الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : الأكرم


الأكرم

الأكرم، قال الله تعالى:
﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) ﴾
(سورة العلق)
 الأكرم: من أسماء الله الحُسنى، لكنَّ هذا الاسم زائدٌ على الأسماء التسعة والتسعين المعروفة، قريبٌ من هذا الاسم اسم الكريم، وقريبٌ من هذا الاسم ذو الجلال والإكرام.
 أيها الإخوة... يجب أن نعلم علم اليقين أنه ما من موضوعٍ في الدين يرقى إلى مستوى أن تعرف أسماء الله الحُسنى، لأنَّ الله عزَّ وجلَّ هو القصد.. إلهي أنت مقصودي.. ورضاك مطلوبي، ولأن الإنسان سوف يكون في حضرة الله عزَّ وجلَّ إلى أبد الآبدين، فكلَّما ازدادت معرفته في الدنيا بربِّ العالمين سعد بقربه وكان في عداد أوليائه المقرَّبين، فقد قال الله تعالى:
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) ﴾
(سورة القمر)
 أيها الإخوة... انظروا إلى الإنسان أحياناً كيف أنه يفخر إذا كانت له مكانةٌ عند إنسانٍ قوي، لا يفتأ يتحدَّث عنه وعن علاقته به وعن مكانته عنده وعن حظوته بين يديه، فكيف إذا كانت لك مكانةٌ عند خالق السماوات والأرض، الله جلَّ جلاله يقول:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً (96)﴾
(سورة مريم)
 أنت في الدنيا تتعرف إلى الناس بعينيك، ترى قامته، ولون جلده لون عينيه، شعره، أناقته، ثيابه، تحدِّثه ويحدِّثُك، تكلِّمه ويكلِّمُك، تعامله ويعاملك، تسافر معه، تجاوره تعرفه جيداً، كيف السبيل إلى معرفة الله من أجل أن تحبه، من أجل أن تخاف منه، من أجل أن تعظمه، من أجل أن تخضع له، من أجل أن تجعله نهاية المطاف، وأن تجعله هدفك الأول والأخير، من أجل أن تعرف أنه هو الأول والآخر والظاهر والباطن وأنَّه بكلِّ شيء عليم، من أجل أن تعرف الله، من أجل أن تسعد بقربه، من أجل أن تُفني شبابك في طاعته، من أجل أن تُمضي حياتك في خدمة خلقه يجب أن تعرفه، لذلك ما من عملٍ، ما من جهد، ما من نشاطٍ فكريٍ يعلو على عمل يؤدي بك إلى أن تعرف الله.
 الحقيقة وهذه أقولها كثيراً.. المعرفة المختصرة لا تقوى على حملك على طاعته، فلابُدَّ من أن تتبحر في المعرفة من أجل أن تعرف من هو الله.. الله عزَّ وجلَّ يقول:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12)﴾
(سورة الطلاق)
﴿وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)﴾
(سورة النحل)
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ(54)﴾
(سورة الروم)
 ماذا يريد الله من هذه الآيات ؟ أي: يا عبادي اعرفوني، بيدي الشمس والقمر، بيدي الليل والنهار، بيدي خلقكم وبعثكم، حياتكم وموتكم ورزقكم، بيدي المطر، بيدي المرض، بيدي كلّ شيء فلا تلتفت إلى سواي.
 فلذلك عندما يعرف الإنسان الله عزَّ وجلَّ وهو يدري من هو ويقدر لله قدره، وهو يعلم علم اليقين أنه رب وخالقه، تجده قد التزم منهجه بشكلٍ صحيح، أقبل عليه، ابتغى مرضاته، سعى إلى طاعته.
 إذاً: هذه المقدمة لا شيء يعلو على أن تعرف الله، إنك إن عرفته أطعته، وإن أطعته أقبلت عليه، وإن أقبلت عليه سعدت بقربه، وإن سعدت بقربه تاقت نفسك إلى الجنة.
 سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول: تاقت نفسي إلى الإمارة فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الخلافة، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الجنة، معنى ذلك أنه أراد الإمارة والخلافة لتكونا مطيَّتين إلى الجنة.. فلما بلغتهما تاقت نفسي إلى الجنة.
