الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : المقيت

المقيت

الدرس الخامس والأربعين من دروس أسماء الله الحُسنى والاسم اليوم هو المُقيت، فالمقيت اسمٌ من أسماء اللـه الحُسنى.
 ورد في الحديث الشريف الذي عدّد الأسماء الحسنى. والقوت مايُمسك الرَّمق من الرزق، وما يُقيت الإنسان، وما يقيم أَوَده، وما يجعله يقف على قدمَيه، وما يُعينه على مُزاولة نشاطه، هذا هو القوت، فالقوت هو ما يُمسِك الرَّمق من الرِّزق ؛ فالخبز من القوت، والحليب من لقوت لكن بعض أنواع الفاكِهة ليس من القوت هناك طعام أساسي وهناك طعام ثانوي فالطعام الأساسي هو القوت، والله سبحانه وتعالى من أسمائه المُقيت.
 بعضهم قال: القوت هو ما يُقَوِّم بَدَن الإنسان من الطعام، ويجعله قائماً. قال ابن عباس رضي الله عنه: المقيت هو المُقْتَدِر ؛ كيف ؟ لأن هذا الإنسان يحتاج إلى طعام، والذي خَلَقه خلق له الطعام، وخلق له توافُقاً بين الطعام وبين جِسمه، وخلق أجهزةً في جسمه تأخذ هذا الطعام وتَمْتَصّه، وتستفيد منه. هناك عملية خلق، وعملية توافق، وعملية استِقبال. لِذلك المقيت هو المقتدر عِلماً وقوة، فهذا الحليب الذي تُنتِجه البقرة آلِيَّته مُعقدة جداً، خلِيّة الغُدّة لثديِيَّة يَمُرُّ فوقها أوعية شعرية فيها دم -وكأنها كائن عاقل - تختار من بين فَرْثٍ ودمٍ ؛ من بين الكريات الحمراء ومن بين البولة السائلة التي في الدم، العناصر الأساسية من بروتينات، وموادَّ دسِمة ومواد شَحمِيّة، ومواد مُقَوّية، ومعادن، لِيَكْونَ الحليب منها.
 فالذي صمّم هذه الكائنات على إنتاج هذا الحليب، ثم توافق هذا الحليب مع جِسم الإنسان، ثم وجود أجهزة في جسم الإنسان تستقبل هذا الحليب، وتهضمه، وتمتصه، وتجعله طاقةً.
 فالمقيت هو المقتَدر إذْ أنه خلق ووَفَّق، وأفاد، خلق الطعام، ووفّق بينه وبين خصائص الجِسم، وهَيَّأ له أجهزة تمتصه لِتستفيد منه.
 فابن عباس يقول: المقيت هو المُقتَدِر.
 أبو عُبيدة يقول: المُقيت هو الحفيظ، ما الذي يحفظ لك هذا الجسم ؟ الطعام والشراب، فَلو انعدم الطعام لأَدّى ذلك للمَوت. فَمِن أسماء الله المقيت ؛ وهو الذي يخلق القوت، ويحفظ بِالقوت الإنسان، وهو الذي يقتَدر بِعِلمه وقُدرته على خلق القوت المُناسب، وملاءمته مع الجِسم، وتهيِئَة أجهزة تمتصّه. فَصار المقيت: الحفيظ. والمقيت: المقتدر عِلماً وقُدرةً. والمقيت: هو الذي يخلق القوت.
 وقيل: المقيت هو الذي يعطي أقوات الخلائق. فَلَو تصوّر الإنسان وسأل نفسه ؛ كم من دابة تُذبح يومِياً لِتوفير طعام البشرية؟ فلو أخذ الإنسان خمسين غراماً من اللحم عِلماً أن عدد سكان العالم خمس مـليارات نسمة فَكم يكون التقدير ؟ والمحاصيل كم طُن ؟ بلادنا المتواضعةالتي عدد سكانها إثنا عشر مليوناً أنتجت ثلاث ملايين طُناً. فماذا نقول عن بِلاد مثل الصين التي عدد سكانها مليار ومئتا مليون ؟ وماذا نقول عن بِلاد مثل الهند التي عدد سكانها أربع مئة وخمسون مليوناً ؟ وكم تُنتِج من قمحٍ ولحم وخضار وفواكه ؟ من خلق ومن صمّم وهيّأ؟ هذا هو معنى المقيت.
