الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : المتكبر

المتكبر

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم، الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الأكارم: مع الدرس الثامن من دروس أسماء الله الحسنى.
 أيها الإخوة: لا بد من أن نعرف الله، و معرفة أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى جزء من معرفته، إنه موجود وإنه واحد وإنه كامل، لابد من معرفة أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
(صحيح البخاري)
 ولكن الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى لا يعرفه إلا الله هذه حقيقة يجب أن تكون بين أيدينا، لا يعرف الله إلا الله ونحن إذا أردنا أن نعرفه كمن يأخذ مخيطا ويغمسه في مياه البحر ثم لينزعه فلينظر بم يرجع ؟ هذا تشبيه ورد في الحديث الشريف قال عليه الصلاة والسلام:
((ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما يأخذ المخيط إذا غمس في مياه البحر ))
 فإذا كانت معرفة الله سبحانه وتعالى بحراً فمعرفة الإنسان لله عز وجل لا تزيد عن ما يحمل المخيط إذا غمس في مياه البحر، ولكن كما قال الإمام علي كرم الله وجهه: " أخذ القليل خير من ترك الكثير"
 سؤال: هل بالإمكان أن نضرب بعض الأمثلة كي نتعرف إلى الله عز وجل ؟ أيجوز أن نضرب أمثلة منتزعة من حياتنا من أجل توضيح بعض الحقائق ؟
 يجوز ولله المثل الأعلى، سآتيكم بالدليل، الدليل هو أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يعرفنا بذاته فضرب المثل فقال:
﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)﴾
(سورة الروم)
 ربنا سبحانه وتعالى من أجل أن يعرفنا بأنه لا إله إلا الله ولا شريك له ولا أحد يشركه في حكمه ضرب هذا المثل، إذاً يمكن أن أستخدم بعض الأمثال لمعرفة أسماء الله الحسنى والسبب أن اسم اليوم هو المتكبر، وكلمة المتكبر إذا أطلقت على إنسان تنفر النفس منه، ولكن المتكبر هو الله سبحانه وتعالى، فمن أجل أن أوضح لكم هذا الاسم أنا مضطر إلى أن أضرب بعض الأمثال:
 إنسان بحاجة ماسة إلى مئة ألف ليرة ليجري بها عملية جراحية تحدد مصيره بالحياة، لابد من أن تجرى هذه العملية ولا بد من هذا المبلغ، ولا يملكه، توجه إلى رجل من أقربائه فقال: أمعك هذا المبلغ ؟ قال له: نعم معي هذا المبلغ وهو كاذب، وتوجه إلى إنسان آخر من أقربائه وسأله السؤال نفسه قال: أمعك هذا المبلغ ؟ قال: نعم معي وهو صادق، فالذي قال: نعم معي هذا المبلغ ولا يملكه هذا الكلام يكون ناقصاً، ويدعي ما ليس له، والثاني لو أنه قال لقريبه لا ليس معي شيء وتواضع يعد ناقصاً، يجب أن يقول معي هذا المبلغ وخذ هذا المبلغ.
 فالتكبر في الله كمال وفي العبد نقص لأن الله خالق الأكوان بيده ملكوت كل شيء كن فيكون وإليه يرجع الأمر كله لا نهاية لعظمته لا نهاية لكماله لا نهاية لعلمه لا نهاية لقوته، فإذا تكبر الله سبحانه وتعالى أي عرف أنه عظيم وهذا ينقلنا إلى اسم آخر من أسماء الله الحسنى وهو اسم المؤمن يعرف نفسه، إذا كنت تحمل أعلى شهادة في اللغة العربية وجلس إلى جانبك إنسان يحمل الإعدادية وقرأ النص أمامك فإذا في قراءته أغلاط كثيرة، وأنت مهما كنت متواضعا ألا تعرف أنك في اختصاصك متفوق وتحمل الدرجة العلمية وأن هذه القراءة كلها أغلاط ؟ نعم.
 إذا بادئ ذي بدء إذا قال الجبان: أنا شجاع فهذه صفة نقص في حقه، وإذا قال البخيل: أنا كريم فهذا الكلام نقص في حقه، وإذا قال الجاهل: أنا عالم فهذا نقص في حقه، أما إذا قال العالم: أنا عالم وسأجيبك عن سؤالك رحمة بك هذا كمال، وإذا قال الشجاع: أنا شجاع وسأدافع عنك هذا كمال، وإذا قال الكريم: أنا كريم وخذ هذا كمال.