 إخواننا الكرام.. في مقتبل العمر الأمور متشابهة عند جميع الناس إلى حد بعيد..فالشاب في أول حياته الخط البياني في حياته صاعد، أما عندما يبدأ الخط البياني الصاعد يسير مستقيماً ثم يبدأ ينحدر، فإن الخط البياني عندئذ يؤذن ببدء النهاية، نهاية المطاف وهي صعبة جداً، إلا لمن أمضى حياته في طاعة الله، المغادرة لا تحتمل إلا لمن قدم بين يديه أعمالاً صالحة كبيرة.
 الاسم اليوم الأكرم، والأكرم اسم تفضيل.. قال الله تعالى:
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ﴾
 من الكرم، والكرم ضدُّ اللؤم.
 بالمناسبة الأخلاق لها مفردات مثلاً مثل الشجاعة، أو الصبر، أو الحلم، وتحمل بعض الصفات الإنسانية معاني جامعة، مثلاً المروءة.. صاحب المروءة كريم، صاحب المروءة عفيف، صاحب المروءة شجاع، صاحب المروءة يلبِّي حاجة الضعيف، صاحب المروءة صاحب نجدة، صاحب المروءة صاحب إغاثة للهفان، كلمة مروءة، كلمة تشمل عشرات الصفات.. أما اللؤم والعياذ بالله، بخل على جبن على كِبْر على أَثَرَةٍ على قسوة على دناءة.
 فكما قال سيدنا عليً بن أبي طالب: والله والله مرتين لحفر بئرين بإبرتين.. هل يمكن حفر بئر بإبرة ؟!! حفر بئرين بإبرتين، وكنس أرض الحجاز في يومٍ عاصفٍ بريشتين، ونقل بحرين زاخرٍين بمنخلين، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين.. قال: أهون عليَّ من طلب حاجةٍ من لئيمٍ لوفاء دين.
 هل تعلمون أيها الإخوة ما هو الذل ؟ الذل أن يقف الكريم باب اللئيم ثم يرده، أنت كريم احتجت إلى لئيم.. الآن هناك إخوان كرام لا يسمح أحدهم لنفسه أن يقف موقف ضعف أمام لئيم ولو ضاعت منه الدنيا بأكملها.
 فإذا كنت واقفاً على إشارة المرور الحمراء انتظر دقيقتين حتى تلوح الخضراء خير من أن تقف موقفاً أمام إنسانٍ سيحاسبك بقسوة، الإنسان المؤمن كريم، لا ينبغي للمؤمن أن يُذل نفسه ولا ينبغي له.. أطلبوا الحوائج بعزِّة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير.. من جلس إلى غنيٍ فتضعضع له ذهب ثلثا دينه.
 إليكم هذه القصة التي من المناسب أن أذكرها لكم.. إنسان جاء إلى النبيَّ عليه الصلاة و السلام يطلب منه مساعدة، سبحان الله: النبي الكريم أراد أن يعلِّمه درساً ويعلِّم الناس درساً، قال له: أعندك شيءٌ في البيت ؟ قال له: والله ما عندي إلا قعبٌ أشرب به وحلسٌ أجلس عليه - القعب: (إناء)، والحِلس (بساط) - قال إئتني بهما - فلم يبقَ في بيته شيء - قال الرجل: فأتيته بهما، فقال عليه الصلاة والسلام: من يشتري هذين منكم ؟ قال أحد الصحابة: أنا أشتريهما بدرهم، قال عليه الصلاة والسلام: من يزد على درهم ؟ من هنا شُرِعَت المزايدة، فقال صحابي آخر: أنا أشتريهما بدرهمين، قال: هات الثمن، باعه الحلس والقعب وأخذ الدرهمين، قال عليه الصلاة والسلام للرجل السائل: اذهب إلى أهلك فاشترِ لهم بدرهمٍ طعاماً فامدده إليهم، وائتني بالدرهم الآخر بقدُّوم - هذه خطة النبيّ: فاشترِ بدرهمٍ طعاماً فامدده إلى أهلك، وائتني بالدرهم الآخر بقدّوم -، جاءه بقدوم شدَّ عليه النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم عصاً بيده الشريفة، وقال: اذهب واحتطب ولا أَرَيَنَّك لخمسة عشر يوماً.
