الجمعة، 16 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الطهارة : الوضوء

الوضوء

الوضوء معروف من أنه: طهارة مائية تتعلق بالوجه واليدين والرأس والرجلين، ومباحثه ما يأتي:

.دليل مشروعيته:
ثبتت مشروعيته بأدلة ثلاثة:

.الدليل الأول:
الكتاب الكريم، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}.

.الدليل الثاني:
السنة، روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» رواه الشيخان وأبو داود والترمذي.

.الدليل الثالث:
الاجماع، انعقد إجماع المسلمين على مشروعية الوضوء من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فصار معلوما من الدين بالضرورة.

.فضله:
ورد في فضل الوضوء أحاديث كثيرة نكتفي بالاشارة إلى بعضها: أ- عن عبد الله الصنابجي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال إذا توضأ العبد فمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنشر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظافر يديه فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظافر رجليه ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة» رواه مالك والنسائي وابن ماجه والحاكم.
ب- وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الخصلة الصالحة تكون في الرجل يصلح الله بها عمله كله، وطهور الرجل لصلاته يكفر الله بطهوره ذنوبه وتبقى صلاته له نافلة» رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الاوسط.
ج- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات. قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط» رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي.
د- وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم عن قريب لاحقون، وددت لو أنا قد رأينا إخواننا» قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد» قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: «أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم: ألا هلم، فيقال: إنهم بدلوا بعدك فأقول: سحقا سحقا» رواه مسلم.
.فرائضه:
للوضوء فرائض وأركان تتركب منها حقيقته، إذا تخلف فرض منها لا يتحقق ولا يعتد به شرعا، وإليك بيانها:

.الفرض الأول: النية:
وحقيقتها الارادة المتوجهة نحو الفعل، ابتغاء رضا الله تعالى وامتثال حكمه، وهي عمل قلبي محض لا دخل للسان فيه، والتلفظ بها غير مشروع، ودليل فرضيتها حديث عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» الحديث رواه الجماعة.

.الفرض الثاني: غسل الوجه مرة واحدة:
أي إسالة الماء عليه، لأن معنى الغسل الاسالة.
وحد الوجه من أعلى تسطيح الجبهة إلى أسفل اللحيين طولا، ومن شحمة الاذن إلى شحمة الأذن عرضا.

.الفرض الثالث: غسل اليدين إلى المرفقين:
والمرفق هو المفصل الذي بين العضد والساعد، ويدخل المرفقان فيما يجب غسله وهذا هو المضطرد من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه ترك غسلهما.

.الفرض الرابع مسح الرأس:
والمسح معناه الاصابة بالبلل، ولا يتحقق إلا بحركة العضو الماسح ملصقا بالممسوح فوضع اليد أو الاصبع على الرأس أو غيره لا يسمى مسحا، ثم إن ظاهر قوله تعالى: {وامسحوا برءوسكم} لا يقتضي وجوب تعميم الرأس بالمسح، بل يفهم منه أن مسح بعض الرأس يكفي في الامتثال، والمحفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذاك طرق ثلاث:
أ- مسح جميع رأسه: ففي حديث عبد الله بن زيد «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه» رواه الجماعة.
ب- مسحه على العمامة وحدها: ففي حديث عمرو بن أمية رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه، رواه أحمد والبخاري وابن ماجه.
وعن بلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «امسحوا على الخفين والخمار» رواه أحمد.
وقال عمر رضي الله عنه: «من لم يطهره المسح على العمامة لا طهره الله»، وقد ورد في ذلك أحاديث رواها البخاري ومسلم وغيرهما من الائمة.
كما ورد العمل به عن كثير من أهل العلم.
ج- مسحه على الناصية والعمامة، ففي حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين» رواه مسلم.
هذا هو المحفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه الاقتصار على مسح بعض الرأس، وإن كان ظاهر الآية يقتضيه كما تقدم، ثم إنه لا يكفي مسح الشعر الخارج عن محاذاة الرأس كالضفيرة.