 فعندما نقول: إن الله متكبر فهو من أسماء الكمال، وعندما تقول: فلان متكبر فالتكبر صفة نقص في الإنسان، هذه الحقيقة الأولى في هذا الدرس، أي الإنسان إذا قال: المتكبر الجبار المنتقم ينبغي أن يسأل أهل الذكر.
 المتكبر هو الذي يرى الكل حقيراً بالإضافة إلى ذاته ولا يرى العظمة والكبرياء إلا لنفسه، فينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبيد.
 الله خالق السماوات والأرض بيده ملكوت كل شيء إليه يرجع الأمر كله إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، فإذا كان الله متكبراً فهو يعرِّف ذاته وهذا يتصل باسم آخر من أسمائه الحسنى ألا وهو المؤمن.
 ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ هَنَّادٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ))
(سنن أبي داوود)
 وفي رواية أخرى قصمته ولا أبالي.
 بعض العلماء يقول: " المتكبر من الكبرياء والكبرياء هو الملك " قال تعالى:
﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)﴾
(سورة يونس)
 فالمتكبر هو الملك الذي لا يزول سلطانه والعظيم الذي لا يجري في ملكه إلا ما يريد وهو الله الواحد القهار هذا معنى من معاني المتكبر.
 معنى آخر المتكبر من الكبير والعظيم لقوله تعالى:
﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)﴾
(سورة يوسف)
 ومعنى أكبرنه أي عظمنه ومعنى قطعن أيديهن كما قال العلماء جرحن أصابعهن.
 الله متكبر أي كبير ليس لكبريائه نهاية وهو عظيم ليس لعظمته غاية، هذا المعنى الثاني من معاني المتكبر، والمعنى الثالث المتكبر هو الذي تكبر عن ظلم العباد والمتكبر هو الذي انفرد بالكبرياء والملكوت وتوحد بالعظمة والجبروت والمتكبر هو الذي بيده الإحسان ومنه الغفران والمتكبر الذي ليس لملكه زوال ولا لعظمته انتقال.
 أيها الأخوة الأكارم: من معاني المتكبر العظيم ذو الكبرياء وأصل التكبر الامتناع وعدم الانقياد، الله سبحانه وتعالى طليق الإرادة، والمتكبر هو الذي تكبر عن كل نقص وترفع عن كل نقص وتعظم عن كل ما لا يليق به المتعالي عن صفات خلقه أيضا، كل هذه التعريفات لاسم المتكبر والله سبحانه وتعالى كما قلت قبل قليل لا بد من أن نعرفه لأننا إذا عرفناه أطعناه فقال تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾
(سورة فاطر)
 لا يصح عملنا إلا إذا عرفناه ولا نسعد في الدنيا والآخرة إلا إذا صح عملنا. ثلاث فقرات لا بد من أن نعرفه فإذا عرفناه أطعناه وإذا أطعناه سعدنا بقربه في الدنيا والآخرة.
 إذا المتكبر المتعالي عن صفات خلقه كامل في ذاته، كامل في صفاته، كامل في أفعاله. النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ وَزَادَ فِيهِ وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ وَهُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لا يَبْغُونَ أَهْلا وَلا مَالا فَقُلْتُ فَيَكُونُ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ وَاللَّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْعَى عَلَى الْحَيِّ مَا بِهِ إِلا وَلِيدَتُهُمْ يَطَؤُهَا ))
(صحيح مسلم)
 وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل:
(( أحب ثلاث وحبي لثلاث أشد، أحب الطائعين وحبي للشاب الطائع أشد، وأحب المتواضعين وحبي للغني المتواضع أشد، وأحب الكرماء وحبي للفقير الكريم أشد وأبغض ثلاث وبغضي لثلاث أشد، أبغض العصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد، وأبغض المتكبرين وبغضي للفقير المتكبر أشد، وأبغض البخلاء وبغضي للغني البخيل أشد ))
 هل تصدقون أيها الأخوة أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ))
(صحيح مسلم)
 لماذا ؟ قال: لأن الكبر يتناقض مع العبودية لله عز وجل، أنت عبد وهو رب فإذا نازعته رداءه وإزاره قصمك ولا يبالي كما ورد في الحديث الشريف، الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام:
((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ دَرَجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي عِلِّيِّينَ وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ دَرَجَةً وَضَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ ))
(سنن ابن ماجة)
 النبي عليه الصلاة والسلام حينما دخل مكة دخلها مطئطئ الرأس حتى كادت عمامته تلامس عنق بعيره تواضعا لله عز وجل، دخل عليه رجل أخذته رعدة فقال:
(( هون عليك يأخي إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة ))
 تكبره وكبرياؤه ورفعته وعلاه ومجده وثناؤه وعلوه وبهاؤه كل ذلك إخبار عن استحقاقه لنعوت الجلال وتنزهه عن النقائص والآفات.
