الأربعاء، 21 مارس 2012

موسوعة العقيدة - علم التوحيد : أهمية علم التوحيد

أهمية علم التوحيد


     علم التوحيد هو علم يفيد معرفة الله على ما يليق به ومعرفة رسوله على ما يليق به، وتنزيه الله عما لا ‏‏يجوز عليه، وتبرئة الأنبياء عما لا يليق بهم، أو يقال: هو العلم الذي يعرف به ما يجوز على الله وما ‏يليق ‏به وما لا يجوز عليه وما يجب له من أن ُيعرف في حقه سبحانه وتعالى. قال الإمام الجنيد ‏البغدادي سيد ‏الطائفة الصوفية: التوحيد إفراد القديم من المُحدث " (1).‏

وقال الشيخ أبو علي الرُّوذباري (2) تلميذ الجنيد:
        " التوحيد استقامة القلب بإثبات مفارقة التعطيل ‏‏وإنكار التشبيه، والتوحيد في كلمة واحدة كل ما صورته الأوهام والأفكار فالله سبحانه بخلافه لقوله ‏‏تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{11}" سورة الشورى "اهـ ‏
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على صحيح البخاري(3):
       "أهل السنة فسروا التوحيد ‏بنفي ‏التشبيه والتعطيل "اهـ

        واعلم أن شرف هذا العلم على غيره من العلوم لكونه متعلقا بأشرف المعلومات التي هي أصول ‏الدين ‏أي معرفة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والعلم بالله تعالى وصفاته أجلّ العلوم وأعلاها ‏وأوجبها ‏وأولاها، ويسمى علم الأصول وعلم التوحيد وعلم العقيدة، وقد خصّ النبي صلى الله عليه ‏وسلم. نفسه ‏بالترقي في هذا العلم فقال: " أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له " (4) فكان هذا العلم

‏‏        أهمّ العلوم تحصيلاً وأحقّها تبجيلاً وتعظيماً قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ‏‏‏{19}: سورة محمد، قدّم الأمر بمعرفة التوحيد على الأمر بالاستغفار لتعلّق التوحيد بعلم ‏الأصول، ‏وتعلق الاستغفار لعلم الفروع.‏

        وروى البخاري في صحيحه (5) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏سُئِلَ: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله".‏

وصح عن جُندُب بن عبد الله أنه قال:
        كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حَزاوِرَة ‏‏(6)، ‏فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرءان ثم تعلمنا القرءان فازددنا به إيمانا، رواه ابن ماجه (7).‏

        فهذا يدل على أهمية علم التوحيد الذي كان لعلماء السلف اهتمام بالغ في تحصيله وتعليمه للناس، ‏‏قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في "الفقه الأبسط لما (8): "الفقه في الدين أفضل من الفقه في ‏‏الأحكام، والفقه معرفة النفس ما لها وما عليها" اهـ.‏

وقال أيضاً (9):
        أصل التوحيد وما يصح الاعتقاد عليه وما يتعلق منها بالاعتقاديات هو الفقه ‏الأكبر" ‏اهـ.‏

        وفي"فتاوى قاضيخان "(10) على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه ما يدلى.

على أهمية الاعتناء بعلم التوحيد وتعليمه للناس، فقد ورد فيه ما نصه: ‏
        ‏" تعليم صفة الخالق مولانا جل جلاله للناس وبيان خصائص مذهب أهل السنة والجماعة من أهم ‏الأمور، ‏وعلى الذين تصدّوا للوعظ أن يلقنوا الناس في مجالسهم على منابرهم ذلك، قال الله تعالى:

        ( ‏وَذَكِّرْ فَإِنَّ ‏الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ {55} ) سورة الذاريات.

        وعلى الذين يؤمّون في المساجد أن ‏يعلّوا جماعتهم ‏شرائط الصلاة وشرائع الإسلام وخصائص مذاهب الحق،وإذا علموا في جماعتهم ‏مبتدعاً أرشدوه وإن كان ‏داعياً إلى بدعته منعوه وإن لم يقدروا رفعوا الأمر إلى الحكام حتى يجلوه عن ‏البلدة إن لم يمتنع، وعلى العالم ‏إذا علم من قاض أو من ءاخر يدعو الناس إلى خلاف السنة أو ظن منه ‏ذلك أن يعلم الناس بأنه لا يجوز ‏اتباعه ولا الأخذ عنه فعسى يخلط في أثناء الحق باطلاً يعتقده العوامّ ‏حقّاً ويعسر إزالته! اهـ.‏

قال الحافظ ابن عساكر (11):
        "أخبرنا الشيخ الإمام أبو نصر عبد الرحيم ابن عبد الكريم بن هوازن ‏‏إجازة قال: سئل أبي الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله فقيل له: أرباب التوحيد هل يتفاوتون فيه؟

