النجاسة وأنواع النجاسات
النجاسة هي القذارة التي يجب على المسلم أن ينتزه عنها ويغسل ما أصابه منها.
قال الله تعالى: {وثيابك فطهر} وقال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الايمان».
ولها مباحث نذكرها فيما يلي:
.أنواع النجاسات:
.1- الميتة:
وهي ما مات حتف أنفه: أي من غير تذكية، ويلحق بها ما قطع من الحي، لحديث أبي واقد الليثي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قط من البهيمة وهي حية فهو ميتة» رواه أبو داود والترمذي وحسنه، قال: والعمل على هذا عند أهل العلم.
ويستثنى من ذلك:
1- ميتة السمك والجراد:
فإنها طاهرة، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحل لنا ميتتان ودمان: أما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال» رواه أحمد والشافعي وابن ماجه والبيهقي والدارقطني، والحديث ضعيف، لكن الإمام أحمد صحح وقفه، كما قاله أبو زرعة وأبو حاتم، ومثل هذا له حكم الرفع، لأن قول الصحابي: أحل لنا كذا وحرم علينا كذا.
مثل قوله: أمرنا ونهينا، وقد تقدم قول الرسول صلى الله عليه وسلم في البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».
ب - ميتة ما لا دم له سائل:
كالنمل والنحل ونحوها، فإنها طاهرة إذا وقعت في شيء وماتت فيه لا تنجسه.
قال ابن المنذر: لا أعلم خلافا في طهارة ما ذكر إلا ما روي عن الشافعي والمشهور من مذهبه أنه نجس، ويعفى عنه إذا وقع في المائع ما لم يغيره.
ح - عظم الميتة وقرنها:
وظفرها وشعرها وريشها وجلدها، وكل ما هو من جنس ذلك طاهر، لأن الاصل في هذه كلها الطهارة، ولا دليل على النجاسة.
قال الزهري: في عظام الموتى نحو الفيل وغيره: أدركت ناسا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدهنون فيها، لا يرون به بأسا، رواه البخاري، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «وهلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعم به؟ فقالوا: إنها ميتة، فقال: إنما حرم أكلها» رواه الجماعة إلا أن ابن ماجه قال فيه: عن ميمونة، وليس في البخاري ولا النسائي ذكر الدباغ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ هذه الآية: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة} إلى آخر الآية، وقال: إنما حرم ما يؤكل منها وهو اللحم، فأما الجلد والقد والسن والعظم والشعر والصوف فهو حلال، رواه ابن المنذر وابن حاتم.
وكذلك أنفحة الميتة ولبنها طاهر، لأن الصحابة لما فتحوا بلاد العراق أكلوا من جبن المجوس، وهو يعمل بالانفحة، مع أن ذبائحهم تعتبر كالميتة، وقد ثبت عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه سئل عن شيء من الجبن والسمن والفراء، فقال: الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه.
ومن المعلوم أن السؤال كان عن جبن المجوس، حينما كان سلمان نائب عمر بن الخطاب على المدائن.
سواء كان دما مسفوحا -أي مصبوبا- كالدم الذي يجري من المذبوح، أم دم حيض، إلا أنه يعفى عن اليسير منه، فعن ابن جريج في قوله تعالى: {أو دما مسفوحا} قال: المسفوح الذي يهراق.
ولا بأس بما كان في العروق منها، أخرجه ابن المنذر، وعن أبي مجلز في الدم، يكون في مذبح الشاة أو الدم يكون في أعلى القدر؟ قال: لا بأس، إنما نهى عن الدم المسفوح، أخرجه عبد بن حميد وأبو الشيخ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا نأكل اللحم والدم خطوط على القدر، وقال الحسن: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم، ذكره البخاري، وقد صح أن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه يشعب دما، قاله الحافظ في الفتح: وكان أبو هريرة رضي الله عنه لا يرى بأسا بالقطرة والقطرتين في الصلاة.
وأما دم البراغيث وما يتشرح من الدمامل فإنه يعفى عنه لهذه الاثار وسئل أبو مجلز عن القيح يصيب البدن والثوب؟ فقال: ليس بشئ، وإنما ذكر الله الدم ولم يذكر القيح.
وقال ابن تيمية: ويجب غسل الثوب من المدة والقيح والصديد، قال: ولم يقم دليل على نجاسته، انتهى والأولى أن يتقيه الإنسان بقدر الإمكان.
.3- لحم الخنزير:
قال الله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس} أي فإن ذلك كله خبيث تعافه الطباع السليمة، فالضمير راجع إلى الانواع الثلاثة، ويجوز الحرز بشعر الخنزير في أظهر قولي العلماء.
