الملك المنصور ناصر الدين محمد بن العزيز
المنصور ناصر الدين محمد بن العزيز الملك المنصور ناصر الدين محمد بن العزيز بن صلاح الدين الأيوبى : تولى مصر من 595هـ/1198م إلى 596هـ/1200م . ، وهو ثالث سلاطين الدولة الأيوبية ، كان عمره تسع سنوات .. وتولى المسئولية عنه بهاء الدين قراقوش الأتابك ولكن عمه الملك الأفضل على بن صلاح الدين الأيوبى أخذ منه جميع السلطات ثم أنهزم أمام العادل القادم من دمشق .
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 139 من 167 ) : " السلطان الملك المنصور ناصر الدين محمد: وعمره تسع سنين وأشهر بعهد من أبيه وقام بأمور الدولة بهاء الدين قراقوش الأسدي الأتابك فاختلف عليه أمراء الولة وكاتبوا الملك الأفضل علي بن صلاح الدين فقدم من صرخد في خامس ربيع الأول فاستولى على الأمور ولم يبق للمنصور معه سوى الإسم ثم سار به من القاهرة في ثالث رجب يريد أخذ دمشق من عمه العادل بعدما قبض على عدة من الأمراء وقد توجه العادل إلى ماردين فحصر الأفضل دمشق وقد بلغ العادل خبره فعاد وسار يريده حتى دخل دمشق فجرت حروب كثيرة آلت إلى عود الأفضل إلى مصر بمكيدة دبرها عليه العادل وخرج العادل في أثره وواقعه على بلبيس فكسره في سادس ربيع الآخر سنة ست وتسعين التجأ إلى القاهرة وطلب الصلح فعوضه العادل صرخد ودخل إلى القاهرة في يوم السبت ثامن عشره وأقام بأتابكية المنصور ثم خلعه في يوم الجمعة حادي عشر شوال وكانت سلطنته سنة وثمانية أشهر وعشرين يومًا واستبد بالسلطنة بعده عم أبيه.
سلطنة الملك المنصور محمد على مصر اختلف المؤرخون فيمن ولي ملك مصر بعد موت الملك العزيز عثمان ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب.
فمن الناس من قال: أخوه الأفضل نور الدين علي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب ومنهم من قال: ولده الملك المنصور محمد هذا.
والصواب المقالة الثانية فإنه كان ولاه والده العزيز من بعده وإليه أوصى العزيز بالملك وأيضًا مما يقوي المقالة الثانية أن المنصور كان تحت كنف والده العزيز بمصر وكان الأفضل بصرخد ولم يحضر إلى مصر حتى تم أمر المنصور وتسلطن بعد موت أبيه.
وبيان ذلك أيضًا يأتي فيما نذكره الآن في سياق ترجمة الملك المنصور فيعرف بهذا السياق من كان في هذه المدة السلطان بمصر إلى حين ملك الملك العادل أبو بكر بن أيوب فنقول: لما مات الملك العزيز عثمان بديار مصر في العشرين من المحرم أوصى بالملك لأكبر أولاده وهو ناصر الدين محمد المذكور ونص عليه في الوصية وكان للعزيز عشرة أولاد ولم يذكر في الوصية عمه العادل وجعل وصيه الأمير أزكش مقدم الأسدية.
قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي في تاريخه: " كان لابنه محمد عشر سنين وكان مقدم الصلاحية فخر الدين جهاركس وأسد الدين سرا سنقر وزين الدين قراجا فاتفقوا على ناصر الدين محمد وحلفوا له الأمراء وكان سيف الدين أزكش مقدم الأسدية غائبًا بأسوان فقدم وصوب رأيهم وما فعلوه إلا أنه قال: هو صغير السن لا ينهض بأعباء الملك ولا بد من تدبير كبير يحسم المواد ويقيم الأمور والعادل مشغول في الشرق بماردين وما ثم أقرب من الأفضل نجعله أتابك العساكر فلم يمكن الصلاحية مخالفة الأسدية وقالوا: افعلوا ففعلوا. فكتب أزكش إلى الأفضل يستدعيه وهو بصرخد.
وكتبت الصلاحية إلى من بدمشق من أصحابهم يقولون: قد اتفقت الأسدية على الأفضل وإن ملك الأفضل الديار المصرية حكموا علينا فامنعوا الأفضل من المجيء فركب عسكر دمشق ليمنعوه ففاتهم وكان الأفضل قد التقى النجاب المتوجه إلى دمشق ثانيًا من قبل الصلاحية وعلى يده الكتب التي تتضمن ما ذكرناه من منع الأفضل من المجيء إلى الديار المصرية فأخذ الأفضل النجاب وعاد به إلى مصر ولما وصل الأفضل إلى مصر التقاه الأسدية والصلاحية ورأى جهاركس النخاب الذي أرسله فقال له: ما أسرع ما عدت! فأخبره الخبر فساق هو وقراجا بمن معهما من وقتهما إلى القدس وتحضنا به.
