الجبار
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الأكارم: مع الدرس السابع من دروس أسماء الله الحسنى والاسم في هذا الدرس هو اسم الجبار فالله سبحانه وتعالى ذكره في آية:
﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)﴾
(سورة الحشر)
والإنسان أحياناً تتداخل عنده صفات الإنسان مع صفات الخالق فلابد من التوضيح بأن هناك صفات إذا نسبت وإلى الخالق فهي صفات كمال أما إذا نسبت إلى المخلوق فهي صفات نقص، فإذا وصفنا إنساناً بأنه جبار فهذه صفة نقص فيه لأن وجوده مستعار وجوده من الله عز وجل، خلق الإنسان ضعيفاً، خلق الإنسان عجولاً، خلق الإنسان هلوعا، هذا الإنسان الذي يوصف بأنه جبار هل بإمكانه أن يضمن استمرار حياته إلى ثانية واحدة ؟ عشرات الأشخاص كل يوم يموتون بسبب وبلا سبب ومع تقدم العلم أصبح يقول الطبيب سكته دماغية أو سكته قلبية أو هبوط مفاجئ في وظائف الكليتين أو تشمّع الكبد.... ونحن بين أظهرنا أشخاص كثيرون كانت لهم آمال طويلة جداً كل هذه الآمال تبددت لأن خللاً طفيفاً جداً أصابهم.
لي قريب كان في صف رابع في الطب وكان من أذكى الطلاب ومن أصحهم جسماً ومن ألينهم عوداً يتمتع بصفات نادرة ومن أسرة ميسورة، فجأة شعر بوهن في جسمه وبضعف وبدا اصفرار في وجهه، الطبيب الأول قال هناك فقر في الدم، وكذلك أكد الطبيب الثاني، ليس لهذا الفقر أسباب، شاب في ريعان الشباب متفوق جداً وذكي جداً على مشارف التخرج من أسرة ميسورة أي فقر دم هذا ؟ ثم اكتشف في النهاية أن في طحاله نشاطاً زائداً......
الطحال أيها الأخوة مستودع للدم ومعمل احتياطي لكريات الدم ومقبرة لكريات الدم الميته ففي الثانية الواحدة يموت في جسم الإنسان مليونان ونصف كرية دم هذه الكريات التي ماتت تذهب إلى الطحال وفي الطحال وبطريقة اقتصادية تُهدَّم هذه الكريات وتعاد إلى أصل تكوينها: حديد وهيموغلوبين، الحديد يرسل ثانية إلى معامل كريات الدم الحمراء في نقي العظام ليعاد تصنيعه والهيموغلوبين يذهب إلى الكبد ويشكل الصفراء، أُخذت خزعة من طحال هذا الشاب أرسلت إلى بلد غربي متقدم كان الجواب أن الطحال يقوم بنشاط زائد يأخذ الكرية الحمراء الميتة ويحللها ويأخذ الحية ويحللها، فأصبح هناك نقص مستمر في كريات الدم الحمراء وانتهى أجله ومات في ريعان الشباب، فإذا قال أحدنا أنا! من أنت ؟ فالطحال ولأنه عمل بنشاط أكبر أنهى حياة الإنسان.
شخص آخر أصيب بمرض نادر فقر دم لا مُصَّنِع أي معامل الكريات الحمراء تكف ذاتياً عن صنع الكريات ينتهي الإنسان، وأحياناً هبوط مفاجئ في وظائف الكليتين، وأحياناً تشمع في الكبد الإنسان لا يطيق الحياة بلا كبد أكثر من ثلاث ساعات، وأحياناً نقطة دم تتجمد في بعض شرايين المخ في مكان يصاب بالصمم، في مكان يصاب بالعمى، في مكان يصاب بفقد الذاكرة، في مكان يصاب بالشلل، فهذا الذي يقول: أنا هو أحمق لمجرد أن يقول أنا، أما إذا وصف الإنسان بأنه جبار هذه صفة ذم في الإنسان لأن وجود الإنسان فيه افتقار إلى الله عز وجل، وجود الإنسان تابع لمشيئة الله، قوة الإنسان تابعة لمشيئة الله، محاكمة الإنسان تابعة لمشيئة الله، عقل الإنسان تابع لمشيئة الله، فإذا قلنا فلان جبار فإننا نصمه بالحمق لأنه يدعي ما ليس له، يدعي حجماً ليس بحجمه، يدعي قوة ليست بقوته، أما إذا وصفنا خالق الكون الواحد الأحد الفرد الصمد الحي القيوم الذي لا راد لحكمه إذا وصفنا خالق الكون بأنه جبار فهذه صفة مدح وصفة تنزيهية من جهة وصفة من صفات الذات لله عز وجل.
لا يحق للإنسان أن يتكبّر، أما ربنا عز وجل تكبره لأنه كبير فعلاً لأنه عظيم لأنه قوي لأنه خالق لأنه رب لأنه مسير.
هذه مقدمة أردت منها أن تتقبلوا أن يتصف إنسان بصفة فنعدها ذماً وأن يوصف خالق الكون بهذه الصفة فنعدها مدحاً.
نحن في حياتنا عندنا شيء من هذا القبيل يوصف الرجل بأنه كريم مدحاً وتوصف المرأة بأنها كريمة ذماً لأن المرأة إذا بذلت من مال زوجها دون إذنه وأتلفت ماله هذه صفة ليست صفة مدح، أحياناً نصف إنساناً بالتعقل وهو في موقع، وقد يكون هذا التعقل في موضع آخر صفة ذم.
على كلٍ كلمة الجبار لها معانٍ عدة:
المعنى الأول: الجبار هو العالي الذي لا يُنال، نقول نخلة جبارة لشدة ارتفاعها لا نستطيع قطف ثمرها، نقول ناقة جبارة يصعب ركوبها، والله سبحانه وتعالى يقول في قرآنه الكريم:
﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)﴾
(سورة المائدة)
أي عظماء أقوياء أشداء، أما إذا قلنا فلان جبار يعني لا يتواضع متعاظم متكبر لا ينقاد إلى أحد، مثل هذا الإنسان لابد من أن يقصمه الله عز وجل قصماً، لذلك ترون وتسمعون كل وقت وكل حين عن جبار من جبابرة الأرض قصمه الله عز وجل وجعله في أسفل سافلين لأن الكبرياء من صفات الله عز وجل و العظمة من صفات الله عز وجل فلا يحق لإنسان ضعيف منازعة الله هذه الصفات.
الجبار: نفهم اسم الجبار بالمعنى الأول هو الله عز وجل
فمن الجهل والتنطع والتطاول على حضرة الله عز وجل أن تظن أنه بإمكانك أن تفهم كل شيء عنه، هذه فكرة مغلوطة، عين العلم به عين الجهل به وعين الجهل به عين العلم به، والعجز عن إدراك الإدراك إدراك، إذا قلت لا أعلم عن الله إلا في حدود ضيقة جداً فأنت عالم، أما إذا أردت أن تقنع الناس ببساطة أن بإمكانك أن تعرف كل شيء فهذا دليل عجز، هذا المعنى الأول من معاني اسم الجبار الإله العظيم الذي لا تناله الأفكار ولا تحيط به الأبصار ولا يصل إلى كنهه عقول العقلاء وهو من صفات التنزيه.
المعنى الثاني: العوام يعرفونه فلان جبر خاطر فلان، يا جبار الخواطر جابر عثرات الكرام، قول مشهور: ما عُبِدَ الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر، جبرت العظم، المجبر جبر العظم، الجبار بهذا المعنى هو المصلح للأمور، كلما حصل أمر حصلت مشكلة إن سلم شيء، تهدم شيء، افتقر إنسان تضعضع إنسان، يأتي خالق الكون وهو الجبار فيرأب الصدع ويلم الشمل ويغني الفقير ويجبر الكسير ويعطي المحروم ويرفع الذليل، لذلك كلما جئت الله عز وجل خاضعاً منكسراً جبرك، كلما جئته من باب الخضوع والتذلل والإنكسار جبر كسرك ولمَّ شعثك ورأب صدعك وقوى ضعفك وأغنى فقرك وأعز ذلك.
أما الجبار فهو كثير الجبر نوعاً وكماً، تقول مثلا: جبار لإنسان أعطى مائة رجل فقير لم تقل له جابر بل جبار لأن عطاءه شمل مائة إنسان وإذا أعطى إنسان عطاء كبيراً لوحده أيضا جبار فإما لمبالغة النوع أو لكثرة العدد، على كلٍ الجبار هو المصلح إن جبر الفقير أغناه وإن جبر المريض شفاه وإن جبر الذليل أعزه وإن جبر الضعيف قواه وإن جبر الخائف أمّنه، فالجابر هو المصلح والجبار كثير الإصلاح كمّاً ونوعاً هذا المعنى الثاني.