 العلماء فسروا هذا الموقف.. أن الإنسان إذا أهله جياع لا ينتج، أما حينما يؤمِّن الطعام لأهله ينتج.
 النبي عليه الصلاة والسلام قال له: اشترِ بدرهمٍ طعاماً فامدده لأهلك وائتني واشترِ بهذا الدرهم قدُّوماً واذهب واحتطب.. عاد بعد سبعة أيام وقد جمع عشرة دراهم، قال: هذا خيرٌ لك من أن تسأل الناس. علمه درساً في التعفف عن المسألة كما عليه أن يقرع أبواب الرزق التي شرعها الله لعباده.
 فالإنسان إذا فتح على نفسه باب مسألةٍ، فتح الله عليه باب فقرٍ. لأن الذي أعطى غيرك سوف يعطيك.. أنا الذي يلفت نظري أن شاباً مؤمناً تكون الطرق كلها أمامه مغلقة، فيطرق باب الله تعالى قائلاً: ياربّ الأمر بيدك وقد تعلق قلبه ورجاؤه بالله فهل يرده الله خائباً ؟
 قال لي أخ كريم: صليت قيام الليل ودعوت الله من أعماقي أن يرزقني كي أتزوج، وذكر لي: أنه يملك محلاً في أطراف المدينة لتصليح مكيَّفات، ولكنه لا يجد زبوناً واحداً مردوداً ولا تجد شيء على الإطلاق،من أسباب الرزق قال: وأنا على أحر من الجمر أريد الزواج، وخطبت فتاة صالحة وممتازة، لكن تنتظر مني أن أقدِّم لها شيئاً، وأن أخطبها بشكل رسمي وأن أعقد العقد ولكن لا أملك شيئاً، فلم يجد إلا الله ملجأً وملاذاً، قال لي: والله صليت ركعتين في جوف الليل، وسألت الله في السجود أن يرزقني رزقاً حلالاً طيباً كي أتزوج، ولم يلبث وهو يقص القصة أن بكى، وقال: والله خلال مدة عشرين يوماً حَصلت على سبعين ألف ليرة من المحل نفسه وقال لي: وصار عنده تصليح وتركيب وبيع كثير، وقد مضى على المحل مفتوحاً سنتان، كانت أموري خلالها بائسة، ثم بالدعاء والابتهال فتح الله ما كان مغلقاً، والأمر بيد الله عزَّ وجلَّ.
 إن الحديث الذي أقوله لكم دائماً وهو من أدقِّ الأحاديث:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ الْوُضُوءِ وَلأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِ اللَّيْلِ فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جَلَّ وَعَزَّ فَقَالَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ ))
(مسند الإمام أحمد)
 الأيامٍ طويلة ربنا عزَّ وجلَّ لحكمةٍ بالغة يُقَطِّعُ آمالك من الخلق فإذا يئست منهم فتح لك بابه، فأنت كن ذكياً ألمعياً واتجه إليه مباشرةً ولا تطرق باب الخلق أصلاً.
 إذاً: الكرم ضدُّ اللؤم.. والكرم في أدق تعاريفه فِعلُ ما ينبغي لا لغرض.
 أكثر الأجانب أذكياء جداً قد ينتزعون إعجابك بدقَّة مواعيدهم بإتقان صنعتهم، لكن غرضهم الربح، غرضهم التنمية بالتعبير الاقتصادي الحديث، غرضهم رفع مستوى الأرباح، لذلك يعتنون جداً بصناعتهم وبتجارتهم وبمواعيدهم وباتقان صنعتهم. هم يفعلون ما ينبغي ولكن يفعلونه لغرض.. أما الكرم فهو أن تفعل ما ينبغي لا لغرض قال الله تعالى:
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً (9) ﴾
(سورة الإنسان)
 فمن وهب المال لجلب النفع، أو لدفع الضُرِّ، أو للخلاص من ذمٍ فليس بكريم، وبعد، إذا عمل الإنسان عملاً بطولياً، يقول لك لأغراض انتخابية انتهى العمل، هذا ليس بطولياً.. والآن وفي العالم كله إذا عمل إنسان عملاً بطولياً فهو بمقياس الإنسانية عمل إنساني، ما الذي يفرغه من مضمونه؟ أنه لأسبابٍ انتخابية فقط، سقط العمل، هذا معنى إحباط العمل.. أما المؤمن يفعل الأعمال الصالحة ابتغاء مرضاة الله لا لمديحٍ ولا لثناءٍ ولا لمكافأةٍ ولا لذكرٍ يجري بين الناس.