.4، 5، 6- قئ الادمي وبوله ورجيعه:
ونجاسة هذه الاشياء متفق عليها، إلا أنه يعفى عن يسير القئ ويخفف في بول الصبي الذي لم يأكل الطعام فيكتفى في تطهيره بالرش لحديث أم قيس رضي الله عنها «أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام، وأن ابنها ذاك بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله غسلا» متفق عليه، وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بول الغلام ينضح عليه، وبول الجارية يغسل» قال قتادة: وهذا ما لم يطعما فإن طعما غسل بولهما، ورواه أحمد - وهذا لفظه - وأصحاب السنن إلا النسائي.
قال الحافظ في الفتح: وإسناده صحيح، ثم أن النضح إنما يجزئ مادام الصبي يقتصر على الرضاع.
أما إذا أكل الطعام على جهة التغذية فإنه يجب الغسل بلا خلاف.
ولعل سبب الرخصة في الاكتفاء بنضحه ولوع الناس بحمله المفضي إلى كثرة بوله عليهم، ومشقة غسل ثيابهم، فخفف فيه ذلك.
.7- الودي:
وهو ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول وهو نجس من غير خلاف.
قالت عائشة: وأما الودي فإنه يكون بعد البول فيغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ ولا يغتسل، ورواه ابن المنذر.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: المني والودي والمذي، أما المني ففيه الغسل، وأما المذي والودي فيهما إسباغ الطهور رواه الاثرم والبيهقي ولفظه: «وأما الودي والمذي فقال: اغسل ذكرك أو مذاكيرك وتوضأ وضوءك في الصلاة».
.8- المذي:
وهو ماء أبيض لزج يخرج عند التفكير في الجماع أو عند الملاعبة، وقد لا يشعر الإنسان بخروجه، ويكون من الرجل والمرأة إلا أنه من المرأة أكثر، وهو نجس باتفاق العلماء، إلا أنه إذا أصاب البدن وجب غسله وإذا أصاب الثوب اكتفي فيه بالرش بالماء، لأن هذه نجاسة يشق الاحتراز عنها، لكثرة ما يصيب ثياب الشاب العزب، فهي أولى بالتخفيف من بول الغلام.
وعن علي رضي الله عنه قال: «كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، لمكان ابنته فسأل، فقال: توضأ واغسل ذكرك» رواه البخاري وغيره، وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء، وكنت أكثر منه الاغتسال، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنما يجزيك من ذلك الوضوء فقلت يا رسول الله، كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث أنه قد أصاب منه» رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي الحديث محمد بن إسحاق، وهو ضعيف إذا عنعن، لكونه مدلسا، لكنه هنا صرح بالتحديث.
ورواه الاثرم رضي الله عنه بلفظ: كنت ألقى من المذي عناء فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: «يجزئك أن تأخذ حفنة من ماء فترش عليه».
.9- المني:
ذهب بعض العلماء إلى القول بنجاسته والظاهر أنه طاهر، ولكن يستحب غسله إذا كان رطبا، وفركه إن كان يابسا.
قالت عائشة رضي الله عنها: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسا وأغسله إذا كان رطبا» رواه الدار قطني وأبو عوانة والبزار وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب؟ فقال: إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة رواه الدار قطني والبيهقي والطحاوي، والحديث قد اختلف في رفعه ووقفه.
.10- بول وروث ما لا يؤكل لحمه:
وهما نجسان، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: «هذا رجس» رواه البخاري وابن ماجه وابن خزيمة، وزاد في رواية «إنها ركس إنها روثة حمار» ويعفى عن اليسير منه، لمشقة الاحتراز عنه.
قال الوليد بن مسلم: قلت للاوزاعي: فأبوال الدواب مما لا يؤكل لحمه كالبغل، والحمار والفرس؟ فقال: قد كانوا يبتلون بذلك في مغازيهم فلا يغسلونه من جسد أو ثوب.
وأما بول وروث ما يؤكل لحمه، فقد ذهب إلى القول بطهارته مالك وأحمد وجماعة من الشافعية.
قال ابن تيمية: لم يذهب أحد من الصحابة إلى القول بنجاسته، بل القول بنجاسته قول محدث لا سلف له من الصحابة. انتهى.
قال أنس رضي الله عنه: «قدم أناس من عكل أو عريته فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها» رواه أحمد والشيخان دل هذا الحديث على طهارة بول الإبل وغيرها من مأكول اللحم يقاس عليه.
قال ابن المنذر: ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الاقوام لم يصب، إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل قال: وفي ترك أهل العلم بيع بعار الغنم في أسواقهم، واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديما وحديثا من غير نكير، دليل على طهارتها.
