المسخر
وهو اسم كما تعلمون ليس من الأسماء التِّسْعة والتِّسْعين التي وردت في الحديث الشريف لكنَّه زائِدٌ على هذه الأسْماء.
التسْخير هو سِياقَةٌ إلى الغرضِ المُخْتَصِّ قهْراً والمُسَخِّر هو المُقّيِّد للفِعْل هذا في التعريف اللغوي والتسْخير هو التذليل وكل ما ذل وانْقاد وتَهَيَّأ هو مُسَخَّرٌ وسَخَّرَه أيْ ذلَّلَهُ وكلَّفَه وكل مقْهورٍ مُدَبَّرٍ لا يمْلِك نفْسَه يُعَدّ مُسَخَّراً وقبل أن نُتابِع الحديث عن موضوع التسْخير لابد من حقائق أضَعُها بين أيْديكم تُلْقي ضوْءاً على سِرّ التسْخير.
أوَّلاً جعل الله الإنْسان المخلوق الأوّل قال تعالى:
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)﴾
(سورة الأحزاب)
فالإنْسان قَبِل حملَ الأمانة والإنْسان كرَّمه الله لأنه قَبِل حمْل الأمانة قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)﴾
(سورة الإسراء)
لأنَّهُ قبِل حمْل الأمانة كرَّمَهُ الله أعْظم تكْريم وقد كلَّفَهُ أنْ يَعْبُدَهُ قال تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾
(سورة الذاريات)
فأوَّلُ مُقَوِّمات العِبادة أنَّه سَخَّر له الكوْن فالمُسَخِّرُ هو الله والمُسَخَّر هو الكوْن، والمُسَخَّر له هو الإنْسان والشيء البديهي أنّ المسَخَّر له أكْرم من المسَخَّر فالكوْنُ مُسَخَّر أما الإنْسان مُسَخَّر له فالإنسان مُسَخَّرٌ له الكوْن والدليل قوله تعالى:
﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)﴾
(سورة الجاثية)
فالله عز وجل ذلَّلَ ؛ فالجَمَلُ مُسَخَّرٌ لنا وَوَزْنُهُ خمسة أطنان والفيل والحوت الأزرق والبقرة وحيواناتٌٍ أخْرى ضَخْمَة لو أنَّها مُتَوَحِّشَةٌ هل نسْتَطيع أن نتعامل معها ؟ ومن المعروف أن مرضاً أصاب بعض البقَر في السنوات الأخيرة في بعض البلاد، وهو عبارة عن اِعْتِلالٍ دِماغي اسْفَنْجي وبنتيجته صار سلوك البقرة عُدْوانياً إذْ أصبح عندها اِهْتِياج عضلي فهذه البقرة حينما جَنَّت من المُسْتحيل أن تنْتَفِع بِها، أحد إخْواننا حدَّثني عن بقرةٍ جُنَّت في غوطة دِمشْق قَتَلتْ رجلين وعطبَت الثالث فاضْطَرّ صاحبها أن يقْتُلها بالرصاص، فلما يقول ربنا عز وجل:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
ولمّا يقول سبحانه:
﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)﴾
(سورة يس)
فإنام يشير إلى نعمة كبرى أنعم بها على الإنسان، فَنِعْمَةُ التسْخير نِعْمَة كبيرة جداً، فمثلاً عقْربٌ صغير من شِدَّة خوْفِك منه تكاد تخرج من جِلْدِك وهذه الأفْعى تَرْتَعِد ساعاتٍ طويلة من رؤْيَتِها أما الجمل فإنك لا تخاف منه وكذلك البقرة فالتسْخير نِعمَة وهذه الحيوانات سخَّرَها الله لنا نأْلَفُها وتأْلَفُنا أما الحيوانات غير المُسَخَّرة فإنها تُعَرِّفنا بِقيمة التَّسْخير.
لو أنّ الله سبحانه وتعالى ركَّبَ في الغَنَمِ أخلاق الضّبْع فهل نسْتَطيع أنْ نذْبَحها وأن نأْكل من لحْمِها وأن نُسَخِّرَها لنا ؟ إذاً فالله عز وجل تكْريماً لِهذا الإنْسان الذي قبِل حمْل الأمانة سخَّرَ له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه والله عز وجل سخّر الحديد كيف سخَّرَهُ لنا ؟ جعَلَهُ فِلذات لو جعله حديداً صِرْفاً من سابِع المُسْتَحيلات أنْ نسْتَفيد منه جعله مع التراب تُعَبِّئُ التراب وتنْقُلُه إلى الفرْن العالي وهذا الفُرْن يصْهر الحديد وينقيه من الشوائب فالحديد مُسَخَّر والبحر مُسَخَّر فكيف سخَّرَهُ الله لنا ؟ إنّ في هذا الماء قوّةً تدْفع نحوَ الأعلى ولولا هذه القوة لما أمْكننا أن نركب البحر قال الله عز وجل:
﴿وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25)﴾
(سورة الرحمن)
فهذه السُّفن كالأعلام فَلَوْلا قوة الدفع إلى الأعلى لما كان البحر مُسَخَّراً لنا ومن جعله مالِحاً ؟ مُلوحَتُهُ تسْخيرُ لنا والسمك كذلك كيف تصْطاد السمك ؟ توضَعُ الشبكة على شكْل جِدار والسمك لا يرْجِع إلى الوراء فإذا جذب الصياد الشبكة التي كانت باتجاهه، جَمَّعَ كلَ هذا السمك وكان صيد ه وفيراً، ولو أنّ السمكة ترْجِع القهْقَرى لما أمْكَنَك أن تصْطادَها فكيف سُخِّرت لك ؟ سخرت بِهذه الواسِطة إذ ليس في استطاعتها الرجوع، ولو تدَبَّرْت كل شيءٍ سَخَّره الله لك لوجدت أمراً عجباً وتكريماً خصّك الله به...
