القوى
مع الاسم الثالث والثمانين من أسماء الله الحُسنى، والاسم هو القوي، وقد ورد في الكتب التي تناولت هذه الأسماء بالدراسة الاسمان معاً القوي المتين، فهذا الاسم في ترتيب أسماء الله الحُسنى يأتي مع المتين.. القويُّ المتين، وبينهما مشاركةٌ في أصل المعنى فلنبدأ باسم القويّ.
الإنسان يعجب بالقوَّة، ويتأثَّر بالكمال، وأحياناً يتأثَّر بالقوَّة وأصحابها، فالله سبحانه وتعالى يجمع في أسمائه بين الكمال والجلال، فقد قال تعالى:
﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) ﴾
(سورة الرحمن)
قد تجد مجموعة صفات أساسها الرحمة، كاللطف والشفقة، والعناية، والحرص، وهناك أسماء أساسها القوَّة كالقهَّار، والجبَّار، والقوي، والمتين، فالإنسان كما يتأثَّر تأثُّراً بالغاً بالكمال الإلهي فهو أيضاً يتأثَّر تأثراً بالغاً بالجلال الإلهي، لأنَّ الإنسان ضعيف، وكل إنسان ضعيف يميل إلى أن يحتمي بقويّ.
منذ يومين حدثت مناقشة عن سر هذه الديانات الوثنيَّة ؟ كمن يعبد الشمس، أو يعبد البقر، أو إله مختلف كبوذا، ذلك لأنَّ الإنسان مفطور على تعظيم القويّ، ولأنَّه ضعيف لا تركن نفسه إلا أن يستعين بقوي، فإذا ضلَّ الإنسان عن الله يلجأ إلى ما يتوهَّم أنَّه قوي، لذلك الحاجة إلى التديُّن حاجة أساسيَّة.
لك صديق قوي تطمئن له، وتقول: معي رقم هاتفه، وتشعر أنَّ أية مشكلة ستحل عن طريقه، وهذا بالطبع شرك وجهل وخطأ، وعليك أن تشعر أنَّك عبد لقوي، عبد لغني، فلله الذي تعبده بيده كلُّ شيء، الذي تعبده إليه مرجع كلُّ شيء، الذي تعبده قادرٌ على كلُّ شيء، الذي تعبده غني وقوي وحكم عدل، فهذا سر توازن نفسيَّة المؤمن لأنَّه يركن لقوي.
المؤمن ضعيف بنفسه ولكنَّه قوي بربِّه، وهذه القوَّة ليست ذاتيَّة ولكنَّه قوي بقوَّة الله، غنيٌّ بغنى الله، مطمئنٌ لأنَّ الله طمأنه، متوازنٌ لأنَّ الله يبشِّره.. فلذلك الاسم القوي اسمٌ يبعث في النفس الطُمأنينة.
أحياناً تكون علاقة الإنسان مع شخص ضعيف، يقول له: والله لم أستطع خدمتك، فقد كان بودِّي أن أفعل ولكن عيني بصيرة ويدِّي قصيرة، فلا بدَّ لمعاملتك من موافقة الجهة الأعلى، ولكنَّها لم تتأمَّن معي، فأنت معتمد عليه وواضع كل الثقة فيه، وتعتقد أنَّه يستطيع أن يقوم لك بهذه الخدمة ولكنَّه اعتذر لأنَّه ضعيف فصغر في عينيك، وما عُدَّت تعتزُّ به.
أما إذا الإنسان اعتزَّ بالله عزَّ وجلَّ فهو أقوى الأقوياء، أنا ملك الملوك ومالك الملوك، فليس من الصعب أن تكون عبداً لله لقوي، اصدق في التوجه إليه واعتمد عليه وعندئذٍ أنت قويٌ من قوَّة الله، غنيٌّ من غنى الله عزَّ وجلَّ.
قال العلماء: مادَّة القوَّة تدلُّ على شدةٍ خلافَ الضعف، فالقويُّ عكسُ الضعيف، ورجلٌ شديد القِوى أي شديد أسر الخلق.
أحياناً تركب مركبة ومعك خمسة أشخاص في طريق صاعد صعوداً شديداً ولكنَّها تسير، معنى ذلك أنَّ المحرِّك قوي، أحياناً تجد في الميناء البحري رافعة ترفع حاوية كبيرة - كونتينر - زنة عشرين أو ثلاثين طناً فالرافعة قويَّة، وأحياناً ترى باخرة تبلغ حمولتها مليون طن كبعض ناقلات النفط، تسير بمحرِّك جبَّار.