وقال الشوكاني: الظاهر طهارة الابوال والازبال من كل حيوان يؤكل لحمه، تمسكا بالاصل، واستصحابا للبراءة الأصلية، والنجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الاصل والبراءة، فلا يقبل قول مدعيها إلا بدليل يصلح للنقل عنهما، ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلا لذلك.
.11- الجلّالة:
ورد النهي عن ركوب الجلالة وأكل لحمها وشرب لبنها.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلالة» رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وصححه الترمذي وفي رواية: «منهي عن ركوب الجلالة» رواه أبو داود.
وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية، وعن الجلالة: عن ركوبها وأكل لحومها» رواه أحمد والنسائي وأبو داود.
والجلالة: هي التي تأكل العذرة، من الإبل والبقر والغنم والدجاج والاوز وغيرها، حتى يتغير ريحها.
فإن حبست بعيدة عن العذرة زمنا، عفلت طاهرا فطاب لحمها وذهب اسم الجلالة عنها حلت، لأن علة النهي والتغيير، وقد زالت.
.12- الخمر:
وهي نجسة عند جمهور العلماء، لقول الله تعالى {إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان} وذهبت طائفة إلى القول بطهارتها، وحملوا الرجس في الآية على الرجس المعنوي، لأن لفظ {رجس} خبر عن الحمر، وما عطف عليها، وهو لا يوصف بالنجاسة الحسية قطعا، قال تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الاوثان} فالاوثان رجس معنوي، لا تنجس من مسها: ولتفسيره في الآية بأنه من عمل الشيطان، يوقع العداوة والبغضاء ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وفي سبل السلام: والحق أن الاصل في الاعيان الطهارة، وأن التحريم لا يلازم النجاسة، فإن الحشيشة محرمة وهي طاهرة، وأما النجاسة فيلازمها التحريم، فكل نجس محرم ولا عكس، وذلك لأن الحكم في النجاسة هو المنع عن ملامستها على كل حال، فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها، بخلاف الحكم بالتحريم، فإنه يحرم لبس الحرير والذهب وهما طاهران ضرورة وإجماعا إذا عرفت هذا فتحريم الخمر والخمر الذي دلت عليه النصوص لا يلزم منه نجاسهما، بل لابد من دليل آخر عليه، وإلا بقيا على الاصول المتفق عليها من الطهارة، فمن ادعى خلافه فالدليل عليه.
.13- الكلب:
وهو نجس ويجب غسل ما ولغ فيه سبع مرات، أولاهن بالتراب، حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والبيهقي: ولو ولغ في إناء فيه طعام جامد ألقي ما أصابه وما حوله، وانتفع بالباقي على طهارته السابقة.
أما شعر الكلب فالاظهر أنه طاهر، ولم تثبت نجاسته.
.تطهير البدن والثوب:
الثوب والبدن إذا أصابتهما نجاسة يجب غسلهما بالماء حتى تزول عنهما إن كانت مرئية كالدم، فإن بقي بعد الغسل أثر يشق زواله فهو معفو عنه، فإن لم تكن مرئية كالبول فإنه يكتفى بغسله ولو مرة واحدة، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع به؟ فقال: «تحته ثم تقرضه بالماء، ثم تنضحه ثم تصلي فيه» متفق عليه، وإذا أصابت النجاسة ذيل ثوب المرأة تطهره الأرض، لما روي، أن امرأة قالت لأم سلمة رضي الله عنهما: إني أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ فقالت لها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطهره ما بعده» رواه أحمد وأبو داود.
.تطهير الأرض:
تطهر الأرض إذا أصابتها نجاسة بصب الماء عليها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد فقام إليه الناس ليقعوا به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» رواه الجماعة إلا مسلما.
وتطهر أيضا بالجفاف هي وما يتصل بها اتصال قرار، كالشجر والبناء.
قال أبو قلابة: جفاف الأرض طهورها، وقالت عائشة رضي الله عنها: «زكاة الأرض يبسها» رواه ابن أبي شيبة.
هذا إذا كانت النجاسة مائعة، أما إذا كان لها جرم فلا تطهر إلا بزوال عينها أو بتحولها.
.تطهير السمن ونحوه:
عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم «سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: ألقوها، وما حولها فاطرحوه وكلوا سمنكم» رواه البخاري.
قال الحافظ: نقل ابن عبد البر الاتفاق على أن الجامد إذا وقعت فيه ميتة طرحت وما حولها منه، إذا تحقق أن شيئا من أجزائها لم يصل إلى غير ذلك منه، وأما المائع فاختلفوا فيه فذهب الجمهور إلى أنه ينجس كله بملاقاته النجاسة، وخالف فريق منهم الزهري والاوزاعي.
