الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : الوكيل

الوكيل

 مع الاسم الثامن والأربعين من أسماء الله الحسنى والاسم هو الوكيل فالوكيل أكرّر هو اسم من أسماء الله الحُسنى تبارك وتعالى، هذا الاسم بالتعريف الدقيق ؛ الوكيل هو القَيِّم الكفيل بِأرزاق العباد وهو بِتعريف العلماء هو: القائم بِأمور عِباده يُدِير أمورهم ويتولى شؤونهم وتسخير ما يحتاجون إليه، حينما يسخّر لهم ما يحتاجون إليه فهو الوكيل أو هو الذي أوكِل إليه كل أمر بِمعنى إليه يُرجع الأمر كله.
 وقيل: الوكيل هو المُتَولي بِإحسانه أمور عِباده المتقين المُوَكّول إليه كل أمرٍ من أمورهم لِقوله تعالى:
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)﴾
(سورة البقرة)
 هذا معنى فرعي لِذلك قالوا: من توكّل عليه تولاه وكفاه ومن استغنى بِه أغناه وأرضاه، بِتَعريف آخر الوكيل هو المَوْكول إليه أمور العباد ومصالحهم، فمثلا قد يسأل إنسان ويقول: الأمر بِيَد من ؟ يُقال: بِيَد فلان هو الرجل القوي وهو الآمر والناهي وهو الذي يقرر وهو الذي يوافق والذي يرفض ويسمح ويمنع ويعطي ويأخذ.
 فالوكيل: الموكول إليه أمور العباد ومصالحهم والمُتصرف فيها كما يشاء، وعباد الرحمن أَوْكلوا إلى الله أمورهم واعتمدوا على إحسانه لِعَجْزِهم عن تحصيل مهماتهم، وهنا معنى جديد إذْ يجد المرء نفسه أحياناً عاجِزاً عن متابعة هذه القضية في المحاكم، يجهل القوانين وأساليب رفع المذكّرات وأسرارها فَلِذلك يُوَكّل محامياً، يقول: أنا وكيلي فلان، فالوكيل إما أن الله سبحانه وتعالى يتولى أمر العباد كلّهم أو أنه يتولى أمر عِباده المتقين يُرضيهم ويًغنيهم ويكفيهم أو لأن الله عز وجل لِعَجْز عباده عن تحصيل شؤونهم وإدراك مصالحهم هم يوكِلونه في شؤونهم التي يعجزون عنها دائما وهذه المعاني كلها تحتملها كلمة الوكيل.
 نعم إنّه المتولي لِشؤون عِباده يصرّفها كيف يشاء، لذلك قالوا: إذا تولى الله عبده بِجميل العِناية كفاه كل شُغل وأغناه عن كل غَيْرٍ، هو الكافي لِمن توكل عليه، إذا اتجه العبد إلى الله مُتَوَكِّلاً تولاه بِحُسن رِعايته فإذا استقام ختم له بِجميل وِلايته، لعل أحدًا يقول هذه تعريفات الوكيل أكثرها مُتَداخل ومُتشابك فالمؤمن من خصائص إيمانه أنه يكِل أموره إلى ربه ويعتَمِد عليه ويطمئِن، والإنسان في أصله ضعيف وضعفه سبب سعادته لو أن الله خلقه قوِياً لاستَغنى بِقُوّته فَشَقِي باسْتِغنائه، خلقه ضعيفاً لِيَفتقِر إليه بِضَعفِه فَيَسْعد بِافتِقاره.
 إنّ الله جلّ جلاله ما أمرنا أن نتكل عليه إلا لِيَكْفِينا أمرنا كله والعجيب أن يُواجِه الإنسان الصِّعاب ولا يتوكّل على الله، ولِحِكمةٍ بالِغةٍ بالِغة أرادها الله عز وجل الحياة مُفْعَمة بِالمُقْلِقات وبِالمخاوِف والإنسان فوقه ألف سيفٍ وسَيْف ؛ من يدري ماذا سَيَكون حاله بعد حين ؟ ومن يملك هذه الخلايا ألا تنمو نُمواًّ عشوائياً ؟ ومن يملك هذه الدسِّامات أن تبقى تعمل بِانتظام ؟ ومن يملك هذا الدِّماغ ألا تتجمّد فيه خثرة فَتُعَطّل بعض فاعِلية الإنسان ؟ من يدري ماذا سيَكون ؟ هذه المخاوِف مَخاوِف المرض، وهناك مُقْلِقات متعلِّقة بِالرزق وبالأولاد والأهل والعمل وكسب الرزق، لماذا الدنيا مشحونة بِالمخاوِف ؟ الحِكمة ؛ من أجل أن تفِرّ إليه وتعتمد عليه وأن تثِق به وأن تُقْبِل عليه وأن تُدْفَع إلى باب عُبودِيَتِه وأن تكون عبداً له مُنيباً مُفْتَقِراً.