 وقيل: المقيت: هو الذي يعطي أقوات الخلائق. وقيل: المقيت: هو الذي خلق الخلق وساق لهم الأقوات. لو أن أحداً قَدّم لك سيارة ومنعك من شراء البنزين لم تستفد أنت شيئاً ! إذ أنه من لوازم تقديم هذه المركبة إعطاء قسائم للوقود من أجل أن تسير بها، فالتعريف دقيق ؛ هو الذي خلق الخلق، وساق لهم الأقوات. فما دام قد خلق، فقد رزق.
 والشيء الدقيق قوله تعالى:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(40)﴾
(سورة الروم)
 لم يقُل ثم يرزقكم بل بِالفعل الماضي تطميناً لكم. لو أنك أرسلت إنساناً إلى بلد أجنبي، وأمَّنت له ما يحتاج إليه لِمدة خمس سنوات دُفْعةً واحدة سَلَفاً حتى يطمئن ؛ فجاء الفعل ماضِياً ؛ الله الذي خلقكم ثم رزقكم.
 فالمقيت هو الذي خلق الخلق، وساق لهم الأقوات. وهذه الغَنَمة التي خُلِقت خِصيصاً لنا كل شيء فيها ننتفع به ؛ بدْءاً من صوفها، إلى جِلدِها، إلى لحمها، إلى شحمها، إلى دُهنِها، إلى عظمها، إلى أحشائها، إلى قرنيها، إلى رأسها ؛ فكل شيء في هذه الدابة ينتفع الإنسان منه، وهي مُصمّمة للإنسان خِصيصاً، ومُصممة كي تتوالد بِسرعة كبيرة، وتحوي أجهزة كأجهزة الإنسان تماماً، من أجل أن تُعَلّمه ماذا في أحشائه.
 فقيل المقيت: هو الذي خلق الخلق وساق إليهم الأقوات ؛ الله عزّ وجل رب العالمين، وأوْصَل إليهم الضروريات، والكماليات، ورزق قوت الأشباح، وقوت الأرواح – الآن دخلنا بِمعنى أوسع –المقيت: ساق قوت الأشباح، وقوت الأرواح. والأشباح جمع شبحٍ وهو الجسم لأنه فانٍ والأرواح: المقصود بِها النفس. كما أنه يوجد أقوات للأجساد ؛ هناك أقوات للنفوس، والنفس قوتُها بالاتصال بالله عزّ وجل، قوتُها بالسكينة التي يُنزِلها الله على قلوب المؤمنين، وشعورها بأن الله راضٍ عنها، وبِمعرفتها بربها وبِالعمل الصالح الذي تتألق به ؛ هذا هو قوت النفس.
 فالآن كلمة قوت، وكلِمة مُقيت هناك قَفْزة من قوت الأشباح إلى قوت الأرواح ؛ من قوت الأجساد إلى قوت النفوس، ومن الطعام والشراب إلى العِلم، ومن الفواكِه إلى السكينة، ومن الماء إلى التجلّي الإلهي الذي يهبط على القلب فَيَمْلؤه سعادةً. قالوا: المقيت هو الذي خلق الخلق، وساق إليهم الأقوات، وأوْصَل إليهم الضروريات والكماليات، ورَزَقَ قوت الأرواح وقوت الأشباح. وقيل المقيت: هو المُتَكفّل. أحياناً الإنسان يُطعِم ولكنه ليس مسؤولاً، ولا مكلفاً، ولا مُلزَماً ؛ لكن الله عز وجل قال:
﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ(6)﴾
(سورة هود)
 و" على " تُفيد الإلزام الطوعي الذاتي والله عز وجل ألزم نفسه بِرِزق العِباد ؛ " ما من دابة إلا على الله رزقها " فهو المتكفّل بايصال الأقوات إلى الخلق.
 وذكر الرازي: المقيت من شَهِد النجوى فأجاب، وعلِم البَلْوى فَكَشف واستجاب. فالمقيت هو الذي يخلق القوت، والمقيت هو الذي يحفظ الإنسان من الجوع، والهلاك جوعاً، والمقيت هو الذي صمّم قوتاً يُناسب الجسد، وخلق في الجسد أجهزةً تستقبل القوت، وجعل توافُقاً عجيباً بين بنية الإنسان ومُكوِّنات الغِداء. يُقال أحياناً: هذا الحليب متوافق مع السِّن الفلاني ؛ فهو مدروس مع البروتينات والشحوم والفيتامينات فصار هناك اقتِدار أساسه العِلم والقُدرة. وصار هناك حفظ وإطعام ثم هناك قوت القلوب. وقوت القلوب: معرفة علاّم الغيوب، والاتصال بالله عز وجل.
 وقوت القلوب الأمن الذي يملأ الله به قلب عبده المؤمن، والمؤمن ممتلىء قلبه أمْناً، وممتلئة نفسه سكينةً ورِضاً واطمِئناناً ؛ هذا هو قوت القلوب.