تجد آلات تقوم بهدم بناء بأكمله، هذه أمثلة أمامنا، ولكن هذا الجبل من يزحزحه ؟ تجد بعض الجبال تؤخذ منها الرمال - مقالع - فمنذ أربعين سنة يؤخذ منه يومياً مائة سيَّارة ولا يزال شكله كما هو، فبمحافظة السويداء يوجد جبل نادر في القطر يمدُّنا برمل مفرَّغ مثل الإسفنج، وأعرف منذ أكثر من عشرين سنة تعبأ منه كل يوم مئة سيارة من الرمال السوداء والجبل ما يزال كما هو، فمن يستطيع أن يزحزح جبلاً ؟
توجد شركة بألمانيا قامت بنقل بناء كان يجب أن يُهدم، فقامت هذه الشركة بتقديم عرض تنقل هذا البناء بنصف كلفة بنائه، فقامت بفصل الأساسات ورفعها على عجلات وربطت المجاري وأسلاك الكهرباء والهاتف وبشرط أنَّ السكان لم يغادروه ونقل ثلاثين متراً وهذا البناء مؤلَّف من ستة طوابق، فهذه الشركة العملاقة التي قامت بهذا العمل تشعر بأنها شركة جبَّارة، وهذه الأمثلة أرضيَّة.
لكن حينما ترى أنَّ الأرض تدور بسرعة ألف وستمائة كيلو مترٍ في الساعة.. أسرع طائرة تسير بسرعة من تسعمائة إلى ألف كيلو مترٍ وبعض الطائرات الأسرع من الصوت كطائرة - الكونكورد - تقترب من سرعة الأرض حول نفسها، الأرض كم يبلغ وزنها ؟ فانظر إلى موقع سوريا على خارطة كبيرة تجدها لا تتسع لكلمة دمشق العاصمة وبحروف صغيرة، فما بالكم بقارة آسيا، أو قارة أفريقيا، أو قارة أمريكا، أو قارة أستراليا، القارات الخمس وهذه القارات تبلغ خمس اليابسة في المساحة وأربعة الأخماس الباقية بحراً، فهذه الكرة الأرضية من يديرها ؟ ومنذ كم من السنين ؟ والشمس تتسع لمليون وثلاثمئة ألف كرة من حجم الأرض، والشمس والمجموعة الشمسية كلها نقطة على درب التبابنة، ودرب التبانة مجرَّة على شكل عضلة، تراها في أيام غياب القمر كسحابة بيضاء في السماء على شكل مغزلي وهذه هي مجرَّتنا، والمجموعة الشمسية بأكملها بجميع كواكبها كالأرض والمشتري وعطارد والمريخ والزهرة وبلوتو وزحل وإلى آخرة نقطة على هذه المجرة، فمن يدير هذا الكون ؟ فأنت مع القوي.. الذي بيده كلُّ شيء.
قال: القوة تدلُّ على القدرة التامة..
الإنسان يحمل علبة مكعبة الشكل طولها مثل عرضها مثل ارتفاعها ويبلغ ضلعها ستين سنتيمتراً، أما لو حمَّلْناهُ علبة بداخلها مواد ثقيلة فتجده لا يقوى على حملها، ولو حمل إنسان صندوقاً من الحديد وزنه ثلاثمائة كيلو غرامٍ فتجد نفسك قد عظَّمته كيف حمله ؟ ولو أنّ صخرة مكعبة الشكل، طول ضلعها خمسة أمتار، وطلبت من إنسان أن يزحزحها فلن يستطيع، فهذا فوق طاقته، فما بالك بالجبال ؟.. جبال الهيمالايا مثلاً يبلغ ارتفاعها اثني عشر ألف متر، ولها قاعدة تغوص تحت الأرض أربعة وعشرين ألف متر، فجميع الجبال ثلثها فوق الأرض وثلثاها تحت الأرض، فمن خلق هذه الجبال ؟ ومن ألقاها في الأرض رواسي أن تميد بكم ؟ من جعلها أكناناً ؟ من جعلها أوتاداً؟ ومن جعلها مصدَّاتٍ للرياح ؟ من جعلها مستودعاتٍ للمياه ؟ من جعلها قمماً عاليةً ذات مناخ لطيف ؟ الله عزَّ وجلَّ.
الإنسان عندما ينسى الله ويخضع لقوي من بني البشر ويمحضه كلَّ ودِّه، وكلَّ ولائه وهو ليس على حق، يكون هذا الإنسان قد ضيَّع نفسه وباعها بثمنٍ بخس، أما إذا عرف الله وجعل كلَّ طاقاته لله عزَّ وجلَّ يكون عرف قيمة نفسه.. أساساً ما عرف قيمة نفسه إلا من باع نفسه لله، لأنَّه أحسن الاختيار.
قال العلماء:"القوة تدلُّ على القدرة التامة، والمتانة تدلُّ على شدَّة القوة ".
أحياناً نريد قوة تحمل هذه الطاولة، القوة تدلُّ على القدرة التامة، أما لو رفعت هذه الطاولة رافعة بإمكانها أن ترفع خمسين طناً، تكون هذه القوة تامَّة ومتينة، تامة أي كافية لإنجاز هذا العمل، أما عندما يكون معها احتياطي يبلغ مائة ضعف تكون متينة.
فقالوا: القوة تدلُّ على القدرة التامة، والمتانة تدلُّ على شدَّة القوة.. إلاّ أنَّه في المصطلحات الحديثة.. المتانة والقساوة، فالقساوة هي تحمُّل قوى الضغط، أما المتانة هي تحمُّل قوى الشد، فعندنا قوى للشد وقوى للضغط، فلو وضعنا يدنا فوق مكعب من الفخار موضوعاً على الطاولة وضغطنا فإذا كسر نقول أنَّ قوى الضغط الواقعة عليه عالية وكبيرة جداً حتى إنَّ هذا المكعب سحق، أما إذا كان لدينا خيط وأردنا أن نمتحن متانته نشدُّه فإذا قُطع نقول متانته ضعيفه، فالقسوة تحمل قوى الضغط، أما المتانة تحمل قوى الشد.
لا بد من وقفة قصيرة عند عظمة الخالق، لا تخطر على بالك أن أسنانك فيها قوة بالغة، فميناء الأسنان هو ثاني عنصر قاسٍ في هذا الكون بعد الماس، لا يزيد عليه في قسوته إلا الماس، وهذا الإنسان خلق من ماءٍ مهين، وهذا الماء صار عظاماً قاسيةً وصار ميناء قاسياً.
إذاً: تمام القوة أن تؤدي مهمتها، أما متانة القوة أن تكون هذه القوة بالغة الشدَّة، فالله تعالى من حيث إنَّه بالغ القدرة تامُّها قوى، ومن حيث إنَّه شديد القوة متين، إذاً هو قوىٌ متين، فكلمة قوى أي تعلَّقت قوَّته بكلِّ ممكن، فكل شيء ممكن قدرته تغطيه، وقوته شديدة أي متينة.
الله جلَّ جلاله صاحب القدرة التامَّة البالغة الكمال.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾
قال تعالى:
﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) |﴾
(سورة هود)
فالضعيف ليس عزيزاً، الضعيف تضعف عزَّته أمام أيِّ شيء، فقد يخجل الإنسان أحياناً فخجله ضعف، وإذا لم يعرف يصغر ويضعف، وإذا لم يتمكَّن من حمل شيء يصغر، وإذا كانت آلته توقَّفت أمام عقبةً كأداء يصغر، أما العزَّة ألا ينالك أحد فمعنى ذلك أنت عزيز، فمن لوازم العزَّة القوة، فالله سبحانه وتعالى قوىٌ عزيز.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾
ولا ننسى أن كلمة (هو) تفيد الحصر والقصر.
وقيل القوي: " هو المتناهـي في القوة التي تتصاغر كلّ قوةٍ أمام حضرته، ويتضاءل كلُّ عظيمٍ عند ذكر عظمته "، فالله تعالى أعطى الملائكة قوةً كبيرة يستطيع المَلَك بها أن يقتلع الجبال ويقلب المدن.
بعض الأمثلة على ذلك.. فمنأن الممكن يأتي إعصار على أمريكا ويدمِّر مدينة بأكملها ولا يُبقي فيها شيئاً، فقد قرأت عن إعصار قبل ثلاثين عاماً بلغت سرعته ألف كيلو مترٍ وهو من أعتى الرياح أتى على مدينة، وكان فيها بناء ضخم ومتين، فصاحبه لم يجد أثراً لبنائه، وقد وجد محرِّك مركبته بعد أكثر من خمسة كيلو مترات من موقع البناء.
