التفويض والتوكيل في الطلاق
الطلاق حق من حقوق الزوج، فله أن يطلق زوجته بنفسه، وله أن يفوضها في تطليق نفسها، وله أن يوكل غيره في التطليق.
ولك من التفويض والتوكيل لا يسقط حقه ولا يمنعه من استعماله متى شاء، وخالف في ذلك الظاهرية، فقالوا: إنه لا يجوز للزوج أن يفوض زوجته تطليق نفسها، أو يوكل غيره في تطليقها.
قال ابن حزم: ومن جعل إلى امرأته أن تطلق نفسها لم يلزمه ذلك ولا تكون طالقا، طلقت نفسها أو لم تطلق، لأن الله تعالى جعل الطلاق للرجال لا للنساء.
.صيغ التفويض:
وصيغ التفويض هي:
1- اختاري نفسك.
2- أمرك بيدك.
3- طلقي نفسك إن شئت.
وقد اختلف الفقهاء في كل صيغة من هذه الصيغ وذهبوا مذاهب متعددة نجملها فيما يلي:
1- اختاري نفسك: ذهب الفقهاء إلى وقوع الطلاق بهذه الصيغة: لأن الشرع جعلها من صيغ الطلاق، وفي ذلك يقول الله تعالى: {يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدارالآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما}.
ولما نزلت هذه الآية دخل الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة فقال لها: «إني ذاكر لك أمرا من الله على لسان رسوله، فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك»، قالت: وما هذا يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية.
قالت: فيك يا رسول الله أستأمر أبوي؟...بل أريد الله ورسوله، والدار الآخرة، وأسألك ألا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت.
قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها.
إن الله لم يبعثني...الخ ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثلما فعلت عائشة، فكلهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعد ذلك شيئا».
وفي لفظ لمسلم: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه فلم يكن طلاقا».
وفي هذا دلالة على أنهن لو أخترن أنفسهن: كان ذلك طلاقا.
وأن هذا اللفظ يستعمل في الطلاق.
ولم يختلف في ذلك أحد من الفقهاء.
بينما اختلفوا فيما يقع إذا اختارت المرأة نفسها: فقال بعضهم إنه يقع طلقة واحدة رجعية.
وهو مروي عن عمر وابن مسعود وابن عباس.
وهو قول عمر بن عبد العزيز، وابن أبي ليلى، وسفيان، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال بعضهم: إذا اختارت نفسها يقع واحدة بائنة، وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبه قال الأحناف.
وقال مالك بن أنس: إن اختارت نفسها فهي ثلاث، وإن اختارت زوجها يكون واحدة.
ويشترط الأحناف في وقوع الطلاق بهذه الصيغة ذكر النفس في كلامه أو في كلامها، فلو قال لها: اختاري، فقالت اخترت، فهو باطل لا يقع بها شئ.
2- أمرك بيدك: إذا قال الرجل لزوجته أمرك بيدك، فطلقت نفسها، فهي طلقة واحدة، عند عمر، وعبد الله بن مسعود.
وهو مذهب سفيان، والشافعي، وأحمد.
روي أنه جاء بن مسعود رجل فقال: كان بيني وبين امرأتي بعض ما يكون بين الناس.
فقالت: لو أن الذي بيدك من أمري بيدي لعلمت كيف أصنع.
قال: فإن الذي بيدي من أمرك بيدك.
قالت: فأنت طالق ثلاثا.
قال: أراها واحدة وأنت أحق بها ما دامت في عدتها.
وسألقى أمير المؤمنين عمر، ثم لقيه فقص عليه القصة.
فقال صنع الله بالرجال وفعل يعمدون إلى ما جعل الله في أيديهم فيجعلونه بأيدي النساء بفيها التراب ماذا قلت فيها؟ قال: قلت أراها واحدة وهو أحق بها.
قال: وأنا أرى ذلك، ولو رأيت غير ذلك علمت أنك لم تصب.
وقال الأحناف: يقع طلقة واحدة بائنة، لأن تمليكه أمرها لها يقتضي زوال سلطانه عنها، وإذا قبلت ذلك بالاختيار وجب أن يزول عنها، ولا يحصل ذلك مع بقاء الرجعة.
هل المعتبر نية الزوج أم نية الزوجة؟: ذهب الشافعي إلى أن المعتبر هو نية الزوج.
فإن نوى واحدة فواحدة، وإن نوى ثلاثا فثلاث.
وله أن يناكرها في الطلاق نفسه، وفي العدد: في الخيار أو التمليك.
وذهب غيره إلى أنها إن نوت أكثر من واحدة وقع ما نوت، لأنها تملك الثلاثة بالتصريح، فتملكها بالكناية كالزوج.
فإن طلقت نفسها ثلاثا، وقال الزوج لم أجعل لها إلا واحدة، لم يلتفت إلى قوله.
والقضاء ما قضت، وهذا مذهب عثمان، وابن عمر، وابن عباس، وقال عمر وابن مسعود: تقع طلقة واحدة كما سبق في قصة عبد الله بن مسعود.
هل جعل الأمر باليد مقيد بالمجلس؟ أم هو على التراخي: قال ابن قدامة في المغني: ومتى جعل أمر امرأته بيدها فهو بيدها أبدا لا يتقيد بذلك المجلس.
روي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال أبو ثور، وابن المنذر، والحكم.
وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي: هو مقصور على المجلس، ولا طلاق لها بعد مفارقته، لأنه تخيير لها فكان مقصورا على المجلس كقوله: اختاري.
ورجح الرأي الأول لقول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها.
قال: هو لها حتى تكل.
قال: ولا نعرف له في الصحابة مخالفا، فيكون إجماعا.
ولأنه نوع توكيل في الطلاق.
فكان على التراخي كما لو جعله لاجنبي.
رجوع الزوج: قال: فإن رجع الزوج فيما جعل إليها أو قال: فسخت ما جعلت إليك، بطل.
وبذلك قال عطاء، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والاوزاعي، وإسحاق.
وقال الزهري، والثوري، ومالك، وأصحاب الرأي: ليس له الرجوع لأنه ملكها ذلك، فلم يملك الرجوع.
قال: وإن وطئها الزوج، كان رجوعا، لأنه نوع توكيل.
والتصرف فيما وكل فيه يبطل الوكالة.
وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل كما تبطل الوكالة بفسخ التوكيل.
3- طلقي نفسك إن شئت: قالت الأحناف: من قال لامرأته طلقي نفسك، ولا نية له، أو نوى طلقة واحدة فقالت: طلقت نفسي، فهي واحدة رجعية.
وإن طلقت نفسها ثلاثا، وقد أراد الزوج ذلك، وقعن عليها، وإن قال لها طلقي نفسك، فقالت أبنت نفسي، طلقت، وإن قالت قد اخترت نفسي لم تطلق، وإن قال لها: طلقي نفسك متى شئت.
فلها أن تطلق نفسها في المجلس وبعده.
وإذا قال لرجل: طلق امرأتي، فله أن يطلقها في المجلس وبعده.
ولو قال لرجل طلقها إن شئت، فله أن يطلقها في المجلس خاصة.
التوكيل:
إذا جعل أمر امرأته بيد غيره صح.
وحكمه حكم ما لو جعله بيدها، في أنه بيده في المجلس وبعده.
ووافق الشافعي على هذا في حق غيرها لأنه توكيل، وسواء قال: أمر امرأتي بيدك، أو قال: جعلت لك الخيار في طلاق امرأتي، أو قال طلق امرأتي.
وقال أصحاب أبي حنيفة: ذلك مقصور على المجلس لأنه نوع تخيير أشبه ما لو قال اختاري.
قال صاحب المغني: ولنا أنه توكيل مطلق: فكان على التراخي: كالتوكيل في البيع، وإذا ثبت هذا فإن له أن يطلقها ما لم يفسخ أو يطأها، وله أن يطلق واحدة وثلاثا، كالمرأة، وليس له أن يجعل الأمر إلا بيد من يجوز توكيله وهو العاقل.
فأما الطفل والمجنون، فلا يصح أن يجعل الأمر بأيديهم فإن فعل فطلق واحد منهم لم يقع طلاقه.
وقال أصحاب الرأي: يصح.
