حكم عمل قوم لوط أو اللواط
وهو إتيان الرجل للرجل
إن جريمة اللواط من أكبر الجرائم، وهي من الفواحش المفسدة للخلق وللفطرة وللدين والدنيا، بل وللحياة نفسها، وقد عاقب الله عليها بأقسى عقوبة فخسف الأرض بقوم لوط، وأمطر عليهما حجارة من سجيل جزاء فعلتهم القذرة.
وجعل ذلك قرآنا يتلى ليكون درسا.
قال الله سبحانه: {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} وقال تعالى: {ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد}.
وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل فاعله ولعنه.
روى أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به».
ولفظ النسائي: «لعن الله من عمل عمل قوم لوط. لعن الله من عمل عمل قوم لوط. لعن الله من عمل عمل قوم لوط».
قال الشوكاني: وما أحق مرتكب هذه الجريمة، ومقارفي هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين، ويعذب تعذيبا يكسر شهوة الفسقة المتمردين.
فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين، أن يصلى من العقوبة بما يكون من الشدة والشناعة مشابها لعقوبتهم، وقد خسف الله تعالى بهم، واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم.
وإنما شدد الإسلام في عقوبة هذه الجريمة لآثارها السيئة وأضرارها في الفرد والجماعة.
وهذه الاضرار نذكرها ملخصة من كتاب: الإسلام والطب فيما يلي:
.الرغبة عن المرأة:
من شأن اللواطة أن تصرف الرجل عن المرأة، وقد يبلغ به الأمر إلى حد العجز عن مباشرتها، وبذلك تتعطل أهم وظيفة من وظائف الزواج، وهي إيجاد النسل.
ولو قدر لمثل هذا الرجل أن يتزوج، فإن زوجته تكون ضحية من الضحايا، فلا تظفر بالسكن، ولا بالمودة، ولا بالرحمة التي هي دستور الحياة الزوجية، فتقضي حياتها معذبة معلقة، لاهي متزوجة ولا مطلقة.
.التأثير في الأعصاب: وإن هذه العادة تغزو النفس، وتؤثر في الاعصاب تأثيرا خاصا، أحد نتائجه الاصابة بالانعكاس النفسي في خلق الفرد، فيشعر في صميم فؤاده بأنه ما خلق ليكون رجلا، وينقلب الشعور إلى شذوذ، به ينعكس شعور اللائط انعكاسا غريبا، فيشعر بميل إلى بني جنسه، وتتجه أفكاره الخبيثة إلى أعضائهم التناسلية.
ومن هذا تستطيع أن تتبين العلة الحقيقية في إسراف بعض الشبان الساقطين في التزين وتقليدهم النساء في وضع المساحيق المختلفة على وجوههم، ومحاولتهم الظهور بمظهر الجمال بتحمير أصداغهم، وتزجيج حواجبهم، وتثنيهم في مشيتهم، إلى غيرذلك مما نشاهده جميعا في كل مكان.
وتقع عليه أبصارنا في كثير من الاحيان.
ولقد أثبتت كتب الطب كثيرا من الوقائع الغريبة التي تتعلق بهذا الشذوذ أضرب صفحا عن ذكرها.
ولا يقتصر الأمر على إصابة اللائط بالانعكاس النفسي، بل هنالك ما تسببه هذه الفاحشة من إضعاف القوى النفسية الطبيعية في الشخص كذلك، وما تحدثه من جعله عرضة للاصابة بأمراض عصبية شاذة وعلل نفسية شائنة، تفقده لذة الحياة، وتسلبه صفة الإنسانية والرجولة، فتحيي فيه لوثات وراثية خاصة، وتظهر عليه آفات عصبية كامنة تبديها هذه الفاحشة، وتدعو إلى تسلطها عليه.
ومثل هذه الآفات العصبية النفسية: الأمراض السادية، والماسوشية، والفيتشزم وغيرها.
.التأثير على المخ:
واللواط بجانب ذلك يسبب اختلالا كبيرا في توازن عقل المرء، وارتباكا عاما في تفكيره، وركودا غريبا في تصوراته، وبلاهة واضحة في عقله، وضعفا شديدا في إرادته.