وأحياناً المياه تدمِّر كلَّ شيء، والنار تحرق كلَّ شيء، تجد حريقاً بالغابات قضى على مئتين وخمسين دونماً، أو على ألفين وخمسمائة دونم، فالله عزَّ وجلَّ قوي.
ومن الشيء الغريب أنَّ الأشياء الأساسيَّة في حياتنا تنقلب إلى قوى مدمِّرة، فالهواء مثلاً أساسي في حياتنا ينقلب إلى مدمِّر كالرياح المدمرة، والماء أساسي في حياتنا ينقلب إلى قوة مدمِّرة.
فقد ذكر الله تعالى في القرآن عن هذا الذي أتى بعرش بلقيس ملكة سبأ من اليمن إلى سيدنا سليمان في بيت المقدس فقال:
﴿ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾
فقد قال تعالى:
﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)!﴾
(سورة النمل)
عندما أرادوا إنشاء السد العالي بمصر كانت البحيرة خلف السد ستغمر تمثالاً أثرياً بالمياه، فتعاونت أكثر من سبعين دولة على نقل هذا التمثال بعد أن قطِّع على شكل مكعبات، واشترك في ذلك شركات عملاقة وبروافعها العملاقة ثم نقله من مكانه لمكان آخر، فقلت سبحان الله هذا عرش بلقيس نقل من سبأ في اليمن إلى بيت المقدس في أقلَّ من لمح البصر، وهذا ما يذكره القرآن الكريم، لهذا فالملائكة والجن أُعطوا قدرات تفوق حدَّ الخيال، لذلك قال تعالى:
﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) ﴾
(سورة الرحمن)
لماذا بدأ بالجن ؟ قال: لأنَّ الجنِّ أقدر من الإنس على خرق السماوات والأرض، والنبي الكريم في بعض الروايات رأى جبريل ملء الأُفق، ملء السماء، فالملائكة أُوتوا قدراتٍ عالية المستوى.
ومع ذلك يخشون سطوته سبحانه، ويرتعدون من هيبته، وقيل القوي " هو الذي له كمال القدرة والعظمة "، له كمال القدرة لا يعجزه شيء، فأحياناً تجد رافعات تقف أمام عقبة كأداء، أو تجد سيارات في طريق شديد الصعود تقف ولا تكمل الطريق، وآلات تعجز عن متابعة المهمَّات، والله بالغ القدرة لا يعجزه شيءٌ في السماوات ولا في الأرض، فأنت مدعو لأن تكون عبداً للإله القوي، فإذا كنت عبداً له كنت قوياً بقوَّته.
قال العلماء: " غالب لا يغلب، يجير ولا يُجار عليه، فقوَّته فوق كلِّ قوة ".
قد تجد في الحروب الحديثة دولة قوية عندها من الأسلحة المتطوِّرة فتأتي دولة أقوى منها تحيِّد أسلحتها كلَّها، يكون لديها سلاح ذو فاعليَّة شديدة جداً، كأن يقولوا مثلاً: قنبلة تركب من أشعة الضوء المركَّز - آشعة الليزر -، أو قنابل عنقودية أو قنابل ذكيَّة، فهذه الدول المالكة للأسلحة الفتَّاكة تتفوَّق على الدول الأقل منها قوةً، إذاً الدولة الضعيفة ليست عزيزة. " غالب لا يغلب، يجير ولا يُجار عليه، فقوَّته فوق كلِّ قوة ".
وقيل: " هو الذي لا يلحقه ضعفٌ في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله ".
ألا ترون إلى مصارعين أشدَّاء، رياضيِّين، عدَّائين، ففي الرياضة كثير من الفروع، انظر إلى هذا البطل في سنِّ الثمانين تجد ظهره قد انحنى ويده ارتجفت، وصعد درجات السلَّم درجة درجة، فقد كان في بلاد الشام رجل قوي إذا أمسك عربة يجرُّها حصانان قويان وشديدان يوقفها.
حدثني رجل توفي رحمه الله كان يركب في مركبة عامة وصعد إلى جانبه هذا البطل الشديد فرجا السائق أن يوقف له المركبة أمام بيته لأنَّه لا يقوى أن يمشي مسافة عشرة أمتار، رجاه رجاء طفولياً.. أين قوَّته ؟ تلاشت.
