الواحد
مع الاسم الخمسين من أسماء الله الحُسنى والاسم هو " الواحد"، وفي اللّغة الواحد هو المُتَوَحِّد الذي لا يخالط الناس و لا يجالسهم، والتوحيد أن تؤمن بالله إلهاً واحداً لا شريك له وإحدى صفات الله جلّ جلاله " الواحد"،وقد خصّها بنفسه لا يَشْرَكُه فيها أحد، هو الواحد.
و في بعض الكتب ؛ الواحد هو الفرد الذي لم يزل وحده و لم يكن معه أحد من قبلُ، ولا يزال وحده إلى أبد الآبدين، واحدٌ قبْلاً وبعْداً أزَلاً وأبَداً، و في الحديث أنّ الله سبحانه وتعالى لم يرض بالوحدانية لأحد غيره، وفي اللغة أيضاً واحدٌ في هذا الباب، واحدٌ في هذا العِلم، واحدٌ في هذا الفّن، واحدٌ في هذه الخبرة، الواحد في اللغة التّقدم بالعِلم أو البأْس أو غير ذلك ؛ أي التّفوق، هناك معنيان يليقان بِحضرة الله عز وجل الوحدانية والتفوّق هو وحده، وواحدٌ لا شريك له وقبل أن نمضِي في الحديث عن هذا الاسم العظيم، نذكر ما قد ورد في الآثار من أنه اسم الله الأعظم، هناك واحدٌ وهناك أحد، الله جل جلاله واحد أحد، واحد لا شريك، له وأحد لا مثيل له ؛ لا شريك: واحد، ولا مثيل: أحد، فهو واحد أحد فرد صمد.
والعدد أحياناً يأخذ معنيين: معنىً كمِياً ومعنىً نوعِياً ؛ تقول: فلان ترتيبه الرابِع في صفّه فَكَلِمة الرابِع ليس هو أربعة أشخاص ولكن ترتيبه هو الرابع، وهو المعنى النوعي للعدد، أما إذا قلنا جاء أربعة أشخاص فهذا المعنى الكَمِّي، فالعدد له معنى كمي وله معنى نوعي، إذا قلنا الله واحد أي لا شريك له، وإذا قلنا الله أحد أي لا مثيل له، فَكَأنّ أحد تشير إلى المعنى النوعي وكأن واحد تشير إلى المعنى الكمي.
على كُلٍّ التوحيد مشتق من الواحد وكل مؤمن يعلم أنه ما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد، والتوحيد نِهاية العِلم على الإطلاق، وفَحْوى دعوة الأنبِياء جميعاً، والتوحيد هو الدِّين، لذلك التوحيد مأخوذ من اسم الله الواحد. لكن التوحيد توحيدان: توحيد ربوبية وتوحيد ألوهِيّة، فَتَوْحيد الربوبية أن تشهد أن الله سبحانه وتعالى واحد في ملكه، وهو الذي خلق ورزق وأعطى، وهو الذي منع والذي رفع، وهو الذي خفض وهو الذي قبض و بسط وهو الذي أعزّ وأذلّ، هذا توحيد الربوبية، لا رازقَ، ولا معطيَ ولا مُحْيِيَ، ولا مُميتَ، ولا مدبرَ لأمر الكون كله ظاهراً وباطِناً إلاّ هو، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا تتحرك ذرة إلا بِإذنه ولا يحدث حادث إلا بِعِلْمِه، ولا تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا يعزب عنه مِثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر ولا أكبر إلا أحصاها عِلمه وأحاطت بِها قدرته ونفذت فيها مشيئته واقْتَضَتْها حِكمتُه، فتَوْحيد الربوبية أن تؤمن أنه الواحد في تدبيره وفي ملكه.
أما توحيد الألوهية فَهُو أن تعبده ولا تعبد أحداً معه وألاَّ ترى له نِداً ولا مُدبِّراً ولا معطِياً ولا مانِعاً إلا هو، توحيد الربوبية رُؤية، لكن توحيد الألوهية أن تعبده وحده، والدين رؤية وعِبادة ؛ عِلم وعمل ؛ عقيدة وسلوك.