.تطهير جلد الميتة:
يطهر جلد الميتة ظاهرا وباطنا بالدباغ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دبغ الاهاب فقد طهر» رواه الشيخان.
.تطهير المرآة ونحوها:
تطهير المرآة والسكبن والسيف والظفر والعظم والزجاج والانية وكل صقيل لا مسام له بالمسح الذي يزول به أثر النجاسة، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصلون وهم حاملو سيوفهم وقد أصابها الدم، فكانوا يمسحونها ويجتزئون بذلك.
.تطهير النعل:
يطهر النعل المتنجس والخف بالدلك بالأرض إذا ذهب أثر النجاسة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وطئ أحدكم بنعله الاذى فإن التراب له طهور» رواه أبو داود.
وفي رواية: «إذا وطئ الاذى بخفيه فطهورهما التراب» وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه فلينظر فيهما، فإن رأى خبثا فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما» رواه أحمد وأبو داود، ولأنه محل تتكرر ملاقاته للنجاسة غالبا، فأجزأ مسحه بالجامد كمحل الاستنجاء بل هو أولى، فإن محل الاستنجاء يلاقي النجاسة مرتين أو ثلاثا.
فوائد تكثر الحاجة إليها:
1- حبل الغسيل ينشر عليه الثوب النجس ثم تجففه الشمس أو الريح، لا بأس بنشر الثوب الطاهر عليه بعد ذلك.
2- لو سقط شيء على المرء لا يدري هل هو ماء أو بول لا يجب عليه أن يسأل، فلو سأل لم يجب على المسئول أن يجيبه ولو علم أنه نجس، ولا يجب عليه غسل ذلك.
3- إذا أصاب الرجل أو الذيل بالليل شيء رطب. لا يعلم ما هو، لا يجب عليه أن يشمه ويتعرف ما هو، لما روى: أن عمر رضي الله عنه مر يوما، فسقط عليه شيء من ميزاب، ومعه صاحب له فقال: يا صحب الميزاب ماؤك طاهرا أو نجس فقال عمر: يا صاحب الميزاب لا تخبرنا، ومضى.
4- لا يجب غسل ما أصابه طين الشوارع. قال كميل بن زياد: رأيت عليا رضي الله عنه يخوض طين المطر، ثم دخل المسجد فصلى ولم يغسل رجليه.
5- إذا انصرف الرجل من صلاة رأى على ثوبه أو بدنه نجاسة لم يكن عالما بها، أو كان يعلمها ولكنه نسيها أو لم ينسها ولكنه عجز عن إزالتها فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه، لقوله تعالى: {ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} وهذا ما أفتى به كثير من الصحابة والتابعين.
6- من خفي عليه موضع النجاسة من الثوب وجب عليه غسله كله، لأنه لا سبيل إلى العلم بتيقن الطهارة إلا بغسله جميعه، فهو من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
قضاء الحاجة:
لقاضي الحاجة آداب تتلخص فيما يلي:
.1- أن لا يستصحب ما فيه اسم الله:
إلا إن خيف عليه الضياع أو كان حرزا، لحديث أنس رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتما نقشه محمد رسول الله، فكان إذا دخل الخلاء وضعه» رواه الأربعة.
قال الحافظ في الحديث إنه معلول، وقال أبو داود: إنه منكر، والجزء الأول من الحديث صحيح.
.2- البعد والاستار عن الناس:
لا سيما عند الغائط، لئلا يسمع له صوت أو تشم له رائحة، لحديث جابر رضي الله عنه قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكان لا يأتي البراز حتى يغيب فلا يرى» رواه ابن ماجه، ولأبي داود «كان إذا أرك البراز انطلق حتى لا يراه أحد» وله: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد».
.3- الجهر بالتسمية والاستعاذة:
عند الدخول في البنيان وعند تشمير الثياب في الفضاء.
لحديث أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال: «بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» رواه الجماعة.
.4- أن يكف عن الكلام مطلقا:
سواء كان ذكرا أو غيره، فلا يرد سلاما ولا يجيب مؤذنا إلا لما لا بد منه، كإرشاد أعمى يخشى عليه من التردي، فإن عطس أثناء ذلك حمد الله في نفسه ولا يحرك به لسانه، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما «أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه» رواه الجماعة إلا البخاري، وحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتيهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحديث بظاهره يقيد حرمة الكلام، إلا أن الاجماع صرف النهي عن التحريم إلى الكراهة.