وإن ذلك ليرجع إلى قلة الافرازات الداخلية التي تفرزها الغدة الدرقية، والغدد فوق الكلى، وغيرها مما يتأثر باللواط تأثرا مباشرا، فيضطرب عملها وتختل وظائفها.
وإنك لتجد هنالك علاقة وثيقة بين النيورستانيا واللواط، وارتباطا غريبا بينهما، فيصاب اللائط بالبله والعبط وشرود الفكر وضياع العقل والرشاد.
.السويداء:
واللواط إما أن يكون سببا في ظهور مرض السويداء أو يغدو عاملا قويا على إظهاره وبعثه.
ولقد وجد أن هذه الفاحشة وسيلة شديدة التأثير على هذا الداء من حيث مضاعفتها له وزيادة تعقيدها لاعراضه ويرجع ذلك للشذوذ الوظيفي لهذه الفاحشة المنكرة وسوء تأثيرها على أعصاب الجسم.
.عدم كفاية اللواط:
واللواط علة شاذة، وطريقة غير كافية لاشباع العاطفة الجنسية وذلك لأنها بعيدة الاصل عن الملامسة الطبيعية، لا تقوم بإرضاء المجموع العصبي، شديدة الوطأة على الجهاز العضلي، سيئة التأتير على سائر أجزاء البدن.
وإذا نظرنا إلى فسيولوجيا الجماع والوظيفة الطبيعية التي تؤديها الاعضاء التناسلية وقت المباشرة، ثم قارنا ذلك بما يحدث في اللواط، وجدنا الفرق بعيدا والبون بين الحالتين شاسعا، ناهيك بعدم صلاحية الموضع وفقد ملاءمته للوضع الشاذ.
ارتخاء عضلات المستقيم وتمزقه:
وإنك إذا نظرت إلى اللواط من ناحية أخرى وجدته سببا في تمزق المستقيم وهتك أنسجته وارتخاء عضلاته وسقوط بعض أجزائه، وفقد السيطرة على المواد البرازية وعدم استطاعة القبض عليها، ولذلك تجد الفاسقين دائمي التلوث بهذه المواد المتعفنة بحيث تخرج منهم بغير إرادة أو شعور.
.علاقة اللواط بالأخلاق:
واللواط لوثة أخلاقية ومرض نفسي خطير، فتجد جميع من يتصفون به سيئي الخلق فاسدي الطباع، لا يكادون يميزون بين الفضائل والرذائل ضعيفي الارادة ليس لهم وجدان يؤنبهم ولا ضمير يردعهم، لا يتحرج أحدهم، ولا يردعه رادع نفسي، عن السطو على الاطفال والصغار واستعمال العنف والشدة لاشباع عاطفته الفاسدة والتجرؤ على ارتكاب الجرائم التي نسمع عنها كثيرا ونطالع أخبارها في الجرائد السيارة وفي غيرها، ونجد تفاصيل حوادثها في المحاكم وفي كتب الطب.
.اللواط وعلاقته بالصحة العامة:
واللواط فوق ما ذكرت يصيب مقترفيه بضيق الصدر ويرزؤهم بخفقان القلب.
ويتركهم بحال من الضعف العام يعرضهم للاصابة بشتى الأمراض ويجعلهم نهبة لمختلف العلل والاوصاب.
.التأثير على أعضاء التناسل:
ويضعف اللواط كذلك مراكز الانزال الرئيسية في الجسم ويعمل على القضاء على الحيوية المنوية فيه، ويؤثر على تركيب مواد المني ثم ينتهي الأمر بعد قليل من الزمن بعدم القدرة على إيجاد النسل، والاصابة بالعقم مما يحكم على اللائطين بالانقراض والزوال.
التيفود والدوسنطاريا:
ونستطيع أن نقول: إن اللواط يسبب بجانب ذلك العدوى بالحمى التيفودية والدوسنطاريا وغيرهما من الأمراض الخبيثة التي تنتقل بطريق التلوث بالمواد البرازية المزودة بمختلف الجراثيم، المملوءة بشتى أسباب العلل والأمراض.
.أمراض الزنا:
ولا يخفى أن الأمراض التي تنتشر بالزنا يمكن أن تنتشر كذلك بطريق اللواط، وتصيب أصحابه فتفتك بهم فتكا ذريعا، فتبلي أجسامهم، وتحصد أرواحهم.