 ولنعلم جميعًا أنّنا لسْنا في دار مُقام بل نحن في دار انتِقال ونحن في ممرٍ ولَسْنا في مقرّ وفي حياة إعْدادٍ لِحياة أبَدِية فالنَّعيم المطلق والسعادة التامة والطمأنينة التي لا يُخالِجها قَلَق والصحة التي لا يُساورها مرض هي في الجنة، نحن في دار إعداد وفي حياةٍ دنيا صُمِّمت لِتكون مدرسةً لِحياةٍ أبدية خالِدة، لذلك ليس عجيباً أن تكون الحياة مُقْلِقة وعِلاجُها أن تلْتَجئ إلى الله حيث الأمن والطمأنينة والراحة والتوازن، إذا قلت في اللغة: أَوْكَلت أمري إلى الله أيْ ألْجأته إليه ؛ هذا الأمر الذي أخافني أو هذا الأمر الذي أقْلَقني وعَجَزت عن حلّ مشكِلتِه أحلته على الله سبحانه وأَوْكَلْتُه إليه.
 قال بعض علماء القلوب: دَبِّر فأنا لا أُدَبِّر، وقال بعضهم يُناجي ربه:
إذا كنت في كل حالٍ معي  فَعن حمْلِ زادي أنا في غِنى
فأنتم هو الحق لا غَيْركـم  فيا ليت شِعري أنا من أنـا
***
 وقال بعضهم:
كُن عن الهموم معرِضا  وكِلِ الهموم إلى القضا
وابشِر بِخيرٍ عاجــِل  تنسَ به ما قد مضـى
فَلَرُبّ أمرٍ مُسْخِـــطٍ  لك في عواقبِه رِضـا
وَلَرُبَّما ضاق المضيـق  وَلَرُبما اتسع الفضــا
الله يفعل ما يشـــاء  فلا تكونن مُعتَرِضـا
الله عَوَّدك الجمـــيل  فَقِسْ على ما قد مضى
***
 الذي أراه أن طبيعة الحياة شاءها الله أن تكون دار اِلْتِواء لا دار اِسْتِواء ومنزِل تَرَحٍ لا منزل فرَحٍ ودار بلاء وتَعَبٍ ونَصَبٍ، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ (6)﴾
(سورة الانشقاق)
 شاءها كذلك من أجل أن تلتَجئ إليه وأن تُقْبِل عليه وأن تعتمِد عليه وأن تتوَكَّل عليه.
 وَكَلْتُ أمري إلى الله أيْ أَلْجَأْتُه إليه، إذا كانت للإنسان قضية صغيرة ومِفْتاحها بِيَدِه لا يسأل أحداً ولا يسْتعِنْ بِأحد، لو أن كل الأمور نقدر عليها ولا تعجزنا لاستغنيْنا عن الله عز وجل، ولو أن الأمور أصغر من طاقتِنا ومن تدبيرنا حينها لا يشعر الإنسان بِحاجة إلى الله عز وجل لكنه مُحتاج إليه دائماً، وهذه الحاجة تحتاج إلى إعمال عقل أما حينما تأتي الأمور أكبر مما نستطيع ونعجز عن مواجهة أمر وحينما نجد أنفسنا أمام شبح مشكلة كبيرة وحقل ألغام وأننا أضعف من أن نُواجِه عدُواً، ما حِكمة هذه المصاعِب المتكرِّرة وهذه المتاعب في الحياة الدنيا ؟ قد يقول أحدكم لماذا هذه الصعوبات يا رب ؟ لماذا الإنسان تحت سيوفٍ مشرعة كثيرة ؟ فتارةً يَقْلَقُ على صِحَّتِه وتارة على دخْله وتارة على مستقبل أولاده وتارة على مستقبل بناته لماذا هكذا يا رب ؟ الجواب أنه تعالى أراد أن تلجأ إليه وأن تُقْبِل عليه وأن تَفِرّ إليه وأن تُساق إلى باب العبودِية إليه وأن تكون مُوَكِّلاً له وأن يكون وكيلاً لك وأراد أن تَنْعُم بِظل الاستِسلام له والإقبال عليه، فَوَكَلْتُ أمري إلى الله: ألْجَأْتُه إليه واعتَمَدْت عليه.
