الاثنين، 5 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الجنائز : الصلاة على الميت


الصلاة على الميت


.1- حكمها:
من المتفق عليه بين أئمة الفقه، أن الصلاة على الميت، فرض كفاية، لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، ولمحافظة المسلمين عليها.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى، وإلا، قال للمسلمين: «صلوا على صاحبكم».

.2- فضلها:
1- روى الجماعة عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تبع جنازة وصلى عليها، فله قيراط ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان، أصغرهما مثل أحد» أو «أحدهما مثل أحد».
2- وروى مسلم عن خباب رضي الله عنه، قال: يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أحد. ومن صلى عليها ثم رجع كان له مثل أحد.» فأرسل ابن عمر رضي الله عنهما خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت، فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة فقال ابن عمر رضي الله عنهما: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.

.3- شروطها:
صلاة الجنازة يتناولها لفظ الصلاة، فيشترط فيها الشروط التي تفرض في سائر الصلوات المكتوبة من الطهارة الحقيقية والطهارة من الحدث الاكبر والاصغر واستقبال القبلة وستر العورة.

روى مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر.
وتختلف عن سائر الصلوات المفروضة، في أنه لا يشترط فيها الوقت، بل تؤدى في جميع الاوقات متى حضرت، ولو في أوقات النهي. عند الأحناف والشافعية. وكره أحمد وابن المبارك وإسحاق الصلاة على الجنازة وقت الطلوع والاستواء والغروب، إلا إن خيف عليها التغير.
.4- أركانها:
صلاة الجنازة لها أركان تتركب منها حقيقتها ولو ترك منها ركن بطلت ووقعت غير معتد بها شرعا، نذكرها فيما يلي:

.1 – النية:
لقول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
وتقدم حقيقة النية وأن محلها القلب وأن التلفظ بها غير مشروع.

.2- القيام للقادر عليه:
وهو ركن عند جمهور العلماء، فلا تصح الصلاة على الميت لمن صلى عليه راكبا أو قاعدا من غير عذر.
قال في المغني: لا يجوز أن يصلي على الجنائز وهو راكب لأنه يفوت القيام الواجب، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وأبي ثور: ولا أعلم فيه خلافا، ويستحب أن يقبض بيمينه على شماله أثناء القيام كما يفعل في الصلاة، وقيل: لا. والأول أولى.

.3- التكبيرات الأربع:
لما رواه البخاري ومسلم عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فكبر أربعا.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يرون التكبير على الجنازة أربع تكبيرات، وهو قول سفيان ومالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.

.رفع اليدين عند التكبير:
والسنة عدم رفع اليدين في صلاة الجنازة، إلا في أول تكبيرة فقط، لأنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شيء من تكبيرات الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط.
قال الشوكاني: بعد ذكر الخلاف ومناقشة أدلة كل: والحاصل أنه لم يثبت في غير التكبيرة الأولى شيء يصلح للاحتجاج به عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأفعال الصحابة وأقوالهم لاحجة فيها، فينبغي أن يقتصر على الرفع عند تكبيرة الاحرام لأنه لم يشرع في غيرها، إلا عند الانتقال من ركن إلى ركن كما في سائر الصلوات، ولا انتقال في صلاة الجنازة.

.4، 5- قراءة الفاتحة سرا والصلاة والسلام على الرسول:
لما رواه الشافعي في مسنده عن أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاء في الجنازة في التكبيرات، ولا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرا في نفسه.
قال في الفتح: وإسناده صحيح.
وروى البخاري عن طلحة بن عبد الله قال: صليت مع ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب، فقال: إنها من السنة.
ورواه الترمذي وقال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من الصحابة وغيرهم يختارون أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى.
وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق.
وقال بعضهم: لايقرأ في الصلاة على الجنازة، إنما هو الثناء على الله تعالى، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، والدعاء للميت، وهو قول الثوري وغيره من أهل الكوفة.
ومن حجج القائلين بفرضية القراءة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سماها صلاة بقوله: «صلوا على صاحبكم»، وقال: «لاصلاة لمن لايقرأ بأم القرآن».

.صيغة الصلاة والسلام على رسول الله وموضعها:
وتؤدى الصلاة والسلام على رسول الله بأي صيغة، ولو قال اللهم صل على محمد، لكفى.
واتباع المأثور أفضل مثل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كمال باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
ويؤتى بها بعد التكبيرة الثانية كما هو الظاهر، وإن لم يرد ما يدل على تعيين موضعها.