أحْياناً تجد كلَّ الأشياءِ أحْجامها مُعْتَدِلة الثِّمار دانِيَة فلو أنّ هناك أشْجاراً عِمْلاقة لما أمْكِنك أن تَجْنِيَ ثِمارها ولو كانت هذه الفواكِه تحوي كل المواد المُغَذِّية ولكن طَعمها مُرٌّ لكانت بِهذه الحال غير مُسَخَّرة ؛ طَعْمُها طيِّب وشكْلها جميل ورائِحَتُها عَطِرة ومذاقُها حُلْوُ وفيها معادن وفيتامينات وسُكَّرِيات وغيرها من الفوائد، فَمَوْضوعُ التسْخير أمر جليّ واضح، و الكَوْنُ كلُّهُ مُسَخَّرٌ لنا وكذلك المِياه مسَخَّرة لنا ومن جعل الماء الأُجاج عذْباً ومُسْتَساغاً ؟ عن طريق التبخُّر والأمطار والأنهار والينابيع إنَّك لو فكَّرْت في خلق السماوات والأرض لَوَجَدْتَ الهواء مُسَخَّرٌاً لك فالله جعل نِسَب الهواء حكيمةً جداً.
رفعت نسبة الأكْسِجين أكثر لأحْرَقَ الهواء كل شيء ولو كان للهواء حركةٌ عنيفَةٌ لَدَمَّرَتْ كل شيء والله جعل للهواء أحياناً أن يتحَرَّك حركَةً عنيفة ليريك حكمته أثناء سكونه ! فالهواء مُسَخَّر والماء مُسَخَّر والنبات مُسَخَّر والمحاصيل مسَخَّرةٌ لك والفواكِهُ تَنْضُج ِتباعاً أما المحاصيل فإنها تنضُج في يومٍ واحد ولو أن المحاصيل تنْضُج تِباعاً لَكانَ من المُسْتَحيل أنْ تَجْنِيَ المحاصيل ولو أنَّ الفواكِهُ تنْضُج في يومٍ واحدٍ لكان من المسْتَحيل أن تنْتَفِع بِها ؛ يوجد إلهٌ عظيمٌ يُصَمِّمُ كلَّ شيءٍ وهذا هو معنى سَخَّر لك النبات والماء والهواء وهذه الحيوانات.
إذاً: التسْخير هو التذليل والإنسان أحْياناً يمُرّ على الأشْياء مرور الكِرام ولا يَنْتَبِهُ لِحِكْمَتِها البالِغة فهذا عُنْقود العِنَب لو أردْتَ أنْ تَقْطِفَهُ وجذبته نحوَ الأسْفل لعُصِرَ في يَدِك ولما انْقَطِع فهو مُصَمَّمٌ تصْميماً رائِعاً ولكن لو جذبته عند قطفهُ نحْوَ الأَعلى أصْبَحَ بِيَدِك فمن سخَّرَهُ ؟ وهذا البطيخ كلُّه ماء فَمَن جعل له هذه القِشْرة السميكة ؟ تجد شجرة منه تحْمِل عشرين طنَّ بطيخٍ الذي في الأسْفل قويٌ يحْمِل ثلاثة أو أربعة طُن فمن جعلَهُ بِهذه القِشْرة الكروِيَّة القاسِيَة ؟ الله عز وجل فالتسْخير قضِيَة واسِعة جداً.
وردت مادة المُسخِّر في مواضِع كثيرة من كِتاب الله تعالى ففي سورة الرعد قال الله تعالى:
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)﴾
( سورة الرعد)
هل نسْتطيع أن نحْمِل هذا السَّقْفِِ بِغَيْر أعْمِدة ؟ وهل هناك هنْدسَةٌ تُتيحُ لنا أن نبْنِيَ سَقْفاً بِغَيْر أعْمِدة ؟ مُسْتَحيل وإذا كان الأمر كذلك لكَلَّفنا هذا الكثير ؛ سَقْفٌ بِلا أعْمِدةٍ ولا جُدْران يَعْتَمِد إليها هذا فوق طاقَةِ البشر فالله هكذا قال:
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ ﴾
هذه قِوى التَّجاذُب فالأرض مرْبوطةُ بالشمس بِقُوَّةِ جذْبٍ تُساوي اثنَي مليون طن ضَرْب مليون مليون طن أيْ رقم اثْنين أمامه ثمانِيَة عشر صِفْراً وهذه القوة تُمَثِّل مليون مليون حبْل فولاذي وقُطْر الحبْل خَمْسَةُ أمتار وكل حبْل يُقاوِم من قِوى الشدّ اثْني مليون طن وكل هذه القوة لا نراها، فهل تسْتطيع أنت أن تسير داخِل هذه الدِّعامة ؟ أعوذ بالله، وهل بِإِمْكانِك أن تصْنَع دِعامةً لا تُرى وتسير في داخِلِها ؟ دِعامةٌ لا تُرى هكذا قال الله عز وجل:
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾
يعْني بِعَمَدٍ لا تَرَوْنَها، أنّ الكوْنُ كلّه مُتَرابِطٌ بِقِوى التجاذب ولولا هذه القِوى لأصْبَح الكوْن كلُّهُ كُتْلَةً واحِدة ؛ قِوى تجاذب وقِوى نَبْذ حركةٌ شكَّلَتْ قِوى نبْذٍ والجاذِبِيَة هي التجاذب بين الكُتَل التي في السماء بِحَسَبِ حجومِها ومسافاتِها وأبْعادِها وحركاتِها وسكناتِها
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾
أرْضُنا مُسَخَّرةٌ لنا فلو أنها تَفَلَّتَتْ من جاذِبِيَة الشمس لانْتَهت الحياة عليْها لو أنها تَفَلَّتَتْ من جاذِبِيَة الشمس لأصْبَحت حرارتُها مئتين وسبْعين تحت الصِّفر المطْلق وهو يعْني المَوْت المطلق لكل الكائنات الحيَّة.