.الفرض الخامس: غسل الرجلين مع الكعبين:
وهذا هو الثابت المتواتر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته: «ويل للاعقاب من النار» مرتين أو ثلاثا، متفق عليه، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل العقبين.
وما تقدم من الفرائض هو المنصوص عليه في قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}.

.الفرض السادس: الترتيب:
لأن الله تعالى قد ذكر في الآية فرائض الوضوء مرتبة مع فصل الرجلين عن اليدين - وفريضة كل منهما الغسل - بالرأس الذي فريضته المسح، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة.
وهي هنا الترتيب، والآية ما سبقت إلا لبيان الواجب، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ابدأوا بما بدأ الله به» ومضت السنة العملية على هذا الترتيب بين الاركان فلم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه توضأ إلا مرتبا، والوضوء عبادة ومدار الأمر في العبادات على الاتباع، فليس لاحد أن يخالف المأثور في كيفية وضوئه صلى الله عليه وسلم، خصوصا ما كان مضطردا منها.

.سنن الوضوء:
أي ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل من غير لزوم ولا إنكار على من تركها.
وبيانها ما يأتي:
.التسمية في أوله:
ورد في التسمية للوضوء أحاديث ضعيفة لكن مجموعها يزيدها قوة تدل على أن لها أصلا، وهي بعد ذلك أمر حسن في نفسه، ومشروع في الجملة.

.السواك:
ويطلق على العود الذي يستاك به وعلى الاستياك نفسه، وهو دلك الاسنان بذلك العود أو نحوه من كل خشن تنظف به الاسنان، وخير ما يستاك به عود الاراك الذي يؤتي به من الحجاز، لأن من خواصه أن يشد اللثة، ويحول دون مرض الاسنان، ويقوي على الهضم، ويدر البول، وإن كانت السنة تحصل بكل ما يزيل صفرة الاسنان وينظف الفم كالفرشة ونحوها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل وضوء،» رواه مالك والشافعي والبيهقي والحاكم.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب» رواه أحمد والنسائي والترمذي.
وهو مستحب في جميع الاوقات ولكن في خمسة أوقات أشد استحبابا:
1- عند الوضوء.
2- وعند الصلاة.
3- وعند قراءة القرآن.
4- وعند الاستيقاظ من النوم.
5- وعند تغير الفم.
والصائم والمفطر في استعماله أول النهار وآخره سواء، لحديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي، يتسوك وهو صائم» رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وإذا استعمل السواك، فالسنة غسله بعد الاستعمال تنظيفا له، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك فيعطيني السواك، لاغسله فأبدأ به فأستاك ثم أغسله وأدفعه إليه» رواه أبو داود والبيهقي.
ويسن لمن لا أسنان له أن يستاك بإصبعه، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله الرجل يذهب فوه أيستاك؟ قال: «نعم» قلت: كيف يصنع؟ قال: «يدخل إصبعه في فيه» رواه الطبراني.

غسل الكفين ثلاثا في أول الوضوء:
لحديث أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فاستوكف ثلاثا» رواه أحمد والنسائي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في إناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده» رواه الجماعة.
إلا أن البخاري لم يذكر العدد.

.المضمضة ثلاثا:
لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأت فمضمض» رواه أبو داود والبيهقي.

.الاستنشاق والاستنثار ثلاثا:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر» رواه الشيخان وأبو داود.
والسنة أن يكون الاستنشاق باليمنى والاستنثار باليسرى، لحديث علي رضي الله عنه «أنه دعا بوضوء فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى، ففعل هذا ثلاثا، ثم قال: هذا طهور نبي الله صلى الله عليه وسلم» رواه أحمد والنسائي.
وتتحقق المضمضة والاستنشاق إذا وصل الماء إلى الفم والانف بأي صفة، إلا أن الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصل بينهما، فعن عبد الله بن زيد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق من كف واحد، فعل ذلك ثلاثا» وفي رواية «تمضمض واستنثر بثلاث غرفات» متفق عليه، ويسن المبالغة فيهما لغير الصائم، لحديث لقيط رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ قال: «أسبغ الوضوء وخلل بين الاصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما» رواه الخمسة، وصححه الترمذي.