هناك رأْي آخر عند بعض العلماء لِتوحيد الربوبية وهو أن تعتقد أن لهذا الكون خالِقاً واحداً، أما توحيد الألوهية أن تعتقد أن الله تعالى هو المستحق وحده للعبادة، فهو المُسّيِّر وهو المعز والمذل والمحيي والمميت.
على كلٍّ اختِلاف التسمية لا يقدِّم ولا يؤخر نحن أمام حقيقتين: حقيقة أن نشهد أن الله واحد في ذاته و واحد في صفاته و واحد في أفعاله وأنه الخالق والرازق والممدُّ والمحيي والمميت وأنه المعطي والمانع والرافع والخافض والقابض والباسط وهو كل شيء، والتوحيد: ألاَّ تشهد أنَّ مع الله أحداً، هذه كلمة تُلقَى وفِكرة تُسْمع وتُدْرك لكنه شتان بين أن تُدْرِكها وبين أن تفهمها وبين أن تعيشها.
أيها القراء الكرام أحد أكبر مصادر الشقاء في الحياة الدنيا ألاَّ تكون موَحِّداً قال تعالى:
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾
(سورة الشعراء)
ما الذي يُعذّب الإنسان ؟ أن يرى أمره بِيَدِ عدوِّه وأنه ضعيف وخَصْمُه قويّ وهو حاقِدٌ عليك. وما الذي يُريحه ؟ أن يرى أمره بِيَد رحيم وبِيَد إلهٍ عادِل وبِيَد قدير وبِيَد غني وبِيَد رحيم وبِيَد رؤوف، ما الذي يُريحك إذا كنت مُحِقاً ؟ يُريحك أن يكون القاضي عادِلاً، تقول مثلاً: أنا لا أُبالي فالقاضي يحكم بِالحق وأنا معي الحق، وما الذي يُريحك وأنت مُوَظَّفٌ في دائرة ؟ أن توقِن أنّ المدير العام مُنصِف لا يُلْقي بالاً للوِشاية يتحقق بِنَفْسه والذي يُريح الإنسان أن يرى أنّ أمره بِيَد الله وأن الله لا يمكن أن يقول لك يا عبدي اُعْبُدني وأمرك بِيَد غيره وحينما يكون أمرك بِيد غير الله فأنت مضطر أن تعبد غير الله أما حينما يقول الله لك:
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
(سورة هود)
لم يأمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك بأن أمرك كله بِيَدِهِ.
أيها القارىء الكريم: والله هذه الحقيقة لا أفْتَأ أُكرِّرُها إلى يوم القيامة لأنَّ القرآن الكريم كله يدور حولها قال تعالى:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(110)﴾
(سورة الكهف)
انظر إلى نفسك ما الذي يُقلِقك ؟ ضعف التوحيد والإشراك وما الذي يُخيفك ويقبض قلبك ؟ الإشراك ولا أقول الجليّ إنما الخفيّ، وما الذي يُزْعِجك ؟ أن تعْتَقِد أن زيداً بِيَدِه أمرك وهو لا يحِبّك وأن تعتقد أن رِزقك بِهذه الجِهة وربما تغضب عليك، لذلك حينما تُوَحِّد تسْتَرخي وترتاح أعصابك وتذهب عنك الشّدة النفسية وترى بِأنك بِيَد أرحم الراحمين، لو كانت لك قضية عند شخصٍ عادل رحيم لا تُبالي.
أكرر ثانية: هناك توحيد ربوبية وتوحيد ألوهية، والتوحيد ألا تشهد أن مع الله إلهاً آخر، لكن هناك حقيقة أخرى وهي أن هذه العَين تُريك أُناساً أقوِياء يفعلون ما يقولون، والله عز وجل لا يمكن أن تراه بِعَينك بل تُدْرِكه بِعَقلك، فالإنسان بِلا جهدٍ عقلي يرى شُركاء مع الله بل العالم كله الآن يقول: إن الدولة الفُلانية قويّة لأن معها سِلاحٌ نَوَوي وبِيَدِها مصير العالم فالعَين الظاهرة تُريك الأقوِياء من البشر ولكن العقل الراجح مع التأمل والتفكر والتدبر والقِراءة وحضور مجالس العِلم تُريك الواحد الأحد ألم يقل الله تعالى:
﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)﴾
(سورة يونس)
هناك دولة لها من القنابل النوويّة ما تستطيع أن تُدَمِّر الأرض خمس مرات، لا أُنْكِر أن هذه العَين ترى الأقوِياء من البشر لكن عقلك وإيمانك وتفكرك وتدبرك لآيات الله يُريك أنه بيده كل شيء ؛ رؤية التوحيد تحتاج إلى جهد وإلى إيمان بِكتاب الله وإلى يقين واعلم أن رؤية التوحيد لها ثمن أما رؤية العَيْن بلا ثمن، كل إنسان إذا رأى بِعَينه يقول لك: هذا قوي وذاك غني لكنك إذا قرأت القرآن وهو كلام خالق الأكوان وفهِمت آياته وتدبَّرْته وصدَّقْته ورأيت الحوادث كيف تجري تستنبط أن كل الأقوِياء عِصِيٌ بِيَد الله عز وجل يُحَرِّكها كيف يشاء قال تعالى على لسان نبيّه هود:
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)﴾
(سورة هود)
أيها القارىء الكريم: إذا وقفت عند إنسان ولك عنده حاجة وهو أقوى منك يجب أن تؤمن أن خاطِره وقلبه وعينه وطريقة تفكيره وكل ما يُلْقى في روعه من إلهامات بِيَد الله فإذا أراد الله أن يرحمك ألْقى في قلبه العطف عليك وإذا أراد أن يُؤدّبك ألقى في قلبه قسوةً عليك:
﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)﴾
(سورة طه)
من الذي ألقى في قلب امرأة فرعون محبة ذاك الطفل حينما رأت طِفلاً صغيراً في الصندوق؟ هو الله قال تعالى:
﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)﴾
(سورة القصص)
فَمن الذي حرم على هذا الطفل كلَّ هذه المراضِع ؟ هو الله، هذا تحريم منع وليس تحريم تشريع، أما حينما جاءت أمه اِلْتَقم ثدْيَها، فالله عز وجل من خلال قصة سيِّدنا موسى وسيدنا يوسف يُريك أنّ الفِعل بِيَده والله الذي لا إله إلا هو أحياناً أستمِع إلى قِصة أشعر أنها غِذاءٌ لِقلبي لأنها في دلالتها تشير إلى أن الله بِيده كل شيء، دلالة صارخة وقد يظهر فِعل الله للناس جميعاً وأحياناً يمتحن الله عبده بِأن تظهر أفعاله جلِيَّة واضحة ويتبادر لنفسك أن هذا الإنسان يفعل ما يقول، فأين الله ؟ هذا امتِحان لِضِعاف التوحيد وأحياناً تبدو لك أفعال الله صارِخة، فقد تسمع أنّ حريقاً التهم ثلاثين مَحَلاً تِجارِياً والتفّ حول مَحَلٍّ واحد مخلفا إياه ؛ شيء واضِح جداً أن صاحب هذا المحل يدفع زكاة ماله في إحدى السنوات جاءت حمْلَة الجراد، وأعتَقِد أنها بِالثلاثينات، فأكلت الأخضر واليابس وأتى على كل البساتين إلا واحداً في الغوطة إذ بقي كأنه قِطعةٌ من الجنة بأشجاره وأوراقه فلما سألوا صاحب البستان قال: أنا أدفع زكاة مالي وجاؤوا بِكيسٍ من الجراد وأَلْقَوْهُ في بستانه فَتَطايَر في دقائق معدودات، إذاً أحْياناً ترى فِعل الله صارِخاً وأحْياناً ترى فِعل الإنسان صارِخاً واللهُ في كل الأحوال هو الفعّال لكن يُمْتَحن ضِعافُ التوحيد قال تعالى:
﴿إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)﴾
(سورة طه)
أحياناً يتِم شِفاء ذاتي لِمرضٍ عُضال في حين أنّ الأطِباءَ جميعاً أجمعوا على أن هذا الإنسان لا محالة ميت، مرض خبيث من الدرجة الخامسة ؛ تصوير وتحليل ومخابر سورية ومخابر بريطانية وخمسة أطِباء فإذا بِالمرض ينحسِر شيئاً فشيئاً ويعود المرء سليماً صحيحاً كما كان من قبل، فهذا فِعل الله المباشر فالله جلّ جلاله هو الفعال لِما يريد.
التوحيد هو الحُكم بأن الله تعالى هو الواحد وهذا الحكم يكون بِالقول والعِلم وبِالإشارة بِالأصبع ففي الصلاة تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله، وهناك توحيد بِالقول وتوحيد بِالعِلم فأنت تُوَحِّد عِلماً وقوْلاً وإشارةً. وليعلم كل مؤمن أن التوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الحق لِنَفْسِه قال تعالى:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾
(سورة محمد)
هو يعلم أنه واحد ويُعْلِمُنا أنه واحد، وتوحيد العِباد لله جل جلاله حينما تقول أشهد أن لا إله إلا الله وتوحيد الحق للعبد، فالله عز وجل يَعْلم أنه واحد ويُعْلِم العباد أنه واحد وأمرك أن تعلم أنه واحد ؛ إذاً هذه ثلاثة توحيد الحق للعبد وتوحيد الحق للحق وتوحيد العبد للحق.
التوحيد: " أن تعلم أنّ كل ما خطر بِبالِك فالله جلّ جلاله بِخِلاف ذلك " والتوحيد أن تعلم أن الله واحد في ذاته وواحد في صفاته وواحد في أفعاله، فالله له ذات وله صِفات وله أفعال ووحْدانِيَتُه تشمل هذه المعاني كلها. أجل إنه: واحد في ذاته وواحد في صفاته وواحد في أفعاله، وهو واحد لا شريك له وبِصِفاته متفرّد بها، وهو الرحمن ولا رحمن سِواه، أما أفعاله فهو القهار ولا قهار سواه، واحد في ذاته لا إله غيره، وواحد في صفاته لا رحمن غيره، وواحد في أفعاله لا قهار غيره، في أفعاله، وواحد في ذاته لا يتجزّأ ولا يتناهى ليس بِمُتَجَزِّئٍ ولا بِمُتَبَعِّضٍ، فالله واحد، لكنك تجد أشياء من جزأين أو ثلاثة فهناك آلات تُفَكَّك، لكن الله واحد في صِفاته لا يشبِهه شيء وهو لا يُشْبِه شيئاً، وواحد في أفعاله لا شريك له.
وقال بعض العارفين: " الواحد هو الذي تناهى في سُؤدَدِه فلا شبيه له ولا شريك يساويه "، وقال بعض العارفين أيضاً: " الواحد هو الذي يكفيك من الكُل والكُل لا يكفيك من الواحد، يحتاجه كل شيء في كل شيء " .
لو أن ستة آلاف مليون إنسان ودُوَل الأرض كلها وقِواها أرادوا بِك سوءاً وكنت مع الله فالله يكفيك كل هؤلاء، فهذا الكلام دقيق ؛ هو الذي يكفيك من الكُلِّ والكُل لا يكفيك من الواحد ولو أن قِوى الأرض وأسلحتهم أرادوا بك خيراً لن تستطيع أن تنجُوَ من عذاب الله، لذلك كنت أردد لكم دائماً أنّ الحسَن البصري رضي الله تعالى عنه، حينما سأله والي البصرة عن توجيهٍ أتاه من يزيد، وكان تنفيذ هذا التوجيه يغضب الله عز وجل فقال ماذا أفعل ؟ فقال له الحسن: إن الله يمنعك من يزيد ولكن يزيد لا يمنعك من الله، فَمهما اِحْتميْت بِقويٍّ فهذا القوي لا يمنعك من الله لكنك إذا احْتَمَيْت بالله يمنعك من أقوى الأقوِياء وهذا هو التوحيد.
وقيل " التوحيد، أيْ: أن الله الأحَد المنفرد بإيجاد المعدومات والمُتَوَحِّد بِإظهار الخَفِيات"، فالإنسان يصنع شيئاً من شيءٍ ؛ طاولة من خشب ومركبَةً من حديد لكن الله تعالى يُوجِد كل شيء من لا شيءٍ، وهذا الفعل لا يستطيعه إلا الله.
وقيل " التوحيد أن ترى أن الله واحداً في ملكه لا يُنازِعه أحد وفي صِفاته ولا يشبهه أحد "، وقيل " التوحيد الذي لا ثاني له في الوجود فهو المنفرد ذاتاً وصِفاتٍ وأفعالاً بِالألوهية والربوبية والأزلية والأبدية ".