 وكلكم يعلم أنه تمر على الإنسان فترات يذهب أين شاء ويأكل ما يشاء ويستمتِع بِطيبات الحياة الدنيا، ومع كل هذا الاستِمتاع يشعر بِجوعٍ روحي، يريد أن يتصل بالله، وأن يرضى الله عنه، فإِشباع الجسد لا يُغْني الروح شيئاً، فروحك ونفسك بِأمسّ الحاجة إلى قوتٍ خاصٍ بها. فلو أن شخْصاً صلى صلاة مُتقنة وانهمرت دموعه في الصلاة، أو قرأ القرآن فَشَعر بِسعادَةٍ كبرى ؛ يشعر بِالرِيّ، ويشعر بالاكتِفاء، وأنَّ الله عز وجل قَبِله، وأقبل عليه، وتجلّى على قلبه، وأنزل على قلبه السكينة، وكأنه حَفِظَهُ، وكأنه غَفَرَ له وهذا هو قوت القلوب.
 مثلٌ آخر أقرب ؛ لو أنّ أباً في البيت، كلُّ ألوان الطعام موجودة، وكل ألوان الألبسة موجودة، لكنه لا ينظر إلى ابنه إطلاقاً ولا يُكلّمه فهل يكتفي هذا الابن بِالطعام الذي يأكله في البيت، وبالشراب اللذيذ، وباللباس الجيد ؟ لا يمكنه ذلك، لأنَّ الابن بِحاجة إلى ابتسامة من أبيه، وإلى كلمة عطف، وبِحاجة إلى أن يضع الأب يده على كَتِف ابنه، وإلى أن يضُمّه ؛ فالضَمّ ليس طعاماً، وبِحاجة إلى أن يُقَبّله أبوه، والتقبيل ليس طعاماً. ووضع يده على كتِفِه ليس طعاماً، وكذلك على رأسه، وأن يبتسِم في وجهه ليس طعاماً، أليس الطِّفل الصغير بِحاجة ماسة إلى قوت من نوع آخر، يُسمّيه المربون: أن يستَقِيَ الحنان من أمّه وأبيه، وأن تضُمَّه أمه إلى صدرها، وأن يضعه أبوه في حجره، وأن يبتسم في وجهه، وأن يُضاحكه، وأن يُداعِبه، وأن يُلاعِبه، فهذه حاجة أساسية بِالإنسان. وكلما ارتقى الإنسان تصبح حاجته إلى هذا القوت المعنوي أشدّ من حاجته إلى القوت المادي. والإنسان عندما يقوى إيمانه لا يرى سعادةً أكبر من أن يشعر أن الله تعالى يُحِبُّه، وأنه في عَين الله ورعايته وتوفيقِه، ونحن بِحاجة إلى قوت القلوب.
وحينما يفتقِر القلب إلى القوت يتصحّر لأنَّ الحياة منعدمة، أحياناً البكاء يجعل الإنسان يشعر بِسعادة، وإن أرقى بكاء الإنسان أن يبكي بكاء الرحمة، اُدخل لِعالم الإيمان وإلى عالَم القُرب من الله. كنت أدعو في بعض الأدعية: اللهم أخرِجنا من وُحول الشهوات إلى جنات القُربات، القُرب جنة ؛ العِفّة والاستِقامة والصدق والأمانة والضبط وأداء العِبادات وتِلاوة كتاب الله، هذا قرب، وهذه جنة، أخرِجنا من وُحول الشهوات إلى جنات القُربات. فإذا أكل الإنسان أطيب طعام حتى امتلأ بطنه، ونال من المباحات ما يشاء. وبعدئذٍ يشعر بِالفراغ ويشعر بِالملل والسّأم، لأنَّ هذه الدنيا صغيرة ولا تُملأ قلب الإنسان، ولا تُملأ نفسه اللا متناهية ؛ فهذه
 لا يملؤها إلا القُرب من الله عز وجل. فأخذ القوت معنىً آخر، فأصبح لدينا قوت للقلوب، وقوت للأجسام. فَقُوت الأجساد الطعام والشراب، وقوت القلوب معرِفة الله والإقبال إليه والقُرب منه، لذلك أكبر عِقاب يُعاقب به الإنسان يوم القِيامة قوله تعالى:
﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)﴾
(سورة المطففين)
 لو فرضنا أباً على مودّة بالغة مع ابنه لو قال له: اُخرج ولا ترِني وجهك! والله هذا القول هو أكبر عِقاب للذي يملك حساسِية والذي هو مدلل.
