الأربعاء، 21 مارس 2012

موسوعة العقيدة : مقدمة

مقدمة


أولا : ضرورة الدين للإنسان
 
1ـ من منا لم يفكر في هذا الكون المحيط بنا ؟

كيف نشأ ؟ وكيف يسير ؟ وما هدفه ؟

هل وجد بذاته ، أو له خالق ؟ أوجد بالصدفة ، أم بقدرة قادر؟

ومن هذا القادر ؟ وما صفاته ؟ وما صلته بهذا العالم ؟

وهذا الإنسان : أهو مركب من جسد وروح ؟ وإن كان كذلك ، فما الروح ؟ أخالدة هي ، أم فانية ؟ وإن كانت خالدة ، فكيف يبعث الإنسان مرة أخرى؟ وكيف يحاسب ؟ وما مصيره ؟ ومتى سيكون ذلك ؟

وهذه الدنيا: هل لها نهاية ستقف عندها ؟ أو أنها مستمرة إلى غير نهاية؟

وهذه الحياة : ألها أسلوب شريف ، وأسلوب وضيع ؟ وما مقياس الخير والشر ، والحسن والقبح ، والحق والباطل ؟

وهذا الإله : ( على فرض وجوده ) أيمكنه أن يتصل ببني الإنسان ، ويختار أحدهم ، ليكون رسولا بينه وبين باقي الخلق ؟ وكيف ذلك ؟ وبم نعرفه نحن ؟

إن هذه الأسئلة ـ وغيرها من مثلها ـ تفرض نفسها على كل إنسان ويشعر بحاجته الشديدة ، ورغبته الملحة في أن يحدد موقفه منها ، ويعرف وجه الحق فيها ؛ ليضع نهاية للقلق النفسي ، والتوتر العصبي ، والحيرة الفكرية التي يحياها ، وليعيش في طمأنينة قلب ، واستقرار نفس ، وهدوء بال .

والدين هو الذي يقدم الإجابة الشافية على هذه الأمثلة ، وعلى كثير غيرها من مثلها ، فتطمئن النفس ، ويسكن القلب { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } الفتح /4 . { الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب (28)} [ الرعد ]

2ـ وإننا نقرأ في كتب التاريخ ـ سواء ما كتبه المسلمون أو غيرهم ـ أنه قد وجد رجل اسمه ( محمد بن عبد الله ) ادعى أنه رسول من عند خالق هذا الكون ، وأنه منحه علامات ودلائل على صدقه .

فإذا كان هدف الإنسان الحصول على السعادة ، وتجنب التعاسة ، فعليه أن يبحث في هذا الموضوع ، ويدرسه دراسة جادة ؛ ليصل إلى وجه الصواب فيه ، وخاصة أن التاريخ يحدثنا أيضا أن الذين اتبعوا المبادئ التي جاء بها هذا النبي سادوا الدنيا ، وكانوا عباقرة في كل مجالات الحياة ، وعندما تخلوا عنها أصابهم الذل والهوان .

3ـ إن الدين يبين لنا كيف نشأ هذا العالم ، وكيف أوجده الخالق ـ جل في علاه ـ ويفسر لنا غوامض الكون { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا لك رب العالمين (9) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين (10) ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين (11) فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم (12) } [ فصلت ].

{ ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها (27) رفع سمكها فسواها (28) وأغطش ليلها وأخرج ضحاها (29) والأرض بعد ذلك دحاها (30) أخرج منها ماءها ومرعاها (31) والجبال أرساها (32) متاعا لكم ولأنعامكم (33) } [ النازعات ] .

هكذا يبين لنا الدين كيف نشأ العالم ، ويوضح صلة الخالق به .

4ـ ثم إن الدين يضع للإنسان النظام الأمثل لحياته في جوانبها المختلفة من عبادات تقربه من ربه ، ومن تشريعات سياسية ، واجتماعية ، واقتصادية ، وأخلاقية لازمة لحياته في مجتمعه .

فإن الإنسان لا يستطيع أن يعيش منفردا منعزلا عن بني جنسه ، وإلا ما وجد عقله ، وملكاته ، ودوافعه ، وأعضاؤه فرصة للنمو والاكتمال فهو في حاجة إلى أن يعيش وسط جماعة ، وأن يتعاون معهم ، لأنه لن يستطيع أن يعتمد على نفسه في كل ما يحتاج إليه من غذاء ، وكساء ، ومسكن وغير ذلك ، بل لابد أن يتعاون معهم : يأخذ ويعطي.