وبعد فهل ورد ذكرُ هذا الاسم العظيم الذي قيل عنه أحياناً إنه اسم الله الأعظم هل ورد في كتاب الله عز وجل ؟ إليكم أيها القراء الكرام هذه الآيات الكريمة قال تعالى:
﴿كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)﴾
(سورة البقرة)
يجب أن نشعر أن إله إبراهيم هو إلهنا، وأن إله نبيِّنا هو إلهنا وأن إله الصحابة الذين نصرهم على أعدائهم هو إلهنا، وأن الله تعالى الذي وعدنا بِالتمكين بالأرض وبالاستِخلاف وبِالأمن هو إلهنا، وهو في السماء إله وفي الأرض إله، وفي الأزل وفي الأبد، كيف أن الله سبحانه نصر المؤمنين وجعل رايَتيهم تُرفْرَف في مشارق الأرض ومغارِبها ؟ هو الله. وهذه آية أخرى:
﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)﴾
(سورة البقرة)
وهذه آية ثالثة:
﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171)﴾
(سورة النساء)
وفي الأنعام يقول الله تعالى:
﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)﴾
(سورة الأنعام)
يعني فعال واحد، وإرادة واحدة، ومعطٍ واحد، ومانع واحد ومعز واحد، ومذل واحد، ديننا كله توحيد، والأجانب فيما سمعته من الذين ذهبوا إلى بِلادهم وجالسوهم، واستمتعوا إليهم، يدَّعون أن الله تعالى خلاق وليس فعّالاً فقد خلق وأعطى قِوى للبشر، لكنه لم يُعْطِها بالتساوي فهناك القوي والضعيف ولكن المسلم يعتقد أن الله خلاق وفعّال.
وفي سورة يوسف:
﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)﴾
(سورة يوسف)
قد يموت الأب وهو يملك معملا ويخلِّف خمسة أولاد وهؤلاء الأولاد يتسلَّمون هذا المعمل فالموظف الذي عندهم يتلقى الأمر من فلان وفلان أما إن كان للمعمل مدير واحد فالآمر واحد وتحدّدت المسؤوليّة، ومشكلة المشاكل أن يكون لك عدة رؤساء تتلقى منهم الأمر فتقع في حيرة ؛ تُرضي من ؟ وتُغضِب من ؟ وتهتم بأمر من ؟ وتُهمِل أمر من ؟ وعمن تقترب ؟ وعمن تبتعد ؟ فكلهم أقوياء وكلهم يأمرونك هذا مثَل تقريبي، ولو تعامل الإنسان في الحياة الدنيا مع جِهاتٍ عديدة لتمزّقت نفسه ؛ إن أرضى فلاناً غضِب فلان وإن أعرض عن فلان استشاط الآخر غيْظاً فيبقى في حَيْرة من أمره لكنه لو كان الأمر بِيَد واحد لصار التعامل سهلاً جداً، لذلك أحد أسباب نجاح المؤمن بِحياته عدم التشتّت والتَّمَزّق والتَّبعْثر فكل قِواه مُجمَّعة لإرضاء إله واحد قال الشاعر:
فَلَيْتك تحلو والحياة مريـــرة وليتك ترضى والأنام غِضاب
وليت الذي بيني و بينك عامـر وبيني وبين العالمين خـراب
إذا صح منك الوصل فالكل هَيِّن وكل الذي فوق التراب تراب
***
تجد بعض الأحيان إنساناً شديد الحِرص على سُمعته وكرامته ؛ لكنه قد يواجه مواقف مؤذية ففلان لابد أن يعتذِر منه والآخر لابد أن يَدْعُوَه وثالث ورابع الخ، فهذا ذل وتمزّق، إنما الإرضاء هو إرضاء الرب والباقون يحاول أن يرضِيَ من رضيَ تحت مظلة الشرع لذلك قال سيدنا علي: من عرف نفسه ما ضره ما قاله الناس به، هو يحرص على سمعته لكنه لا يتمزق حينما يُتَّهم ظلماً، فأمُّنا عائشة رضي الله عنها اتهمت ظلماً والله برَّأها، والنبي الكريم اتّهم أنه ساحر وشاعر وكاهن ولكن الله نصره وأعلى مقامه قال تعالى:
﴿ يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الواحد الْقَهَّارُ ﴾
قال تعالى:
﴿مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلَا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)﴾
(سورة الرعد)
وفي سورة إبراهيم قال تعالى:
﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)﴾
(سورة إبراهيم)
قد يجد المرء في نفسه أنه أقوى الأقوِياء وينسى أنّ الله فوقه والله سبحانه وتعالى يقهره فالله عز وجل قهار، كيف هو قهار ؟ قال العلماء: سبحان من قهر عِباده بِالموت، تجد شخصًا مِلء السمع والبصر وفي ثانية يصير في خبر كان، فالله قهار قال تعالى:
﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)﴾
(سورة إبراهيم)
المشكلة ؛ التَّبَعْثُر بين أقوِياء، المؤمن لا يرى أن مع الله أحداً وعليه أن يُرضيه وكفى وقال تعالى:
﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)﴾
(سورة النحل)