ما معنى مُسَخَّرة لنا ؟ أيْ مرْبوطَةٌ بِالشَّمْس كل ثلاث ميلي متْرات في الثانِيَة يجْعل مسار الأرض مُغْلق حول الشمس ولولا أنّ مسارها مُغْلَقٌ حوْل الشمْس لما سُخِّرت لنا، حسناً، لو أنها دارتْ بِسُرْعَةٍ كبيرة صار الليل ساعةً والنهار ساعةً لكانت غير مُسَخَّرة ولو أنّ الدورة خمسُ سنواتٍ لصار الزمن خمسُ سنواتٍ نهاراً وخمس سنواتٍ ليلاً و لكانت غير مُسَخَّرة الحرُّ الذي بِجِهة الشمس ثلاثمئة درجة فوق الصِّفْر وفي الجِهة الأخرى مئتان وسبعون تحت الصٍّفْر لانْتَهَتِ الحياة عندئذٍ فَمَعْنى مُسَخَّرة تدور ومعنى مُسَخَّرة تدور بِاعْتِدال ومعنى مُسَخَّرة تدور بِمِحْور مائل ومعنى مُسَخَّرة خصائصها ثابِتة فهذه أوّل آية:
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾
العلماء يقولون الشمس مُتَّقِدة منذ خمْسَةِ آلاف مِلْيون عام وقالوا سوف تسْتَمِرّ بِحَسَبِ دِراساتِهم إلى خمْسَة آلاف مِليون أخرى ولِسان اللَّهب من الشمس طوله مليون كيلو مِتْر هذه الطاقة من أين ؟ هل يوجد مِدْفأة من دون تشْغيل بِالوَقود ؟وهل هناك مَرْكَبَة تسير بِلا وقود ؟ وهل يوجد شيءٌ يشْتَعِل بِلا وقود ؟ خمسة آلاف مليون سنة مضت ولِخمْسة آلاف مليون سنة قادِمة وحرارتُها في باطِنِها عشرون مليون درجة وعلى سطْحِها سِتَّةُ آلاف فَمِنْ أيْن هذه الحرارة؟ ومن سَخَّرها لنا ؟ ضوء الشمس فيه دِفءٌ وثانِياً نور وثالِثاً تَعْقيم.
وورد أيْضاً التسْخير في سورة يس قال تعالى:
﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)﴾
(سورة يس)
وذكر الشمس والقمر لِأنهما أظهر الكواكِب السيارة والتي هي أشْرف وأعْظم من الكواكِب الثوابِت فالشمس أمامنا والقمر أمامنا والليل مُسَخَّر والنهار مُسَخَّر، الله تعالى سَخَّر لنا الليل فهو سكينَةٌ لنا وظلام وهُدوء وراحة ونَوْمٌ وسِتْرٌ والنهار معاش ولولا دوْرة الأرضِ حول الشمس لما كان ليلٌ ولما كان نهار.
وفي سورة إبراهيم قال تعالى:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)﴾
(سورة إبراهيم)
أرَأَيْتُم إلى التسْخير ؟ جمع اسم المُسَخِّر، والمسخَّر والمسخَّر له بِآيةٍ واحدة:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ ﴾
كلمة " لكم " بحَثْتُ عنها في القرآن الكريم بِبَرْنامج خاص فَوَجَدْتُ أنها وردت أكثر من مئة وثمانين مرّة ؛ أنت أحْياناً تُقيمُ مأْدُبَة على شَرَفِ إنسان هذا الإنسان يجلس على هذه المأْدُبة ويأكل فإذا طُرِق الباب وكان القادم ضَيْفاً تقول له هلُمّ وكُلْ معنا فَيَأْكل لكن هذه المأدُبة أُقيمَت خِصيصاً لِضَيْفِ الشَّرف أما الثاني أكل عَرَضاً فَكَلِمة " لكم " تعني أنّ هذا الكَوْن مُسَخَّرٌ خِصيصاً لكم وليس المعنى أنَّك عِشْتَ على هذه الأرض فاسْتَفَدْت مما فيها ! كل ما في الأرض من شيءٍ مُسَخَّرٌ للإنسانِ خِصيصاً وكلمة " لكم " تُفيد هذا المعنى
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ ﴾
طبْعاً الفُلْكُ مُسَخَّرة حسب قانون أرْخَميدِس، والأنهار مُسَخَّرة من خلال هذه الجِبال التي جعلها الله مُسْتَوْدَعاتٍ للمِياه قال تعالى:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ ﴾
فالله هو المُسَخِّر وأنت دائماً مُسَخَّرٌ لك ؛ المُسَخَّر له أشْرف وأعْظم من الشيء المسَخَّر.