 لذلك قالوا: إن المُتَوَكِّل على الله هو الذي يعلم أن الله كافِلٌ رِزقه وأمره، الحقيقة أنه لا يمكنك أن تتوكل على إنسانٍ ضعيف، ولا يُمْكِن أن تُوَكِّل إنساناً جاهِلاً لا يستَطيع أن يكتُب اسمه في دعوى عويصة في قصر العدل، تبحث عن أمهَرِ المُحامين وعن مُحامٍ مُخلِص ويتمتَّع بِكفاءة عالية جداً هذا شأنك مع محامٍ في قضية عويصة فلِذلك أنت لا تستطيع أن تتوكل على الله إلا إذا عرفته، وقد يقول أحدكم: أنا أتوكل على الله ؛ لا ؛ بل هذا مجرّد ادّعاء، فإنك إن لم تتعرف إلى أسماء الله الحُسنى وإن لم تعرِف قدرته التي تتعلق بِكل ممكن وإن لم تعرف حِكمته ورحمته وعدالته وقدرته تتوكل عليه فأصل التوكل أن تعرِفه فالإنسان مِن خلال معاملاتِه ومُمارساتِه يَثِق بِأشخاصٍ عِدة ويقول لك: فلان يُعْتَمد عليه فإذا سافر سلّمه العمل في متْجره أو معمله هناك قبض ودفع وهناك مُوَظفون ومُشْكِلات ومالية وتموين يقول لك: يُعْتَمد عليه، فهل رأيت صاحِب معمَلٍ ضخمٍ يعتمِد على موظفٍ أحمقٍ أو موظف ضعيف التفكير ومحدود الأُفق ؛ مستحيل فأنت لن تتوكّل إلا على القوي ولن تتوكل إلا على العليم، لن تتوكّل إلا على القدير ولن تتوكّل إلا على الخبيرفَلِذلك التوكل أساسه معرِفة الله عز وجل، والإنسان الشارِد والتائه ربما يضع ثِقته بإنسان وإذا دَعَوْته إلى التوكل على الله لا يستجيب، كيف ؟ إنّ الله تعالى قال:
﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)﴾
(سورة القلم)
 أنت إذا دعَوْت إنساناً يُعاني من مُشكِلة أومن مرضٍ أومن خطرٍ أومن قضية وقلت له توكّل على الله فَلَن يفهم عليك ربما يُجامِلك ويقول توكلت ! لكنه في الحقيقة لا يتوكَّل لأنه لا يعرف أن الناس جميعاً بِيَدِ الله وأنّ الأقوِياء جميعاً في قبضَتِه وأن خواطِر العِباد بِيَده، قد تقف أمام إنسان يُلقي الله في روعه أن سَهِّل له الأمر على خِلاف عادَتِه، إنسان يُعَقِّد الأمور ويُقيم الحواجِز وينصِب العَقَبات في وجوه الآخرين، لكنك تجِده من ألْطَف الناس معك رغم أنّك لا تعرِفه ولا يعْرِف اسمك فلماذا وقف هذا الموقف اللَّيِّن ؟ وماذا ألقى الله في قلبه ؟ لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((فعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُول أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ))
(رواه مسلم)
 أحياناً إذا أراد الله أن يُؤدِّب مخلوقاً فيبعث الله إنسانًا طيِّبًا يتصدّى له، ويقيم النكير عليه ويُكَبِّر الأمور ويُقيم الحواجِز ويضع العقبات ؛ تقول أنت: هذا غريب ! ليس هذا من أخلاق هذا الشخص، فاعلم إذًا أنّ العِباد حتى خواطِرهم ومشاعِرهم وتصوُّراتهم وحتى رغبتهم في الخير أو الشر بِيَد الله عز وجل فإذا كنت مع الله فالله معك لذلك أقول دائماً هذه المقولة: يا رب ماذا فقَد من وَجَدك وماذا وجد من فقدَك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فَمن معك، أريد أن أقف وقفةً مُتأنِّيَة عند هذه المقولة ؛ لن تستطيع أن تتوكَّل على الله إلا إذا عرفْتَه وأن تتعرف إلى الله أكبر إنجاز في حياتِك لأنك موجود في الحياة الدنيا من أجل أن تعرف الله لذلك إن عرفته توكلت عليه ووَكَّلْت أمرك إليه وفوَّضت، فلن يستطيع من أراد أن يتوكّل حقيقة التوكل إلا بعد أن يعرف الله، قد تجد إنساناً يخاف من إنسان أشد من خوفِه من الله لأنه لا يعرف الله.