.تخليل اللحية:
لحديث عثمان رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته» رواه ابن ماجه والترمذي وصححه.
وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء، فأدخله تحت حنكه فخلل به، وقال: «هكذا أمرني ربي عزوجل» رواه أبو داود والبيهقي والحاكم.

.تخليل الاصابع:
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل أصابع رجليه بخنصره» رواه الخمسة إلا أحمد.
وقد ورد ما يفيد استحباب تحريك الخاتم ونحوه كالاساور، إلا أنه لم يصل إلى درجة الصحيح، لكن ينبغي العمل به لدخوله تحت عموم الأمر بالاسباغ.

.تثليث الغسل:
وهو السنة التي جرى عليها العمل غالبا وما ورد مخالفا لها فهو لبيان الجواز.
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه ثلاثا ثلاثا وقال: «هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم» رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
وعن عثمان رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا» رواه أحمد ومسلم والترمذي، وصح أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ومرتين مرتين، أما مسح الرأس مرة واحدة فهو الاكثر رواية.

.التيامن:
أي البدء بغسل اليمين قبل غسل اليسار من اليدين والرجلين، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله» متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا لبستم وإذا توضأتم فأبدءوا بأيمانكم». رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.

.الدلك:
وهو إمرار اليد على العضو مع الماء أو بعده، فعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بثلث مد فتوضأ فجعل يدلك ذراعيه» رواه ابن خزيمة، وعنه رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فجعل يقول هكذا: يدلك، رواه أبو داود الطيالسي وأحمد وابن حبان وأبو يعلى.

.الموالاة:
أي تتابع غسل الاعضاء بعضها إثر بعض بألا يقطع المتوضئ وضوءه بعمل أجنبي، يعد في العرف انصرافا عنه وعلى هذا مضت السنة، وعليها عمل المسلمين سلفا وخلفا.

.مسح الاذنين:
والسنة مسح باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بالابهامين بماء الرأس لأنهما منه.
فعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «مسح في وضوئه رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصبعه في صماخي أذنيه» رواه أبو داود والطحاوي، وعن ابن عامر رضي الله عنهما في وصفه وضوء النبي صلى الله عليه وسلم «ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة»، رواه أحمد وأبو داود.
وفي رواية «مسح رأسه وأذنيه وباطنهما بالمسبحتين» وظاهرهما بإبهاميه.

.إطالة الغرة والتحجيل:
أما إطالة الغرة فبأن يغسل جزءا من مقدم الرأس، زائدا عن المفروض في غسل الوجه وأما اطالة التحجيل، فبأن يغسل ما فوق المرفقين والكعبين لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء» فقال أبو هريرة: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل رواه أحمد والشيخان، وعن أبي زرعة «أن أبا هريرة رضي الله عنه دعا بوضوء فتوضأ وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفقين، فلما غسل رجليه جاوز الكعبين إلى الساقين، فقلت: ما هذا؟ فقال: هذا مبلغ الحلية» رواه أحمد واللفظ له، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

.الاقتصاد في الماء:
وإن كان الاغتراف من البحر لحديث أنس رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد»، متفق عليه، وعن عبيدالله بن أبي يزيد أن رجلا قال لابن عباس رضي الله عنهما: «كم يكفيني من الوضوء؟ قال مد، قال كم يكفيني للغسل؟ قال صاع، فقال الرجل: لا يكفيني، فقال: لا أم لك قد كفى من هو خير منك: رسول الله صلى الله عليه وسلم»، رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات، وروي عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: «ما هذا السرف يا سعد؟! فقال: وهل في الماء من سرف؟ قال: نعم وإن كنت على نهر جار» رواه أحمد وابن ماجه وفي سنده ضعف، والاسراف يتحقق باستعمال الماء لغير فائدة شرعية، كأن يزيد في الغسل على الثلاث، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا، قال: «هذا الوضوء، من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم» رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة بأسانيد صحيحة، وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
قال البخاري: كره أهل العلم في ماء الوضوء أن يتجاوز فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

.الدعاء أثناءه:
لم يثبت من أدعية الوضوء شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير حديث أبي موسى الاشعري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يقول يدعو: «اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي» فقلت: يا نبي الله سمعتك تدعو بكذا وكذا قال: «وهل تركن من شئ؟» رواه النسائي وابن السني بإسناد صحيح، لكن النسائي أدخله في «باب ما يقول بعد الفراغ من الوضوء» وابن السني ترجم له «باب ما يقول بين ظهراني وضوئه»، قال النووي وكلاهما محتمل.