وهذا التعامل يحتاج إلى نظام وقواعد وقانون يضبطه ، لكي يتحقق العدل ، ويتقي الجور والظلم ، وإلا طغى الكبير على الصغير ، وأكل القوي الضعيف ، وصارت الحياة فوضى وإباحية ، وعنف وأنانية .

والدين هو الذي يقدم هذا النظام الذي يحقق العدل في المجتمع
5ـ وصحيح أن الإنسان يولد على الفطرة { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (30) } [ الروم ] .

{ وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك ءاباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون (173) وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون(174) } [ الأعراف ] .

وهذه الفطرة لو تركت وشأنها ، لاتجه الإنسان إلى معرفة الله ، وحاول التقرب إليه ، لكن هذه الفطرة قد تنحرف بصاحبها عن الصراط السوي ، وهذا ما حدث ، فقد عبد أناس الأصنام ، وعبد آخرون الأشجار والحيوانات ، وبعض مظاهر الكون والطبيعة .

فكان الدين لصيانة الفطرة من الانحراف ، ولتقويمها إذا اعوجت ، وتصحيحها إذا انحرفت.

فالبيئة الفاسدة خطر كبير على الفطرة الإنسانية ، فإنها تمسخها ، وتبعد بها عن معرفة الخالق سبحانه وتعالى ، والالتجاء إليه ، ويتجلى ذلك في التأثير المباشر للأسرة على النشء ، فقد تلقنه بعض المبادئ المنحرفة ، فيشب الطفل ، وهو متعصب لها نتيجة الأثر النفسي لوالديه فيه ، وهذا ما قاله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود يولد إلا على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه"
ولم يقل : أو يسلمانه ؛ لأن الإسلام دين الفطرة .

وهذا ما يفسر لنا انصراف بعض العلماء على المستوى العالمي عن التدين ؛ فإن الواحد منهم إذا ما تلقن في طفولته بعض الآراء المشوهة عن الله تعالى ، مثل التثليث ، والبنوة ، والصلب ، والخطيئة ، وما إلى ذلك ، ثم اتجه إلى الدراسة العلمية في فرع من فروع العلم الحديث الذي يعتمد على المنهج العلمي الذي يقوم على الملاحظة والتجربة ، أو على المنهج الرياضي الذي يقوم على مبادئ العقل ، فإنه يشعر بتعارض بين ما تلقاه في صباه ، وبين ما يصل إليه من نتائج وحقائق ، ثم ما يلبث هذا الصراع النفسي أن ينتهي بنبذ فكرة التدين ، والاتجاه فقط نحو العلم المادي الذي جعله الله مباحا لمن آمن به ، ولمن كفر .

فالتنشئة الخاطئة ، والبيئة الفاسدة ، والتعصب الأعمى ، والحرص على المصالح الشخصية ، والجري وراء الأهواء والشهوات ، كل هذه العوامل تؤدي إلى انحراف الفطرة ، وشيوع الإلحاد .

6ـ وكثيرا ما نقرأ عن حوادث انتحار الشباب ، وانتشار الأمراض النفسية والعصبية في الدول المتقدمة التي تدعي الحضارة والعصرية . وذلك بسبب طغيان الجانب المادي في الإنسان ، وإهمال الجانب الروحي الذي يشبعه الدين ، ولم نسمع بمثل هذا في الدولة الإسلامية أيام أن كان المسلمون متمسكين بدينهم ، وعلى صلة قوية بربهم جل في علاه 
والإيمان يحرر الإنسان من الخوف من المجهول ، ومن العبودية للمخلوق أيا كان شأنه ، ويحرره من الذل والهوان ، والجبن والاستسلام ؛ لأنه يؤمن بأن الخلق جميعا لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشئ ، لن ينفعوه إلا بشئ قد كتبه الله له ، وإن اجتمعوا على أن يضروه ، لن يضروه إلا بشئ قد كتبه الله عليه .

فلا مجال ـ مع وجود الإيمان ـ للجبن ولا للنفاق ، ولا للكذب ، ولا للشقاق ، فالأعمار مقدرة ، وهي بيد الله : { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله } [ آل عمران /145] . والأرزاق مقدرة ، وهي أيضا بيد الله : {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين (6) } [ هود / 6 ] .