 قال أحد العارفين بالله في المناجاة قال: يا رب بماذا أتقرب إليك، فوقع في قلبه أن يا عبدي تقرب إلي بما ليس في، فقال: يا رب وما الذي ليس فيك، قال: الذل والإفتقار وهو من أقرب الأبواب إلى الله عز وجل ومن أنجحها أن تأتيه طائعاً.
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنـــا  فإنا منحنا بالرضى من أحبنــــا
ولذ بحمانا واحتم بجنابنــــــا  لنحميك مما فيه أشرار خلقنــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغــــل  وأخلص لنا تلقى المـــسرة والهنا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يـــكن  فما القرب والإبعاد إلا بأمرنـــــا
كن مع الله ترى الله معــــــك  واترك الكل وحاذر طمعــــــك
ثم ضع نفسك بالذل لـــــــه  قبل أن النفس قهرا تضــــــعك
***
 أحد العارفين بالله يقول: بعد أن صلى العشاء والصبح في وقته دون أن يصلي قيام الليل: لأن أبيت نائما وأصبح نادماً أحب إلي من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً، دخل في الكبر، ولو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر ؟ العجب.
 طبعا لا يعرف اسم المتكبر إلا من جال فكره في الكون، يقول بعض العلماء: " إن في الكون من المجرات ما يزيد عن مليون مليون مجرة، وفي كل مجرة ما يزيد عن مليون مليون نجم، وأن بين الأرض والقمر ثانية ضوئية واحدة والضوء يقطع في الثانية ثلاثمائة ألف كيلومتر، وبين الأرض والشمس ثماني دقائق وبين الأرض وأقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية "، فإذا أردنا أن نقطع هذه المسافة بسيارة لاحتجنا إلى ما يقرب إلى خمسين مليون عام ذلك إذا الإنسان ركب مركبة واتجه نحو أقرب نجم ملتهب في الكون إلى الأرض، يحتاج إلى ما يقارب خمسين مليون عام، فما قولكم بنجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ضرب ألف أي خمسين مليون ضرب ألف أي خمسين ألف مليون عام لنجم القطب أربعة آلاف سنة ضوئية، أربعة سنوات أربعة آلاف فما قولكم بالمرأة المسلسلة تلك المجرة الصغيرة التي تبعد عنا مليون سنة ضوئية فما قولكم بأحدث مجرة أكتشفت تبعد عنا ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية، قال تعالى:
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾
(سورة الواقعة)
 يقول الإنسان: أنا، من أنت ؟ هذه المسافات أي هذه المجرة كانت في هذا المكان قبل ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية وهي الآن لا يعلم مكانها إلا الله.
 قلت لكم من قبل أن بين الأرض والشمس مئة وثمانية وخمسين مليون كيلو متر وأن الشمس تكبر الأرض بمليون و ثلاثمائة ألف مرة وأن في برج العقرب نجماً صغيراً أحمر اللون متألقاً اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما هو المتكبر.
 أيها الأخوة الأكارم: الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى لا تدركه الأبصار ولكن الكون بين أيدينا وهو يجسد ويظهر عظمة الله عز وجل قال تعالى:
﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)﴾
(سورة فصلت)
 من منا يصدق أن في اللقاء الزوجي الواحد يوجد ثلاثمائة مليون حوين ينطلق من الرجل وعلى كل حوين خمسة آلاف مليون معلومة وهذا الرقم دقيق جدا هذه المورثات لا ترى إلا بالمجهر، خلايا الدماغ مئة وأربعون مليار خلية سمراء اللون لم تعرف وظيفتها بعد، في الشبكية مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط من أجل تحقيق الرؤية الدقيقة، في العصب البصري تسعمئة ألف عصب.