ورحمةً بعباده وإرشاداً لهم قال تعالى:
﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)﴾
(سورة النحل)
تقول له: هذا حرام فعله وذاك حرام بيعه فيقول: أبي يَوَدّ هكذا ! فهذا قد اتّخذ أباه إلها، وذكر لي أخ أنهم في محلهم يزن العامل بدل الأوقية مئة وخمسين غرامًا ويتقاضون ثمن مئتي غرام وإذا تكلّمت طردني أبي !! فهذا هو الغش وأحياناً يجعل المرء زوجته إلهاً وهو لا يدري يخاف أن تغضب فلا يُعارِضها ! قال تعالى:
﴿ وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾
وأحياناً يرضي الإنسان من هو أقوى منه ويعصي الله فهذا يعني أنه اتخذ إلهين اثنين، حينما ترضي مخلوقاً وتعصي الله فقد اتّخذت إلهين أنا لا أقول أنك قلت هذا المرء هو إله ولكنك عاملت هذا المخلوق كما عاملت الإله فإن تُقِر أو لا تقِر، وإن ترضى أو لا ترضى، فقد اتخذت إلهين من دون أن تشعر لكن أتسحلفك بالله أيها القارىء الكريم وهذا مثل منتزع من واقِعِنا لو كنت بِخِدمة إلزامية وأمرك العريف بِأمر ثم أمرك اللِّواء بِأمر ونفَّذت أمر العريف فماذا تكون النتيجة ؟ أليس حُمقاً ؟ فما بالك بِمن يطيع المخلوق ويعصي الخالق فهذا المخلوق لا يملك لِنَفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، نبينا سيِّد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم والله يعلمه، ومن خلال تعليمه تتعلم الأمة، أمره الله تعالى أن يقول:
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾
(سورة الأعراف)
ولو انتزعت حكماً من لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن محِقاً ماذا يكون مصيرك يوم القيامة قال:
((عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فلا يَأْخُذْهَا ))
(رواه البخاري ومسلم)
هذا هو الحق، وقال تعالى:
﴿ وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾
وقال تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾
فإذا كان طبيب عليه إقبال شديد يقول لك ليس لك عندي موعد إلا بعد ثلاثة أشهر وهناك أشخاص أقوِياء لا أمل لك بِمُقابَلَتِهم أما ربنا تعالى فيقول:
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾
الآية واضِحة في معناها ودلالتها، ولا يشرك بِعِبادة ربه أحداً فأنت بِحاجة إلى توحيد واستِقامة وعملٍ صالحٍ كي تجد نفسك مع الله، قال تعالى:
﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)﴾
(سورة الأنبياء)
أي ماذا تنتظرون ؟ أنت بِحاجة لِمعاملة ولا بد لك من سفرٍ والسفر ضروري جداً ومعروض عليك صفقة بالملايين صعدت الطابق ووقفت على باب مدير الهجرة ثم انصرفت تتذلل لغيره، أليس هذا هو الحمق ؟ فليس لك أن تذهب إلى من هو دون المدير وتريق ماء الوجه أمامه ؟ فكيف بالله ؟ قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾
أي ماذا تنتظرون ؟ أنى تصرفون وأنى تؤفكون ومالكم كيف تحكمون ؟ قال تعالى:
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)﴾
(سورة الحج)
وقال تعالى:
﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)﴾
(سورة العنكبوت)
ديننا دين توحيد وفي سورة الزمر قال تعالى:
﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)﴾
(سورة الزمر)
وفي سورة غافر قال تعالى:
﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)﴾
(سورة غافر)
هذا اسم الواحد أما أحد لم يرد إلا مرة واحدة في قوله تعالى:
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)﴾
(سورة الإخلاص)
والواحد ورد في القرآن أكثر من عشرين مرة، هناك رأي لِبعض العلماء في التفريق بين واحد وأحد، لقد ذكرت في مطلع البحث أن الواحد لا شريك له وأحد لا مثيل له، والأحد له إشارة نوعية أما الواحد كميّة ؛ هناك تفريق آخر فإذا قلت: ما في الدار أحد يعني ليس فيها لا واحد ولا اثنان ولا ثلاثة فإذا نفيت الواحد نفيت العدد الذي بعده، أما إذا قلت ما في الدار واحد فقد يكون هناك أربعة هذا فرق في استِخدام كلمة واحد و أحد، ثَمّ شيء آخر ذو بعد واضح وهو أنك لا تقول رجل أحد، فكلمة أحد اختصَّ الله بِها فالأحد مما اختص الله به.