‏‏فقال:
        إن فرقت بين مصل ومصل وعلمت أن هذا يصلي قلبه مشحون بالغفلات وذاك يصلي وقلبه ‏‏حاضر ففرق بين عالم وعالم، هذا لو طرأت عليه مشكلة لم يمكنه الخروج منها وهذا يقاوم كل عدو ‏‏للإسلام ويحل كل معضلة تعز في مقام الخصام، وهذا هو الجهاد الأكبر فإن الجهاد في الظاهر مع أقوام ‏‏معينين وهذا جهاد مع جميع أعداء الدين وهو ءايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، وللخراج في ‏البلد ‏قانون معروف إذا أشكل خراج بقعة رجع الناس إلى ذلك القانون، وقانون العلم بالله قلوب ‏العارفين به، ‏فرواة الأخبار خزان الشرع والقراء من الخواص والفقهاء حفظة الشرع وعلماء الأصول ‏هم الذين يعرفون ‏ما يجب ويستحيل و يجوز في حق الصانع وهم الأقلون اليوم.‏

رمى الدهر بالفتيان حتى كأنهم ‏ بأكناف أطراف السماء نجوم‏

وقد كنا نعدهم قليلا ‏ ‏ فقد صاروا أقل من القليل‏

‏ قلت:
        عناية الناس بعلم الأصول إذ ليس فيه وقف ورفق يأكلونه فميلهم إلى ما يقربهم من الدنيا ‏ويوليهم الأوقاف ‏والقضاء والطريق أيضاً مشكل فهو علم عزيز والطريق إلى الأعزة عزيز وقد يرى ‏بعض الجواهر أثبت له درة من ‏العز فلا توجد إلا عند الخواص فهو وإن كان حجراً غير مبتذل فما ‏الظن بجوهر المعرفة.‏

        أخبرنا الشريف أبو القاسم علي بن إبراهيم العلوي وأبو الحسن علي ابن أحمد الغساني قالا: ثنا أبو ‏بكر أحمد ‏بن علي بن ثابت الخطيب قال: أنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه الزهري قال: ثنا ‏الحسن بن الحسين ‏الشافعي الهمذاني قال: أنشدني أبو عبد الله بن مجاهد المتكلم لبعضهم:‏

        أيها المقتدي ليطلب علما كل علم عبد لعلم الكلام تطلب الفقه كي تصحح حكماً ثم اغفلت منزل ‏الأحكام " ‏اهـ

‏         فظهر من ذلك أن صرف الهمّة لتحصيل هذا العلم وتعليمه للناس مقدم على غيره من العلوم، لأن ‏العبادة لا تصح ‏إلا بعد معرفة المعبود كما قال الغزالي رحمه الله تعالى، وذلك لأنه من يشبّه الله تعالى ‏بشئ ما لم تصح عبادته لأنه ‏يعبد شيئاً تخيّله وتوهمه في مخيلته وأوهامه، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ‏آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ‏النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا ‏أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {6} ) ( سورة ‏التحريم)" قال سيدنا علي رضي الله عنه في تفسير هذه ‏الآية. "علّموا أنفسكم وأهليكم الخير" رواه الحاكم في ‏‏"المستدرك "(12)، يعني أن حفظ النفس ‏والأهل من النار التي عظَّم الله أمرها يكون بتعلم الأمور.

        الدينية أي معرفة ما فرض الله فعله أو اجتنابه أي الواجبات والمحرمات وذلك كي لا يقع في عبادة ‏فاسدةٍ، ‏وبتعلم ما يجوز اعتقاده وما لا يجوز وذلك كي لا يقع في التشبيه والتمثيل والكفر والضلال.‏

        فلأهمية هذا الأمر العظيم كان لنا الاعتناء الشديد بهذا العلم، وقد ‏لاقينا من ‏جرَّاء ذلك معارضة من الذين لا ينزلون الأمور بمراتبها لا سيما من مشبهة هذا العصر وهم ‏الوهابية الذين ‏ينشرون عقيدة المجسمة التي أخذوها من ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ويحاربون ‏عقيدة أهل السنة ‏متسترين بستار السلفية والسلف براء منهم، فنحمد الله تعالى أن جعلنا ممن ينصرون ‏عقيدة أهل الحق ‏المؤيَّدة بالكتاب والسنة والأدلة العقلية، وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.‏

--------------------------------------
المصادر
‏(1) الرسالة القشيرية (ص/ 3).‏
‏(2) المصدر السابق (ص/ 5).‏
‏(3) فتح الباري (13/ 344).‏
‏(4) بوّب البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم. " أنا أعلمكم ‏بالله "‏
‏(5) صحيح البخاري:كتاب الإيمان:باب من قال إن الإيمان هو العمل.‏
‏(6) حزاورة: جمع حَزَوَّر وهو الغلام إذا اشتد وقوي.‏
‏(7) سنن ابن ماجه: المقدمة.‏
‏(8) إشارات المرام (ص/ 28- 29).‏
‏(9) المصدر السابق.‏
‏(10) فتاوى قاضيخان (مطبوعة بهامش الفتاوى الهندية): الباب الثاني فيما يكون كفراً من المسلم ‏‏وما لا يكون (2/ 320).‏
‏(11) تبيين كذب المفتري (ص/ 356- 357).‏
‏(12) المستدرك (2/ 494).‏