وورَد أيْضاً التسْخير في آياتٍ كثيرة والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((فيما رواه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلا مُوَدَّعٍ وَلا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا))
(رواه البخاري)
نحن لا نسْتَغني عن الله أبداً ونحن مقْهورون مرَّتَيْنِ مرة عند الايجاد، ومة عند البعاد، وقد ذكرْتُ لكم أنّ الله عز وجل يقول:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)﴾
(سورة فصلت)
وقال تعالى:
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63)﴾
(سورة الفرقان)
طبْعاً ؛ العِباد جمْعُ عَبْدٍ والعبيد جمعُ عَبْدٍ ولكن العِباد جمْعُ عِبدِ الشُكْر بينَما العبيد جمْعُ عَبْدِ القَهْر ونحن كلُّنا عبيدٌ لله بِمعنى أننا مقْهورون وبِمعنى أنّ حياتنا مُتَوَقِّفَةٌ على إمْداد الله وكذلك وجودنا وأنّ حياتنا وأرْزاقَنا لا تقوم إلا بالله وأنّنا بِحاجةٍ إلى الهواء ونحن مُفْتَقِرون إلى الله.
إذاً نحن عبيدٌ له أما العِباد فهم الذين عرفوه وأَتَوْهُ طائعين وأحبُّوهُ وأَقْبَلوا عليه وتَقَرَّبوا إليه وهذه العبودِيَة لله عز وجل لها معنىً آخر، فالنبي عليه الصلاة والسلام يُخْبِرنا أنَّهً لا يسْتَغْني عن ربِّهِ أبَداً.
قال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْداً إِذَا صَلَّى (10)﴾
(سورة العلق)
وقوله تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى (13)﴾
(سورة الليل)
بعض الناس يظن أنه يسْتَغْني عن الله فهو بِحُمْقِهِ أو بِغبائِه أو بِكُفْرِهِ أو بِجَهْلِه يرى أنَّهُ قويٌ وغَنِيٌ عن الله لكن الله سبحانه وتعالى يؤدِّبُه ويُحَجِّمه أما المؤمن فمُفْتَقِرٌ دائماً إلى الله عز وجل ولا تَنْسَوا أيها الإخوة أنّ الإنسان حينما يسْتَغني عن الله حسب ظنه يَلْقى أشَدّ أنواعِ التأديب ولْيَكُن كائناً من كان ففي بدْرٍ الصحابة الكِرام أعْلَنوا فقْرَهُم إلى الله قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾
(سورة آل عمران)
ومعنى أذِلة هنا الافْتِقار أما في حُنَيْن قال تعالى:
﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾
(سورة التوبة)
فأنت حينما تسْتَغْني ولو كان اسْتِغناءً خَفياً ولو كان اِعْتِداداً بِالصحة أو المال أو القوة أو الذكاء هذا كلُّهُ في ظاهره نوْعٌ من الاسْتِغناء، والاسْتِغْناء مِن لوازِمِهِ التخلي فالله عز وجل يتَوَلاك أو يتخلى عنك يتَوَلاكَ إذا افْتَقَرْتَ إليه ويتَخَلى عنك إذا اسْتَغْنَيْتَ عنه وليس شرطاً أن تقول أنا مُسْتَغْنِ عن الله فحينما تعتمِد على شيءٍ من قُدْراتِك الخاصَّة وتنْسى أنّ الله تعالى سَخَّرَها لك وأكْرَمَك بِها فهذا أحد أنواع الاسْتِغناء وتأْديبُهُ سريع ولا سِيَما المؤمن فالله عز وجل لا يسْمَحُ للمؤمن أن يغْفَلَ عنه لأنه يُحِبُّهُ ولا يسْمَحُ له أنْ يُشْرِك به، أنا أغنى الأغنياء عن الشِّرك والقلب المُشْتَرك لا يُقْبِلُ الله عليه والعمل المُشْتَرك لا يَقْبَلُهُ الله.
لِذلك أخْطر شيء في الإيمان قضِيَّةُ الشِّرْك الخَفيِّ، فالإنسان أحْياناً يشْعُر أنه يَمْلِك شيئاً قد يمْلِك المال وقد يملِك القوة وقد يمْلِك الذكاء وقد يَمْلِك طلاقَةَ اللِّسان فهذا الذي تشْعُرُ أنَّك تَمْلِكُهُ هو أحد أسْباب الاسْتٍغْناء عن الله وأحد أسْباب الشِّرك الخفيِّ فبِمُجَرَّدِ أَنَّ تَشْعَر أنَّك على شيءٍ وأنَّك تمْلِك قدْرةً ذاتِيَة إما عِلميَة أو مالِيَة وقوة تسْتَعْلي بِها على الناس فالله عز وجل سريعاً ما يُؤَدِّبُك ويَتَخلى عنك فهذا التخلي هو التربية فكُلما كنت أكثر تَعَمُّقاً في الدين وأكثر توْحيداً لله وإخْلاصاً له تجْعَل من نفسِك أكثر اِفْتِقاراً دائماً ولهذا الاِفْتِقار الدائم يَجْعَلُ الله سبباً لمَعونَتِك.
ورد في الأثر أنَّ النبي داود قال يا رب: كيف أشْكُرُك وشُكْرُي لك نِعْمَةٌ منك عليَّ ؟ وسؤال داوود يذكرنا بهذا الحديث أيضاً:" إذا أراد ربك إظهار فضْلِه عليك خلق الفضْل ونَسَبَهُ إليك " بعد حين الإنسان يشْعُر أنَّهُ لا شيء وكلما ازْددت إفْتِقاراً إلى الله زادك الله إمْداداً وقُوَّةً وعِلْماً وصِحَّةً ويقيناً وقُدْرَةً على التمييز، وكلما اعْتَدَدْت بِقُدْراتِك الذاتيَة كلما تخلى الله عنك ؛ كيف أشْكُرُك وشُكْرُي لك نِعْمَةٌ منك عليَّ ؟ فقال الله تعالى: الآن شَكَرْتَني يا داود لأنّ العَجْزَ عن الإدْراك إدْراك ولما يقول الإنسان سُبْحانك لا نُحصي ثناءً عليك أنت كما أثْنَيْتَ على نَفْسِك فهذا شُكْر فحينما تعْجَزُ عن الشُّكر فأنت شاكِر وحينما تعْجَزُ أن تُعَبِّر عن شُكْرِك لله عز وجل فأنت الآن تشْكُرُهُ أما الغافِل فهو الكافِر فيا أيها الإخوة، بِما أنَّ الكَوْنُ مُسَخَّرٌ تسْخيرَيْن:
- تسْخير تعْريف، - وتسْخير تكْريم.
ردُّ فِعْل التعريف أنْ تؤمن به وردُّ فِعْل التكريم أنْ تشْكُرَهُ فإذا آمنْتَ به وشَكَرْتَهُ حقَّقْتَ الهَدَفَ من وُجودِك لذلك يقول الله عز وجل:
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147)﴾
(سورة النساء)
وبِالمُناسبة بِمُجَرَّدِ أنْ تَعْرِف هذه النِّعمة أنها من الله فهذا نوْعٌ من الشُّكْر، و لِمُجَرَّدِ أنْ تَعْرِف هذه النِّعمة أنها من الله فهذا أحد أنواع الشُّكْر فأَهْلُ الدنيا تجد أحدهم يسْتَمِع في الأخبار مثلاً أنّ مُنْخَفَضاً جوِّياً في طريقِهِ إلى الشرق الأوسط فإذا لم يَخْطُر بِبالِهِ أنَّ الله تعالى رحْمَةً منه بِالبَشَر ساق هذه المُنْخَفَضات لِتَكون في النِّهايَة أمْطاراً ترْوي الزرع ويشرب منها الإنسان ويسْقي منها زرْعَهُ ويسْقي بهائِمَهُ هذا التفكير بِأنّ هذا مُنْخَفَض يسير بِسُرْعة كذا إلى المكان الفُلاني ولا يَذْكُر الله معه كان ذلك نوْعاً من الشِّرك لِذلِك فلا بد أن تعْتَرِف أنّ كلَّ شيءٍ أمامك نِعْمَةٌ عُظْمى يَنْبَغي أنْ تحْمَدَ الله تعالى علَيْها.
اسْتِنشاق الهواء نِعْمَة وكم من جِهازٍ في الإنسان يعْمَلُ بِانْتِظام وهذه العَيْنُ تعْمَلُ بانْتِظام وهي من أكبَرِ النِّعَمِ التي أنْعَمَ الله بِها علينا ترى الألوان كلَّها والأشياء بِحَجْمِها ولا تَحْتاج إلى تَحْميض فِلْمٍ ولا إلى انْتِظار حتى ترى ولا إلى ألوان باهِتَة فالعَيْن البشَرِيَّة تُفَرِّق بين ثمانمائة مئة نوع من اللون الأخْضر وتُفَرِّق بين درجتين من بين ثمانمئة ألف درجة فَهِيَ حسَّاسَةٌ جداً فالعَيْن نِعْمة والشِّم نِعْمة والسمع والنطق نِعمة والقلب والرئتان والأوعِيَة والأمعاء كلها نعم كذلك فالإنسان مغمورٌ بِالنِّعم وكلما فكَّر في هذه النَّعم كلما أحب الله عز وجل والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي))
(رواه الترمذي)
(( أحِبوا الله لِما يغْدوكم من نِعَمِهِ ))
وحالةُ المؤمن دائماً الشُّكْر لأنّ الله عز وجل سخَّر له جِسْمَهُ وأنت شيء غير جِسْمِك والدليل قوله تعالى:
﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)﴾
(سورة فصلت)
فَجِلْدُك خلايا والخلايا نفْسٌ لها مسؤولِيَة وتنطِق يوم القيامة وتشْهد فَجِسْمُكَ مُسَخَّرٌ لك والإنسان نقطة ماءٍ في هَيْكَلٍ عظمي وعظْم عُنُق الفخذ يتحَمَّل مئتين وخمسين كيلوا حُمولَة فالعظام يتحملان نِصْف طن وهذا الحُوَيْن المَنَوي الذي هو كالماء مِن أين جاء بِهذه المتانة في العِظام ؟ هذا يعْني أنّ هناك في العِظام كِلْس متين فَمَن أعْطاه هذه المتانة ؟ فالمواد الكِلْسِيَة تترسَّب في العِظام وبِطريقةٍ لا يعْلَمُها إلا الله تعالى يُصْبِح هذا العظْم متيناً بل إن ميناء الأسنان تأتي بعد الألماس في قساوَتِها والعِظام لها متانَةٌ كبيرة.
انْظر إلى القصاب يرْفَع الساطور إلى أعلى ويَهْوي بِه بِكُلِّ قُوَّتِه لِيَكْسِرَ عظْما من عِظام الخروف ما معنى ذلك ؟ أيْ أنّ الله عز وجل أعْطاك هَيْكَلاً عظمياً وعضلاتٍ تتَحَرَّكُ بِها ولو لا العضلات لما كانت هناك حركة ولا مَشْي ولا تَكَلُّم ولا نُطْق ولا تَنَفُّس ولا نَبْض قلب ولتوقف كلُّهُ فالله تعالى أعْطاك عضلاتٍ تتحرَّك وهَيْكَلاً عظمياً هو قِوامُ جِسْمِك وأَعْطاك الله عز وجل أجْهِزةً دقيقة جداً.
ذكرت لكم مرةً أنّ في الدِّماغ جِهازاً يكْشِف تفاضُل وُصول الصَّوْتَيْنِ للأذُنَينِ فإذا دخل صوْتٌ من هنا قبل هنا بِقدْر واحد على ألف وسِتمئة جزء بالمئة حينها يعْلَم الإنسان أنّ الصوت جاء من هنا فإذا كان يقود سيارة مثلاً فإنه يَنْحَرِف نحو اليسار استجابة لذلك الصوت فهذا جِهازٌ مُعَقَّد جداً وهناك جِهاز توازن السوائل وجِهاز ضبط فالإنسان يَنْطَوي على آلاف الأجْهِزة ؛ الغُدَّة النُّخامِيَة وزنها نِصْف غرام وتُفْرِز اثْنى عشر هِرموناً.
أيها الإخوة، التسْخير يعني أنّ جِسْمَك مُسَخَّرٌ لك والطعام مُسَخَّر والشراب مُسَخَّر والأنعام مُسَخَّرة والبِحار مُسَخَّرة والأمطار مُسَخَّرة والرياح مُسَخَّرة ولولا الرياح اللَّواقِح ما حمَل النبات ولا أثمَر قال تعالى:
﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾
(سورة الحجر)
والتسخير كذلك ورد في سورة النحل قال تعالى:
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)﴾
(سورة النحل)
فلوْ أنّ الله تعالى جعل لكم النهار سَرْمَداً إلى يوْم القِيامة من إلهٌ غير الله يأتيكم بِلَيلٍ تسْكُنون فيه ؟ لو أنَّهُ جعل لكم الليل سرْمَداً إلى يوم القِيامة من إلهٌ غير الله يأتيكم بِنهارٍ تنْتَشِرون فيه ؟ إنه الله، فالليل مسَخَّر والنهار مُسَخَّر، وهذه دَوْرة الشمس والأرض فَلَو دارت الأرض على مِحْوَر مُوازٍ لِمُسْتوى دورانِها لما كان هناك ليلٌ ولا نهار فالدِّقة التي جعلها الله بينهما تدلّ على حِكْمَةٍ بالغة وخلقِ دقيق لو أنّ المِحور عمودي على مُسْتَوي الدوران لما كان هناك فصول ولكنه مائل وهذا الميَلان يُسَبِّب الفصول وهذا هو التسْخير قال تعالى:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
فالله جعل القمر ضِياء والشمس جعلها سِراجاً وهاجاً والقمر نوراً، قرأت أن القمر يُعطي ثمانِيَة عشر بالمئة مما تعطيه الشمس فَيُمْكِن للقمر أنْ يُؤدي وظيفة إضاءة تُساوي ثمانِيَة عشر جزءاً بالمئة من الشمس، وذات مرةً كنت بالطائرة فرأيت في ليلةٍ مُقْمِرة وأنا مار على بِلاد رأيت كل ما فيها على ضوء القمر فالقمر مُسَخَّر وجعله الله تقْويما للإنسان فالآية الكريمة:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
قد تكون نجْمَةٌ مُتألِّقة حجْمُها يزيد مئة مليون مرة عن حجم الشمس وهناك نجوم تَتَّسِع للأرض والشمس مع المسافة بينهما وهناك نجوم تبْعُد عنا ثلاثمئة مليون سنة ضوئيَّة:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
وما ذرأ (أيْ وما خلق ) لكم في الأرض مُخْتَلِفاً ألْوانُهُ، ففي الفواكِه تجد لوناً أصْفر مع خدٍّ أحمر وأحمر غامِق داكِن وأخضر غامِق وفاتِح فالفاكِهة ألوانُها من آيات الله الدالة على عظمتِهِ وألْوان الخُضَر والجِبال وألْوان البِحار فهذا كلّه من فضْل الله عز وجل، قال تعالى:
﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)﴾
(سورة النحل)
فالبحر أربعة أخْماس اليابِسة وفي أعْمق نِقاطِه تقْريباً اثني عشر كيلو متراً في المحيط الوادي المعروف بِوادي مَرْيانة فالكَمُّ المائي كبير جداً فإذا أربعة أخْماس اليابسة على عُمْق متوسِّط خمسة كيلومترات، كم هي كُتْلة الماء في البِحار ؟ فالبحر الأبيض المتوسِّط يُعَدّ بُحَيْرة إذا ما قيس بالمحيطات أما المحيط الهادي والأطْلسي فهي محيطات كبيرة جداً قال تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(14)﴾
(سورة النحل)
فالسمك مخلوقٌ خِصيصاً للإنسان وهناك مليون نوع من السمك في البِحار ولولا أنّ الأسماك الكبيرة تأكل الصغيرة لصار البحر كلّه أسْماكاً وقال تعالى:
