكاً قادت إليه الحماسة الزائدة، وظروف الحرب السائدة آنذاك بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما –.

        ثم تطورت الفكرة بعد ذلك، واضطر أصحابها إلى الاستدلال لها من الكتاب والسنة، فزعموا أن القرآن والسنة مليئان بأدلة تكفير العصاة، وذكروا كثيرا من الأمثلة والتي يمكن تقسيمها إلى أقسام:

        القسم الأول: أدلة تخليد العصاة في النار: كقوله تعالى: { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } (البقرة:81 ) فقالوا إن لفظ "سيئة " نكرة في سياق الشرط فتعم كل سيئة، وأصحاب الكبائر مرتكبون للسيئات بلا شك فهم خالدون في النار بحسب استدلالهم .

        ومما استدلوا به قوله تعالى: { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين }(البقرة: 275) حيث نصت الآية على أن العصيان وتجاوز حدود الله موجب للعذاب والخلود في النار، ولا يخلد في النار إلا كافر .

        وذكروا أيضاً بعض الأدلة الخاصة التي تؤيد عموم الآيات السابقة، منها قوله تعالى في أكلة الربا: { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }(البقرة: 275). وقوله في قاتل المؤمن: { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما }(النساء: 93) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في قاتل نفسه: ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ – يطعن - بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه – يشربه - في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا ) رواه مسلم .

        القسم الثاني: أدلة تنفي دخول أصحاب المعاصي الجنة: كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( لا يدخل الجنة قاطع رحم ) رواه مسلم ، وقوله: ( لا يدخل الجنة نمام ) رواه مسلم . وقوله: ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) رواه مسلم ، وقوله: ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) رواه مسلم . وغيرها من الأحاديث التي تنفي دخول العصاة الجنة .

        القسم الثالث: أدلة تصرّح بكفر بعض أصحاب الكبائر: كقوله - عليه الصلاة والسلام – ( أيما عبد أبق – هرب - من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم ) رواه مسلم ، وقوله : ( من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد ) رواه الترمذي ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) رواه الترمذي وقوله: ( لا ترغبوا عن آبائكم فإنه من رغب عن أبيه فقد كفر ) رواه ابن حبان وغيرها من الأحاديث التي فيها التصريح بتكفير من أذنب ذنبا معيناً.

        القسم الرابع: أدلة تنفي الإيمان عمن ارتكب بعض الكبائر، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) متفق عليه، وكقوله : ( لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له ) رواه أحمد ، وكقوله : ( والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن قيل: من يا رسول الله ؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه – شره - ) رواه البخاري .
----

الرد على شبهات الخوارج في تكفير أصحاب الكبائر

        والرد على ما ذكروه من أدلة في القسم الأول من أوجه:
        الوجه الأول: أن جميع الأدلة التي احتجوا بها أدلة عامة، وأدلة أهل السنة أدلة خاصة، والخاص يقدم على العام .
        الوجه الثاني: أن أدلتهم التي استدلوا بها لم يقولوا هم أنفسهم بعمومها، بل أخرجوا من عمومها صغائر الذنوب فلم يُكفِّروا بها، وإذا جاز إخراج صغائر الذنوب من عموم تلك الأدلة وتخصيصها بأدلة أخرى، فلم لا يجوز إخراج أصحاب الكبائر للأدلة الكثيرة والمتواترة التي تصرح بعدم كفر مرتكب الكبيرة .

        الوجه الثالث: أن اعتمادهم على هذه مبني على تصورهم أن الخلود المنصوص عليه فيها يُقصد به الخلود الأبدي الذي لا ينقطع، وهو تصور مردود لأن الخلود يطلق ويراد به الخلود الأبدي السرمدي، ويطلق ويراد به المكث الطويل، تقول العرب في الرجل المسن إِذا بقـي سواد رأْسه ولـحيته علـى الكبر: إِنه لـمخـلِد، ويقال للرجل إِذا لـم تسقط أَسنانه من الهرم: إِنه لـمخـلِد . وإذا كان معنى الخلود يحتمل كل هذه المعاني فمن المتعين حمله في الآيات التي استدلوا بها على الخلود غير الأبدي وذلك للجمع بين الأدلة .