مما تقدم نتبين حكمة التشريع الإسلامي في تحريم اللواط، وتظهر دقة أحكامه في التنكيل بمقترفيه، والأمر بالقضاء عليهم وتخليص العالم من شرورهم.
رأي الفقهاء في حكم اللواط:
ومع إجماع العلماء على حرمة هذه الجريمة، وعلى وجوب أخذ مقترفيها بالشدة، إلا أنهم اختلفوا في تقدير العقوبة المقررة لها مذاهب ثلاثة:
1- مذهب القائلين بالقتل مطلقا.
2- ومذهب القائلين بأن حده حد الزاني: فيجلد البكرويرجم المحصن.
3- ومذهب القائلين بالتعزير.
المذهب الأول: يرى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، والناصر، والقاسم بن إبراهيم، والشافعي في قول: أن حده القتل ولو كان بكرا، سواء كان فاعلا أو مفعولا به.
واستدلوا بما يأتي:
1- عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» رواه الخمسة إلا النسائي..قال في النيل: وأخرجه أيضا الحاكم والبيهقي.
وقال الحافظ: رجاله موثوقون إلا أن فيه اختلافا.
2- وعن علي أنه رجم من عمل هذا العمل. أخرجه البيهقي.
قال الشافعي: وبهذا نأخذ برجم من يعمل هذا العمل محصنا كان أو غير محصن.
3- وعن أبي بكر أنه جمع الناس في حق رجل ينكح كما ينكح النساء.
فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فكان من أشدهم يومئذ قولا علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم، إلا أمة واحدة، صنع الله بها ما قد علمتم، نرى أن نحرقه بالنار.
فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار.
أخرجه البيهقي وفي إسناده إرسال.
وأفاد الشوكاني بأن هذه الأحاديث تنهض بمجموعها للاحتجاج بها.
وهؤلاء اختلفوا في كيفية قتل مرتكب هذا العمل.
فروي عن أبي بكر وعلي: أنه يقتل بالسيف، ثم يحرق، لعظم المعصية.
وذهب عمر وعثمان إلى أنه يلقى عليه حائط.
وذهب ابن عباس إلى أنه يلقى من أعلى بناء في البلد.
وحكى البغوي عن الشعبي، والزهري، ومالك، وأحمد، وإسحاق، أنه يرجم.
وحكي ذلك الترمذي عن مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وروي عن النخعي أنه لو كان يستقيم أن يرجم الزاني مرتين لرجم من يعمل عمل قوم لوط.
وقال المنذري: حرق من يعمل هذا العمل أبو بكر وعلي، وعبد الله بن الزبير، وهشام بن عبد الملك.
المذهب الثاني: وذهب سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والحسن، وقتادة، والنخعي، والثوري، والاوزاعي، وأبو طالب، والإمام يحيى، والشافعي في قول إلى أن حده حد الزاني، فيجلد البكر ويغرب، ويرجم المحصن.
واستدلوا بما يأتي:
1- أن هذا الفعل نوع من أنواع الزنا، لأنه إيلاج فرج في فرج، فيكون اللائط والملوط به داخلين تحت عموم الادلة الواردة في الزاني المحصن والبكر، ويؤيد هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان».
2- انه على فرض عدم شمول الادلة الواردة في عقوبة الزنا لهما، فهما لاحقان بالزاني بطريق القياس.
المذهب الثالث: وذهب أبو حنيفة، والمؤيد بالله، والمرتضى، والشافعي في قول إلى تعزير مرتكب هذه الفاحشة، لأن الفعل ليس بزنا فلا يأخذ حكمه.
وقد رجح الشوكاني مذهب القائلين بالقتل، وضعف المذهب الأخير لمخالفته للادلة، وناقش المذهب الثاني فقال: إن الادلة الواردة بقتل الفاعل والمفعول به مطلقا مخصصة لعموم أدلة الزنا الفارقة بين البكر والثيب على فرض شمولها المرتكب جريمة قوم لوط، ومبطلة للقياس المذكور على فرض عدم الشمول، لأنه يصير فاسد الاعتبار، كما تقرر في الاصول.