والإيمان يجعل الإنسان متفائلا دائما راضيا بما قسم الله ، لا يعرف التشاؤم سبيلا إلى قلبه ، ولا اليأس طريقا إلى نفسه ، ولا يملك التحسر على ما فاته من أمور الدنيا عليه كيانه ، فيشل حركته ، ويميت نشاطه {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (216)} [ البقرة /216] .

7ـ إن الإنسان إذا تأمل كل ما يقع تحت حسه من أجناس الموجودات، وجد نفسه سيدا لها .

وإذا كانت السيادة تعني الخادمية والمخدومية ، فأجناس الموجودات جميعها خادمة له ، وهو مخدوم منها .

وأجناس الموجودات مرتبة ترتيب حكمة ؛ بحيث يخدم الأدنى فيها كل أجناس الأعلى منها .

فالجماد الذي نراه ممثلا في الشمس والقمر والجبال ، وعناصر الأرض والماء. كل ذلك يخدم أجناس الموجودات التي تعلوه ، فهو في خدمة النبات . يمده بكل عناصر الغذاء والنمو ، وهو في خدمة الحيوان ، يمده بكل عناصر البقاء ، وهو أيضا في خدمة الإنسان يمده بكل ذلك .

فإذا ارتقينا إلى النبات ، وجدناه لا يخدم ما دونه ، وهو الجماد ، وإنما يخدم من هو أعلى منه ، وهو الحيوان والإنسان .

فإذا ارتقينا إلى الجنس الثالث ، وهو الحيوان ، وجدناه لا يخدم من دونه . وإنما يخدم من هو أعلى منه . وهو الإنسان .

ثم تقف حلقات الخدمة ، فلا تجد للإنسان ارتباطا بغيره من الأجناس ، يكون هو في خدمتها . إذن فقد انتهت خدمة الكون كله عند الإنسان . وبقى على الإنسان أن يبحث عن مهمته في هذا الوجود .

الجماد له مهمة يؤديها مع النبات ، والحيوان ، والإنسان .

والنبات له مهمة يؤديها مع الحيوان ، والإنسان .

والحيوان له مهمة يؤديها مع الإنسان .

ثم تنتهي حلقات الخدمة .

فأين مهمتك أيها الإنسان ؟ وأنت في خدمة من أيها الإنسان ؟

كان على الإنسان العاقل المفكر أن يبحث عن مهمته في هذا الوجود ، وإلا كان أقل من الجماد ، وأتفه من النبات ، وأدنى شأنا من الحيوان . وكيف يكون السيد المخدوم أقل شأنا من الخادم !!

إذن فلابد أن يكون للسيد المخدوم مهمة تناسب سيادته على كل عناصر الموجودات .

ثم أيها الإنسان ؛ هذه الأجناس متى خدمتك ؟

أخدمتك عندما وجد لك عقل تفكر به لتخدمك ؟

أخدمتك عندما وجدت لك قدرة عليها ؟

أم خدمتك قبل أن يوجد لك عقل ، وقبل أن توجد لك قدرة ؟

هب أنك كنت في البيت وحدك لا أحد معك ، واستيقظت ، فوجدت مائدة عليها من أصناف الطعام لفطورك . أما كان الأجدر بعقلك وفكرك أن تبحث عمن جاء لك بتلك المائدة ؟ أم تتناول المائدة تناول الغاصب ؟

الإنسان يرى في الوجود أشياء لا قدرة له عليها . كان من الواجب عليه أن يبحث عمن أوجدها له ، وعمن سخرها لخدمته دون قدرة له عليها ، وقبل أن توجد له قدرة !

إذن حينما يرحم الله الناس ، ليخرجهم من غفلتهم ، فيرسل لهم رسلا يحلون لهم هذا اللغز : من الذي سخر لكم ما لا تقدرون عليه ، وأمدكم قبل أن توجد لكم قدرة ؟

كان من الواجب على الإنسان أن ينصت للرسول ، ويقبل عليه ، لا أن يصم أذنيه ، ويرتكب حمقا آخر . الحمق الأول : لم يفكر في مهمته في الوجود ، والحمق الآخر : إعراضه عمن جاء ليحل له لغز الحياة .

تأمل الحديث القدسي : " يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك ، وخلقتك من أجلي " .

" خلقت الأشياء من أجلك " هذا هو العنصر الموهوب.

" وخلقتك من أجلي " هذا هو العنصر المطلوب. وهو المفسر في قوله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن (57) يطعمون (58) إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } [ الذاريات ] .