.الدعاء بعده:
لحديث عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» رواه مسلم، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم جعل في طابع فلم يكسر إلى يوم القيامة» رواه الطبراني في الاوسط، ورواته رواة الصحيح، واللفظ له ورواه النسائي وقال في آخره: «ختم عليها بخاتم فوضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة» وصوب وقفه.
وأما دعاء: «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين» فهي في رواية الترمذي، وقد قال في الحديث وفي إسناده اضطراب، ولا يصح فيه شيء كبير.

.صلاة ركعتين بعده:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام إني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة قال: ما عملت عملا أرجى عندي من اني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي».
متفق عليه، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة» رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، وعن حمران مولى عثمان: أنه رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بوضوء فأفرغ عى يمينه من إنائه فغسلها ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاثا، ثم غسل رجليه ثلاثا، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وما بقي من تعاهد موقي العينين وغضون الوجه، ومن تحريك الخاتم، ومن مسح العنق، لم نتعرض لذكره، لأن الأحاديث فيها لم تبلغ درجة الصحيح، وإن كان يعمل بها تتميما للنظافة.
مكروهاته يكره للمتوضئ أن يترك سنة من السنن المتقدم ذكرها، حتى لا يحرم نوابها، لأن فعل المكروه يوجب حرمان الثواب، وتتحقق الكراهية بترك السنة.

.نواقض الوضوء:
للوضوء نواقض تبطلة وتخرجه عن إفادة المقصود منه، نذكرها فيما يلي:

.1- كل ما خرج من السبيلين:
القبل والدبر ويشمل ذلك ما يأتي:
1، 2- البول والغائط:
لقول الله تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط} وهو كناية عن قضاء الحاجة من بول وغائط.
3- ريح الدبر:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» فقال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: «فساء أو ضراط» متفق عليه، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» رواه مسلم.
وليس السمع أو وجدان الرائحة شرطا في ذلك، بل المراد حصول اليقين وبخروج شيء منه.
4، 5، 6- المني والمذي والودي:
لقول رسول الله في المذي: «فيه الوضوء» ولقول ابن عباس رضي الله عنهما: أما المني فهو الذي منه الغسل، وأما المذي والودي فقال: أغسل ذكرك أو مذاكيرك، وتوضأ وضوءك للصلاة، رواه البيهقي في السنن.

- النوم المستغرق:
الذي لا يبقى معه إدراك مع عدم تمكن المقعدة من الأرض، لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم» رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.
فإذا كان النائم جالسا ممكنا مقعدته من الأرض لا ينتقض وضوءه، وعلى هذا يحمل حديث أنس رضي الله عنه قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الاخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون» رواه الشافعي ومسلم وأبو داود والترمذي، ولفظ الترمذي من طريق شعبة: «لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة حتى لاسمع لاحدهم غطيطا، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون» قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس.

.3- زوال العقل:
سواء كان الجنون أو بالاغماء أو بالكسر أو بالدواء وسواء قل أو كثر، وسواء كانت المقعدة ممكنة من الأرض أم لا، لأن الذهول عند هذه الاسباب أبلغ من النوم، وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء.

