الأربعاء، 14 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب النذر


باب النذر

معناه: النذر هو التزام قربة غير لازمة في أصل الشرع بلفظ يشعر بذلك، مثل أن يقول المرء: لله علي أن أتصدق بمبلغ كذا، أو إن شفى الله مريضي فعلي صيام ثلاثة أيام ونحو ذلك.
ولا يصح إلا من بالغ عاقل مختار ولو كان كافرا.

.النذر عبادة قديمة:
ذكر الله سبحانه عن أم مريم أنها نذرت ما في بطنها لله فقال: {إذ قالت امرأة عمران ربي إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم}.
وأمر الله مريم به فقال: {فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا}.
النذر في الجاهلية: وذكر الله عن أهل الجاهلية ما كانوا يتقربون به إلى آلهتهم من نذور، طلبا لشفاعتهم عند الله، وليقربوهم إليه زلفى فقال: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون}.

.مشروعيته في الإسلام:
وهو مشروع بالكتاب والسنة، ففي الكتاب يقول الله سبحانه: {وما أنفقتم مننفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه}.
ويقول: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق}.
ويقول: {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا} وفي السنة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه». رواه البخاري ومسلم عن عائشة.
والإسلام وإن كان قد شرعه إلا أنه لا يستحبه، فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل. رواه البخاري ومسلم.

.متى يصح ومتى لا يصح:
يصح النذر وينعقد إذا كان قربة يتقرب بها إلى الله سبحانه ويجب الوفاء به.
ولا يصح إلا نذر أن يعصي الله، ولا ينعقد.
كالنذر على القبور وعلى أهل المعاصي، وكأن ينذر أن يشرب الخمر أو يقتل أو يترك الصلاة أو يؤذي والديه.
فإن نذر ذلك لا يحب الوفاء به بل يحرم عليه أن يفعل شيئا من ذلك ولا كفارة عليه لأن النذر لم ينعقد بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا نذر في معصية» وقيل: تجب الكفارة زجرا له وتغليظا عليه.

.النذر المباح:
سبق أن ذكرنا أنه يصح النذر إذا كان قربة، ولا يصح إذا كان معصية.
وأما النذر مباح مثل أن يقول: لله علي أن أركب هذا القطار أو ألبس هذا الثوب، فقد قال جمهور العلماء: ليس هذا بنذر ولا يلزم به شئ.
روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر وهو يخطب إلى أعرابي قائم في الشمس فقال: ما شأنك؟ قال: نذرت أن لا أزال في الشمس حتى يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخطبة.
فقال الرسول: «ليس هذا بنذر، إنما النذر فيما ابتغي به وجه الله».
وقال أحمد: ينعقد، والناذر يخير بين الوفاء وبين تركه، وتلزمه الكفارة إذا تركه.
ورجح هذا صاحب الروضة الندية فقال: النذر المباح يصدق عليه مسمى النذر، فيدخل تحت العمومات المتضمنة للامر بالوفاء به، ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود: «أن امرأة قالت: يا رسول الله إني نذرت إذا انصرفت من غزوتك سالما أن أضرب على رأسك بالدف، فقال لها: أوفي بنذرك» وضرب الدف إذا لم يكن مباحا فهو إما مكروه أو أشد من المكروه، ولا يكون قربة أبدا.
فإن كان مباحا فهو دليل على وجوب الوفاء بالمباح، وإن كان مكروها فالاذن بالوفاء به يدل على الوفاء بالمباح بالأولى.
النذر المشروط وغير المشروط:
والنذر قد يكون مشروطا، وقد يكون غير مشروط.
فالأول: هو التزام قربة عند حدوث نعمة أو دفع نقمة.
مثل: إن شفى الله مريضي فعلي إطعام ثلاثة مساكين، أو: إن حقق الله أملي في كذا فعلي كذا.
فهذا يلزم الوفاء به عند حصول المطلوب.
والثاني: النذر المطلق، وهو أن يلتزم ابتداء بدون تعليق على شئ، مثل: لله علي أن أصلي ركعتين.
فهذا يلزم الوفاء به، لدخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه».
النذر للاموات: وفي كتب الأحناف: أن النذر الذي يقع للاموات من أكثر العوام وما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء الكرام تقربا إليهم، كأن يقول: يا سيدي فلان، إن رد غائبي أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك من النقد أو الطعام أو الشمع أو الزيت كذا، فهو بالاجماع باطل وحرام لوجوه، منها:
1- أنه نذر لمخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز، لأنه عبادة، وهي لا تكون إلا لله.
2- أن المنذور له ميت، والميت لا يملك.
3- أنه إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى فاعتقاده ذلك كفر والعياذ بالله. اللهم إلا أن يقول: يا ألله، إني نذرت لك إن شفيت مريضي أو رددت غائبي أو قضيت حاجتي أن أطعم الفقراء الذين بباب الولي الفلاني، أو أشتري حصرا لمسجد أو زيتا لوقوده أو دارهم لمن يقوم بشعائره...إلى غير ذلك مما فيه نفع للفقراء والنذر لله عزوجل. وذكر الولي إنما هو محل لصرف النذر لمستحقيه القاطنين برباطه أو مسجده. فيجوز بهذا الاعتبار.
ولا يجوز أن يصرف ذلك لغني ولا لشريف ولا لذي منصب أو ذي نسب أو علم ما لم يكن فقيرا.
ولم يثبت في الشرع جواز الصرف للاغنياء.