 قالوا: من وهب المال لجلب نفعٍ أو دفع ضرٍ أو خلاصٍ من ذمٍ فليس بكريم.. والجمع كُرَماء.. وأكرمه إكراماً أي عظَّمه ونزَّهه والكريم هو الصفوح عند الذنب، والكرم إذا وصف به إنسان فهو اسمٌ لأخلاقٍ عديدة وأفعالٍ محمودة تظهر منه، اسم جامع كالمروءة، كاللؤم، اللؤم اسم جامع لمفردات من الأخلاق الخسيسة، والكرم اسم جامع لعدد كبير من الأخلاق الفاضلة.
 قالوا: الكرم يقترب من الحرية، الحرية صفة مديح، فلان حرّ، الإنسان إذا خضع لنزواته ليس حراً فهو عبد، كما قال عليه الصلاة والسلام: تعِس عبد الدرهم، - أي عبد المال-.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ..))
 فالإنسان أحياناً يخضع لنزواته، إذاً هذا ليس حراً بل هو عبدٌ، الإنسان يخضع إلى عصبيته الضيِّقة، فابنه مثلاً على حق ولو كان أسوأ الناس، ورفيق ابنه على باطل ولو كان أحسن الناس، وهذا الشيء يظهر عند النساء تثني على ابنتها وتمدح ابنتها، وابنتها ليس أرقّ ولا أحسن منها بين بنات الناس منها، وابنتها فهيمه، وابنتها طبَّاخة، وابنتها مثقَّفة، وابنتها وابنتها.. وحينما تتزوج هذه البنت يبدو منها مالا تحمد عقباه، فهذه المرأة ليست حرة لأنها تزوِّر الحقائق بدافع من عصبيةٍ ضيقة.
 من هو الحرّ ؟ الذي ينطق بالحقيقة ولو أنها مرة. من هو الحرّ؟ الذي ينصف الناس من نفسه، فكلمة حر أي لا يخضع لهوى، لا يخضع لنزوة، لا يخضع لضغط، لا يخضع لفقر، لا يخضع لطمع، الطمع أذلَّ رقاب الرجال، كاد الفقر أن يكون كفراً، الإنسان يحبُّ عشيرته، وأبناء ملَّته، وأبناء جلدته يحبهم إلى درجة الكذب والنفاق، ويكره أعداءه إلى درجة الظلم يجحف بحقِّهم، من هو الحرّ ؟ الذي ينطق بالحق ولو كان مراً.
 إلاّ أن العلماء قالوا: " الحرية تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة، والكرم لا يقال إلا في المحاسن الكبيرة، كمن ينفق مالاً في تجهيز جيشٍ في سبيل الله ".. اللهم صلِّ على محمد وآله، حينما جهَّز عثمان بن عفَّان رضي الله عنه الصحابي الجليل جيش العسرة بأكمله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يقدِّر المعروف.
 جاء رجل اسمه تميم الداري كان في الشام واشترى سرُجاً، وحبالاً، وزيتاً، وجاء مع غلمانه وعلَّق القناديل في المسجد ربطها بحبال ثم حينما دخل وقت العشاء أسرجها، فدخل النبيّ عليه الصلاة والسلام وسُرَّ بهذا سروراً بالغاً قال من فعل هذا ؟ قالوا: تميم الداري، فقال عليه الصلاة والسلام: يا تميم نوَّر الله قلبك كما نوَّرت هذا المسجد لو أنَّ لي بنتاً لزوَّجتك. من شدةٍ تقديره لهذا العمل.