.4- مس الفرج بدون حائل:
لحديث يسرة بنت صفوان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ» رواه الخمسة وصححه الترمذي وقال البخاري وهو أصح شيء في هذا الباب، ورواه أيضا مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وقال أبو داود: قلت لأحمد: حديث يسرة ليس بصحيح؟ فقال: بل هو صحيح، وفي رواية لأحمد والنسائي عن يسرة: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ويتوضأ من مس الذكر» وهذا يشمل ذكر نفسه وذكر غيره، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أفضى بيده إلى ذكر ليس دونه ستر، فقد وجب عليه الوضوء» رواه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه هو وابن عبد البر، وقال ابن السكن: هذا الحديث من أجود ما روي في هذا الباب، وفي لفظ الشافعي «إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره، ليس بينها وبينه شيء فليتوضأ»، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم: «أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ» رواه أحمد، قال ابن القيم: قال الحازمي: هذا إسناد صحيح.
ويرى الأحناف أن مس الذكر لا ينقض الوضوء لحديث طلق: أن رجلا سأل النبي عن رجل يمس ذكره، هل عليه الوضوء؟ فقال: «لا، إنما هو بضعة منك» رواه الخمسة، وصححه ابن حبان، قال ابن المديني: هو أحسن من حديث يسرة.

.ما لا ينقض الوضوء:
أحببنا أن نشير إلى ما ظن أنه ناقض للوضوء وليس بناقض، لعدم ورود دليل صحيح يمكن أن يعول عليه في ذلك، وبيانه فيما يلي:

.1- لمس المرأة بدون حائل: فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلها وهو صائم وقال: «إن القبلة لا تنقض الوضوء ولا تفطر الصائم» أخرجه إسحاق ابن راهويه، وأخرجه أيضا البزار بسند جيد.
قال عبد الحق: لا أعلم له علة توجب تركه.
وعنها رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من الفراض فالتمسته، فوضعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهم اني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» رواه مسلم والترمذي وصححه، وعنها رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ»، رواه أحمد والأربعة، بسند رجاله ثقات، وعنها رضي الله عنها قالت: «كنت أنام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي» وفي لفظ «فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي» متفق عليه.

.2- خروج الدم من غير المخرج المعتاد:
سواء كان بجرح أو حجامة أو رعاف، وسواء كان قليلا أو كثيرا: قال الحسن رضي الله عنه: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم رواه البخاري، وقال: وعصر ابن عمر رضي الله عنهما بثرة وخرج منها الدم فلم يتوضأ.
وبصق ابن أبي أوقى دما ومضى في صلاته، وصلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجرحه يثعب دما.
وقد أصيب عباد بن بشر بسهام وهو يصلي فاستمر في صلاته، رواه أبو داود وابن خزيمة والبخاري تعليقا.

.3- القئ:
سواء أكان ملء الفم أو دونه، ولم يرد في نقضه حديث يحتج به.

.4- أكل لحم الإبل:
وهو رأي الخلفاء الأربعة وكثير من الصحابة والتابعين، إلا أنه صح الحديث بالأمر بالوضوء منه.
فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الغنم؟..قال: «إن شئت توضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل، قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: لا» رواه أحمد ومسلم، وعن البراء ابن عازب رضي الله عنه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال: «توضئوا منها» وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال: «لا تتوضئوا منها» وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل؟ فقال: «لا تصلوا فيها، فإنها من الشياطين» وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال: «صلوا فيها فإنها بركة» رواه أحمد وأبو داود وابن حبان، وقال ابن خزيمة: لم أر خلافا بين علماء الحديث في أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل، لعدالة ناقليه، وقال النووي: هذا المذهب أقوى دليلا، وإن كان الجمهور على خلافه، إنتهى.

.5- شك المتوضئ في الحدث:
إذا شك المتطهر، هل أحدث أم لا؟ لا يضره الشك ولا ينتقض وضوءه سواء كان في الصلاة أو خارجها، حتى يتيقن أنه أحدث.
فعن عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه قال: شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ في الصلاة؟ قال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» رواه الجماعة إلا الترمذي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وجد أحدكم في نفسه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» رواه مسلم وأبو داود والترمذي، وليس المراد خصوص سماع الصوت ووجدان الريح، بل العمدة اليقين بأنه خرج منه شئ، قال ابن المبارك: إذا شك في الحدث فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقانا يقدر أن يحلف عليه، أما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء بإجماع المسلمين.

.6- القهقهة في الصلاة لا تنقض الوضوء:
لعدم صحة ما ورد في ذلك.

.7- تغسيل الميت:
لا يجب منه الوضوء لضعف دليل النقض.