 وفي بعض المعاجم المقيت هو الحفيظ. والحفيظ على وزن فعيل صيغة مبالغة، يعني حافظ وحفيظ شديد الحفظ، والمُقتَدِر عِلماً وقُدرةً، والقدير والمُقَدِّر. فالأغذية متوازنة بِدِقّة بالِغة، ذكرت لكم من قبل أنَّ الطفل الصغير إذا ماتت أمه قبل أن تُرْضِعه، أو طُلِّقت، أو خافت على رشاقتِها فلم تُرْضِعه وأسقَيْناه حليب البقر المعقم، هناك مُضاعفات خطيرة تحدث معه في المستقبل، لأنَّ المادة البروتينية في حليب البقر أربعة أمثال ما تحْتَمله أجهزة الطفل الصغير لذلك يُصاب بِآفات قلبية، وآفات وِعائية، وآفات في الكبِد والكُليَتين، وتُعزى بعض الآفات القلبية والوِعائية والكبِدية والكَلَوِية ؛ إلى أن الطفل حُرِم الرِّضاع من أمه، هل تُصَدّقون أن حليب الأم يتبدل تركيبه في أثناء الرضعة الواحدة ؟ والآن كل معامل أغذية الرُّضع، مكتوب على عَبْواتها لا شيء يُعادل حليب الأم في الدرجة الأولى، إذاً هناك تقدير وقدرة وعِلم وحِفظ.
 وردت كلِمة المقيت في القرآن الكريم مرةً واحدة، في سورة النِّساء قال تعالى:
﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85)﴾
(سورة النساء)
 أي حفيظاً ويحفظ لكم أعمالكم كلها.
﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً ﴾
 دَللْتَ إنساناً على الله، أو دَلَلْتَه على أخ مؤمن، أو عرَّفته بِأخٍ صادق، شفعْتَ شفاعةً حسنة أيْ: نَتَجَ عنها خيرٌ عميم.
﴿ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً ﴾
 َدلْلَته على معصية أو مُخالفة أو على أُسلوب لا يُرضي الله في التعامل، شفعْتَ له شفاعةً سيِّئة، قال تعالى:
﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ﴾
 له: اللام هُنا لام الملكية:
﴿ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ﴾
 سَيَدفع نصيبه من هذا الأذى الذي سبّبه بِشفاعتِه.
﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85) ﴾
 أيْ أنَّ الله عز وجل يعلم كل شيء، ويُسجّل كل شيء،ويحفظ كل شيء، ويحفظ لك شفاعتك الحسنة أو شفاعتك السيئة. أحياناً تجد شخصاً ينصح آخر أن يرسِل ابنه إلى بَلد أجنبي وابنه مُراهق وفي مقتَبل العمر وهناك فساد كبير فالذي يحصل في هذه البلاد في صحيفة من نصح، لذلك قال تعالى:
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾
(سورة الكهف الآية: 28)
 فأيّ نصيحة تُؤدي إلى المعصية ؛ فهذه هي الشفاعة السيئة أية نصيحة تؤدي إلى منفعة ؛ فهي الشفاعة الحسنة، قال تعالى:
﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85)﴾
(سورة النساء)
 فإذا نصحت أحداً أن يحضر مجلِس علم فكل خير يتأّتى من هذا المجلِس في صحيفة الناصِح، ونصحتَ آخر على أكبر قِياس حتى يتحصل على مئتي محطة تِلِفِزيونية فكل سقوطِه في الليالي الطويلة وراء هذه الأجهزة في صحيفة الناصح، تجده يقول لك: هذا الهوائي صغير حدّه سبعون نريد مئتين قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ﴾
 حفيظ أي مقتدِرٌ وحافظٌ وشاهدٌ وشهيدٌ.