 من منا يصدق أن الإنسان إذا ذهب إلى شمال الأرض إلى القطب المتجمد الشمالي حيث الحرارة سبعين تحت الصفر بإمكانه أن يرتدي معطفاً جيداً وأن يضع الأشياء التي تقيه البرد وليس بإمكانه أن يغطي عينيه؟ فإذا لامس الهواء الخارجي ماء العين تجمد، من وضع في ماء العين مادة مضادة للتجمد ؟ هو المتكبر لم ينسَ هذه، إذا عاش الإنسان هناك بلا هذه المادة يفقد بصره فورا هو المتكبر، تفكر في خلق الله قال تعالى:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
(سورة آل عمران)
 من منا يصدق أن في دماغ الإنسان جهاز بالغ التعقيد يحسب تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين، يصل الصوت إلى الأذن اليمين إذا كان الصوت من اليمين قبل الأذن اليسار بـ واحد على ألف وست مئة وخمسة وعشرين جزءاً من الثانية وهذا الجهاز في الدماغ يحسب هذا التفاضل ويعرف الإنسان جهة الصوت ولولا هذا الجهاز لما عرفت جهة الصوت أبدا هو المتكبر.
 أسماء الله عز وجل لا يمكن أن نعرفها إلا من خلال الكون من خلال هذه الآيات الدالة على عظمته، كل منا عنده مستودع للوقود السائل، فسعة المتر المكعب خمسة براميل من منا يصدق أن القلب يضخ في اليوم الواحد ثمانية أمتار مكعبة وأن قلب الإنسان الذي يعيش في عمر متوسط يضخ مايملأ أكبر ناطحة سحاب في العالم،
أتحسب أنك جرم صغير  وفيك انطوى العالم الأكبر
***
 من منا يصدق أن في الكبد وظائف تزيد عن خمسة آلاف وظيفة وأن الإنسان دون كبد يعيش ثلاث ساعات فقط، إذا أردت أن أمضي في الحديث عن معجزات الله عز وجل وعن إعجاز الله في خلقه فالأمر لا ينتهي لكن الله تعالى لخص هذا كله حيث قال:
﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾
(سورة الذاريات)
 أنت معك جهاز إيضاح معك وسيلة إيضاح مستمرة لو أمضيت في حياتك الدنيا تفكر في عظمة خلق الإنسان كما عرفت الله عز وجل.
 هذا الذي يتكبر وهو من بني البشر كم هو ظالم لنفسه ؟ الله سبحانه وتعالى تلطف بنا قبل أسابيع حينما جاءت هزة أرضية خفيفة جداً، لو أنها كانت أشد لكانت أخبارنا في الآفاق، ثمانون ألف قتيل سبعون ألف جريح تحت الأنقاض، أبنية متهدمة هكذا جاءت نصف درجة ريختر لو كانت خمس درجات ريختر لم نكن الآن موجودين في هذا المجلس، على أي شيء نتكبر، نحن بلطف الله عز وجل، هزتان أرضيتان لا تبقي ولا تزر فعلام الكبر ؟ مدن رائعة مدن جميلة جدا أصبحت أثراً بعد عين في ثوانٍ فعلام الكبر ؟
 حينما انحبست أمطار السماء وأصبح كأس الماء مهددا هُدِّدْنا بكأس الماء، هل في الأرض كلها جهة تستطيع أن تتخذ قراراً بإنزال الأمطار إلا أن الله سبحانه وتعالى تلطف بنا وأكرمنا وأرانا من آياته هو المتكبر من نحن ؟ هذه المركبة التي سموها إشلنجر المتحدي إسمها فيه سوء أدب مع الله عز وجل، فيها سبع رواد فضاء معهم رائدة فضاء أيضا لينجب ولد في الفضاء، الخطة كانت أن تحمل هذه المرأة من أحد هؤلاء الرجال وأن تنجب مولودا في الفضاء، ماهي إلا سبعون ثانية حتى أصبحت كرة من اللهب، علام الكبر ؟ من أنت ؟ أنت كن فيكون زل فيزول لا شيء، لذلك:
ومالي سوى فقري إليك وسيلة  فلإفتقاري إليك فقري أدفــع
ومالي سوى قرعي لبابك حيلة  فإذا رددت فأي باب أقــرع
***
 وأنت في أعلى درجات العبودية مفتقر إلى الله عز وجل، وأنت في أوج قوتك وأوج صحتك وأوج علمك يجب أن تكون مفتقرا إلى الله سبحانه وتعالى، إذا أقدمت على عمل فقل: اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي والتجأت إلى حولك وقوتك ياذا القوة المتين.