.6- الدعاء:
وهو ركن باتفاق الفقهاء، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء» رواه أبو داود والبيهقي وابن حبان وصححه.
ويتحقق بأي دعاء مهما قل، والمستحب فيه أن يدعو بأية دعوة من الدعوات المأثورة الآتية:
1- قال أبو هريرة: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الجنازة فقال: «اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت رزقتها، وأنت هديتها للاسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاء له، فاغفر له ذنبه».
2- وعن وائلة بن الاسقع قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين فسمعته يقول: «اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك، وحبل جوارك فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق اللهم فاغفر له وارحمه فإنك أنت الغفور الرحيم» رواهما أحمد وأبو داود.
3- عن عوف بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد صلى على جنازة - يقول: «اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه، وقه فتنة القبر وعذاب النار» رواه مسلم.
4- عن أبي هريرة قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فقال: «اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الايمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده» رواه أحمد وأصحاب السنن.
فإذا كان المصلى عليه طفلا استحب أن يقول المصلي: اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وذخرا رواه البخاري والبيهقي من كلام الحسن.
قال النووي: وإن كان صبيا أو صبية اقتصر على ما في حديث: «اللهم اغفر لحينا وميتنا..الخ»، وضم اليه: «اللهم اجعله فرطا لابويه وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده، ولاتحرمهما أجره».
موضع هذه الادعية: قال الشوكاني: وأعلم أنه لم يرد تعيين موضع هذه الادعية فإذا شاء المصلي جاء بما يختار منها دفعة، إما بعد فراغه من التكبير أو بعد التكبيرة الأولى أو الثانية أو الثالثة، أو يفرقه بين كل تكبيرتين، أو يدعو بين كل تكبيرتين بواحد من هذه الادعية، ليكون مؤديا لجميع ما روي عنه صلى الله عليه وسلم.
قال: والظاهر أنه يدعو بهذه الالفاظ الواردة في هذه الأحاديث، سواء كان الميت ذكرا، أو أنثى، ولا يحول الضمائر المذكرة إلى صيغة التأنيث، إذا كان الميت أنثى، لأن مرجعها الميت، وهو يقال عن الذكر والأنثى.

.7- الدعاء بعد التكبيرة الرابعة:
يستحب الدعاء بعد التكبيرة الرابعة، وإن كان المصلي دعا بعد التكبيرة الثالثة، لما رواه أحمد عن عبد الله بن أبي أوفى أنه ماتت له ابنة فكبر عليها أربعا، ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو.
ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنازة هكذا.
وقال الشافعي: يقول بعدها: اللهم لا تحرمنا أجره، ولاتفتنا بعده.
وقال ابن أبي هريرة: كان المتقدمون يقولون بعد الرابعة: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

.8- السلام:
وهو متفق على فرضيته بين الفقهاء ما عدا أبا حنيفة القائل بأن التسليمتين يمينا وشمالا واجبتان وليستا ركنين، استدلوا على الفرضية بأن صلاة الجنازة صلاة، وتحليل الصلاة التسليم.
وقال ابن مسعود: التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة.
وأقله: السلام عليكم، أو سلام عليكم.
وذهب أحمد إلى أن التسليمة الواحدة هي السنة، يسلمها عن يمينه، ولا بأس إن سلم تلقاء وجهه، استدلالا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبفعل الاصحاب الذين كانون يسلمون تسليمة واحدة، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم.
واستحب الشافعي تسليمتين، يبدأ بالأولى ملتفتا إلى يمينه ويختم بالاخرى ملتفتا إلى يساره، قال ابن حزم: والتسليمة الثانية ذكر وفعل خير.

.كيفية الصلاة على الجنازة:
أن يقف المصلي بعد استكمال شروط الصلاة ناويا الصلاة على من حضر من الموتى رافعا يديه مع تكبيرة الاحرام، ثم يضع يده اليمنى على اليسرى ويشرع في قراءة الفاتحة، ثم يكبر ويصلي على النبي، ثم يكبر ويدعو للميت، ثم يكبر ويدعو، ثم يسلم.