.ما يجب له الوضوء:
يجب الوضوء لأمور ثلاثة:

.الأول: الصلاة مطلقا:
فرضا أو نفلا، ولو صلاة جنازة لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلوا، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول» رواه الجماعة إلا البخاري.

.الثاني: الطواف بالبيت:
لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطواف صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير» رواه الترمذي والدارقطني وصححه الحاكم، وابن السكن وابن خزيمة.

.الثالث: مس المصحف:
لما رواه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهله اليمن كتابا وكان فيه: «لا يمس القرآن إلا طاهر» رواه النسائي والدارقطني والبيهقي والاثرم، قال ابن عبد البر في هذا الحديث: إنه أشبه بالتواتر، لتلقي الناس له بالقبول، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يمس القرآن إلا طاهر» ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رجاله موثقون فالحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف، إلا لمن كان طاهرا ولكن الطاهر لفظ مشترك، يطلق على الطاهر من الحدث الاكبر، والطاهر من الحدث الاصغر، ويطلق على المؤمن، وعلى من ليس على بدنه نجاسة، ولابد لحمله على معين من قرينة فلا يكون الحديث نصا في منع المحدث حدثا أصغر من مس المصحف، وأما قول الله سبحانه: {لا يمسه إلا المطهرون} فالظاهر رجوع الضمير إلى الكتاب المكنون، وهو وهو اللوح المحفوظ، لأنه الاقرب، والمطهرون الملائكة، فهو كقوله تعالى: {في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة} وذهب ابن عباس والشعبي والضحاك وزيد بن علي والمؤيد بالله وداود وابن حزم وحماد بن أبي سليمان: إلى أنه يجوز للمحدث حدثا أصغر من المصحف وأما القراءة له بدون مس فهي جائزة اتفاقا.

.ما يستحب له:
يستحب الوضوء ويندب في الاحوال الاتية:

.1- عند ذكر الله عزوجل:
لحديث المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى توضأ فرد عليه، وقال: «إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على الطهارة»، قال قتادة «فكان الحسن من أجل هذا يكره أن يقرأ أو يذكر الله عز وجل حتى يطهر» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وعن أبي جهيم بن الحارث رضي الله عنه قال: «أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى أقبل على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام» رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وهذا على سبيل الافضلية والندب.
وإلا فذكر الله عز وجل يجوز للمتطهر والمحدث والجنب والقائم والقاعد، والماشي والمضطجع بدون كراهة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه» رواه الخمسة إلا النسائي، وذكره البخاري بغير إسناد، وعن علي كرم الله وجهه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرئنا ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة» رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن السكن.
.2- عند النوم:
لما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الايمن، ثم قل اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به،» قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت: «اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت: ورسولت، قال: لا...ونبيك الذي أرسلت» رواه أحمد والبخاري والترمذي، ويتأكد ذلك في حق الجنب، لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال يا رسول الله أينام أحدنا جنبا؟ قال: «نعم إذا توضأ».
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب، غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة» رواه الجماعة.

.3- يستحب الوضوء للجنب:
إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو يعاود الجماع، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ»، وعن عمار بن ياسر «أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام، أن يتوضأ وضوءه للصلاة»، رواه أحمد والترمذي وصححه، وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ» رواه الجماعة إلا البخاري، ورواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وزادوا «فإنه أنشط للعود».

- يندب قبل الغسل سواء كان واجبا أو مستحبا:
لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة، يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة»، الحديث رواه الجماعة.

.5- يندب من أكل ما مسته النار:
لحديث إبراهيم بن عبد الله بن قارظ قال: مررت بأبي هريرة وهو يتوضأ فقال: أتدري مم أتوضأ؟ من أثوار أقط أكلتها، لاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «توضئوا مما مست النار»، رواه أحمد ومسلم والأربعة، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «توضئوا مما مست النار»، رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه.
والأمر بالوضوء محمول على الندب لحديث عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة فاكل منها فأكل منها فدعى إلى الصلاة فقام وطرح السكين وصلى ولم يتوضأ» متفق عليه، قال النووي: فيه جواز قطع اللحم بالسكين.