فلما وقع ذلك أشارت الأسدية على الأفضل بقصد دمشق وأن العادل مشغول بماردين. فكتب الأفضل إلى أخيه الملك الظاهر غازي صاحب حلب يستنجده فأجابه وقال: اقدم حتى أساعدك.
فسار الأفضل بالعساكر المصرية إلى الشام واستناب بمصر سيف الدين أزكش ووصل الأفضل إلى دمشق في شعبان من السنة فأحدق بها.
وبلغ هذا الخير الملك العادل وهو على ماردين وقد أقام عليها عشرة أشهر ولم يبق إلا تسليمها وصعدت أعلامه على القلعة فلما سمعوا بوفاة العزيز توقفوا عن تسليمها فرحل الملك العادل أبو بكر عنها وترك على حصارها ولده الكامل محمدًا الآتي ذكره في سلاطين مصر - إن شاء الله تعالى - وسار العادل إلى نحو الشام فوصلها ومعه جماعة من الأمراء وكان الأفضل نازلًا في الميدان الأخضر فأشار عليه جماعة من الأمراء أن يتأخر إلى مشهد القدم حتى يصل الظاهر وصاحب حمص والأمراء.
ودخل العادل ومن معه إلى دمشق وجاء الظاهر بعسكر حلب وجاء عسكر حماة وحمص وبشارة من بانياس وعسكر الحصون وسعد الدين مسعود صاحب صفد وضايقوا دمشق وبها العادل وكسروا باب السلامة وجاء آخرون إلى باب الفراديس وكان العادل في القلعة وقد استأمن إليه جماعة من المصريين مثل ابن كهدان ومثقال الخادم وغيرهما.
فلما بلغه أن ابن الحنبلي وأخاه شهاب الدين وأصحابهما قد كسروا باب الفراديس ركب من وقته وخرج إليهم وجاء إلى جيرون والمجد أخو الفقيه عيسى قائم على فرسه يشرب الفقاع ثم صاح العادل: يا فعلة يا صنعة إلى ها هنا! فلما سمعوا كلامه انهزموا وخرجوا فأغلق العادل باب السلامة وجاء إلى باب الفراديس فوجدهم قد كسروا الأقفال بالمرزبات فقال: من فعل هذا.
قالوا: الحنابلة فسكت ولم يقل شيئًا.
وقال أبو المظفر: وحكى لي المعظم عيسى - رحمه الله - قال: لما رجعنا من باب الفراديس ووصلنا إلى باب مدرسة الحنابلة رمي على رأس أبي يعني العادل حب الزيت فأخطأه فوقع في رقبة الفرس فوقع ميتًا فنزل أبي وركب غيره ولم ينطق بكلمة وجاء جهاركس وقراجا في الفيل من جبل سنير فدخلا دمشق.
وأما المواصلة فساقوا على الكامل محمد فرحلوه عن ماردين فجاء أيضًا يقصد دمشق وجمع التركمان وغيرهم.
وأما أمر دمشق فإنه لما اشتد الحصار عليها وقطعوا أشجارها ومياهها الداخلة إليها انقطعت عن أهلها الميرة وضجوا فبعث العادل إلى ابن أخيه الظاهر غازي صاحب حلب يقول له: أنا أسلم إليك دمشق على أن تكون أنت السلطان وتكون دمشق لك لا للأفضل.
فطمع الظاهر وأرسل إلى الأفضل يقول: أنت صاحب مصر فآثرني بدمشق فقال الأفضل: دمشق لي من أبي وإنما أخذت مني غصبًا فلا أعطيها لأحد فوقع الخلف بينهما ووقع التباعد وخرجت السنة على هذا.
ثم دخلت السنة السادسة والتسعون والحصار على دمشق. وكان أتابك أرسلان شاه صاحب الموصل قد دخل الكامل من ماردين كما تقدم ذكره. فقدم الكامل دمشق ومعه خلق كثير من التركمان وعسكر حران والرها فتأخر الأفضل بالعساكر إلى عقبة الشحورة في سابع عشر صفر.
ووصل الكامل في تاسع عشره فنزل بجوسق أبيه على الشرف ثم رحل الأفضل إلى مرج الصفر ورحل الظاهر إلى حلب وأحرقوا ما عجزوا عن حمله. وسار الأفضل إلى مصر.