 من منا يصدق (أنا أقول لكم هذه الأمثلة على أن الإنسان لا يصح له أن يتكبر فإذا تكبر فهو أحمق ) نقطة من الدم لو تجمدت في بعض شرايين المخ في مكان يصاب بالشلل، كان معززاً مكرماً خفيفاً وضيعاً أصبح ملقاً على السرير أقرب الناس إليه يتمنى موته، على ماذا الكبر ؟ هذه النقطة لو تجمدت في مكان آخر لفقد الإنسان ذاكرته، حدثني أخ ابن أحد إخوتنا الكرام توفي والده وقبل وفاته فقد ذاكرته، خرج من معمله وبيته في المهاجرين وبقي يبحث عن بيته نصف ساعة لم يعرف بيته، من أنت بلا ذاكرة ؟ تفقد معلوماتك لا تبقى طبيبا.
 دخل ابن على أبيه وهو صيدلي قال: من أنت ؟ قال: أنا ابنك يا أبتي، قال: لا أعرفك، فإذا كانت نقطة ما في مكان آخر فقد ذاكرته، بمكان ثالث أصبح لا يبصر، كل مافي الدنيا من جمال فقده، لا ألوان ولا جبال خضراء ولا بحار زرقاء ولا طفله الجميل لقد انتهى كل الجمال.
 سمعت أن أحد الأدباء كان كفيف البصر وكان يقضي الصيف في النمسا في أجمل مكان، أنا أقول والله لو قضى الصيف في الصعيد في غرفة مكيفة كالنمسا تماما لأنه لا يرى شيئاً.
 فالإنسان إذا غض بصره عن محارم الله وإذا باتت هذه العين خاشعة لله أغلب الظن أن الله سبحانه وتعالى لا يفجعه بها، ألم تسمعوا قول النبي عليه الصلاة والسلام:
 عَنْ عُثْمَانَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))
(صحيح البخاري)
 أحد علماء دمشق الكبار علّم ثلاثة أجيال، كان يرى أحداً في الطريق يقول له: يابني كنت أنت تلميذي وكان أبوك تلميذي وكان جدك تلميذي. بدأ بالتعليم في الثمانية عشر عاما من عمره وتوفي في الثامنة والتسعين، وكان مستقيم القامة حاد البصر مرهف السمع و أكرمه الله بأن زوجته عاشت مثله، كان يقال له: يا سيدي ما هذه الصحة ؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً، ألا تحب أن يكون خريف عمرك رائعاً جداً ؟ إذا أردت أن تكون كريما على الله فاتقِ الله، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، إذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك.
 انظر إلى معامل كريات الدم الحمراء في نقي العظام هناك مرض خطير اسمه فقر الدم اللامصنع، هذه الخلايا هذه المعامل في نقي العظام تصنع في كل ثانية مليونين ونصف المليون كرية دم حمراء، أحيانا تتوقف عن العمل بلا سبب وهذا المرض اسمه فقر دم اللامصنع لماذا الكبر ؟ أنت مليون خطر يهددك، ماذا تفعل ؟
 أعرف إنساناً كان من أولي اليسار وله مكانة مرموقة في البلد فقد بصره دخل عليه أحد أصدقائه قال له والله: يا فلان أتمنى أن لا أحمل هذه الدكتوراه وأن لا أكون في هذا المنصب وأن لا أكون في هذه البحبوحة وأن أقبع على الرصيف أتكفف الناس وأن يرد الله إلي بصري، هذه نعمة يجب أن نحفظها بطاعة الله عز وجل.
 من أين يأتي هذا الورم ؟ الإنسان بكامل صحته فجأة تضطرب الخلايا في نموها فتكون القاضية !! هاتان الكليتان أحيانا تتوقفان فجأة عن العمل مرض اسمه هبوط مفاجئ في وظائف الكليتين، كل أسبوع مرتين في المشفى غسيل دم وشيء لا يحتمل... إذاً علام التكبر؟ هل تملك كليتيك ؟ هل تملك قلبك ؟ هل تملك دسامات القلب ؟ هل تملك الشريان التاجي المغذي للقلب ؟ هل تملك أن تبقى الأوعية في الدماغ واسعة لا تضيق ؟ هل تملك أعصاب الحس أن لا تتلف ولا تلتهب ؟ هل تملك أن لا تتكلس مفاصل الإنسان فيصبح قطعة واحدة ؟
 هناك أمراض كثيرة جدا فعلام التكبر ؟ هل تملك هذا اللسان ؟ وأنت نائم يزداد لعابك في فمك فيذهب تنبيه إلى الدماغ بأن كمية اللعاب في الفم قد ازدادت يجب تفريغها، فيأمر الدماغ لسان المزمار فيفتح الفتحة عن الرئتين إلى المري فيسقط اللعاب في المري وأنت نائم، وأنت نائم يقلبك الله ثمان وثلاثين مرة وأنت لا تدري ذات اليمين وذات الشمال لكي لا تقع عن السرير هذه نعم الله عز وجل، تأمل فيها تحب الله عز وجل وتبادر إلى طاعته، لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت.