 وردت مادة القوت في سورة فصّلت ؛ نحن عِندنا كلمة وعندنا مادة، والمادة في اللغة مثلاً عين لام ميم مادة العِلم، هناك علِم يعلم اِعلم عالم معلوم معلم علامة تعليم، فمادة علِم تحوي اسم فاعل، واسم مفعول، واسم مكان، واسم زمان، واسم آلة، واسم تفضيل وصيغة مشبهة باسم الفاعل، وفعل الأمر، وفعل المضارع، وفعل ماضٍ مجرد ومزيد ؛ كل هذه الكلمات أعضاء أسرة لِجدٍ واحد مادة علِم، فكلمة مقيت وردت مرةً واحدة في القرآن الكريم قال تعالى:
﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ﴾
 أما مادة القوت وردت مرة واحدة في سورة فصلت:
﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)﴾
(سورة فصلت)
 أربعة أيام أي في أربعة فصول ؛ لولا مَيْلُ المِحوَر لما كان هناك فصول ! لو أن الأرض مِحورها عمودي على مستوى دورانها لكانت الفصول ثابتة هنا صيف سرمدي لوجود شمس والأشعة هنا عمودية، وهنا خريف وربيع سرمديان إلى الأبد، أما ميل الأرض هكذا، والشمس من هنا، هنا عامودية فهنا صيف، وهناك مائلة شتاء، فلما عكست الآية صار هنا عامودية، وهناك مائلة، فَمِيْل المِحور جعل تقلّب الفصول وهذا هو قوله تعالى:
﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴾
 وبعض العلماء فرّقوا بين اسم المقيت، واسم الرزاق قالوا:
 " المقيت: هو خالق الأقوات، وموصِلها إلى الأبدان وهي الأطعمة، وإلى القلوب وهي المعرِفة، قوت القلوب المعرفة وقوت الأبدان الأطعمة ؛ خلقها ووفَّقَها وأوصلها وانتفع الجِسم منها "، عملية معقّدة. أحياناً تكون أمامك علبة لحم لكنك لا تستطيع أن تفتَحها فأنت لم تستفِد شيئاً، لكن الطعام الذي خلقه الله عزّ وجل يتوافق بِشكل عجيب مع حاجات الجسم، وبِشكلٍ أشد عَجَباً مع طبيعة الأجهزة التي تستقْبِله.
 قال: " إن المقيت هو خالق الأقوات، وموصِلها إلى الأبدان وهي الأطعمة، وإلى القلوب وهي المعرفة " إلاّ أنه أخص من الرزاق إذ الرزق يتناول القوت وغير القوت قال تعالى:
﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) ﴾
(سورة الواقعة)
 الرزق يتناول القوت وغير القوت ؛ لكن العلماء الآخرين قالوا: " هناك قوتان ؛ قوت للروح وقوت للجسد ".
 ومن معاني المقيت ما يكتفي به في قِوام البدن ؛ أكل لُقمتين فِشبِع واستطاع أن يمشي فهو بهذا الطعام استطاع التحرك.
ومعنى مقيت أي ؛ مُستولٍ على الشيء القادر عليه. تقول: مُقيت على هذا البيت بِمعنى مُتَمَلِّك على زِمامه، أو مُطّلِع عليه وقادِر على فهم كل خباياه. فإما قدرة، أو عِلم، أو حِفظ، أو إطعام.
 وقال بعض العلماء: " المقيت بِمَعنى الرزاق إلا أنه أخص منه "، فأنواع البهارات هذه ليست قوتاً ؛ ولكن تُحَسِّن الطعْم. وهناك قلوبات كما يقولون وهي كذلك ليست طعاماً ولكن تُحسن طعْمه. أنواع الفواكه كذلك فهناك أنواع لذيذة الطعم ؛ ولكنها ليست قوتاً ولكنها مبالغة في الإكرام.
 يمكن أن نسمي خالق هذه الأطعمة التي لا يحتاجها الإنسان يمكن أن تنطوي تحت اسم الودود. ويمكن أن تنطوي الأطعمة الأساسية تحت اسم المقيت. يمكن أن يدعوك شخص إلى الطعام، ويُقدم لك نوعاً واحداً، ويمكنه أن يضع لك أنواعاً من حلويات، ومقبلات، وأزهاراً على الطاولة؛ هذا كله يزيد على حاجة الإنسان. فصار هناك مقيت، و ودود. فهناك أطعمة تنطوي تحت اسم الودود وهناك أطعمة تنطوي تحت اسم المقيت.
 الآن مع أدب العبد مع اسم المقيت. ما علاقتنا بهذا الاسم الجليل ؟، قال: الأدب الأول أن لا يقبل إلا الحلال الطيب ؛ فالله يُطعِمنا فلا ينبغي أن تأكل إلا الحلال الطيّب. هناك قاعدة: لدينا شيء حرام لِذاته، وهناك شيء حرام لِغيره ؛ فأَكْل الإنسان لحم الخِنزير، هذا حرام لِذاته أي لِذات الخِنزير. و أن يأكل لحم الغَنَم دون أن يدفع الثمن هذا حرام ولكن ليس لِذاته وإنما لِغيره. فالحُرْمة الأولى حُرمة لِذات الشيء، والحُرمة الثانية حُرمة لِغَير ذات الشيء وإنما لِطريقة تناوُلِه. وإن كان الطعام الذي خلقه الله قد خلقه لنا إلاّ أننا لابُدَّ أن لا نأكل منه إلا حلالاً بِكَسْبٍ صحيح مشروع.