﴾وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾
هذا اللؤلؤ شيء دقيق ؛ حيوانٌ إذا شعر أنّ في محارِهِ جِسْماً غريباً مهما كان دقيقاً أفْرز عليه مادَّةً فسفورية ِكلْسِيَة يُدافِع بِها عن نفسِه ويُحَجِّم هذا الجِسم الغريب وهذه المادة الفسفورية ِالكلْسِيَة هي اللؤلؤ واللؤلؤ غالٍ جداً قال تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
كل البضائع هذه الأيام اسْتيرادٍ وتصْديرٍ تنقل عبْر السُّفُن وهناك الآن حامِلات بواخِر تَحْمِل مليون طن ؛ مُدُن تسير في البِحار وهناك الآن معامِل لِصُنْع سْتانْلِس هي بواخِر تأخذ المواد الأولِيَّة من أُسْترالْيا وفي طريقها إلى الشرق الأوْسَط تُصَنِّعُها وتبيعُها مُصَنَّعَةً خالِصَة فالبواخِر مُدُنٌ تمشي في الماء قال تعالى:
﴿ وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
أذْكُر مرةً أننا كنا في سَفَرٍ وكان الطريق طويلاً وساحِلِياً ومن الممكن أن نقْطَعَهُ في البحر كانت تقِف أمامنا بواخر تُستعمل ناقِلاتٍ للسيارات فيها سيارات كبيرة وشاحِنات وبولْمانات وتكْسيات تحمل عدداً كبيراً من السيارات ؛ كيف تتحرك هذه الباخِرة بِهذا العدد ؟ وكيف يحْمِلها الماء ؟ إذا قلت البترول قلنا لك من خلق البترول ؟ الله جل جلاله، قال تعالى:
﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
وقال:
﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)﴾
(سورة النحل)
فالجِبال هذه يبدو أَنها مُوَزَّعة توزيعاً دقيقاً جداً بِحيث أن الأرض تدور دَوْرَةً مُسْتَقِرة تجد بِناءً عمره سبعمئة سنة ليس به بأس ولو كانت هناك حركة لانْهَدم فالأرض مُتَحَرِّكة وكأنها ساكِنة وهذا من آيات الله الدالة على عظَمَتِه اسْتِقرار مُطْلَق مع حركة مذهلة قال تعالى:
﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(61)﴾
(سورة النمل)
من جعلها مسْتَقِرة ؟ ومن جعل الأشياء تسْتَقِرّ عليها ؟ الله جل جلاله قال:
﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾
كل شيء له علامة تميزه وتعلن عن حقيقة بواطنه، إذا كان هناك جُرْثوم بِالإنسان فإنها ترتَفِع حرارته فارْتِفاع الحرارة علامة وإذا الفاكهة نضجت يصْفَرُّ لوْنُها وهذا اللون الأصْفر علامة وأحْياناً الزيتون يَسْوَدّ والحب يشْتَدّ والعِنب يصْفَرّ كل شيءٍ خلقه الله عز وجل جعل له علامةً تدلّ على باطِنِهِ حتى الأمراض كلها لها علامات ولولا هذه العلامات لما عرف الأطِباء الأمراض وكل شيء باطِن له علامة ظاهرة قال تعالى:
﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)﴾
(سورة النحل)
وقال تعالى:
﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)﴾
(سورة النحل)
أيْ أنتم عاجِزون عن إحْصاء النِّعم فَلأن تكونوا عاجِزين عن شُكْرِها من باب أوْلى ولذلك ختمت الآية بقوله تعالى: إن الله لغفور رحيم.
وفي سورة الأنْبِياء قال تعالى:
﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آَتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)﴾
(سورة الأنبياء)
أيْضاً هذه الآية وما بعدها تُبَيِّن تسْخير الله تعالى لِهذا النبي الكريم.
وفي سورة الحج قال تعالى:
﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)﴾
(سورة الحج)
فهذه الناقة قرأت عنها بعض المقالات في مجلاتٍ عِلْمِيَّة تستطيع أن تسْتَغْني عن الماء ثلاثة أشْهر فهي تسْتطيع أن تسْتَهْلِك ماء خلاياها وتسْتطيع أن تسْتغني عن الطعام أكثر من سِتة أشهر لأنّ سنامها مُدَّخَرٌ غِدائِيٌ لها فهذا الحيوان مُسَخَّرٌ للإنسان ولا سِيَما في الصحراء أَخْفافُها آية لها رُموش تمْنَع دخول الغُبار إلى عَيْنِها وعَيْنُها آية وتُريها البعيد قريباً والصغير كبيراً عَيْن الناقة كالميكروسكوب تماماً فَعَيْنُها آية وشَفَتاهاَ آية وأَعْضاؤها آية وتجْلِس جلْسَةً نِظامِيَة وترْتاح ولها ثفنة في بَطْنِها وعلى أيْديها وأرْجُلها جَلْسَتُها النِّظامِيَة تُتيح لك أن تُحَمِّل عليها.