هل يصلح العقل بديلا عن الدين ؟

لكل حاسة من حواس الإنسان ـ السمع ، والبصر ، والذوق ، واللمس ، والشم ـ وظيفة خاصة بها ، ومجال تعمل فيه ، ولا تستطيع حاسة أن تقوم مقام أخرى ، ولكل منها حدود لا يمكن أن تتعداها ، وإلا بطل عملها ، وفقد تأثيرها.

وكذلك عقل الإنسان له مجاله الذي يستطيع أن يعمل فيه ، وإذا ما تخطى هذا المجال تاه وضل الطريق السوي .

إن عمل العقل أن يؤلف بين معطيات الحواس ، وأن يركب ، وأن يحلل ، وأن يخترع ، وأن يكتشف ، كل ذلك في مجال العلوم الطبيعية : الكيمياء ، والأحياء ، والطبيعة ، والفلك ، والجيولوجيا . . . الخ . أو مجال العلوم الرياضية ، وهي وإن كانت مجردة إلا أنها مرتبطة بالمحسات أيضا، فإذا ما جد العقل في هذا الإطار ؛ فإنه يمكنه أن ينتج لكنه يحتاج إلى الدين لكي يوجه نتاجه للخير والتعمير ، لا للإبادة والتدمير.

أما الغيبيات ، وما وراء الطبيعة ، والأخلاق ؛ فإن العقل عاجر عن استكناه هذا المجال واكتشافه ، ومعرفة حقائق ما فيه ، وذلك لأن العقول قاصرة ، ومتفاوتة ، ومختلفة ، فنتائجها كذلك : قاصرة ، ومتفاوتة ، ومختلفة .

إن العقل البشري عاجز عن إدراك نفسه ، وهو للآن عاجز عن فهم كيفية عمله ، كيف يتصور ، وكيف يميز ، وكيف يعقل ؟

وما زال كثير من حقائق المادة يجهلها ، ولا يعرف إلا قليلا عنها .

وحتى الآن لم يعرف شيئا عن حقيقة الروح ، وكنه الزمان ، وحقيقة المكان !! فضلا عن الجاذبية ، والإلكترون ، والأثير !!

فهل بعد ذلك يمكن أن يقال : إن العقل يصلح أن يكون بديلا عن الدين !!

يقول العلامة ابن خلدون : " العقل ميزان صحيح ، فأحكامه يقينية ، لا كذب فيها ، غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة ، وحقيقة النبوة ، وحقائق الصفات الإلهية ، وكل ما وراء طوره فإن ذلك طمع في محال " .

ومثلا ذلك : رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب ، فطمع في أن يزن به الجبال ، وهذا لا يدل على أن الميزان في أحكامه غير صادق ؛ لكن للعقل حدا يقف عنده ، ولا يتعدى طوره ، حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته ، فإنه ذرة من ذرات الوجود الحاصل منه "
ولننظر نظرة واقعية تطبيقية لنرى ماذا حدث عندما اعتبر العالم العقل بديلا عن الدين ؟

لقد انقسم العالم إلى معسكرين متضاربين متصارعين ، يقف كل منهما للآخر بالمرصاد :

معسكر رأسمالي : يفتح أمام رأس المال جميع أبواب الكسب بلا قيد ولا شرط ، ولو كان بالربا والخداع ، والميسر ، أو الاتجار بالأعراض ، ودون التفات إلى ما ينتج عن ذلك من أنانية أصحاب رأس المال وطغيانهم ، وحقد العمال الفقراء وضياعهم ، وكان الاستعمار وما جره من ويلات للشعوب المستضعفة هو النتيجة الطبيعية لهذا النظام .
ومعسكر شيوعي : يزعم أنه يقدم الحل والعلاج لأخطاء النظام الرأسمالي فيضع المال ـ الذي هو أساس المشكلة في تصورهما ـ في يد الحكومة ، فيجمع لها سلطة المال فوق سلطة الحكم ، وبذلك يقسم المجتمع أيضا إلى طبقتين : طبقة تملك المال والحكم وكل شئ ، وطبقة ليس في يدها شئ : الأولى تعيش عيشة السادة الأثرياء ، والثانية تعيش عيشة العبيد الأذلاء
ولم يدم الحال . فقد سقط الفكر العقلي الشيوعي ، وكان لابد أن يسقط ، وانهار الاتحاد السوفيتي ، وكان لابد أن ينهار . وتبين لمن يعي : الدين هاديا للعقل في جميع الأمور ، التي لو ترك العقل وشأنه فيها ضل السبيل ، وعجز عن الوصول إلى الحقيقة ، وهذه الأمور هي :