وأحضر العادل بني الحنبلي: الناصح وأخاه شهاب الدين وغيرهما وكان الأفضل قد وعد الناصح بقضاء دمشق والشهاب بالحسبة فقال لهم العادل: ما الذي دعاكم إلى كسر باب الفراديس ومظاهرة أعدائي علي وسفك دمي فقال له الناصح: أخطأنا ثم إلا عفو السلطان.
- ثم ساق أبو المظفر كلامًا طويلًا محصوله العفو عن الحنابلة إلى أن قال -: وأما الأفضل فإنه سار إلى مصر فأرسل العادل وراءه أبا محمد نجيب الدين إليه بالزبداني يقول له: ترفق فأنا لك مثل الوالد وعندي كل ما تريد. فقال الأفضل: قل له: إن صحت مقاتلك فأبعد عنك أعدائي الصلاحية. وبلغ ذلك الصلاحية فقالوا للعادل: إيش قعودنا هنا.
قم بنا وساروا خلف الأفضل مرحلة مرحلة فنزل الأفضل بلبيس ونزل العادل السائح فرجع الأفضل وضرب معهم المصاف وتقاتلوا فانكسر الأفضل وتفرق عنه أصحابه ورحل إلى القاهرة وأغلق أبوابها.
وجاء العادل فنزل البركة ودخل سيف الدين أزكش بين العادل والأفضل واتفقوا أن يعطيه العادل ميافارقين وجبل جور وديار بكر ويأخذ منه مصر فاتفق الأمر على ذلك.
ورحل الأفضل من مصر في شهر ربيع الآخر ودخل العادل إلى القاهرة وأحسن إلى أزكش وقال للأفضل: جميع من كان معك كاتبني إلا سيف الدين أركش.
ثم قدم العادل أزكش المذكور وحكمه في البلاد ورد القضاء إلى صدر الدين عبد الملك بن درباس الكردي وولى شيخ الشيوخ ابن حمويه التدريس بالشافعي ومشهد الحسين والنظر في خانقاه الصوفية وجلس الوزير صفي الدين عبد الله بن علي بن شكر في دار السلطنة في حجرة القاضي الفاضل ونظر في الدواوين. وسار الأفضل إلى ميافارقين.
واستدعى العادل ولده الكامل إلى مصر فخرج من دمشق في ثالث عشرين شعبان وودعه أخوه الملك المعظم عيسى إلى رأس الماء.
قال العماد الكاتب: وسرت معه إلى مصر وأنشدته: دعتك مصر إلى سلطانها فأجب دعاءها فهو حق غير مكذوب قد كان يهضمني دهري فأدركني محمد بن أبي بكر بن أيوب ووصل الكامل إلى مصر في عاشر شهر رمضان والتقاه أبوه العادل من العباسة وأنزله في دار الوزارة. وكان قد زوجه بنت أخيه صلاح الدين فدخل بها.
ولم يقطع العادل الخطبة لولد العزيز. قلت: وهذا مما يدل أيضًا على أن الأفضل كان عند الملك المنصور محمد بن العزيز عثمان بمنزلة الأتابك.
والظاهر أنه كان ظن الأفضل إذا تم أمره مع عمه العادل هذا استقل بالملك فلم يقع له ذلك ولهذا لم نذكره في ملوك مصر وما ذكرناه هنا إلا في ضمن ترجمة المنصور صاحب قال: ثم إنه جمع الفقهاء يعني الملك العادل وقال لهم: هل يجوز ولاية الصغير على الكبير فقالوا: الصغير مولى عليه.
قال: فهل يجوز للكبير أن ينوب عن الصغير قالوا: لا لأن الولاية من الأصل إذا كانت غير صحيحة فكيف تصح النيابة! فعند ذلك قطع خطبة ابن العزيز يعني عن المنصور صاحب الترجمة وخطب لنفسه ولولده الكامل من بعده.
ونقص النيل في هذه السنة ولم يبلغ ثلاث عشرة ذراعًا. ووقع الغلاء بديار مصر ".
قلت: وعلى هذا يكون أول سلطنة العادل على مصر في يوم خطب له بمصر وهو يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال سنة ست وتسعين وخمسمائة.
قال ابن المستوفي في تاريخ إربل: فتكون أول سلطنة الملك العادل من هذا اليوم ولا عبرة باستيلائه على مصر قبل ذلك.
وعلى هذا أيضًا تكون مدة الملك المنصور محمد صاحب الترجمة على سلطنة مصر سنة واحدة وتسعة أشهر سواء فإن والده العزيز عثمان مات في عشرين المحرم من سنة خمس وتسعين وخمسمائة فتسلطن من يوم موت أبيه وخلع في العشرين من شوال سنة ست وتسعين وخمسمائة