 الوكيل إما أن يتوكّل لبعض الأمور كما يحدث بين الناس والتي يسمونها وكالة خاصة مثلاً وكالة في بيع بيت فقط وكالة في قبض مبلَغٍ أوفي تحصيل دَيْن وكالة في مُخاصمة كل هذا يسمى وكالة خاصّة وأحياناً تكون الثِّقة بالِغة جداً بين شخصين يوكله وَكالة عامة المُوَكّل وكالةً عامة بِإمكانه أن يبيع كل أملاكك وبِإمكانه أن يطلق زوجتك بِالمناسبة الوكالة العامة خطيرة جداً ؛ فهذه امرأة تملِك آلاف الدّنومات وكَّلَت محامياً قال لها اِجْعَليها وكالة عامة وهي لم تفهم ما قال لها فَجَعَلَتْها وكالة عامة، فَكُلّ الأراضي سجَّلَها بِاسمِه ولا تزال الدعوة قائمة بينه وبينها حتى الآن منذ عشر سنوات فالإنسان قبل أن يُوَقِّع وكالة عامة يجب أن يُفَكِّر أن يَعدّ للمِليون فالقضِيَة ذات أبعاد خطيرة، على كُلٍ هناك وكالة خاصة و وَكالة عامة والوكالة العامة تبقى وكالة محدودة، هل يستطيع المُوَكَل أن يقبِض روح الإنسان ؟‍ طبعًا لا، لكن الله تعالى هو الوكيل المطلق، قال تعالى:
﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)﴾
(سورة الأنعام)
 بِيَده حياتك ورِزقك وبِيَده من فوقك ومن تحتك وبيده أقرب الناس إليك وأبعد الناس عنك والذي يُحِبك والذي لا يحبّك وبِيَدِه دقائق جسمك وأجْهِزتك والله على كل شيء وكيل، لذلك ليس الوكيل المطلق إلا الله وليس من بني البشر من هو وكيل لك في أمورك لكن الله وكيل لك في كل الأمور و وكيل لك في كل الظروف، والمُتَوَكِّل في كل حياتِك.
 هناك نقطة أخرى في الوكالة وهي أنه يُمكن أن يكون فلان ليس مُتَوَكِّلاً أمرك لكنك بِاختِيارك وَكَّلْتَه ليس هذا الشأن مع الله عز وجل لكن الله شئت أم أَبَيْت أحْبَبت أم كَرِهت رَضيت أم لم ترْض أمرك كله بِيَده تعالى، قد يوكِل إنسان إنسانًا وكالة محدثة، أنا وكَّلْت فلاناً أما قبل أن أُوَكِّله لم يكن وكِيلاً لي،فأنا الذي أحدثت هذه الوكالة لكن الله سبحانه وتعالى مُتَوكِّل لكل أمور العِباد وكالةً مطلقة، وهو على كل شيء وكيل وهذا المعنى الثاني.