.6- تجديد الوضوء لكل صلاة:
لحديث بريدة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: يا رسول الله إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله! فقال: «عمدا فعلته يا عمر» رواه أحمد ومسلم وغيرهما، وابن عمرو بن عامر الانصاري رضي الله عنه قال، كان أنس بن مالك يقول: «كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، قال: قلت: فأنتم كيف كنتم تصنعون؟ قال: كنا نصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم نحدث»، رواه أحمد والبخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشق على أمتي لامرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك» رواه أحمد بسند حسن، وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات». رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

.فوائد يحتاج المتوضئ إليها:
.1- الكلام المباح:
أثناء الوضوء مباح، ولم يرد في السنة ما يدل على منعه.

.2- الدعاء عند غسل الاعضاء:
باطل لا أصل له. والمطلوب الاقتصار على الأدعية التي تقدم ذكرها في سنن الوضوء.

.3- لو شك المتوضئ في عدد الغسلات:
يبني على اليقين وهو الاقل.

.4- وجود الحائل مثل الشمع:
على أي عضو من أعضاء الوضوء يبطله، أما اللون وحده، كالخضاب بالحناء مثلا، فإنه لا يؤثر في صحة الوضوء، لأنه لا يحول بين البشرة وبين وصول الماء إليها.

.5 – المستحاضة:
ومن به سلس بول أو انفلات ريح، أو غير ذلك من الاعذار يتوضئون لكل صلاة، إذا كان العذر يستغرق جميع الوقت، أو كان لا يمكن ضبطه، وتعتبر صلاتهم صحيحة مع قيام العذر.

.6- يجوز الاستعانة بالغير في الوضوء.
.7- يباح للمتوضئ أن ينشف أعضاءه:
بمنديل ونحوه صيفا وشتاء.

.المسح على الخفين:
.1- دليل مشروعيته:
ثبت المسح على الخفين بالسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال النووي: أجمع من يعتد به في الاجماع على جواز المسح على الخفين - في السفر والحضر، سواء كان لحاجة أو غيرها - حتى للمرأة الملازمة والزمن الذي لا يمشي، وإنما أنكرته الشيعة والخوارج، ولا يعتد بخلافهم، وقال الحافظ بن حجر في الفتح: وقد صرح جمع من الحفاظ، بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين، منهم العشرة.
انتهى، وأقوى الأحاديث حجة في المسح، ما رواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي عن همام النخعي رضي الله عنه، قال: «بال جرير بن عبد الله ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل: تفعل هذا وقد بلت؟ قال: نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه»، قال إبراهيم: فكان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة، أي أن جريرا أسلم في السنة العاشرة بعد نزول آية الوضوء التي تفيد وجوب غسل الرجلين، فيكون حديثه مبينا أي المراد بالآية إيجاب الغسل لغير صاحب الخف، وأما صاحب الخف ففرضه المسح فتكون السنة مخصصة للآية.