.موقف الإمام من الرجل والمرأة:
من السنة أن يقوم الإمام حذاء رأس الرجل، ووسط المرأة لحديث أنس، أنه صلى على جنازة رجل، فقام عند رأسه فلما رفعت، أتي بجنازة امرأة، فصلى عليها فقام وسطها، فسئل عن ذلك وقيل له: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من الرجل حيث قمت، ومن المرأة حيث قمت؟ قال: نعم رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه.
قال الطحاوي وهذا أحب إلينا فقد قوته الآثار التي رويناها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

.الصلاة على أكثر من واحد:
إذا اجتمع أكثر من ميت وكانوا ذكورا أو إناثا صفوا واحدا بعد واحد بين الإمام والقبلة ليكونوا جميعا بين يدي الإمام ووضع الافضل مما يلي الإمام، وصلى عليهم جميعا صلاة واحدة.
وإن كانوا رجالا ونساء جاز أن يصلي على الرجال وحدهم والنساء وحدهن، وجاز أن يصلي عليهم جميعا، وصفت الرجال أمام الإمام، وجعلت النساء مما يلي القبلة.
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى على تسع جنائز رجال ونساء فجعل الرجال مما يلي الإمام، وجعل النساء مما يلي القبلة، وصفهم صفا واحدا.
ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر، وابن لها - يقال له زيد - والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس يومئذ ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة.
فوضع الغلام مما يلي الإمام قال رجل: فأنكرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة، وأبي سعيد وأبي قتادة فقلت: ما هذا؟ قالوا: هي السنة رواه النسائي والبيهقي قال الحافظ: وإسناده صحيح.
وفي الحديث: أن الصبي إذا صلي عليه مع امرأة كان الصبي مما يلي الإمام، والمرأة مما يلي القبلة.
وإن كان فيه رجال ونساء وصبيان كان الصبيان مما يلي الرجال.

.استحباب الصفوف الثلاثة وتسويتها:
يستحب أن يصف المصلون على الجنازة ثلاثة صفوف وأن تكون مستوية، لما رواه مالك بن هبيرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مؤمن يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له» فكان مالك ابن هبيرة يتحرى إذا قل أهل الجنازة أن يجعلهم ثلاثة صفوف رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه.

قال أحمد: أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف.
قالوا: فإن كان وراءه أربعة كيف يجعلهم؟ قال: يجعلهم صفين، في كل صف رجلين، وكره أن يكونوا ثلاثة فيكون في صف رجل واحد.

.استحباب الجمع الكثير:
ويستحب تكثير جماعة الجنازة لما جاء عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة. كلهم يشفعون له إلا شفعوا» رواه أحمد ومسلم والترمذي.
وعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه.» رواه أحمد ومسلم وأبو داود.

.المسبوق في صلاة الجنازة:
من سبق في صلاة الجنازة بشئ من التكبير استحب له أن يقضيه متتابعا فإن لم يقض فلا بأس.
وقال ابن عمر والحسن وأيوب السختياني والاوزاعي: لا يقضي ما فات من تكبير الجنازة، ويسلم مع الإمام.
وقال أحمد: إذا لم يقض لم يبال.
ورجح صاحب المغني هذا المذهب فقال: ولنا قول ابن عمر، ولم يعرف له في الصحابة مخالف.
وقد روي عن عائشة أنها قالت: «يا رسول الله إني أصلي على الجنازة ويخفى علي بعض التكبير قال: ما سمعت فكبري، وما فاتك فلا قضاء عليك» وهذا صريح.
ولأنها تكبيرات متواليات فلا يجب ما فاته منها كتكبيرات العيدين.

.من يصلى عليهم ومن لا يصلى عليهم:
اتفق الفقهاء على أن يصلى على المسلم ذكرا كان أم أنثى، صغيرا كان أم كبيرا قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الطفل إذا عرفت حياته واستهل يصل عليه.
فعن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الراكب خلف الجنازة، والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها، والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة» رواه أحمد وأبو داود.
وقال فيه: «والماشي يمشي خلفها وأمامها، وعن يمينها ويسارها قريبا منها» وفي رواية: «الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها، والطفل يصلى عليه» رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.