اسم القوي جاء في سبع آيات.. الآية الأولى في سورة هود قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾
أنا أركِّز على كلمة " هُوَ " أي هو وحده القوي العزيز، فما بال الأقوياء في الأرض ؟ قوَّتهم مستمدَّة من قوة الله، فلو تخلَّى عنهم لأصبحوا ضعفاء.
أضرب لكم مثلاً على ذلك.. ففي معامل الحديد توجد رافعات تعمل بالجذب الكهربائي المغناطيسي، سطح مربع كبير جداً محاط بوشيعة كهربائية يمر بها تيار كهربائي، فيمكن أن تحمل عشرة أطنان من الحديد، ولسهولة العمل في هذه المعامل تنتقل الرافعة من مكان إلى مكان، ويكفي أن تسري الكهرباء في الأسلاك فتحمل عشرة أطنان، والعامل في هذه الرافعة لو ضغط على زر في أقل من عشر المليمتر من الثانية يفصل الكهرباء عن هذه الخطوط فتجد كل ما علق في الرافعة يسقط، وذلك عن طريق عملية الضغط على الزر.
الله عزَّ وجلَّ قوي وإذا منح القوة لأشخاص فبأي ثانية يجعلهم ضعاف لا يقدرون على شيء، إن الله هو القوي، فقوة الأقوياء من قوته وفي أية لحظةٍ يسلبهم هذه القوة والله إذا أعطى أدهش وإذا سلب أدهش.
جاء في الآية الكريمة كلمة ربك التي تذكرني بأنها، أقرب اسم للإنسان فالرب هو الذي يربيك، هو الذي يرعاك، هو الذي يربي جسدك، ويربي روحكَ، ويربي نفسك، ويعطيك ويمنعك، ويقلبك على أحوال شتَّى، إن ربك الذي يربيك هو وحده.
﴿ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾
فاطمئن، فتوكل عليه، واِلتفت إليه، وأقبل عليه، وأخلص له، ولا تلتفت إلى أحدٍ سواه، لأنهم لاشيء إلى جانبه.
والآية الثانية في سورة الشورى كما قال تعالى:
﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)﴾
(سورة الشورى)
ربي ما أعظمك سبحانك، يا قوي يا لطيف، هناك قوي غير لطيف، أعماله كلها قاسيةً.. أما ربنا عزَّ وجلَّ مع أنه قويٌ عزيز لطيفٌ بعباده، فالهواء لطيف، والماء لطيف، والأرض فيها لطف إلهي كبير، وإذا ربنا عزَّ وجلَّ أراد أن ينزع سن طفل دون أن يشعر بأي ألم على الإطلاق ينزعه وهو يأكل يراه في فمه مع لقمة الطعام، أما أي طبيب إذا أراد أن ينزع سن طفل فلابد من أن يؤلمه فالله لطيف.
فالماء له سيولة عالية جداً ولكنَّه مدمر أحياناً، والهواء لاتراه بعينك ولكنَّه يحمل طائرة وزنها ثلاثمائة وخمسين طناً، فالهواء يحملها.. فاللُطف الإلهي واضح جداً في كل شيء.
وفي سورة الأنفال قال تعالى:
﴿كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52)﴾
(سورة الأنفال)
في الآيتين الأولى والثانية القوي ورد مع العزيز، فيها تناسب، أما في الآية الأخيرة قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
عقابه أليم لأنه قوي، والإنسان لايخاف تهديد الضعيف.. فقد قيل:
زعم الفرزدقُ أن سيقتل مربعاً .. أبشربطولِ سلامةٍ يامربع
***
إذا هددك إنسان ضعيف لا تعبأ بتهديده، أما القويُ إذا هدد فهذا شيء مخيف.
﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
لا تعاند من إذا قال فعل.
وقد قال تعالى في سورة الحج:
﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)﴾
(سورة الحج)
﴿ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾
﴿ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
﴿ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾
وقال الله تعالى في سورة الحج أيضاً:
﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)﴾
(سورة الحج)
قال بعضهم: " عرفت الله من نقض العزائم ".. أحياناً جهةٌ في الأرضِ قويةٌ جداً ترتب وتخطط وتحكم، فإذا كلُّ إحكامها وخطتها وتدبيرها هباءً منثورا.. عرفت الله من نقض العزائم.
﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾
فالإنسان في حركتهِ اليومية في الحياة يجب أن يدخل في حساباته أنه ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
فقريش جاءت عن بكرة أبيها ومعها حليفاتها من القبائل، جاؤوا ليستأصلوا الإسلام في معركة الخندق، فالمسلمون لم يحاربوا أحداً ولكن الله أرسل على عدوهم رياحاً عاتيةً اقتلعت خيامهم وقلبت قدورهم وأطفأت نيرانهم فلم يحتملوا، هذه الرياح وما نتج عنها: قد قال تعالى:
﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً (25)﴾
(سورة الأحزاب)
في برمودا مثلث إلى الآن هو سر، طائرات عملاقة تطير فوقه فتسقط في المياه بلا أي خبر يعرف عنها، بواخر عملاقة تدخل فيه فتختفي، وحتى الآن لايزال هذا المثلث سراً من أسرار الأرض، كل ما قيل من تحليلات فهي غير كافية لما يجري في هذا المثلث،
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾
وقد قال تعالى في سورة الأحزاب:
﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾
و موضوع قوة الله عزَّ وجلَّ أكثر ما تبدو في الحروب.. فتجد أنه رغم الإعداد الشديد للحرب يخسرها طرفٌ دون آخر لأسبابٍ تافهة.
يحضرني خاطرة: الحروب ثلاث: حربٌ لا تكون، وحربٌ لا تطول، وحربٌ لا تنتهي.. الحرب بين حقين لا تكون، فالحق لا يتعدد، والحرب بين حقٍ وباطلٍ لاتطول لأن الله مع الحق، والحرب بين باطلين لاتنتهي لدخول العوامل الأرضية، الأقوى والأذكى ومن عنده سلاح أكثر جدوى.
وقد قال تعالى في سورة غافر:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)﴾
(سورة غافر)
وقد قال تعالى في سورة الحديد:
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ(25)﴾
(سورة الحديد)
فإنك تجد أحياناً سريراً معلَّقاً على سلاسل، آخر السلسلة يوجد حرف إس - s - قطره أقل من أربعة مِليمترات يحمل هذا السرير وعليه خمسة أشخاص وهو يتحرك، ألا تعجب لهذا الحديد الذي يحمل هذا الوزن ؟ وقد تجد أحياناً - تلفريك - وهو مؤلف من غرف ما بين الغرفة والغرفة خمسون مترًا، مئتا غرفة محمولة على شريط حديدي، المصاعد الكهربائية تعلَّق بالفولاذ المضفور وهو متين جداً، هذا هو الحديد الذي أنزله الله فيه بأس شديد ومنافع للناس.
وقد قال تعالى في سورة المجادلة:
﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) ﴾
(سورة المجادلة)
﴿ كَتَبَ اللَّهُ ﴾
الله ليس عنده كتابة، لكن كلمة كتب لإقناعِ عباده أن هذا شيءٌ ثابت.. نحن في حياتنا الشيء المكتوب ثابت، يقول لك معي عقد، أو معي إيصال، أو معي سند، معي تصريح، معي إقرار، كل شيء مكتوب ثابت، أما الشفهيف ضعيف، فالله عزَّ وجلَّ ليس عنده كتابة.. عنده كن فيكون.. ولكن تقريباً لأذهان عباده.
قال الله تعالى:
﴿ كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾
آخر آية وهي دقيقة جداً كما قال تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)﴾
(سورة البقرة)
الإنسان غير المؤمن قد يخضع لقوي لتأثره بالقوة ولا يخضع لله، يتأثَّر بقوة الجمال فيخضع لهذا الجمال ولا يخضع لله، يتأثر بقوة العطاء فيخضع للمعطي ولا يخضع لله.
فهذا الذي عصى الله من أجل الناس، من أجل الأقوياء، أو الكرماء، أو من أجل المتع الرخيصة.. هذا الذي عصى الله من أجل الناس لو كان يعلم قبل أن يعصيه أن القوةَ لله جميعاً، قوة العطاء من عند الله، وقوة الجمال من عند الله، وقوة كل شيءٍ من عند الله، لو كان يعلم هذا حق العلم لما عصاه.
فلو عرفت أن مصدر القوة هو الله عزَّ وجلَّ ما عصيته وأطعت مخلوقاً.
قال الله تعالى:
﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً (39)﴾
(سورة الكهف)
انظر إلى عبارة.