إذاً قل يا جبار، يقول التجار: يا جبار، لأن بيع البضاعة عند التاجر جبر وربنا عز وجل ما ذكر من صفات التجارة إلا صفة واحدة فقال:
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)﴾
(سورة التوبة)
ما من منظر يتفتت له قلب التاجر كأن يرى بضاعته مكدسة في المستودع ولا أحد يسأله عنها، لذلك الله عز وجل حينما ذكر التجارة ذكر الشيء المؤلم عند التاجر، يا جبار أي يا رب أجعل هذه البضاعة نافقة وحبب الناس بها واجعلهم يقبلون عليها.
الدعاء الشهير الذي دعاه النبي عليه الصلاة والسلام:
(( يا جابر كلَ كسير ))
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
(( الحزانى في كنف الله، إن الله يحب كل قلب حزين، الحزانى معرضون للرحمة ))
إذا كنت في خصومة وكنت أنت القوي واستعملت قوتك في الظلم فلست رابحا ولست منتصرا لأن هناك جبارا أعلى سوف يقصمك، أما إذا كنت الجانب الأضعف هناك الجبار الذي سيرحمك.
شريكان يتخاصمان أحدهما أقوى من الثاني القوي يطرد الضعيف ويبقى في المحل ليس هذا ربحاً ولا ذكاءً ولا شطارةً ولا قدرةً لأن الله مع الضعيف والله هو الجبار، سيجبر كسر الضعيف وهو الجبار سيقصم الظالم.
زوجان تخاصما أحدهما تجاوز حدوده، هنيئاً لمن كان الأضعف هنيئاً لمن كان المظلوم، لأن الله مع المظلوم في الزواج وفي الشراكة وفي أي تعامل.
أب غني ترك أرثاً كبيراً وترك أولاداً أحد أولاده قوي والآخرون صغار في السن دون السن القانونية، بذكاء أو بحيلة أو باحتيال الكبير استطاع أن يأخذ معظم الثروة له وحده وأن يخص إخوته الصغار بشيء قليل، الله جبار، فمازال أحد إخوته الصغار يوفقه الله عز وجل ويمده ومازال الله عز وجل يضعف هذا الأخ الكبير ويفقره ويسد الطرق في وجهه إلا أن اضطر الكبير أن يبيع الصغير كل ما أخذه من أبيه غصبا، ثم اضطر الكبير أن يعمل عند الصغير ومثل هذه القصص كثيرة جدا في كل الأسر، دائما الظالم، فالله جبار على الظالمين جبار للمظلومين، جبار على الأقوياء جبار للضعفاء، جبار على المتكبرين جبار للمتذللين.
فالجبار المصلح لكل الأمور، المظهر لدين الحق، الميسر لكل عسير، الجابر لكل كسير وهذه صفة من صفة أفعال الله عز وجل صفة فعل.
المعنى الثالث للجبار: الجبار بمعنى أنه جبره على كذا أي أكرهه على ما أراد بمعنى أجبره، الله عز وجل جبار مشيئته هي النافذة، أنت تريد وأنا أريد هكذا يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:
(( أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد ))
فرعون قال: أنا ربكم الأعلى، وما أرى لكم من إله غيري، رأى في المنام أن طفلاً من بني إسرائيل سوف يقضي على ملكه، كان حريٌ به أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يعود عن غيه وعن ظلمه وعن كبره وعن ادعائه، خطر في باله أن يقتل كل أبناء بني إسرائيل وهكذا فعل، لا تستطيع قابلة في عصره إلا أن تخبر رجاله عن مولود ذكر ولد لبني إسرائيل فإذا أخفت قتلت هي مكانه، يذبح أبناءهم.
أما هذا الذي سيقضي على ملكه رباه في قصره الجبار الله عز وجل قهره وهو يغرق، قال تعالى:
﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)﴾
(سورة يونس)
أخوة يوسف أرادوا به كيدا فجعلوه في غيابة الجب، ما الذي حصل ؟ دخلوا عليه قال: أنا يوسف و هذا أخي قد منَّ الله علينا إنه من يتقِ ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، ما الذي حصل ؟ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
الله جبار فقد أحبط مسعى إخوته الذين أرادوا أن يجعلوه في غيابة الجب أرادوا أن يقتلوه ثم صار عزيز مصر، إذاً الله جبار.