 أحياناً يقدم إنسان خدمات إلى المسجد مثلاً، يقدم خدمات لدعوة، يقوم بعمل طيب، يسهم في خدمة الآخرين، فالله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وأنا لا أنسى أبداً الآية الكريمة التي تذكر أن امرأة عمران قالت: ربِّ إني وهبت إليك ما في بطنك محرراً.. في قوله تعالى:
﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)﴾
(سورة آل عمران)
 هل يوجد بيننا نحن الحاضرين شخصٌ وأنا معكم ليس له ميزة ؟ مستحيل، هذا يتقن الرياضيَّات، مثلاً هذه المرأة تتقن الطبخ.. وهكذا أصيبت امرأة بمرضٍ خبيث في دماغها وشفاها الله عزَّ وجلَّ فنذرت لله عزَّ وجلَّ أن تعمل صالحاً، فقيرة لا تملك من حطام الدنيا شيئاً، ماذا تملك ؟ إستأجرت غرفة وصارت تطبخ الطعام الشهي النفيس وتبيعه للأسرّ الغنية التي تحب أن تأكل طعاماً بيتياً، وبالربح صارت تعالج المرضى، هذا مثل.. امرأة لا تملك إلا فنَّ الطبخ وظفت هذه القدرة في العمل الصالح وبدأت تدفع نفقات عمليات وخدمات للفقراء المرضى، هذه تقرَّبت إلى الله بطبخها.
 هل يوجد إنسان ليس له ميزة ؟؟. امرأة عمران ماذا تملك ؟ تملك ما في بطنها قالت: ربِّ إني نذرت لك ما في بطني محرراً.
 عندنا أخ محامٍ، وأخ طبيب، وأخ مهندس، وأخ مدرس، وإنسان حالته المادية جيدة، وإنسان عنده قدرة على الإقناع، وإنسان عنده خبرات معيَّنة، فتجد الحياة تحتاج إلى تعاون، قدَّم شيئاً ما لله عزَّ وجلَّ ولا تعجز
 قال له: يا بشر: لا صدقة ولا صيام ولا جهاد فبمَ تلقى الله إذاً؟.
 والله أنا أحياناً أكون ممتن جداً ومسروراً من بعض الإخوان يقول لي أحدهم: أنا محامٍ إذا اتصل بك أخ فقير له قضية فابعثه إليّ، الله يجزيك الخير.. ويقول لي آخر: أنا محلل في مخبر إذا علمت بأخ فقير يريد أن يحلل فأنا جاهز.. أنا طبيب لو أرسلت لي أخاً فقيراً أعالجه مجاناً.. ذات مرةٍ أخ من إخواننا الكرام جرَّاح، قال لي: أنا مستعد أن أستقبل أيَّ أخٍ يريد إجراء عملية، بعثنا له أول أخ عمل له عملية، بالمشفى وفي الدرجة الثانية ونجحت العملية، بعثنا له أخاً ثانياً وأخاً ثالثاً.. هذا أدى زكاة اختصاصه، يجب أن نتوَسَّع في مفهوم الزكاة، فهناك زكاة مال، وهناك زكاة وقت، و زكاة خبرة الخ.
 لنا قريب عنده محل للحلويات في المرجة، وهذه القصة من ثلاثين سنة دخل لمحله شخص أرمني، قال له: هل تعلِّمني الكاتو ؟ قال له: على عيني تفضل.. عمل أمامه طبخة - خلطة - وأدخلها إلى الفرن وقال له: اكتب الكميَّات والمعايير، ثم كلفه أن يعمل واحدة أمام صاحب المحل، فعمل واحدة أمامه، ثم أقسم: والله يا أستاذ منذ ثلاثين سنة كل سنة يزورني ويحضر لي هدية من القامشلي ويقول: كل هذا الخير من فضلك.. لم يَضيعْ معه المعروف.. هذا ماذا فعل ؟ أدى زكاة خبرته، ومن الممكن أن تؤدي زكاة مالك، زكاة وقتك بدرس علم، زكاة خبرتك علِّم، بعث لك ابنه بدون أجر ليعلم الصنعة فلا يعلِّمه، لكن يشغله فقط، عندما يريد أن يفك المحرك يقول له: اذهب خارج المكان، يا أحمق.. علِّمه، والله هو الرزَّاق، أدِّ زكاة خبرتك، أدِّ زكاة مالك، أدِّ زكاة وقتك، أدِّ زكاة صحتك عاون المرضى، أدِّ زكاة وقتِ فراغِك، عاون الضعفاء.