 فَمن أدب المؤمن مع اسم المقيت أن لا يقبل إلاّ الحلال الطيّب ؛ لِيَرتَفِع عند الله ذِكره، ويعظم أجره. هناك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم جامِعٌ مانِع:
(( يا سَعْدُ أَطِب مطْعَمك تكن مُسْتَجاب الدعوة.))
(رواه الطبراني)
 فالمال الذي بِحَوْزَتِك ينبغي أن يكون حلالاً. فإذا كان حلالاً.
 تشتري به طعاماً، عند الله هو طيِّب. وإذا أكلت طعاماً طيِّباً لأن ثمنه حلال بِمعنى أن كسبه مشروع، خالٍ من الكذب، والغِش، والتدليس، والاحتِكار، ليس فيه تغيير مُواصفات، ولا إيهام، ولا حلْف كاذب، إذا كان الأصل حلالاً -مادةً وطريقةً-كان المال حلالاً والطعام الذي تشتريه به طيّباً ؛ عِنْدئذٍ أطِب مطْعَمك تَكُن مسْتَجاب الدعوة.
 رُوي أن سفيان الثوري: كان يتحرّى الحلال من الرزق، حتى كان أولاده يُعانون من الفقر فجاءه رجل موسِر بِصُرّة مالٍ وقال له: إن هذا مالٌ حلال ورجاه أن يقبِله منه فقبِله سفيان. وبعد قليل ردّ المال إلى صاحِبِه فقال أحد أبناء سفيان لأبيه: يا أبتِ أليس لك أولاد بحاجة إلى هذا المال ؟ فقال له سفيان: أتُريد أن تأكل وتتنعّم وأبوك يُسْأل عنه يوم القِيامة؟ أكاد أن أقول: إن تِسْعة أعشار الدين أن يكون الرزق حلالاً.
 فأيُّ كسْبٍ للمال ؛ المادة مشروعة، والحديثُ فيه صِدق، ووفاء بِالوعد، ودِقة للسعر، ونصيحة للشاري، ولا تدليس، ولا غِش، ولا كذب، ولا احتِيال، ولا مُبالغة، ولا تغيير مواصفات، وكل شيء مشروع صار هذا المال الذي تكسِبه مالاً حلالاً، وينفعك نفعاً لا حدود له، ويُبارِك الله لك فيه برَكَةً ما بعدها بَرَكة.
 هناك أدب آخر، ذكر بعض العلماء أن من أدب هذا الاسم أنّه إذا أتاك الغَداء أن تشاهد المُنعِم من خلال النِّعمة ؛ فكلنا نأكل لكن إذا جلس الإنسان لِيأكل ورأى كأس شاي: من خلق الشاي بِهذا الطعم الطيّب ؟ ومن خلق السكر ؟ ومن جعل الماء صافِياً ؟ ومن خلق شيئاً نوقِده أي نجعله يغلي ؟ فهذا الخبز: من خَلَق القمح ؟ وهذا الجُبن، وهذا اللبن، وهذا الزيتون من صمّمه؟ ؛ شجرة مُباركة. أكلتَ أرزاً من صمّم هذا المحصول ؟ أكلتَ فاكهةً، فإذا كان الإنسان مع الله يتأثر دائماً، لا يرى حين جلوسه إلى المائدة إلا نِعمة الله ؛ وهذا شعور راقٍ جداً، ولذلك يبدأ الإنسان بِالبَسملة، ويحمد الله على هذا الطعام الذي خلقه الله له.
 أحياناً: الإنسان: المئة ألف ليرة لا تساوي عنده رغيفَ خبز، فالإنسان أساس حياته الطعام والشراب ؛ فإذا حُرِمَهما وكان معه المال الوفير فهذا لا يساوي عنده ولا شيئاً. إذا كان الإنسان في الصحراء وكاد يموت جوعاً حانت منه التِفاتة فرأى بِركَة ماءٍ عن بُعدٍ فأشرق في نفسه نور الأمل، فلما وصل إليها شرب حتى اِرتوى. ثم حانت منه اِلتِفاتة فإذا بِكيسٍ مملوء، كاد يختل عقله من شدة فَرَحه، ظن أن فيه خبزاً، فلما فتحه لم يجد فيه إلاّ لآلىء فصاح واأسفاه هذه لآلىء ! إذْ إنه كان يتمنى الخبز. فاللؤلؤ بالمدينة له قيمة أما إذا كان بالصحراء وكاد يموت عطشاً ؟، فكأس الماء لا يعدِلُهُ شيء حتى إن وزراء بعض الخلفاء قال له: يا أمير المؤمنين بِكم تشتري هذا الكأس من الماء إذا مُنِع عنك ؟ قال: بِنصف ملكي قال: فإذا مُنِع عنك إخراجه قال بِنِصف ملكي الآخر. هناك نِعم مشتركة لا أحد يعرف قيمتها ؛ فهناك ماء تشربه، وهذا الماء يخرج بِيُسرٍ بِلا انحِباس. وهناك طعام تأكله، وهذا الطعام تتمثَّله ويخرج بِلا انحِباس،
 فَتَلَقّي الطعام والشراب، وخروج الطعام والشراب بِشكلٍ مَيْسور هذه نِعمة لا يعرِفها إلا من فقدها.