قوم إبراهيم أرادوا أن يحرقوه وأن ينتهوا من هذه الأسطورة والأمر بيدهم وهم أقوياء وجاؤوا بالنار وأوقدوها وأضرموها وألقوا إبراهيم عليه السلام وكان من الممكن أن يتفلت من أيديهم، كان من الممكن أن لا يعثروا عليه، كان من الممكن أن تأتي أمطار غزيرة تطفئ نارهم، كان من الممكن ألا يعرفوا من كسر هذه الأصنام لكن أراد الله عز وجل أن يعرفوا أنه كسرها وهو فتى وأن يعترف بفعلته وأوقدوا النيران وأشعلوها وألقوه فيها، الله جبار قال تعالى:
﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)﴾
(سورة الأنبياء)
النبي عليه الصلاة والسلام أئتمروا على قتله، قاطعوه نكلوا بأصحابه ثم دخل عليهم فاتحاً وهم رهن إشارة منه، لو أعطى إشارة لقتلوا جميعاً قال: ماتظنون أني فاعل بكم قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم قال: اذهبوا فأنتم طلقاء، الله جبار.
في الخندق ضاق الأمر إلى أن ظن أصحاب النبي أن الأمر قد انتهى حتى قال بعض الضعفاء منهم مايعدنا صاحبكم، أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ما الذي حصل، هبت الرياح العاصفة فقلبت قدورهم واقتلعت خيامهم وأطفأت نارهم قال تعالى:
﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً (25)﴾
( سورة الأحزاب)
الله جبار أمره هو النافذ لا ينفذ في ملكه إلا أمره أبداً، بعضهم قال: هذا شجر الكينا إن حمل إجاصاً فأنا سأترك هذا العمل وقد قهر ووضعوا له هذا الثمر على هذا الشجر، فلا ينفذ في ملك الله عز وجل إلا مشيئته، وإلا إرادته أبداً.
أول معنى الجبار الشيء العالي الذي لايدرك من أسماء التنزيه فمن المستحيل أن تحيط بالله عز وجل حتى الأنبياء لم يعرفوا الله، عرفوا جانباً من الله عز وجل عرفوا طرفاً من كمالات الله، لكن لا يعرف الله إلا الله. هذا أول معنى المعنى الثاني الجبار المصلح الضعيف يجبره الكسير يجبره المظلوم يجبره الفقير يجبره هذا المعنى الثاني، أما المعنى الثالث هو الذي يجبر جميع الخلق على مشيئته إرادته أبداً.
والله لقد سمعت قصة من أخ كريم في المسجد قال لي: إن رجلاً معروفاً بالغنى الفاحش خطب ابنته مهندس، شاب أخلاقه عالية ذكي دخله دخل مهندس، فهذا العم يعمل في تجارة ناجحة جداً ورائجة جداً ويحصل منها مئات الملايين، تباحث الغني مع زوجته قائلاً: هذا المهندس فقير ليس في إمكانه أن يعيش مع ابنتنا رفض لفقره، لكن رفض باستعلاء ورفض بكبر، بقدرة قادر هذه التجارة الرائجة أساسها قانون هذا القانون أوقف العمل به، فجأة توقفت تجارته، فجأة أصبح تحت طائلة المطاليب هذا العم الغني تراجعت تجارته شيئاً فشيئاً إلى أن أصبح بحاجة إلى مصروف يومه، وأن يكون وسيطاً في أن يطلب ابنته مرة ثانية هذا المهندس الذي وفقه الله عز وجل ففتح مكتباً، ثم كان أن وافق هذا العم على تزويج ابنته من هذا المهندس، ثم عمل العم عند هذا المهندس موظفاً، هذه قصة والله وقعت في هذه البلدة ولكن لا أذكر الآن تفصيلاتها الدقيقة، القصة قديمة من عشر سنوات سمعتها، لكن هذا العم الغني المتعجرف المتكبر اضطر أن يعمل موظفاً عند صهره المهندس، الله جبار.