        وقد يعترض على هذا بأنه إذا جاز حمل الخلود الوارد في النصوص السابقة على الخلود غير الأبدي، فكيف يصح حمله إذا اقترن الخلود بالأبد كقوله – صلى الله عليه وسلم – في القاتل نفسه : ( فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا ) والجواب عن هذا من وجهين:
الوجه الأول: أن يضمّن معنى الاستحلال، فيكون المعنى أن من قتل نفسه مستحلا قتلها، فهو كافر، والكافر خالد في النار خلودا أبدياً.

        الثاني: أن المنتحر قد يقع في الكفر إذا يأس من فرج الله، وقنط من رحمته، فاعتقد أن الله غير قادر على تفريج همه، وإذهاب غمه، وبهذا الاعتقاد يستحق الخلود الأبدي في النار على كفره، قال تعالى: { ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }(يوسف:87) أي لا ينقطع رجاؤكم في ربكم، ولا أملكم في رحمته، فإن ذلك شأن الكافرين الذين لا يعتقدون عموم قدرة الله عز وجل وشمولها لكل شيء .

        أما الرد على ما ذكروه من أدلة في القسم الثاني والتي تنص على عدم دخول بعض أصحاب المعاصي الجنة، فليست صريحة في كفرهم، وخروجهم عن الإسلام، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يقل: إنهم لن يدخلوا الجنة مطلقاً، بل يحتمل كلامه أنهم لن يدخلوها مع أوائل الداخلين، بل سيدخلونها متأخرين عن غيرهم ؟ ويحتمل أنهم سيدخلونها بعد عقوبة وعذاب ؟ كل هذه الاحتمالات واردة . والذي يرجح أحدها هو النظر في الأدلة الأخرى، والتي دلت على أنه لن يخلد في النار موحد كما في أحاديث الشفاعة . وعليه يجب حمل هذا القسم من الأدلة على غيرها من الأدلة المصرحة بخروج الموحدين من النار .

        على أن هناك محملاً آخر يمكن حمل كل تلك الأدلة عليه، وهو بتضمين معنى الاستحلال فيها، فيكون معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا يدخل الجنة قاطع رحم، أي: لا يدخل الجنة من استحل قطيعة الرحم، ولا يدخل الجنة من استحل النميمة، ولا يدخل الجنة من استحل أذية جاره، ولا يدخل الجنة من استحل الكبر وهكذا، فيتعلق الحكم بعدم دخول الجنة مطلقا لمن استحل معلوما من الدين بالضرورة لأنه بذلك يكون كافرا لتكذيبه الله في حكمه .
        أما الردُّ على ما ذكروه من أدلة القسم الثالث: وهو التصريح بكفر بعض أصحاب الكبائر، كالعبد الآبق، ومن انتسب لغير والده مع علمه به، ومن أتى حائضاً وغيرهم، فهي كذلك ليست صريحة في الحكم بالكفر المخرج من الملة، إذ من المعلوم أن الكفر في نصوص الشرع كفران: كفر مخرج من الإسلام، وكفر غير مخرج منه، وعليه فليس كل ذنب أطلق الشارع عليه كفراً يكون صاحبه كافراً خارجاً من الدين، بدليل أن الشرع أطلق الكفر على جحود الزوجة حق زوجها، وليس ذلك بكفر مخرج من الإسلام، وأطلق الكفر على جحد النعم وعدم شكرها، كما في قوله تعالى: { لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد }(إبراهيم:7) .
        وعليه فلفظ الكفر لا يعني بالضرورة الكفر المخرج من الملة، وإنما قد يستعمل في غيره، وبالتالي فلا يصح الاستدلال بما ذكروا من أدلة على تكفير أصحاب الكبائر، لجواز حملها على كفر النعمة والكفر الأصغر، وهو ما يقتضيه واجب الجمع بين الأدلة، والمصير إلى هذا التأويل هو من باب تقديم الدليل الأقوى على ما دونه فأدلة عدم تكفير أصحاب الكبائر تمتاز بأنها قطعية ومتواترة وإجماع السلف على وفقها، فكل دليل يخالفها يجب تأويله وحمله على ما يتفق وهذه النصوص .