 إذاً: من أدب هذا الاسم ؛ أنه إذا أُتِيَ لك بِغِداء تشهد المقيت الواسع، ومتى عَشِقَتْ روحُك المقيت فَنِيْتَ في أنواره، واجتَهدْتَ في أذكاره، فَتَأكل الطعام ويتجلّى لك واسِع الإكرام. النبي صلى الله عليه وسلم علّمنا أن نأكل بِبُطء وأن نأكل ونذكر الله مع الأكل، وقال عليه الصلاة والسلام:
 أخرج العقيلي والطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة، ولا تناموا عليه فتقسَو قلوبكم))
 لأنَّ الإنسان إذا ذكر الله وهو يأكل ذكر نِعَمه العظيمة، أحياناً يشتهي الإنسان أن يأكل طعاماً تجد أفقر الناس هم الذين يأكلونه، إذا صار اِلتهاب المفاصل مع شخص مُنِع من أكل الحُمص والفول، وبعض أنواع اللحوم عِندئذٍ يرى صحن الحمص أثمن صحن بِالحياة، فَحِينما يُمنع، يشتهيه. لذلك عندما يأكل الإنسان من دون قيود ؛ فهذه نِعمة لا يعرفها إلا من فقدها. فالمؤمن إذا جلس ليأكل ينتقل من النعمة إلى المُنعِم، ومن القوت إلى المقيت. ومن هذا الإكرام إلى المُكَرَّم.
 من التخلّق بِهذا الاسم الكريم ؛ أن لا تطلب حوائجك إلاّ من الله تعالى، لأنَّ خزائن الأرزاق بِيَدِه. فعلى الإنسان أن يسأل حاجته ربّه كلها فهناك أشخاص تهون عليهم نفوسهم، ويبذلون ماء وجوههم لغير الله عزّ وجل لكنَّ المؤمن لا يسأل إلاّ الله عز وجل.
 ورد في الحديث الصحيح:
(( أن يا موسى اسألني كل شيء حتى شِرْك نعلك ومِلح قِدرك.. ))
 فأول أدب من اسم المقيت أن تتحرى الحلال الطيّب، والأدب الثاني ؛ أن تنتقل من القوت إلى المقيت، ومن النعمة إلى المُنعِم، والأدب الثالث ؛ أن لا تسأل حاجتك إلاّ الله تعالى.
 بعض العلماء يذكرون أنواعاً من القوت ؛ منهم من جعل اللهُ قوتَه في المطعومات ؛ فهذا يعيش لِيأكل. حياتُه كلها طعام وشراب. ومنهم من جعل اللهُ قوتَه في الطاعات وهمّه طاعة الله عز وجل. ومنهم من جعل اللهُ همّه وقوتَه في المكاشفات والمشاهدات. فهناك إنسان يأكل، وآخر يُطيع، وآخر يُقْبِل، فالإقبال قوت، والطاعة قوت، والطعام قوت.
 وقد قال عليه الصلاة والسلام أبيت عند ربي يطعِمني ويسقين. لكنه طعام من نوع آخر. بِرَبِّكم هناك جلسات - وأنا أعرف ذلك - مباركة وطيِّبة وفيها تجلّي تخرج منها وأنت منتَعِش، وأنت في أعلى درجات السعادة فهذا قوت. قال عليه لصلاة والسلام:
((عَنِ الأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ))
(رواه مسلم)
 فهذه الجلسات التي فيها ذكر الله وفيها صفاء وإخلاص وتواضع هي من القوت الذي ذكره بعض العلماء.
 قال بعض العلماء: " القوت ذِكْر الحيّ الذي لا يموت "، وعلماء آخرون قالوا: " إن الله جعل أقوات عِباده وخلقه مختلفة ؛ منهم من جعل قوته الأطعمة والأشربة على اختِلاف أنواعها، وهم الآدميون وبعض الحيوانات. ومنهم من جعل قوته الطاعة والتسبيح وهم الملائكة. ومنهم من جعل قوته المعاني والمعارف وهي العقول التي في الأجساد. وفي العقل "، نِظام يجمع المحاسن كلها.