( أ ) العقائد
( ب) المبادئ الأخلاقية إجمالا وتفصيلا
( ج ) التشريع في قواعده العامة ، وفي بعض تفصيلاته . وقواعده العامة تتضمن الجزئيات على مر الزمن ، وعلى اختلاف البيئات
أما الطبيعة والكون ؛ فمن سمائه وأرضه ، ومن جباله وبحاره ، ومن كواكبه وأقماره وشموسه ، أما المادة والطاقة . أما أعماق البحار وآفاق السماء . إن كل ذلك قد تركه للإنسان يدرسه في مصنعه ومعمله بآلاته وأدواته ، وحثه على أن يجول في ذلك ما استطاع إليه سبيلا : حتى يكشف سنن الله الكونية ، ونواميسه الطبيعية ، ويرى صنع الله الذي أتقن كل شئ ، ولم يحجر الدين على الإنسان في هذا المجال . اللهم إلا الواجب الذي ينبغي أن يكون شعاره دائما . وهو أن يكون هدفه من كل ذلك : الخير"


تعريف العقيدة:

العقيدة في اللغة: كلمة عقيدة مأخوذة من العقد والربط والشدة بقوة.

العقيدة في الشرع: هو الإيمان الجازم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وبكل ما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة من أصول الدين إذن العقيدة تقابل أركان الإيمان.

العقيدة عند علماء النفس: هو كل ما عقد في النفس ويصعب فكه ويصدر عنه فعل لا إرادي.

أهمية علم العقيدة:

أهمية علم العقيدة تظهر لنا في تعريف العقيدة عند علماء النفس إذ أننا نفهم منه أن سلوكيات الفرد تكون نتاج ما يعتقده (تصرفاتنا فرع من تصوراتنا).

فإذا كانت دوافع الفرد وإدراكاته (عقيدته) سليمة وصحيحة كانت سلوكياته وتصرفاته سليمة والعكس بالعكس، لذلك العقيدة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين وتصح به الأعمال أي الأعمال موقوفة على الاعتقاد صحةً وفسادًا.

موضوعات علم العقيدة في الشرع:

العقيدة بمفهوم أهل السنة والجماعة: اسمُ عَلَم على العِلم الذي يدرس ويتناول جوانب التوحيد، والإيمان والإسلام، وأمور الغيب، والنبُّوات، والقَدَر، والأخبار، وأصول الأحكام القطعية، وما أجمع عليه السَّلف الصالح من أمور العقيدة، كالولاء والبراء، والواجب تجاه الصحابة وأمهات المؤمنين.ويدخل في ذلك الرد على الكفار والمبتدعين، وأهل الأهواء، وسائر المِلل والنِّحل، والمذاهب الهدَّامة، والفِرق الضالَّة، وهذا مجمل اعتقاد أهل السنّة والجماعة.


المبحث الثاني:

ألقاب وأسماء علم العقيدة:

أولاً: ألقاب وأسماء علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة:

لِعلمِ العقيدة عند أهل السنة والجماعة ألقاب وأسماء ترادفه وتدلُّ عليه، فمن ذلك ما يلي:

العقيدة: -كما مر- والاعتقاد والعقائد: فيُقال: عقيدة السلف، وعقيدة أهل السنة والجماعة، وعقيدة أهل الحديث.

التوحيد: وهو مصدر وحدَّ يوحد توحيدًا، أي جَعَلَ الشيء واحدًا.

فالتوحيد في اللغة: هو الحُكم بأنَّ الشيء واحد.

وفي الاصطلاح: هو توحيد الله وإفراده بما يستحق من الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات.

وسُمِّي علمُ العقيدة بالتوحيد، من باب تسمية الشيء بأشرف مباحثه، ومن باب التغليب.

السنَّة: السنَّة في لغة العرب: هي الطريقة والسيرة.

أمَّا في الشَّرع، فتطلق على عدة معانٍ، تختلف باختلاف ما وُضِعتْ له، فتُطلق على عِلم الحديث وتُطلق على المباح، إلى غير ذلك.

أمَّا سبب تسمية علم العقيدة بالسنَّة، فهو إتِّباع أصحابها لسنَّة النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، فأصبح ذلك الاسم شِعارًا لأهل السنَّة .

الشريعة: يُقال: الشريعة والشرعة، وهي ما سنَّ اللهُ من الدِّين وأَمَرَ به، كالصوم، والصلاة، والحج، والزكاة.

فالشريعة إذًا هي ما شَرَعَه اللهُ ورسولُه من سُنَنِ الهُدى، وأعظمها مسائل العقيدة والإيمان.

كلمة الشريعة ككلمة السنَّة، تُطلق على معانٍ متعدِّدة:

1- تُطلق على ما أنزله اللهُ على أنبيائه من الأمور العِلمية والعَملية.

2- تُطلق على كل ما خصَّ الله به كل نبيٍّ من الأحكام لأمَّته.

3- تُطلق أحيانًا على ما شرعه اللهُ لجميع الرُّسل من أصول الاعتـقاد، والطاعة، والبِر.

4- تُطلق بخاصّة على العقائد التي يعتقدها أهل السنَّة من الإيمان.

الإيمان: يُطلق على علم العقيدة ، ويشمل سـائر الأمور الاعتقادية.

أصول الدين أو أصول الديانة: فأصول الدين هي أركان الإسلام، وأركان الإيمان، وسائر الأمور الاعتقادية

وقال بعضُهم: الأسلم أن يُقال عقيدة وشريعة، أو المسائل العِلمية والمسائل العَملية، أو العِلميات والعَمليات.

ثانيًا: ألقاب وأسماء علم العقيدة عند غير أهل السنة والجماعة:

علم الكلام : وهذا الإطلاق يُعرف عند سائر فِرق المتـكلِّمة، كالمعتزلة، والأشاعرة، ومَن نحوهم.

وتسمية عِلم العقيدة بعلم الكلام تسميةً خاطئة، لأنَّ علمَ الكلام مصدره عقول البشر، والتوحيد مصدره الوحي.

وعلم الكلام حيرةٌ، واضطرابٌ، وجهلٌ وشكٌّ، ولهذا ذمَّه السَّلف. والتوحيد علمٌ، ويقينٌ، وإيمانٌ.

الفلسفة: وهذا الاصطلاح – أيضًا – يُطلق خطأً على علم التوحيد والعقيدة. فهذا الإطلاق لا يجوز، لأنَّ الفلسفة – مبناها على الأوهام، والأباطيل، والعقليات الخيالية، والتصورات الخرافية.

التصوُّف: وهذا الإطلاق يُعرف عند بعض المتصوِّفة، والفـلاسفة، والمستشرقين. وهو إطلاق مبتدَع، لأنه ينبني على شطحات المتصوفة وخرافاتهم في العقيدة.

الإلهيات: ويُعرف عند أهل الكلام، والمستشرقين، والفلاسفة، كما يسمَّى بعِلم اللاهوت.

الميتافيزيقيا: (ما وراء الطبيعة) ويعرف عند الفلاسفة، والكتَّاب الغربيين، ومَن نحا نحوهم. وكل أناس يعتقدون دينًا يدينون به، يسمونه دينًا وعقيدةً.


المبحث الثالث:

أهل السنة والجماعة:

أولاً: تعريف السنَّة:

السنَّة في اللغة: هي الطريقة والسيرة.

السنَّة في اصطلاح علماء العقيدة: هي الهدي الذي كان عليه الرسولُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأصحابُه عِلمًا واعتقادًا وقولاً وعَملاً، وهي السنَّة التي يجب إتِّباعها، ويُحمدُ أهلها، ويذمُّ مَن خالفهما. وتُطلق السنَّة على سنن العبادات، والاعتقادات.

ثانياً: تعريف الجماعة:

تعريف الجماعة في اللغة: الجماعة في اللغة مأخوذة من مادة (جمع) وهي تدور حول (الجمع، والإجماع، والاجتماع) وهو ضدُّ التفرُّق.

الجماعة في اصطلاح علماء العقيدة: هم سلف الأمَّة من الصحابة والتابعين ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وهم الذين اجتمعوا على الحقِّ الصريح من الكتاب والسنَّة.


أهل السنة والجماعة وسبب تسميتهم بذلك :

* أهل السنة والجماعة: هم مَن كان على مثل ما كان عليه النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -وأصحابُه - وهم المتمسكون بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وهم الصحابة والتابعون وأئمة الهُدى المتَّبعون لهم.

* سبب تسميتهم بذلك: سُمُّوا بذلك لانتسابهم لسنَّة النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، واجتماعهم على الأخذ بها ظاهرًا وباطنًا، في القول والعمل والاعتقاد