        أما الرد على ما ذكروه من أدلة في القسم الرابع من أن نصوص الشرع نفت الإيمان عن بعض أصحاب الكبائر فيقال: إن نفي الإيمان لا يقتضي الكفر بإطلاق، وإنما يطلق ويراد به نقصان الإيمان وعدم كماله، والدليل على ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم - وإن نفى الإيمان في قوله: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) فقد أثبته في موضع آخر حين قال: ( ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق ) ومقتضى الجمع بين النصوص أن يقال إن ما نفاه النبي - صلى الله عليه وسلم - غير ما أثبته فالذي نفاه هو كمال الإيمان والذي أثبته هو أصل الإيمان الواجب .
        والتعبير بنفي الشيء وإرادة نفي الكمال أمر معروف في استعمال الناس كما يقال: لا سعادة في هذه الحياة، والمراد نفي كمال السعادة لا مطلق السعادة، وكما يقال لا خير في هذا الولد، والمراد نفي كمال الخير لا مطلق الخير، وعليه فكل حديث ورد فيه نفي الإيمان عمن ارتكب كبيرة فلا يقتضي التكفير بإطلاق، وإنما المراد به نفي كمال الإيمان والتحذير من المعاصي لكونها تنقص إيمان المؤمن .

        وبهذا يظهر بطلان مذهب الخوارج وغيرهم ممن وافقهم في تكفير أصحاب الكبائر، والذي أدى بهم إلى تكفير عموم الأمة واستحلال دمائها وأموالها .

        ولا يخفى ما جرَّ هذا المذهب على الأمة من بلاء وفتن وآثار مدمرة، والعجب بعد ذلك أن يأتي من يدعي أن مذهب أهل السنة كان سببا في انتشار المعاصي في عموم الأمة، فانتشر الزنا والربا وشرب الخمور وغيرها، وهو قول لا ينم عن معرفة بمذهب أهل الحق، وإنما يدل على غرض سيء في التشنيع عليهم دون حجة أو برهان، ولو تأمل هذا القائل مذهب أهل السنة لما قال ما قال، فأهل السنة لم يقولوا: أن مجرد الإيمان يكفي، أو أن الذنوب لا تضر من عملها، كما تقول بذلك المرجئة، ولم يقولوا إن العاصي لا يعذب مطلقاً، وإنما مذهبهم أن العاصي تجب معاقبته في الدنيا زجراً له وليعتبر به غيره، وأنه مستحق للعقوبة في الآخرة، وأن جزءاً كبيراً من العصاة سيدخلون جهنم فترة قد تطول أو تقصر كل حسب ذنبه، ولا شك أن مجرد تصور دخول النار يبث الخوف والرهبة في قلوب المسلمين وله أثره البالغ في التحذير من الذنوب والمعاصي .

        ثم إننا لو نظرنا إلى أثر مذهب تكفير العصاة على الأمة لوجدنا أن كثيراً من الناس لا يكاد يخلو عن كبيرة يقترفها، والعاصي إذا وجد أنه كلما فعل كبيرة خرج من الإسلام، ربما دخل عليه الشيطان من هذا المدخل فوسوس له بالقول: إذا كنت كلما دخلت الإسلام خرجت منه، فلا أنت قادر على الكف على المعاصي، ولا أنت باق على الإسلام، فلم التعب والمشقة، فخير لك أن تبقى على كفرك !!. فبذلك تفسد الأمة وتخرج من دينها ويعم الباطل وينتشر