 فهذا ثقب البوتال في القلب لو لم يسد ماذا نفعل ؟ يحتاج الابن لمليون ليرة أجرة عمل جراحي، فتحة بين الأذينين هكذا قال لي بعض الأطباء فتأتي جلطة تغلقها، يد مَنْ داخل القلب؟ يد مَنْ جاءت وأغلقت هذه الفتحة ثقب بوتال، لو بقيت مفتوحة يبقى الطفل أزرق اللون لأن الدم ينتقل من أذين إلى أذين ولا يتصفى عن طريق الرئتين.
 الإنسان يأتيه مولود كامل فيقول: يا رب لك الحمد، لو فيه زرقة ويحتاج لعمل جراحي يكلف مليون ليرة ماذا نفعل ؟ علام الكبر ؟
 الله عز وجل قادر أن يجعلك تبيع بيتك ومتجرك من أجل عملية جراحية واحدة، علام الكبر ؟
 أنا أؤكد على موضوع الكبر في حق الله كمال وفي حق العبيد نقصان.
 أعرف صديقاً لي توفي بمرض اسمه نقص في الصفيحات الدموية، الإنسان من دون صفيحات دموية ينزف دمه كله من ثقب أبرة، يوجد في الدم هرمون للتجلط وهرمون للتميع من توازن هرمون التميع والتجلط يبقى هذا الدم بهذا الشكل السائل، لو زاد هرمون عن هرمون لأصبح الدم وحلاً في الأوعية ولو زاد الثاني أصبح الدم مائعا، من الذي نظم ؟ وأنت نائم ومرتاح، ربنا عز وجل لم يوكل الأمر إليك، فكرت بموضوع لو أن الإنسان يكلف بالتنفس، لا يستطيع أن ينام فيلغى النوم كليا، تكلمت مع أخ طبيب فقال لي: هذا مرض يقع أحيانا، من تعطل ؟ مركز التنبيه النوبي في البصلة السيسائية، يوجد دواء الآن راقٍ جدا ومرتفع الثمن جدا يجب أن يأخذ كل ساعة حبة طوال الليل، فيضع المنبهات، ويستيقظ كل ساعة يأخذ حبة ثم يعود إلى النوم، أهذه حياة ؟ وأنت لا تدري أنت نم وارتح، التنفس بأعيننا والقلب والرئتين والحركات، فالحديث عن إعجاز خلق الإنسانيطول، فالإنسان كلما ازداد علماً ازداد تواضعاً والدليل قول الله عز وجل:
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
 فالعلماء وحدهم ولا أحد سواهم يخشى الله عز وجل، فكن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً ولا تكن الخامسة فتهلك.
 يقول الإمام الغزالي: " العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ". فما من قيمة اعتمدها الله عز وجل بين خلقه إلا قيمة العلم، هناك مجموعة قيم يتفاضل بها الناس فيما بينهم المال والصحة والوسامة والقوة والذكاء أما قيمة العلم اعتمدها الله عز وجل في القرآن فجعلها قيمة وحيدة للترجيح بين خلقه فقال:
﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)﴾
(سورة الزمر)
 ورد في بعض الأحاديث:
(( تبارك الذي قسم العقل بين عباده أشتاتا، إن الرجلين ليستوي عملهما وبرهما وصومها وصلاتهما ويختلفان في العقل كالذرة جنب أحد، وما قسم الله لعباده نصيباً أوفر من العقل واليقين ))
 لذلك ما من يوم ينشق فجره إلا ويقول: يابن آدم أنا فجر جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة، والسيدة رابعة العدوية سئلت: من الإنسان ؟ قالت: هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
 فالمتكبر هو الله وهي صفة كمال فيه، والإنسان إذا تكبر صفة غباء وجهل ونقص فيه