التعميم والتقييد في هذه الصيغ:
هذه الصيغ قد تكون مطلقة، بأن يجعل أمرها بيدها، أو أن تختار نفسها دون تقييد بشئ يزيد على الصيغة.
وفي هذه الحالة للزوجة أن تطلق نفسها في مجلس التفويض فقط إن كانت حاضرة فيه، وإن كانت غائبة عنه كان لها ذلك الحق في مجلس علمها به فقط، حتى لو انتهى أو تغير مجلس التفويض أو مجلس العلم، ولم تطلق نفسها لم يكن لها هذا الحق بعد ذلك، لأن الصيغة مطلقة، فتنصرف إلى المجلس، فإذا فات فلا تملكه.
وهذا الحكم في حالة ما إذا لم تقم قرينة تدل على تعميم التفويض، كأن يكون هذا التفويض حين عقد الزواج، لأنه لا يعقل أن يقصد المفوض تمليكها تطليق نفسها في نفس مجلس زوجها، فالصيغة تفيد التعميم بدلالة الحال.
وقد صدر من بعض الحاكم الشرعية المصرية الجزئية حكم بني على أن التفويض إذا كان في حين عقد الزواج وبصيغة مطلقة، لا يتقيد بالمجلس، وللزوجة أن تطلق نفسها متى شاءت، وإلا خلا التفويض من الفائدة، وأيد هذا الحكم استئنافيا.
وقد تكون هذه الصيغ عامة.
كأن يقول لها اختاري نفسك متى شئت، أو أمرك بيدك كلما أردت، وفي هذه الحال لها أن تطلق نفسها في أي وقت، لأنه ملكها حق تطليق نفسها ملكا عاما، فلها أن تستعمل هذا الحق فتطلق نفسها في أي وقت.
وقد تكون هذه الصيغ مؤقتة بوقت معين، كأن يجعل أمرها بيدها مدة سنة، وفي هذه الحال للزوجة أن تطلق نفسها في الوقت المعين فقط، وأما بعد مضيه فلا حق لها في التطليق.
.التفويض حين العقد وبعده:
ويجوز التفويض حين عقد الزواج أو بعده، إلا أنه يشترط فيه حين عقد الزواج عند الأحناف أن يكون البادئ به هو الزوجة، مثل أن تقول المرأة للرجل: زوجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد.
فيقول لها: قبلت، فبهذا القبول يتم الزواج، ويصح التطليق، ويكون لها الحق في أن تطلق نفسها كلما أرادت، لأن قبوله ينصرف إلى الزواج ثم إلى التفويض.
أما إذا كان البادئ بالايجاب المقترن بالتفويض هو الزوج كأن يقول رجل لامرأته: تزوجتك على أن تكون عصمتك بيدك تطلقين نفسك كلما أردت.
فتقول: قبلت، فبهذا يتم الزواج ولا يصح التفويض، ولا يكون للزوجة الحق في أن تطلق نفسها.
والفرق بين الصورتين أنه في الصورة الأولى، قبل الزوج التفويض بعد تمام العقد، فيكون قد ملك التطليق بعد أن ملكه بتمام عقد الزواج.
أما في الثانية، فإن ملك التطليق قبل أن يملكه لأنه ملكه قبل تمام عقد الزواج إذ لم يصدر إلا الايجاب وحده.
الحالات التي يطلق فيها القاضي الحالات التي يطلق فيها القاضي صدر بها قانون سنة 1920 وسنة 1929، وهي مستمدة من اجتهاد الفقهاء، حيث لم يرد بها نص صحيح صريح، وقد روعي فيها التيسير على الناس تجنبا للحرج، وتمشيا مع روح الإسلام السمحة.
جاء في القانون رقم 25 لسنة 1920 النص على التطليق لعدم النفقة، والتطليق للعيب.
وجاء في القانون رقم 25 سنة 1929 النص على التطليق للضرر، والتطليق لغيبة الزوج بلا عذر، والتطليق لحبسه.
ونورد فيما يلي حكم كل، مع مواد القانون الخاصة به ما عدا حكم التطليق للعيب، فقد تقدم الكلام عليه في أول هذا المجلد