.الصلاة على السقط:
السقط إذا لم يأت عليه أربعة أشهر فإنه لا يغسل.
ولا يصلى عليه، ويلف في خرقة، ويدفن من غير خلاف بين جمهور الفقهاء.
فإن أتى عليه أربعة أشهر فصاعدا واستهل غسل وصلي عليه باتفاق.
فإذا لم يستهل فإنه لا يصلى عليه عند الأحناف ومالك والاوزاعي والحسن، لما رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه والبيهقي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استهل السقط صلي عليه وورث» ففي الحديث اشتراط الاستهلال في الصلاة عليه.
وذهب أحمد وسعيد وابن سيرين وإسحاق إلى أنه يغسل ويصلى عليه للحديث المتقدم.
وفيه: «والسقط يصلى عليه» ولأنه نسمة نفخ فيه الروح، فيصلى عليه كالمستهل.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه ينفخ فيه الروح لأربعة أشهر، وأجابوا عما استدل به الأولون بأن الحديث مضطرب.
وبأنه معارض بما هو أقوى منه، فلا يصلح للاحتجاج به.
الصلاة على الشهيد الشهيد هو الذي قتل في المعركة بأيدي الكفار.
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة المصرحة بأنه لا يصلى عليه.
1- روى البخاري عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم، ولم يغسلهم ولم يصل عليهم.
2- وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن أنس: أن شهداء أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يصل عليهم.
وجاءت أحاديث أخرى صحيحة مصرحة بأنه يصلى عليه:
1- روى البخاري عن عقبة بن عامر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات».
2- وعن أبي مالك الغفاري قال: كان قتلى أحد يؤتى منهم بتسعة وعاشرهم حمزة، فيصلي عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يحملون، ثم يؤتى بتسعة فيصلي عليهم، وحمزة مكانه حتى صلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البيهقي وقال: هو أصح ما في الباب. وهو مرسل.
وقد اختلفت آراء الفقهاء تبعا لاختلاف هذه الأحاديث، فأخذ بعضهم بها جميعا، ورجح بعضهم بعض الروايات على بعض.
فممن ذهب مذهب الاخذ بها كلها ابن حزم فجوز الفعل والترك قال: فإن صلي عليه فحسن.
وإن لم يصل عليه فحسن. وهو إحدى الروايات عن أحمد، واستصوب هذا الرأي ابن القيم فقال: والصواب في المسألة انه مخير بين الصلاة عليهم وتركها لمجئ الآثار بكل واحد من الأمرين، وهذه إحدى الروايات عن أحمد، وهو الاليق بأصول مذهبه.
قال: والذي يظهر من أمر شهداء أحد: أنه لم يصل عليهم عند الدفن.
وقد قتل معه بأحد سبعون نفسا، فلا يجوز أن تخفى الصلاة عليهم.
وحديث جابر بن عبد الله في ترك الصلاة عليهم صحيح صريح وأبوه عبد الله أحد القتلى يومئذ.
فله من الخبرة ما ليس لغيره، ويرجح أبو حنيفة والثوري والحسن وابن المسيب روايات الفعل.
فقالوا بوجوب الصلاة على الشهيد.
ورجح مالك والشافعي وإسحاق وإحدى الروايات عن أحمد العكس وقالوا بأنه لا يصلى عليه.
قال الشافعي في الأم مرجحا ما ذهب إليه: جاءت الاخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد، وما روي أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه.
قال: وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث: أن ذلك كان بعد ثمان ستين.
قال: وكأنه صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم حين علم قرب أجله مودعا لهم، بذلك، ولا يدل على نسخ الحكم الثابت.
من جرح في المعركة وعاش حياة مستقرة من جرح في المعركة وعاش حياة مستقرة ثم مات، يغسل ويصلى عليه.
وإن كان يعتبر شهيدا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم غسل سعد بن معاذ، وصلى عليه بعد أن مات بسبب إصابته بسهم قطع أكحله فحمل إلى المسجد فلبث فيه أياما ثم انفتح جرحه فمات شهيدا رحمه الله.
فإن عاش عيشة غير مستقرة فتكلم أو شرب ثم مات، فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه.
قال في المغني.
وفي فتوح الشام: إن رجلا قال: أخذت ماء لعلي أسقي به ابن عمي إن وجدت به حياة. فوجدت الحارث بن هشام. فأردت أن أسقيه. فإذا رجل ينظر إليه، فأومأ لي أن أسقيه، فذهبت إليه لأسقيه، فإذا رجل ينظر إليه، فأومأ لي أن أسقيه، فذهبت إليه لأسقيه، فإذا آخر ينظر إليه. فأومأ لي أن أسقيه حتى ماتوا كلهم. ولم يفرد أحد منهم بغسل ولا صلاة، وقد ماتوا بعد انقضاء الحرب.
الصلاة على من قتل في حد:
من قتل في حد غسل وصلي عليه، لما رواه البخاري عن جابر: «أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا، فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال: أبك جنون؟ قال: لا قال: أحصنت؟ قال: نعم فأمر به فرجم بالمصلى فلما أذلقته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات فقال له - أي عنه - النبي صلى الله عليه وسلم خيرا وصلى عليه».
وقال أحمد: ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا على الغال وقاتل نفسه.
الصلاة على الغال وقاتل نفسه وسائر العصاة ذهب جمهور العلماء إلى أنه يصلى على الغال وقاتل نفسه وسائر العصاة قال النووي: قال القاضي مذهب العلماء كافة: الصلاة على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه وولد الزنا وما روي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على الغال وقاتل نفسه.
فلعله للزجر عن هذا الفعل كما امتنع عن الصلاة على المدين وأمرهم بالصلاة عليه.
قال ابن حزم: ويصلى على كل مسلم، بر، أو فاجر، مقتول في حد أو حرابة أو في بغي، ويصلي عليهم الإمام وغيره، وكذلك على المبتدع ما لم يبلغ الكفر وعلى من قتل نفسه وعلى من قتل غيره.
ولو أنه شر من على ظهر الأرض، إذا مات مسلما، لعموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «صلوا على صاحبكم» والمسلم صاحب لنا، قال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} وقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض} فمن منع الصلاة على مسلم، فقد قال قولا عظيما، وإن الفاسق لاحوج إلى دعاء إخوانه المؤمنين من الفاضل المرحوم!! وصح أن رجلا مات بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا على صاحبكم إنه قد غل في سبيل الله» قال: ففتشنا متاعه، فوجدنا خرزا لا يساوي درهمين.
وصح عن عطاء أنه يصلى على ولد الزنا، وعلى أمه، وعلى المتلاعنين، وعلى الذي يقاد منه، وعلى المرجوم، وعلى الذي يفر من الزحف فيقتل.
قال عطاء: لا أدع الصلاة على من قال: لا إله إلا الله قال تعالى: {من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}.
وصح عن إبراهيم النخعي أنه قال: لم يكونوا يحجبون الصلاة عن أحد من أهل القبلة، والذي قتل نفسه يصلى عليه، وأنه قال: السنة أن يصلى على المرجوم.
وصح عن قتادة أنه قال: ما أعلم أحدا من أهل العلم اجتنب الصلاة عمن قال لا إله إلا الله، وصح عن ابن سيرين: ما أدركت أحدا يتأثم من الصلاة على أحد من أهل القبلة.
وعن أبي غالب: قلت لابي أمامة الباهلي: الرجل يشرب الخمر، أيصلى عليه؟ قال: نعم.
لعله اضطجع مرة على فراش فقال لا إله إلا الله فغفر له.
وصح عن الحسن أنه قال: يصلى على من قال: لا إلا إلا الله وصلى إلى القبلة إنما هي شفاعة.