.نذر العبادة بمكان معين:
ولو نذر صلاة أو صياما أو قراءة أو اعتكافا في مكان بعينه، فإن كان للمكان المتعين مزية في الشرع كالصلاة في المساجد الثلاثة: لزم الوفاء به، وإلا لم يتعين بالنذر الذي أمر الله بالوفاء به.
وهذا مذهب الشافعية، قالوا: وإذا نذر إنسان التصدق بشئ على أهل بلد معين لزمه ذلك وفاء بالتزامه، ولو نذر صوما في بلد لزمه الصوم لأنه قربة ولم يتعين مكان الصوم في ذلك البلد، فله الصوم في غيره.
ولو نذر صلاة في بلدة لم يتعين لها ويصلي في غيرها لأنها لا تختلف باختلاف الأمكنة إلا المسجد الحرام أي الحرم كله ومسجد المدينة ومسجد الاقصى، إذا نذر الصلاة في أحد هذه المساجد، فيتعين لعظم فضلها، إذا نذر الصلاة في أحد هذه المساجد، فيتعين لعظم فضلها، لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصى».
واستدلوا بدليل نقلي على تعيين مكان التصدق بالنذر.
وهو ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن امرأة أتت النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالت: «يا رسول الله، إني نذرت أن أذبح كذا وكذا، لمكان يذبح فيه أهل الجاهلية قال: لصنم؟ قالت: لا قال: لوثن؟ قالت: لا قال: أوفي بنذرك».
وقال الأحناف: من قال: لله علي أن أصلي ركعتين في موضع كذا أو أتصدق على فقراء بلد كذا يجوز أداؤه في غير ذلك المكان عند أبي حنيفة وصاحبيه، لأن المقصود من النذر هو التقرب إلى الله عزوجل، وليس لذات المكان دخل في القرية.
وإن نذر صلاة ركعتين في المسجد الحرام فأداها في مكان أقل منه شرفا أو فيما لا شرف له أجزأه عندهم، لأن المقصود هو القربة إلى الله تعالى، وذلك يتحقق في أي مكان.

.النذر لشيخ معين:
ومن نذر لشيخ معين فإن كان حيا وقصد الناذر الصدقة عليه لفقره وحاجته أثناء حياته كان ذلك النذر صحيحا، وهذا من باب الاحسان الذي حبب فيه الإسلام.
ولو كان ميتا وقصد الناذر الاستغاثة به وطلب قضاء الحاجات منه، فإن هذا نذر معصية لا يجوز الوفاء به.

.من نذر صوما وعجز عنه:
من نذر صوما مشروعا وعجز عن الوفاء به لكبر سن أو لوجود مرض لا يرجى برؤه...كان له أن يفطر ويكفر كفارة يمين أو يطعم عن كل يوم مسكينا وقيل: يجمع بينهما احتياطا.

.الحلف بالصدقة بالمال:
من حلف بأن يتصدق بماله كله أو قال: مالي في سبيل الله.
فهو من نذر اللجاج وفيه كفارة يمين، وعليه الشافعي، وقال مالك: يخرج ثلث ماله.
وقال أبو حنيفة: ينصرف ذلك إلى كل ما تجب فيه الزكاة من عينه من المال، دون ما لا زكاة فيه من العقار والدواب ونحوها.

.كفارة النذر:
إذا حنث الناذر أو رجع عن نذره لزمته كفارة يمين.
روى عقبة بن عامر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين» رواه ابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح غريب.

.من مات وعليه نذر صيام:
روى ابن ماجه أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي توفيت وعليها نذر صيام، فتوفيت قبل أن تقضيه، فقال: «ليصم عنها الولي».