امرأة قالت لضرتها التي لا تنجب موتي غيظاً في بطني جنين وعلى يدي طفل وأمامي ولد، من يصدق أن هؤلاء الأولاد الثلاثة ماتوا تباعاً، وأن التي لا تنجب رزقها الله خمسة أطفال ذكور ؟ ! الله جبار، هذا الاسم بالتجارة ظاهر كثيراً، بالعلاقات الزوجية يظهر كثيراً، دائماً الضعيف المظلوم المقهور الكسير الحزين المستضعَف الله عز وجل معه دائماً يؤيده وينصره ويوفقه، كلما بلغني أن شريكين تخالصا، أقول أعرف من هو المظلوم من مستقبل الشريكين، فالذي وفقه الله عز وجل هو المظلوم والذي قصمه الله هو الظالم دائماً.
الزوجان طلقت امرأة من زوجها هو يدعي أنها زوجة سيئة وهي تدعي أنه زوج سيء أحياناً، في المستقبل إذا وفقت بزوج صالح أكرمها و وربط هو بزوجة سيئة أزعجته معنى ذلك أنه كان ظالماً لها.
والقصة التي تعرفونها أن رجلاً مع زوجته، طرق الباب طارق فتحت الباب فوجدت سائلاً وكان الزوج يأكل مع امرأته دجاجاً، رغبت أن تعطيه شيئاً من الطعام فنهرها وقال اطرديه، دارت الأيام طلقت هذه من زوجها وخطبها إنسان ميسور الحال وهما جالسان يأكلان هذا الطعام نفسه ولحكمة بالغة طرق الباب فانطلقت لتفتح الباب فاضطربت قال زوجها من الطارق ؟ قالت سائل قال لماذا اضطربت هي قصة قد تكون رمزية قالت أتدري من السائل إنه زوجي الأول الذي أمرني أن أطردك.
وفي كل زمان وفي كل مكان وفي كل عصر وفي كل مصر تجري مثل هذه القصص. غني يفتقر فقير يغتني ضعيف يقوى قوي يضعف، كم من إنسان كان في قبضة إنسان، يذيقه ألوان الإهانة والعذاب، فجأة وقع هذا القوي في قبضة المستضعف فإذا أقبلت الدنيا عليك فلا تتكبر.
والحقيقة كما أن الله عز وجل يعطي المال بشكل كبير فيدهش، وبإمكانه وبقدرته أن يأخذه دفعة واحدة فيدهش.
التقيت بإنسان أتعامل معه زرته في محل في حي الدويلعة قال لي والله يا أستاذ كنت صاحب معمل ألبسة جاهزة عندي ثلاث سيارات، واحدة للمعمل وواحدة للسفر الطويل وزنها كبير مريحة وواحدة للبلدة، وعندي حديقة لها ثلاثة موظفين يعملون بها وما دخل بيتي في حياتي الفاكهة إلا بأكبر كميات، وخدَّام في البيت، رأيته في الدكان ينام على طاولة التفصيل، ويأكل علبة لحم ليس عنده صحن يضع فيه هذا اللحم يفتحها علبة سردين ويأكل منها، رأيته بأم عيني وحدثني عن قصته التي لا تصدق كيف كان وكيف أصبح، وهي قصة طويلة حتى أهله طردوه من البيت، فاضطر أن ينام في هذا المحل، وأن يأكل هذا الطعام الله جبار يقصم كل جبار.
أحياناً يكون زوج جباراً على زوجته الأكل دون ملح يضرب المائدة بقدمه ينكب الطعام كله، ينفلج يحتاج زوجته لا تصغي له فتنعكس الآية.
كان هناك طبيب جبار لا يوجد في دمشق غيره وهذه القصة منذ سبعين عاماً تقريباً، لا يخرج من العيادة إلا بـليرة ذهب وعربة لتنقله لعدم وجود المركبات في زمنه، وكان طبيباً نسائياً ولا يهمه أحد، المرأة التي تلد فقيرة، كانت أم غنية تملك المال أو لا تملكه، ذكر لي بعضهم أن فقراء الناس كانوا يضطرون لبيع الفراش من تحتها، ولادة عسرة وطبيب وحيد في البلد ولا يخرج من بيته إلا بـ ليرة ذهب وعربة.