.الصلاة على الكافر:
لا يجوز لمسلم أن يصلي على كافر، لقول الله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله} وقال: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه}.
وكذلك لا يصلى على أطفالهم لأن لهم حكم آبائهم إلا من حكمنا بإسلامه بأن يسلم أحد أبويه أو يموت أو يسبى منفردا من أبويه أو من أحدهما فإنه يصلى عليه.

.الصلاة على القبر:
تجوز الصلاة على الميت بعد الدفن في أي وقت، ولو صلي عليه قبل دفنه، وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين.
وعن زيد بن ثابت قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد، فسأل عنه؟ فقيل: فلانة، فعرفها، فقال: «ألا آذنتموني بها؟ قالوا: يارسول الله، كنت قائلا صائما، فكرهنا أن نؤذيك فقال: لا تفعلوا، لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه رحمة» ثم أتى القبر فصفنا خلفه وكبر عليه أربعا. رواه أحمد والنسائي والبيهقي والحاكم وابن حبان وصححاه.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق، وفي الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على القبر بعد ما صلى عليها أصحابه قبل الدفن، لأنهم ما كانوا ليدفنوها قبل الصلاة عليها.
وفي صلاة الاصحاب معه على القبر ما يدل على أن ذلك ليس خاصا به صلوات الله عليه.
قال ابن القيم: ردت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من قوله: «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها» وهذا حديث صحيح، والذي قاله هو الذي صلى على القبر فهذا قوله وهذا فعله، ولا يناقض أحدهما الآخر، فإن الصلاة المنهي عنها إلى القبر غير الصلاة التي على القبر، فهذه صلاة الجنازة على الميت التي لا تختص بمكان، بل فعلها في غير المسجد أفضل من فعلها فيه، فالصلاة عليه على قبره من جنس الصلاة عليه على نعشه، فإنه المقصود بالصلاة في الموضعين، ولا فرق بين كونه على النعش، وعلى الأرض وبين كونه في بطنها بخلاف سائر الصلوات، فإنها لم تشرع في القبور، ولا إليها لأنها ذريعة إلى اتخاذها مساجد، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك، فأين ما لعن فاعله وحذر منه؟ وأخبر أن أهله شرار الخلق كما قال: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد» إلى ما فعله صلى الله عليه وسلم مرارا متكررة.