.2- مشروعية المسح على الجوربين:
يجوز المسح على الجوربين، وقد روي ذلك عن كثير من الصحابة.
قال أبو داود: ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء ابن عازب وأنس بن مالك وأبو امامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث، وروي أيضا عن عمر بن الخطاب وابن عباس، انتهى، وروي أيضا عن عمار وبلال بن عبد الله بن أبي أوفى وابن عمر، وفي تهذيب السنن لابن القيم عن ابن المندر: أن أحمد نص على جواز المسح على الجوربين، وهذا من إنصافه وعدله، وإنما عمدته هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم وصريح القياس، فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر، يصح أن يحال الحكم عليه، والمسح عليهما قول أكثر أهل العلم، انتهى.
وممن أجاز المسح عليهما سفيان الثوري وابن المبارك وعطاء والحسن وسعيد بن المسيب، وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز المسح عليهما إذا كانا ثخينين لا يشفان عما تحتهما، وكان أبو حنيفة لا يجوز المسح على الجورب الثخين ثم رجع إلى الجواز قبل موته بثلاثة أيام أو بسبعة، ومسح على جوربيه الثخينين في مرضه وقال لعواده: فعلت ما كنت أنهى عنه، وعن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين رواه أحمد والطحاوي وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وضعفه أبو داود.
والمسح على الجوربين كان هو المقصود، وجاء المسح على النعلين تبعا.
وكما يجوز المسح على الجوربين يجوز المسح على كل ما يستر الرجلين كاللفائف ونحوها، وهي ما يلف على الرجل من البرد أو خوف الحفاء أؤ لجراح بهما ونحو ذلك، قال ابن تيمية: والصواب أنه يمسح على اللفائف، وهي بالمسح أولى من الخف والجورب، فإن اللفائف إنما تستعمل للحاجة في العادة، وفي نزعها ضرر: إما إصابة البرد، وإما التأذي بالحفاء، وإما التاذي بالجرح، فإذا جاز المسح على الخفين والجوربين، فعلى اللفائف بطريق الأولى، ومن ادعى في شيء من ذلك إجماعا فليس معه إلا عدم العلم، ولا يمكنه أن ينقل المنع عن عشرة من العلماء المشهورين، فضلا عن الاجماع، إلى أن قال: فمن تدبر ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطى القياس حقه علم أن الرخصة منه في هذا الباب واسعة، وأن ذلك من محاسن الشريعة، ومن الحنيفية السمحة التي بعث بها، انتهى.
وإذا كان بالخف أو الجورب خروق فلا بأس بالمسح عليه، مادام يلبس في العادة، قال الثوري: كانت خفاف المهاجرين والانصار لا تسلم من الخروق كخفاف الناس، فلو كان في ذلك حظر لورد ونقل عنهم.

.3- شروط المسح على الخف وما في معناه:
يشترط لجواز المسح أن يلبس الخف وما في معناه من كل ساتر على وضوء، لحديث المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسير فأفرغت عليه من الاداوة فغسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه ثم أهويت لانزع خفيه فقال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» فمسح عليهما رواه أحمد والبخاري ومسلم.
وروى الحميدي في مسنده عنه قال: قلنا يا رسول الله أيمسح أحدنا على الخفين؟ قال: «نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان» وما اشترطه بعض الفقهاء من أن الخف لا بد أن يكون ساترا لمحل الفرض، وأن يثبت بنفسه من غير شد مع إمكان متابعة المشي فيه.
قد بين شيخ الإسلام ابن تيمية ضعفه في الفتاوي.

.4- محل المسح:
المحل المشروع في المسح ظهر الخف، لحديث المغيرة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر الخفين، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه.
وعن علي رضي الله عنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه رواه أبو داود والدارقطني، وإسناده حسن أو صحيح، والواجب في المسح ما يطلق عليه اسم المسح لغة، من غير تحديد، ولم يصح فيه شئ.

.5- توقيت المسح:
مدة المسح على الخفين للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها، قال صفوان بن عسال رضي الله عنه: أمرنا يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا، ويوما وليلة إذا أقمنا، ولا نخلعهما إلا من جنابة، رواه الشافعي وأحمد وابن خزيمة، والترمذي والنسائي وصححاه، وعن شريح بن هاني رضي الله عنه قال: سألت عائشة عن المسح على الخفين فقالت: سل عليا، فإنه أعلم بهذا مني، كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته فقال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة»، رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، قال البيهقي: هو أصح ما روي في هذا الباب، والمختار أن ابتداء المدة من وقت المسح، وقيل من وقت الحدث بعد اللبس.

.6- صفة المسح:
والمتوضئ بعد أن يتم وضوءه ويلبس الخف أو الجورب يصح له المسح عليه كلما أراد الوضوء، بدلا من غسل رجليه، يرخص له في ذلك يوما وليلة، إذا كان مقيما، وثلاثة أيام ولياليها إن كان مسافرا، إلا إذا أجنب فإنه يجب عليه نزعه، لحديث صفوان المتقدم.

.7- ما يبطل المسح:
يبطل المسح على الخفين:
1- انقضاء المدة.
2- الجنابة.
3- نزع الخف.
فإذا انقضت المدة أو نزع الخف وكان متوضئا قبل غسله رجليه فقط.