 إذاً مَنْ الحرّ ؟ قد يقال فلان حر إن صدرت عنه محاسن صغيرة وكبيرة، أما لا يقال له كريم إلا إن صدرت عنه المحاسن الكبيرة، كمن ينفق ماله في تجهيز جيشٍ بأكمله، كمن يتحمَّل ديّات القتلى ويحقن دماء المسلمين هذا عمل جليل.
 أما النقطة الدقيقة أيها الإخوة... ليس المهم أن تقرأ الآية وتجري على اللسان كثيراً لكن المطلوب منك دقق في معانيها.. قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾
(سورة الحجرات)
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
 أعلاكم مكانةً عند الله أشرفكم أقربكم إلى الله أتقاكم.. المعاني مفهومة واضحة، فهل عملت بها ؟
 الله عزَّ وجلَّ قال لك إن المقياس عندي التقوى أي الطاعة، قال الله تعالى:
﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) ﴾
(سورة الأحزاب)
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾
 أتحب أن تكون عند الله أكرم الناس ؟ أطعه.. الشيء بين يديك مبذول، آلاف الناس لن تستطيع أن تصل إليهم، ولن تستطيع أن تخطب ودَّا أحدهم، ولن تستطيع أن تقابله، لكنَّ الله جلَّ جلاله خالق الكون يقول لك:
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
 فأيَّ إنسان يطيع الله عزَّ وجلَّ الله يقربه ويرفع له مكانته، أما إذا وصف الله عزَّ وجلَّ بالكرم، فإنما هو اسمٌ لإحسانه وإنعامه المتلاحق..
 جاء اسم الأكرم في قوله تعالى في سورة العلق:
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) ﴾
 أي هو أكرم الأكرمين، هو المعطي، هو المسعد، هو المحسن، والناس والعياذ بالله لا يرون إحسان الله.
 أحياناً تدفع عن إنسان أجرة الركوب في السيارة خمس ليرات تكرمة له، فتجده طوال الطريق يتشكَّرك بتعبيرات وهو ممنون منك كأن يقول لك: غلَّبت نفسك، وجزاك الله الخير، قد خجَّلتني ويعيدها لك عدَّة مرَّات من أجل خمس ليرات دفعتها عنه.
 فالذي منحك نعمة الوجود بعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً، نعمة الإيجاد، نعمة الإمداد، نعمة الهدى والرشاد، خلق لك من جنسك امرأة هديّةٌ لك بها آية سكن ومودة ورحمة، آواك في بيت، أطعمك ألوان الطعام، خلق لك أنواع الفواكه، رزقك ابناً يملأ عليك البيت فرحاً وسروراً، أعطاك أجهزة دقيقة فقد قال تعالى:
﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) ﴾
(سورة البلد)
 فهذا الذي خلق كل هذه النعم ألا يستحقُّ أن تشكره، أن تذكره.. إنَّك إن ذكرتني شكرتني.
 وفي سورة الرحمن أيضاً آية ثانية:
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) ﴾
(سورة الرحمن)
 العلماء قالوا: لا ينبغي أن تقول:
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾
 وتقف بل ينبغي أن تتابع الآية فتقول:
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ﴾
 أي أنَّ الله عزَّ وجلَّ هو المكَرِّم هو الكريم، هو المعطي، منحك كل النعم، أما هذا الإنسان الجاهل الغافل فهو مسكين إذ يعزو هذه النعم إلى غير الله، فيعزوها تارةً إلى ذكائه..
﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) ﴾
(سورة القصص)
﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) ﴾
(سورة الزخرف)
 وما إلى ذلك كأن يعزوها إلى مهارته في العمل أو حسن حظه.
 والإنسان ينبغي أن يعلم حقيقة الأُلوهية.. فالكون كله عطاءً من عطاءاته.. فأنا أذكر ذلك كثيراً.. فهل من الممكن أن تصدِّق أنَّ هناك مليون مليون مجرَّة، وفي كل مجرَّة فيها مليون مليون نجم، أي لو كتبنا رقم واحد وأمامه أربعة وعشرون صفراً فما هذا الرقم !!! إنه رقم خيالي وكل هذه الكواكب والنجوم مسخَّرةٌ للإنسان، الله عزَّ وجلَّ قال:
﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) ﴾
(سورة لقمان)
 فإذا قرأ أحدكم قوله تعالى:
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) ﴾
 ألا يشعر برعشة، بخفقان، بجلد يقشعر، بقلب يخفق.