هناك فروقات أخرى بين الواحد والأحد ولكن المهم أن الله تعالى هو واحد وأحد في وقت واحد.
بعد كل هذا الشرح والإيضاح فكيف نتأدب بهذا الاسم ؟، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ السَّلُولِيِّ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِي اللَّه عَنْهم أَلا إِنَّ الْوَتْرَ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَصَلاتِكُمُ الْمَكْتُوبَةِ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ ثُمَّ قَالَ أَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ))
(رواه مسلم والترمذي)
أي يحب القلب المنفرد بِمحبته تعالى فالله لا يقبل العمل المشترك ولا القلب المشترك فالعمل المشترك لا يقبله والقلب المشترك لا يُقْبِل عليه.
والدعاء: اللهم إني أسألك أن تملأ قلبي بِحُبِّك حتى لا يكون لي هم ولا شغل سِواك، فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، أنا أغنى الأغنياء عن الشرك:
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ قَالَ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى قَالَ زَيْدٌ فَذَكَرْتُهُ لِزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِنِينَ ))
(رواه الترمذي وغيره)
والحقيقة أن هذا البحث في التوحيد بحث ثمين، والتوحيد عِلمٍ جليل مُقتَبَسٌ من اسم الله الواحد ونحن ديننا دين توحيد، ونبينا واحد، وإلهنا واحد، والحق واحد، وهناك نقطة دقيقة المعنى والدلالة وهي أنَّ الله عز وجل ذكر النور مفرداً وذكر الظلمات جمعاً قال تعالى:
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)﴾
(سورة البقرة)
والله تبارك وتعالى ذكر الصراط واحداً وذكر الانحراف متعدداً قال:
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾
(سورة الأنعام)
فالمنهج واحد، والطريق إلى الله واحد، فالوحدانية مقتبسة من أن الله واحد، ومنهجه واحد، والطريق إليه واحد، ومهما تباعد المسلمون في أقطارهم فَقِبْلَتُهم واحدة، قال تعالى في وصْفِه بعض المنحرفين:
﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً (115)﴾
(سورة النساء)
ولتعلم أيها المؤمن أن سبيل المؤمنين سبيل واحد، فالمسلم يُحب الله ورسوله ولا يكذب ويغض بصره ويحب الخلق جميعاً يرحم الخلق ووقاف عند كتاب الله ورحيم بِأهله ولا يأكل مالاً حراماً وهذا حال المؤمنين حيثما وجدوا، لقد صار واضحا ومعلوما أنّ ربنا واحد، وإلهنا واحد وكتابنا واحد، والطريق المستقيم واحد، والنور واحد، والقِيَم واحدة والمبادىء واحدة، والأهداف واحدة، ومما يجمعنا كأُمة واحدة أنّ القِبلة واحدة، ألا تعجب أن كل مسلم في الأرض يتجِه إلى مكانٍ واحد ألا ترى الكعبة وأنت في الحج ؟ وأن كل أقطار الأرض تتجِه إليها ؟ فينبغي علينا أن نتوحّد في تآخينا ولا نتدابر فإذا تفرَّقنا فنحن أشقى الناس وأهونهم.
وبعدُ فإنّ موضوع التوحيد هو الدين كله وأختِم البحث بهذه المقولة: ما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد والتوحيد نهاية العلم والتقوى نهاية العمل