.5- أن يعظم القبلة:
فلا يستقبلها ولا يستدبرها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها» رواه أحمد ومسلم، وهذا النهي محمول على الكراهة، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «رقيت يوما بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة» رواه الجماعة، أو يقال في الجمع بينهما: أن التحريم في الصحراء والاباحة في البنيان فعن مروان الاصغر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن...أليس قد نهي عن ذلك؟ قال: بلى...إنما نهي عن هذا في الفضاء.
فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم، وإسناده حسن، كما في الفتح.
.6- أن يطلب مكانا لينا منخفضا:
ليحترز فيه من إصابة النجاسة، لحديث أبي موسى رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكان دمث إلى جنب حائط فبال وقال: «إذا بال أحدكم فليرتد لبوله» رواه أحمد وأبو داود والحديث وإن كان فيه مجهول، إلا أن معناه صحيح.
.7- أن يتقي الجحر:
لئلا يكون فيه شيء يؤذيه من الهوام، لحديث قتادة عن عبد الله بن سرجس قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر، قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الجحر؟ قال: إنها مساكن الجن» رواه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم والبيهقي، وصححه ابن خزيمة وابن السكن.
.8- أن يتجنب ظل الناس وطريقهم ومتحدثهم:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا اللاعنين!» قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: «الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلتهم» رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
.9- أن لا يبول في مستحمه:
ولا في الماء الراد أو الجاري، لحديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه، فإن عامة الوسواس منه» رواه الخمسة، لكن قوله «ثم يتوضأ فيه» لأحمد وأبي داود فقط، وعن جابر رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد» رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وعنه رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الجارى»، قال في مجمع الزوائد: رواه الطبراني ورجاله ثقات فإن كان في المغتسل نحو بالوعة فلا يكره البول فيه.
.10- أن لا يبول قائما:
لمنافاته الوقار ومحاسن العادات ولأنه قد يتطاير عليه رشاشة، فإذا أمن من الرشاش جاز.
قالت عائشة رضي الله عنها: «من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا جالسا» رواه الخمسة إلا أبا داود.
قال الترمذي: هو أحسن شيء في هذا الباب وأصح انتهى، وكلام عائشة مبني على ما علمت، فلا ينافي ما روي عن حذيفة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سباطة قوم فبال قائما فتنحيت فقال: «أدنه» فدنوت حتى قمت عند عقبيه فتوضأ ومسح على خفيه رواه الجماعة، قال النووي: البول جالسا أحب إلي، وقائما مباح، وكل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
.11- أن يزيل ما على السبيلين من النجاسة وجوبا:
بالحجر وما في معناه من كل جامد طاهر قالع للنجاسة ليس له حرمة أو يزيلها بالماء فقط، أو بهما معا، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه» رواه أحمد والنسائي وأبو داود والدارقطني.
وعن أنس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزه فيستنجي بالماء» متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: «إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول وأما الاخر فكان يمشي بالنميمة» رواه الجماعة.
وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا: «تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه».
.12- أن لا يستنجي بيمينه:
تنزيها لها عن مباشرة الاقذار لحديث عبد الرحمن بن زيد قال: «قيل لسلمان: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة. فقال سلمان: أجل...نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو ببول، أو نستنجي باليمين، أو يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، وأن لا يستنجي برجيع أو بعظم» رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
وعن فحصة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لاكله وشربه وثيابه وأخذه وعطائه، وشماله لما سوى ذلك»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي.
.13- أن يدلك يده بعد الاستنجاء بالأرض:
أو يغسلها بصابون ونحوه ليزول ما علق بها من الرائحة الكريهة، لحديث، أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو ركوة فاستنجى ثم مسح يده على الأرض» رواه أبو داود والنسائي والبيهقي وابن ماجه.
.14- أن ينضح فرجه وسراويله بالماء:
إذا بال ليدفع عن نفسه الوسوسة، فمتى وجد بللا قال: هذا أثر النضح، لحديث الحكم بن سفيان، أو سفيان بن الحكم رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بال توضأ وينتضح» وفي رواية: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم نضح فرجه» وكان ابن عمر ينضح فرجه حتى يبل سراويله.
.15- أن يقدم رجله اليسرى في الدخول:
فإذا خرج فليقدم رجله اليمنى ثم ليقل: غفرانك فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال: «غفرانك» رواه الخمسة إلا النسائي.
وحديث عائشة أصح ما ورد في هذا الباب كما قال أبو حاتم وروي من طرق ضعيفة انه صلى الله عليه وسلم كان يقول: «الحمد لله الذي أذهب عني الاذى وعافاني»، وقوله: «الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه».