الثلاثاء، 6 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الذكر : الدعاء وآدابه


الدعاء وآدابه

الأمر به:
أمر الله الناس أن يدعوه ويضرعوا إليه، ووعدهم أن يستجيب لهم ويحقق لهم سؤلهم.
1- فقد روى أحمد وأصحاب السنن عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدعاء هو العبادة» ثم قرأ: {ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}.
2- وروى عبد الرازق عن الحسن: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه: أين ربنا؟ فأنزل الله: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.
3- وروى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء».
4- وروى الترمذي عنه: أنه صلوات الله عليه وسلامه قال: «من سره أن يستجيب الله تعالى له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء».
5- وروى أبو يعلى عن أنس بن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه

عن ربه عزوجل، قال: «أربع خصال: واحدة منهن لي، وواحدة لك، وواحدة فيما بيني وبينك، وواحدة فيما بينك وبين عبادي فأما التي لي، لا تشرك بي شيئا، وأما التي لك، فما عملت من خير جزيتك عليه، وأما التي بيني وبينك، فمنك الدعاء وعلي الاجابة وأما التي بينك وبين عبادي، فارض لهم ما ترضى لنفسك».
6- وثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «من لم يسأل الله يغضب عليه».
7- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة» رواه البزار والطبراني والحاكم وقال: صحيح الاسناد.
8- وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لايرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر» رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
9- وروى أبو عوانة وابن حبان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة، فإنه لا يتعاظم عن الله شئ».

.آدابه:
للدعاء آداب ينبغي مراعاتها، نذكرها فيما يلي:

.1- تحري الحلال:
أخرج الحافظ بن مردويه عن ابن عباس، وقال: تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا}، فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يارسول الله: ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال: «يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به».
وفي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، فأنى يستجاب لذلك».

.2- استقبال القبلة إن أمكن:
فقد خرج النبي يستسقي، فدا واستسقى واستقبل القبلة.

.3- ملاحظة الاوقات الفاضلة والحالات الشريفة:
كيوم عرفة، وشهر رمضان، ويوم الجمعة، والثلث الأخير من الليل، ووقت السحر، وأثناء السجود، ونزول الغيث، وبين الأذان والإقامة، والتقاء الجيوش، وعند الوجل، ورقة القلب.
أ- فعن أبي أمامة قال: قيل: يارسول، أي الدعاء أسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات» رواه الترمذي بسند صحيح.
ب- وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» رواه مسلم.
وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة منثورة في ثنايا الكتب.

.4- رفع اليدين حذو المنكبين:
لما رواه أبو داود عن ابن عباس قال: المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك، أو نحوهما، والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة، والابتهال أن تمد يديك جميعا.
وروي عن مالك بن يسار أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها».
وروي عن سلمان، أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا».

.5- أن يبدأ بحمد الله تعالى وتمجيده والثناء عليه ويصلي على النبي:
لما رواه أبو داودو النسائي والترمذي وصححه عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي، فقال: «عجل هذا» ثم دعاه، فقال له - أو لغيره - «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما يشاء».

.6- حضور القلب وإظهار الفاقة والضراعة إلى الله جل شأنه وخفض الصوت بين المخافته والجهر:
قال الله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} وقال: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين}.
قال ابن جرير: تضرعا: تذللا واستكانة لطاعته، وخفية: أي بخشوع قلوبكم وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه، لا جهار مراءاة.
وفي الصحيحين عن أبي موسى الاشعري، قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا بصيرا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة؟ لاحول ولاقوة إلا بالله».
وروى أحمد عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله - أيها الناس - فاسألوه وأنتم موقنون بالاجابة، فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل».

.7- الدعاء بغير إثم أو قطيعة رحم:
لما رواه أحمد عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها» قالوا: إذا نكثر؟ قال: «الله اكبر».

.8- عدم استبطاء الاجابة:
لما رواه مالك عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لاحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي».

.9- الدعاء مع الجزم بالاجابة:
لما رواه أبو داود عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مكره له».

.10- اختيار جوامع الكلم:
مثل: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك.
وفي سنن ابن ماجه: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال: «سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة» ثم أتاه في اليوم الثاني، والثالث، فسأله هذا السؤال، وأجيب بذلك الجواب.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: «فإذا أعطيت العفو والعافية في الدنيا والآخرة فقد أفلحت».
وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من دعوة يدعو بها العبد أفضل من: اللهم إني أسألك المعافاة في الدنيا الآخرة».

.11- تجنب الدعاء على نفسه وأهله وماله:
فعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل عطاء فيستجاب لكم».

.12- تكرار الدعاء ثلاثا:
فعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا رواه أبو داود.

.13- إذا دعا لغيره أن يبدأ بنفسه:
قال الله تعالى: {ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان}.
وعن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه رواه الترمذي بإسناد صحيح.

.14- مسح الوجه باليدين عقب الدعاء:
وحمد الله وتمجيده والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد روي مسح الوجه باليدين من عدة طرق كلها ضعيفة، وأشار الحافظ إلى أن مجموعها تبلغ به درجة الحسن.
دعاء الوالد والصائم والمسافر والمظلوم روى أحمد وأبو داود والترمذي بسند حسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم».
وروى الترمذي بسند حسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لانصرنك ولو بعد حين».

.دعاء الاخ لاخيه بظهر الغيب:
1- روى مسلم وأبو داود عن صفوان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده، ووجدت أم الدرداء، فقالت: أتريد الحج العام؟ قلت: نعم.
قالت: فادع الله لنا بخير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «دعوة المسلم لاخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لاخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل» قال فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- ولأبي داود والترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب».

3- ورويا عن عمر قال: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي، وقال: «لا تنسنا يا أخي من دعائك» فقال عمر: كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا.
بعض ما ورد فيما ينبغي أن يستفتح به الدعاء رجاء أن يقبل:
1- عن بريدة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لاإله إلا أنت الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فقال: «لقد سألت الله بالاسم الاعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب» رواه أبو داود والترمذي وحسنه.
قال المنذري: قال شيخنا أبو الحسن المقدسي: إسناده لا مطعن فيه، ولم يرد في هذا الباب حديث أجود إسنادا منه.
2- وعن معاذ بن جبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا، وهو يقول: يا ذا الجلال والاكرام، فقال: «قد استجيب لك فسل» رواه الترمذي وقال: حسن.
3- وعن أنس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي عياش زيد بن الصامت الزرقي، وهو يصلي ويقول: «اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، يا حنان يا منان، يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والاكرام، يا حي يا قيوم، فقال رسوال الله صلى الله عليه وسلم: لقد سألت الله باسمه الاعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» رواه أحمد وغيره، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
4- وعن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من دعا بهؤلاء الكلمات الخمس، لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه: لا إله الا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله» رواه الطبراني بإسناد حسن.