 ورد في الأثر:
((أن جبريل عليه السلام جاء إلى آدم عليه السلام وقال له: إني آتيك بِثلاثة أشياء فاختر واحدةً منها. فقال آدم: ما هي ؟ قال هي العقل والدين والحياء قال: اخترتُ العقلَ فقال جبريل للدين والحياء انْصَرفا فقد اختار العقل، فقال الدين والحياء معاً: إنا أُمِرنا أن نكون مع العقل حيث كان.))
 بقي أن نعلم أيها الإخوة أنّ العبد إذا اشتغل بِطاعة الله عزّ وجل، سَخَّر له من يعينه على تأمين حوائجِه كلها. وأما من شُغِل بِشهواته، أوْكَله الله إلى ذاته. فالإنسان المشغول بِذِكر الله عز وجل قوتُه مُؤَمّن وحاجاته مُيَسّرة. وهم في مساجدهم والله في حوائجهم، وأما الذي يشتغِل بِشهواته، يَكِله الله إلى ذاته -والإنسان ضعيف -وعندئذٍ يقع في حَيْرة وشُغلٍ وعناء، يقول عليه الصلاة والسلام في بعض أدعيته:
(( اللهم اجعل رِزق آل محمداً قوتاً ))
 وفي رواية: كفافاً فيما رواه عن أبي هريرة.
(رواه مسلم)
(( اجعل رِزق آل محمداً قوتاً ))
 وقال عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا
أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))
(رواه أبو داوود)
 فأكبر إثمٍ ؛ أن تُضَيّع أولادك، وأن تضَيِّع نفوسهم، فلا تُعَرّفهم بِربهم وأن تُضَيِّع أجسادهم فَتُهْمِل إطعامهم وكِسْوتهم ومُعالَجتهم، فالعِناية بِالأولاد من أجَلِّ العِبادات ؛
(( كفى بِالمرء إثماً أن يُضَيِّع من يقوت ))
 و:
(( اللهم اجعل رِزق آل محمدٍ كفافاً))
 إخواننا الكرام: اسم المقيت كل يوم ثلاث وَجْبات، وبِكل مجلِس علم هناك مقيت، أنت في البيت تأكل الطعام والشراب ؛ ينبغي أن ترى أن هذه مائدة الله عزّ وجل. والأكمل أن تُفَكّر في كل أنواع الطعام، كيف خُلِقت ؟ وكيف نَمَت ؟ وكيف طُبِخت ؟ وكيف عولِجت ؟ فَيَجِب أن تعبّر النِّعمة عن المُنعِم، والقوت عن المقيت. وإذا دخلت المسجد ؛ فَهُناك قوت آخر. لعِلم قوت القلوب والاتصال بالله قوت، والعمل الصالح قوت فالله عزّ وجل يُقيت الأشباح بِالطعام، ويُقيت الأرواح بالعلم والمعرفة ونحن عالَةٌ على المقيت جلّ جلاله، خَلقنا وخلق لِهذا الفَم ما يملؤ هو خلق أنفسنا وخلق لِهذه الأنفسِ ما يُسْعِدها، فَنحن بين لذّة الطعام، ولذّة القُرب من الله عزّ وجل. وهذا الاسم المقيت يدور مع الإنسان مادام حياً. لذلك النبي صلى الله عليه وسلم تَعظُم عنده النِّعمة مهما دقَّت، وكلما عرفت اسم المقيت تحترِم هذه النِّعمة التي بين يديك، " يا عائشة أكرمي مُجاورة نِعم الله فإن الِّنعمة إذا نفرت قَلَّ ما تعود، يا عائشة أكرمي مُجاورة نِعم الله فإن النعمة إذا نفرت قَلَّ ما تعود "، وقال تعالى:
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) ﴾
(سورة إبراهيم)
 وقال تعالى:
﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾
(سورة إبراهيم)
 أي أنتم عاجِزون عن إحصائها ؛ فَلأن تكونوا عاجِزين على شكرِها من باب أولى لأن الإحصاء سهل، فَلَو جاءتك مئة هدِية في مناسبة وِلادة، جلوسك ربع ساعة يكفيك لِكتابة كل ما جاءك من هدايا، أما أن ترد كل هدية بِثَمنٍ يُقابِلها ؛ فهذه تحتاج لِجهدٍ كبير. فالله عزّ وجل أشار إلى أننا عاجِزون عن إحصاء النِّعم بل إننا عاجِزون عن إحصاء نِعمةٍ واحدة فلأَن نكون عاجِزين عن شكرِها من باب أولى