 أما المعنى الثالث: فالوكيل إما أن يؤدي المهمة على أتم وجه وإما أن لا يُؤَدِّيها وكم من إنسانٍ خاب ظنّه في مُحامٍ وَكَّله قضِيَّةً فَخَسِرها، قد يقول: إن قدراته ضعيفة وإنه لم يهتم اهتماماً كافِياً أو ما قدَّم المذكرات القويّة أو اتفق مع الخصم، إذًا قد تُوَكِّل إنساناً يُخَيِّب ظنك لكنك إذا وكَّلت الله رب العالمين فهو الوكيل الحق الذي يُغنيك ويُرضيك ويكفيك، أرجو الله تعالى أن نتعامل مع هذا الاسم تعامُلاً حقيقياً لأنك لا تكتفي أن تعرف معنى الوكيل وما تعريفه، فالقضية أكبر من ذلك المهم أن تكِلَ إليه أمرك، صَدِّقوني أيها الإخوة: لا يوجد مؤمن على الإطلاق بِإخلاصٍ شديد وبِصِدقٍ بالِغ وكَّل إلى الله شأْناً من شؤون حياته إلا ويَتَوَلى الله أمره، ولقد ورد في بعض الأحاديث القدسية أنّ الله عز وجل يقول لِعَبْدٍ أعطاه الله المال:
(( عبدي أعْطَيْتك مالاً ماذا صنَعْت فيه، يقول يا رب لم أُنْفِق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي، يقول الله ألم تعلم بأني أنا هو الرزاق ذو القوة المتين ))
 إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلْته بهم،
((ويقول لِعبدٍ آخر عبدي أعطَيْتُك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ يقول: يا رب لقد أنفقته على كل محتاجٍ ومِسكين لِثِقتي أنك خير حافِظاً وأنت أرحم الراحمين ))
 فأحياناً الإنسان يَكِل إلى الله أمر أولاده وهو على فِراش الموت أو يكل إلى الله أمر بناته أو صِحته، وقد أعجزه العلاج وكان سييْأس وقد يتألم ويقول: يا رب توكَّلت عليك وفوَّضت أمري إليك أنت أعلم وأنت أرحم وأنت أكرم وأحكم، هذا الحال إذا توكَّلت على الله حقيقة - والله - سَتَرى العَجَب العُجاب وسوف ترى أنك أقوى الناس.
 لِذلِك قالوا: إذا أردت أن تكون أقوى الناس فَتَوَكَّل على الله، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتّقِ الله وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فَكُن بِما في يَدَيْ الله أوْثق منك مما في يديك فالذي يتوكل على الله هو أقوى إنسان والدعاء سلاح المؤمن وكلنا ضعفاء ولكنّك قوِيٌ بالله وغني بالله وكريم بالله، فأنت كريم بِطاعة الله وغنيٌ بِالاعتِماد على الله وقويٌ بِتَوَكُّلِك على الله لذلك ما توكَّل على الله أحدٌ وخَيَّب ظنَّه وما توكَّل على الله أحدٌ إلا وكَفَاه وأرضاه وأكرمه.
 وها نحن مع الآيات التي ورد فيها هذا الاسم العظيم، يقول ربنا سبحانه وتعالى:
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)﴾
(سورة آل عمران)
 يقولون: فلان يتآمر عليك ويكيد لك ويُدَبِّر لك لا تنجو منه وفلان يوغِر صدر رؤسائك عليك فقُل: حسْبنا الله ونِعم الوكيل ؛
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)﴾
(سورة آل عمران)
 ألا تكفينا هذه الآية، مهما شعرت أنّ الناس يكيدون لك السوء وأنهم لك بِالمِرصاد ويأْتمِرون عليك قل:
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
 لما نزل النبي عليه الصلاة والسلام من الطائف وقد ردّه أهلها شر ردّ وقد كذّبوه وسَخِروا منه وأوْغروا صدر سُفهائهم فَضَربوه قال له زيد الصحابي الجليل: يا رسول الله كيف تدخل مكة وقد أخرجوك منها؟ فقال عليه الصلاة والسلام:
((إن الله ناصِر نبيِّه ))
 يوم جاءت الأحزاب قال تعالى:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)﴾
(سورة الأحزاب)
 وقال تعالى:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾
(سورة الأحزاب)
 وقال له سيدنا الصديق وهو في الغار: لقد رأوْنا فقال له رسول الله يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى ؟
﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)﴾