﴿ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ ﴾
ورد في بعض الأحاديث:
(( عن عبد اللّه بن علقمة بن وقَّاص قال:إني لَعِند معاوية إذا أذّن مؤذنه فقال معاوية كما قال مؤذنه حتى إذا قال: حيَّ على الصَّلاةِ قال: لاَحَولَ ولاَقُوةَ إلاّ باللّهِ ولما قال: حيَّ على الفَلاَحِ قال: لاَحَولَ ولاَقُوةَ إلاّ باللّه ( ولا حول ولا قوة إلا باللّه قيل معناه لا حول عن المعصية ولا قوة على الطاعة إلاّ بتوفيق اللَّه وقيل الحول الحركة تقول حال الشخص إذا تحرك فالمعنى لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة اللّه ).))
أنـت بحاجة إلى قوة على طاعته.
﴿ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ ﴾
قال الله تعالى على لسان يوسف:
﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) ﴾
(سورة يوسف)
أنت بحاجة إلى قوة على طاعته، لاقوة إلا بالله، لاقوة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بالله، الله هو القوي، وكلّ الأقوياء يستمدون قوتهم من الله عزَّ وجلَّ.
قال الله تعالى:
﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) ﴾
(سورة فصلت)
فأحياناً الإنسان لجهله يتكلَّم كلمات توحي بكفر، يقول لك: لو أنَّ الله عزَّ وجلَّ شاء لم أفعل هذا الشيء، يقولها الجهلة، هذه الكلمة كلمة كفر، فالله عزَّ وجلَّ قادر بلحظة أن يفنيه.. كن فيكون زُلْ فيزول، لكن بعض الجهلة يقولون مثل هذه الكلمات التي هي كفر بواح وهم لا يشعرون بما يقولون.. فالإنسان كلما ازداد علمه ضبط لسانه واستقام كلامه وسلوكه.
وقد قال الله تعالى في سورة الذاريات:
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) ﴾
(سورة الذاريات)
يرزق لأنه قوي، فالضعيف لا يرزق.
وبعد فماذا نستفيد من هذا الاسم (القوي)... نستفيد من هذا أن الإنسان المؤمن إذا عرف قوة الله تواضعَ، لا يجتمع كبر مع معرفة قوة الله عزَّ وجلَّ، أنت لاشيء إزاء قوة الله عز وجل، فكلما تمت معرفتك بقوة الله تلاشت قدراتك أمام قوَّته، فأصبحت متواضعاً، والتواضع علم، المتواضع يعلم حجمه أنه لاشيء وأن الله هو كل شيء.
إذا عرف قدرة الله عزَّ وجلَّ وقوته يتواضع له فيزيده الله قوةً إلى قوَّته، أما إذا وضعه الله في مكانٍ قوي واعتدَّ بقوَّته فالله عزَّ وجلَّ يجعله مثلاً في الضعف ليتَّعِظ العباد به، يجعله عبرة لغيرة.
إنّ الإنسان أحياناً يعتدُّ بقوَّته أو بماله أو بعمله، فإذا اعتدَّ بقوَّته ونسي قدرة الله.. عليه أن يتذكر مقولة الرسول صلى الله عليه وسلم:
(( إعلم أبا ذر أنَّ الله أقدر عليك منك عليه ))
وقف رجل أمام الحجَّاج فقال له: أسألُك بالذي أنت بين يديه أذلُّ منّي بين يديك، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي، فما كان إلا أن عفا الحجَّج عنه.
ثم لنذكرْ المعنى الثاني.. إذا نسيت قدرة الله عزَّ وجلَّ جعل الله هذا القوي المتعالي عبرةً لخلقه، فمن أجل أن تزداد قوةً إلى قوَّتك اعرف حجمك الحقيقي وتواضع لله عزَّ وجلَّ، واعترف أمامه بضعفك يزدك قوةً إلى قوَّتك.
ما من اسمٍ من أسماء الله الحُسنى إلا وله تطبيقات، ففي الحقيقة عندما يتعرَّف الإنسان إلى الله عزَّ وجلَّ يسلك سلوكاً صحيحاً، فيصبح كلامه سديدًا، وحركته أديبة، وطاعته لله متينة، وإخلاصه شديداً لأنَّه عرف الله، وأصل الدين معرفة الله عزَّ وجلَّ، والإنسان إذا عرف الله عرف نفسه، أما إذا جهل ربَّه جهل سرَّ وجوده وغاية وجوده، فتجاذبه قوى الأهواء واردته صريعا
محمد راتب النابلسى