بنى بناء بأرقى أحياء دمشق، والآن البناء موجود ومزخرف بالحجار من أندر الأبنية، بعدما بناه أصيب بالفالج تحمله أهله عدة أيام ثم أمرت الخانم زوجته أن يوضع في قبو البناء فوضعوه في القبو، وكانت تبعث له الطعام مع الخادمة فيسألها الخانم فتقول له: قلت لها ولم تأتي، وقد طلبها أول مرة والثانية والثالثة ولم تأتي فتقول له الخادمة: هذا طعامك أمامك ماذا تريد من الخانم. ثماني سنوات مشلول ويقدم له الطعام لكن رائحته الكريهة فاحت، نقل إلى بيت بعيد ليبقى هذا البناء أنيقاً وبعيداً عنه، وهو الذي بناه، قصته مشهورة جدا الله جبار، لم يكن يرحم المرأة الفقيرة فتبيع الفراش من تحتها والإنسان يتجبر ويتحكم بالناس أحيانا بعلمه حيث يقول لا يوجد غيري في هذا الاختصاص، وأحيانا يكون رجل بحاجة إلى هذا المخبر إلى هذا الطبيب فيعلم أنه إنسان محتاج فيتحكم به والله جبار مع الضعيف ضد القوي مع المظلوم ضد الظالم مع الفقير ضد الغني الظالم وليس كل غني ظالماً.
المعنى الثالث: الجبار: جبره على كذا أي أكرهه على ما أراد.
الجبار: هو الله عز وجل الذي أجبر الخلق على ما أراد وحملهم عليه، أرادوا أم لم يريدوا أحبوا أم لم يحبوا أي لا يجري في سلطانه إلا ما يريد ولا يحصل في ملكه إلا ما يشاء ينفَّذ مشيئته على سبيل الإ جبار ولا تنفذ فيه مشيئة أحد، سبحان من تنزه عن الفحشاء فأجابه عالم آخر: قال سبحان من لا يجري في ملكه إلا ما يشاء، فبعد المعنى الدقيق للجبار هل لكم علاقة مع غير الله عز وجل، هل يوجد جهة غير الله عز وجل أهل لأن تسأل أن تخاف ؟
أحد العارفين قال: " يا رب عجبت لمن يعرفك كيف يرجو أحداً غيرك، وعجبت لمن يعرفك كيف يستعين على أمر بأحد غيرك، وعجبت لمن يعرفك كيف يلتفت لأحد غيرك ".
بعضهم قال: الجبار من لا يرقى إليه وهم ولايشرف عليه فهم ولا يلحقه إدراك، ينفذ أمره في كل شيء ولا ينفذ فيه أمر شيء، من أصلح الأشياء بلا إعوجاج وأمر بالطاعة بلا إحتياج، هذا من تعاريف اسم الجبار.
إذا كان الإنسان جباراً بالمعنى المذموم لا بد من أن يقصمه الله عز وجل، ويمكن للإنسان أن يتخلق بهذا الخلق من زاوية واحدة فقال: من لم يكن أسيراً لحب المال والجاه، فكل إنسان يحب المال هذه نقطة ضعف فيه أصبح ضعيفاً مفتاحه المال، وآخر تعظّمه فيلين معك هذا يحب الجاه، فكل إنسان أسير للمال أو الجاه ضعيف، فإذا تنزه الإنسان عن حب المال وحب الجاه أصبح جباراً بالمعنى الذي يليق بالإنسان، لم يعد إنساناً تستطيع أن تملك مفتاحه، فتصل إلى ما تريد عن طريق نقطة ضعفه.
فالمؤمن الجبار لا يوصل إليه لا بالمال ولا بالمديح، لا تصل إليه إلا بالحق.
في كل شخص مهما كان قوياً نقطتا ضعف المال والنساء ولا يوجد إنسان يتآمر على إنسان إلا بهاتين النقطتين، إما بامرأة تغريه فيسقط وإما بمال يأخذه حراًما فيسقط، فإذا كان الإنسان محصناً من المال والنساء لا يستطيع أعداؤه النيل منه.
فالجبار من الناس الذي يجبر الخلق بهيئته وصورته على أن يقتدوا به، يفيد ولا يستفيد ويؤثر ولا يتأثر هذا هو النبي عليه الصلاة والسلام، أي بلغ من الكمال درجة يفيد الخلق كلهم ولا يستفيد يؤثر فيهم ولا يتأثر غني عن المال.
قال له: لمن هذا الوادي ؟، فقال له: هو لك. قال: عجبت لك أتهزأ بي !!، قال: هو لك، قال: أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، قال: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا إتباعي.
إذاً الجبار إذا أمكن لإنسان أن يكون كريما فعليه أن يتنزه عن حب المال وعن حب المديح والجاه