(سورة الأعراف)
 موضوع التوكل لا يبدو جليًا واضحًا ولا يظهر أبلج إلا في الشدائد وأما بالرخاء فلا توكّل فإذا كان الإنسان له دخْل وصِحة وأموره مُيَسَّرة أنى يقول: يا رب توكَّلت عليك ؟ مستحيل ! فالله عزّ وجل إذا أراد أن يسمع صوت عبده المؤمن يسوق له شبح مصيبة، من أجل أن يركض إلى الله ويلجأ إليه لذلك هذا الاسم لا يبدو إلا في الشدائد، هذا لغير المؤمن أما المؤمن فيتوكل على الله في جميع أحواله في الرخاء وفي الشددائد، والمرء في الشدة تُعرف حقيقة إيمانه أو ضلاله وكفره، كما يعرف يقِينه من شكِّه. وكذلك قال تعالى:
﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)﴾
(سورة الأنعام)
 هذا معنى جديد، فالله على كل شيء رقيب ومالِك فاعبُدوه لأنه على كل شيء وكيل، متوكِّل أمره ورقيب عليه ومالِكٌ لِناصِيَتِه وهذا هو معنى قول الله تعالى:
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56)﴾
(سورة هود)
 آية ثالثة قوله تعالى:
﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)﴾
(سورة هود)
 فالأمر بِيَد الله وما عليك إلا أن تُبَلِّغ والباقي على الله فالذي يستجيب يُوَفِّقه الله والذي لا يستَجيب يؤدِّبه الله وأنت ما عليك إلا أن تُبَلِّغ أمر الله كما أمرك.
 وهذه آية أخرى قوله تعالى:
﴿فَلَمَّا آَتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)﴾
(سورة يوسف)
 أي الله شاهد هنا بِمعنى أن الله عز وجل شهيد على ما نقول. المعنى الأول مالك الأمور، والمعنى الثاني الرقيب، والمعنى الثالث الشاهد .
 وفي سورة الزمر قال تعالى:
﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾
(سورة الزمر)
 لا يمكن أن يتفلت شيء من قبضة الله، فقد تجد إنساناً مُتَفَلِّتاً ومُخيفاً ويثير الرعب بين الناس ولكنه في قبضة الله - هذا هو الإيمان الصحيح - الوحوش الفتاكة والأشخاص العتاة والشِّريرون هؤلاء كلهم بِيَد الله عز وجل لا يسمح لهم أن يفعلوا ما يفعلوا إلا بِمشيئته وأمره قال تعالى:
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3)﴾
(سورة الأحزاب)
 الله جلّ جلاله يطلب منا أن نتخِذه وكيلا فهو رب المشرق والمغرب قال تعالى:
﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9)﴾
(سورة المزمل)
 جرت قصة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
((عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُدُّوا عَلَيَّ الرَّجُلَ فَقَالَ مَا قُلْتَ قَالَ قُلْتُ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
(رواه الإمام أحمد)
 مثال ذلك طالب درس ورسب فقال: حسبي الله ونِعم الوكيل هذا قوله صواب وصحيح، فقوله تعالى حسبنا الله ونعم الوكيل لا تقولها إلا إذا بذلت كل شي تملِكه وبعد كل هذا البذل والجهد لم تنجح عندئذ قل: حسبي الله ونعم الوكيل ولا تقل: حسبي الله ونعم الوكيل قبل أن تستنْفِذ الجهد والعقل والتدبير وإلا كلام غير مقبول إذا لم يدرس وقال حسبي الله ونعم الوكيل أي كان كسولاً فقال:حسبي الله ونعم الوكيل وأهمل تربية أولاده فانحَرفوا فقال: حسبي الله ونعم الوكيل وما عالج ابنه فتَفَاقم المرض فقال: حسبي الله ونعم الوكيل فكل هذا الكلام غير مقبول إطلاقاً إذاً لا تقل حسبي الله ونعم الوكيل حتى تستفْرِغ جميع جهدِك وتستَوْفي كل عملك عندئذٍ قل هذا الكلام، قال تعالى:
﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)﴾
(سورة النمل)
 هذه نقطة دقيقة المعنى في بحثنا، فتَوَكَّل على الله لأنك على الحق المبين وهذا يعني أنك إذا كنت منحرِفاً ومُعْتَدِياً ومسيئاً ومُجانِباً للحق فلا يصحّ من التوكّل ؛ فتوكَّل على الله إنك على الحق المبين فأحد أسباب التوكل أن تكون على الحق المبين.