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) ﴾
 إخواننا الكرام... الدين أساسه الحب، إذا أُلغي الحب من الدين صار الدين ثقافة، وطقوس، وفلكلور، وعادات، وتقاليد، ومعلومات، مشاعر، وكتب وهكذا، أما إذا كان في الدين حُبٌّ فإنه يفعل كل مستحيل.
 النبي عليه الصلاة والسلام من أدعيته الشريفة:
(( يا حيّ يا قيّوم، يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كلَّه ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفةً عين، ولا أقلَّ من ذلك))
 وكان عليه الصلاة والسلام يُكثر من قراءة هذه الآية:
﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ﴾
 أيُّها الإخوة... من إجلال الله عزَّ وجلَّ، من إجلالك لكرمه قال: المؤمن يُجلُّ الله فلا يعصيه، ويطيعه فلا يخالفه لأنَّه ذو الجلال والإكرام وذو العظمة والكبرياء، فلا أريد أن أُطيل عليكم.. الكافر يقف عند النعمة، ويعمى عن المنعم، والمؤمن يتجاوزها إلى المنعم.
 النبي عليه الصلاة والسلام كانت تَعْظُم عنده النعمة مهما دقَّت، والمؤمن يتقلَّب في نعم الله، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((أحبُّوا الله لما يغزوكم به من نعمه، وأحبُّوني بحبِّ الله، وأحبّوا آل بيتي لحبي.))
 وأخرج البيهقي عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( إن داود عليه السلام قال فيما يخاطب ربه عز وجل: يا رب، أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك؟ قال: يا داود أحب عبادي إلى نقي القلب، نقي الكفين، لا يأتي إلى أحد سوءً، ولا يمشي بالنميمة، تزول الجبال ولا يزول، أحبني وأحب من يحبني، وحببني إلى عبادي، قال: يا رب إنك لتعلم أني أحبك وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى عبادك؟! قال: ذكرهم بآلائي وبلائي ونعمائي، يا داود إنه ليس من عبد يعين مظلوما، أو يمشي معه في مظلمته، إلا أثبت قدميه يوم تزل الأقدام))
 ذكِّرْهم بآلائي كي يُعظِّموني، وذكِّرهم بنعمائي كي يحبُّوني، وذكِّرهم ببلائي كي يخافوني.
 فالملخَّص: أنَّه لا بدَّ من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيمٌ لله، وخوفٌ منه، وحبٌّ له، تعظيم بالآلاء.. وخوف بالمصائب.. محبَّة بالنعم.
 كأس من الماء تشربه وطريق الخروج سالك نعمة كبرى، فلو كان غير سالك فآلام حصر البول لا تُحتمل، فيلزمه الذهاب للإسعاف في الساعة الثالثة ليلاً لفتح مجرى البول، أكلت طعاماً.. والطريق سالك نعمة أخرى كبرى، أيضاً لو كان هناك انسداد.. قال تعالى:
﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) ﴾
(سورة محمد)
﴿ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾
 فالأمعاء ليس بها إحساسٌ لا بالحر ولا بالبرد، فلو وضعت فيها ماءً يغلي، أما آلام الضغط داخلها لا يُحتمل، إذا أكلت طعاماً وكان الطريق سالك، مشيت متوازناً. فلو اختلَّ جهاز التوازن لاحتجت إلى عصا لتمشي مستعيناً بها، فأنت تمشي متوازناً، والأجهزة تعمل بانتظام، والحواس الخمس سليمة.. فهذه من نعم الله العظمى.
 إخواننا الكرام مرة ثانية... الآلاء للتعظيم، والنعم للحب، والمصائب للخوف.. بالخوف تتقي أن تعصيه، وبالحب تقبل عليه، وبالتعظيم تتابع الرُقِيَّ إليه.. وهذا من بعض الخواطر الإيمانيّة المتعلِّقة باسم الله الأكرم.
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)﴾
 في النهاية أنت إنسان أَودع الله فيك قوةً إدراكيَّة فإن لم تتعرَّف عليه عطَّلتها، وإذا عطَّلت القوة الإدراكيَّة هبطت إلى مستوىً لا يليق بك.