.الصلاة على الغائب:
تجوز الصلاة على الغائب في بلد آخر، سواء أكان البلد قريبا أم بعيدا، فيستقبل المصلي القبلة، وإن لم يكن البلد الذي به الغائب جهة القبلة، ينوي الصلاة عليه، ويكبر ويفعل مثل ما يفعل في الصلاة على الحاضر، لما رواه الجماعة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف أصحابه وكبر أربع تكبيرات قال ابن حزم: ويصلى على الميت الغائب بإمام وجماعة، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي رضي الله عنه، ومات بأرض الحبشة، وصلى معه أصحابه صفوفا، وهذا إجماع منهم لا يجوز تعديه.
وخالف في ذلك أبو حنيفة ومالك، وليس لهما حجة يمكن أن يعتد بها.
.الصلاة على الميت في المسجد:
لا بأس بالصلاة على الميت في المسجد، إذا لم يخش تلويثه، لما رواه مسلم عن عائشة قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد.
وصلى الصحابة على أبي بكر وعمر في المسجد بدون إنكار من أحد لأنها صلاة كسائر الصلوات.
وأما كراهة ذلك عند مالك وأبي حنيفة استدلالا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له» فهي معارضة بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه من جهة، ولضعف الحديث من جهة أخرى.
قال أحمد بن حنبل: هذا حديث ضعيف، تفرد به صالح مولى التوأمة، وهو ضعيف.
وصحح العلماء هذا الحديث فقالوا: إن الذي في النسخ الصحيحة المشهورة من سنن أبي داود بلفظ: «فلا شيء عليه» أي من الوزر.
قال ابن القيم: ولم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الراتب الصلاة على الميت في المسجد.
وإنما كان يصلي على الجنازة خارج المسجد، إلا لعذر، وربما صلى أحيانا على الميت كما صلى على ابن بيضاء، وكلا الأمرين جائز، والافضل الصلاة عليها خارج المسجد.

.الصلاة على الجنازة وسط القبور:
كره الجمهور الصلاة على الجنازة في المقبرة بين القبور.
روي ذلك عن علي وعبد الله بن عمرو وابن عباس.
وإليه ذهب عطاء والنخعي والشافعي وإسحق وابن المنذر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة والحمام».
وفي رواية لأحمد: أنه لا بأس بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر وهو في المقبرة.
وصلى أبو هريرة على عائشة وسط قبور البقيع.
وحضر ذلك ابن عمر وفعله عمر بن عبد العزيز.
جواز صلاة النساء على الجنازة يجوز للمرأة أن تصلي على الجنازة مثل الرجل، سواء أصلت منفردة أو صلت مع الجماعة: فقد انتظر عمر أم عبد الله حتى صلت على عتبة.
وأمرت عائشة أن يؤتى بسعد بن أبي وقاص لتصلي عليه.
وقال النووي: وينبغي أن تسن لهن الجماعة كما في غيرها، وبه قال الحسن بن صالح وسفيان الثوري وأحمد والأحناف، وقال مالك: يصلين فرادى.

.أولى الناس بالصلاة على الميت:
اختلف الفقهاء فيمن هو أولى وأحق بالإمامة في صلاة الجنازة.
فقيل: أحق الناس الوصي، ثم الأمير، ثم الاب وإن علا، ثم الابن وإن سفل، ثم أقرب العصبة، وإلى هذا ذهبت المالكية والحنابلة، وقيل: الأولى الاب، ثم الجد، ثم ابن ثم ابن الابن، ثم الاخ، ثم ابن الاخ، ثم العم، ثم ابن العم على ترتيب العصبات.
وهذا مذهب الشافعي وأبي يوسف.
ومذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن أن الأولى: الوالي إن حضر، ثم القاضي، ثم إمام الجهة، ثم ولي المرأة الميت، ثم الاقرب فالاقرب على ترتيب العصبة، إلا الاب فإنه يقدم على الابن إذا اجتمعا.