 شيء آخر قال تعالى:
﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)﴾
(سورة إبراهيم)
 معنى ذلك أنك إذا عرفت الله واندفعت في مشروع ينبغي أن تتوكَّل عليه فَمِن لوازِم معرِفته واستِقامتك أن تتوكَّل عليه.
 قال بعض العلماء: " التوكل الانخِلاع من التواكل والانخلاع والقوة " وقال شفيق البلخي: " التوكل أن يطمئن قلبك لِوَعْدِ الله "، فإذا وعدك الله بالتوفيق والرزق والحياة الطيبة علامة التوكل أنك مطمئن لهذا الوعد، فأنت إذا وعدك إنسان قوي فقد تقول: من المعقول ألا يُنْجز الوعد: أما إذا وعدك الله بِحياةٍ طيبة ووعَدك بالنصر واليُسر والتوفيق والنجاح فمن علامة التوكل الاطمئنان لِوَعد الله.
 وقال بعض العلماء التوكل: " الاشتِغال عما لك بِما عليك " وقال بعضهم: " قلوب الزاهدين أوعِيَة للتوكل "، وقال بعضهم:  "التوكل انقِطاع المطامِع " فالذي يطمع بما ليس له فهو غير متوكل أما المتوكل فهذا الذي يرضى بِما قسمه الله له فهذا من علامات التوكل، توكَّلْ على الله حتى يكون هو مؤنِسك ومعلّمك وموضِع شكواك فإن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك لذلك قال سيدنا يعقوب:
﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)﴾
(سورة يوسف)
 كلما عظم إيمان المرء لا يشكو همَّه إلاّ إلى الله، وكلما ضعف إيمانه تجده كثير الشكوى فهذا الذي يشكو همومه إلى كل من يلقاه ضعيف الثقة بالله ضعيف الإيمان إذاً توكَّلْ على الله حتى يكون هو مؤنِسك ومعلّمك وموضِع شكواك فإن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك.
 الآن مُوازنة سريعة بين من يتوكّل على مخلوق وبين من يتوكّل على الله إذا توكَّلت على مخلوق طالبك بِالأجر وقد يخونك وقد لا يُفْلِح وقد يكون أضعف من المهمة التي وكَّلْتَه بها أما إذا توكَّلت على الله أعطاك الأجر توكِل إنساناً فَيُطالِبك بالأجر وإن كان مُخْلِصاً فقد لا يستطيع وإن كان يستطيع فهو لا يُخلِص وقد يخون وقد ينْحاز إلى خصْمِك أما إذا توكَّلت على الله عز وجل فالله تعالى يُعطيك الأجر ويكفيك ويُرضيك ويُكَرِّمك.
 عزيزي القارىء موضوع التوكل موضوع كبيرٌ جداً وذكرنا ما ينبغي أن يُذْكر في هذا الدرس المحدود لكن الله تعالى نرجو أن تُتَرجم هذه الحقائق إلى مشاعِر وتصرّفات وإلى مواقِف لأن الاستِفادة الحقيقية من دروس أسماء الله الحسنى أن نتعامل مع الله بِطريقةٍ أفْضل وبِمُسْتَوى أكبر وأن نتعامل مع الله بِمَعرِفةٍ أساسها الطاعة والاستِسلام لله عز وجل.
 أيها الإخوة: ما من اسم أقرب إلى العبد من اسم الوكيل وهو على كل شيء وكيل، لذلك وكِّل الله وارتح ونم وأرح أعصابك ووكِّلْه وابتَعِد عن هذه المقْلِقات فَتَوَقُّعُ المصيبة مصيبة أكبر منها أنت من خوف الفقر في فقرٍ ومن خوف المرض في مرضٍ فَتَوَقُّعُ المصيبة مصيبة أكبر منها والمتوكِّل على الله عز وجل سوف يرى أن الله كفاه وأغناه وأرضاه