وربنا عز وجل يقول:
﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)﴾
(سورة الغاشية)
آية كريمةٌ، قال تعالى:
﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
درسنا اليوم يتناول ِكلٍّ حركةٍ من حركاتِك ؛ ويريك كل ما سخره الله لك من خلال ذلك، خرجْت من المسجد ولَبِسْتَ حِذاءك من جِلْد الأنْعام فهذا الجِلد مُسَخَّرٌ لنا، ركِبْتَ مرْكَبَةً تتحرَّكُ بِالبِترول فالبِترول مُسَخّر لنا، دخلت إلى البيت وشَرِبت كأساً من ماء فالماء مُسَخَّرٌ لنا ومن جعلهُ عذْباً فُراتاً؟ وكان من قبل مِلْحاً أُجاجاً فالماء مُسَخَّرٌ لنا رأيْتَ زوْجَتَك فمن سَخَّرها زوجَةً مُطيعَةً لك ورأيْتَ أوْلادك واسْتَلْقَيْت على فِراشٍ وفير فمن خلق الصوف ؟ والله هذا الاسم العظيم اسْم المُسَخِّرْ يدور معك في كلِّ ثانِيَة من حياتِك ؛ كَيْفَما تحرَّكْت وَجَدْت الأشياء مُسَخَّرة لك أعْظم تسْخير ألا تسْتَحْي من الله:
إلى متى أنت بِاللَّذات مشْـغول وأنت عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مسؤول
تعصي الإله وأنت تُظهر حُبَّهُ هذا لَعَمْري في المقال بديــعُ
لو كان حُبُّك صادِقاً لأَطَـعْتَهُ إنّ المُحِبّ لِمن يُحِب يطيــعُ
وفي سورة العنكبوت قال تعالى:
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)﴾
(سورة العنكبوت)
وفي سورة لُقْمان قال تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)﴾
(سورة لقمان)
أذكُر مرةً كنت بالخليج وكان هناك سِباق للهُجْن يَعْتنون به كثيراً ولكنّ الذي لَفَت نظري أن الذي يرْكَب على هذه الناقة طِفْلٌ صغير وهذا الطِّفل من شِدَّة الاِهْتِزاز يَنْعَطِب عمودُهُ الفقري ورأَيْت العَكْس في هذا الموقف فالإنسان هنا مُسَخَّرٌ لِهذه الناقة والأصل أنّ الناقة هي المُسَخَّرة للإنسان فالإنسان حينما يُسَخَّر لِمَخْلوقٍ أدْنى منه ما عرف قيمَة نفسه وإنسانيته لِذلك الله عز وجل قال:
﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)﴾
(سورة البقرة)
هناك أشياء كثيرة قد ترْفُضُها لأنها لا تُعْجِبُك ولأنَّك تَحْتَقِرها إلا أنَّك إذا رفضْت الدِّين فإنَّك تَحْتَقِر نفْسَك قال:
﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ ﴾
حينما يحتَقِر الإنسان نفْسَهُ يُعْرِض عن الدِّين، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾
وفي سورة الزمر قال تعالى:
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)﴾
(سورة الزمر)
وفي سورة الزخرف قال تعالى:
﴿وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)﴾
(سورة الزخرف)
مِن أجل أن تعرف قيمة البِتْرول ؛ سيارة فيها خمسة رُكاب وتحْمِل أغْراضاً وأمتعة وتسير في طريق صاعِد فلو أنَّها وقَفَت وأُطْفِىءَ مُحَرِّكُها وكَلَّفْناك أنْ تدْفَعَها إلى الأعلى مع رُكابِها وحاجاتِها فهل تسْتطيع ؟ فلو كان هناك خمسة رجال أقوياء لما اسْتطاعوا تحريك هذه السيارة بِطريقٍ صاعِد لكن هذا البترول كيف ينْفَجِر وكيف يدْفع هذا الوزْن الثقيل من المركَبَة مع ما فيها من ركاب بِطريقٍ صاعِدٍ هكذا ؟ سبحان الذي سخَّر لنا هذا وإذا ركِبت باخرة من الذي جعل الماء يحْمِلها ؟ الله عز وجل وكذلك الطائرة في الهواء وهناك دعاء قرآني كلما ركِبْت مرْكَبَةً أو دابَّةً أو سيارَةً تقول:
(( كما روي أنّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ عَلَّمَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ " سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ "...))
(رواه مسلم)
أيها الإخوة، اسم المُسَخِّر اسم يدور في حياتِنا كلِّها ولك أن تُفَكِّر فيه في كلِّ ثانِيَة فَكُلِّ شيء تراه أمامك مُسَخَّرٌ لك وكل ما تراهُ أمامك هو من نِعَم الله عز وجل وقد سخّره لك ولولا أنك ذو شأنٍ عند الله عز وجل لما سَخَّر لك الكوْن من أجْلِك قال تعالى:
﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)﴾
(سورة النحل)