باب العدة
1- تعريفها:
العدة: مأخوذة من العد والاحصاء: أي ما تحصيه المرأة وتعده من الايام والاقراء.
وهي اسم للمدة التي تنتظر فيها المرأة وتمتنع عن التزويج بعد وفاة زوجها، أو فراقه لها وكانت العدة معروفة في الجاهلية وكانوا لا يكادون يتركونها فلما جاء الإسلام أقرها لما فيها من مصالح.
وأجمع العلماء على وجوبها، لقول الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}.
وقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: «اعتدي في بيت أم مكتوم».
.2- حكمة مشروعيتها:
أ- معرفة براءة الرحم حتى لا تختلط الانساب بعضها ببعض.
ب- تهيئة فرصة للزوجين لاعادة الحياة الزوجية إن رأيا أن الخير في ذلك.
ح- التنويه بفخامة أمر النكاح حيث لم يكن أمرا ينتظم إلا بجمع الرجال، ولا ينفك إلا بانتظار طويل.
ولو لا ذلك لكان بمنزلة لعب الصبيان ينظم ثم يفك في الساعة.
د- أن مصالح النكاح لا تتم حتى يوطنا أنفسهما على إدامة هذا العقد ظاهرا، فإن حدث حادث يوجب فك النظام لم يكن بد من تحقيق صورة الادامة في الجملة بأن تتربص مدة تجد لتربصها بالا، وتقاسى لها عناء.
أنواع العدة
- عدة المرأة التي تحيض، وهي ثلاث حيض.
2- عدة المرأة التي يئست من الحيض وهي ثلاثة أشهر.
3- عدة المرأة التي مات عنها زوجها، وهي أربعة أشهر وعشرا، ما لم تكن حاملا.
4- عدة الحامل حتى تضع حملها.
وهذا إجمال نفصله فيما يلي: الزوجة إما أن تكون مدخولا بها أو غير مدخول بها.
عدة غير المدخول بها: والزوجة غير المدخول بها إن طلقت فلا عدة عليها لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها}.
فإن كانت غير مدخول بها، وقد مات عنها زوجها فعليها العدة، كما لو كان قد دخل بها، لقوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}.
وإنما وجبت العدة عليها وإن لم يدخل بها وفاء للزوج المتوفى ومراعاة لحقه.
.عدة المدخول بها:
وأما المدخول بها، فإما أن تكون من ذوات الحيض، أو من غير ذوات الحيض.
.عدة الحائض:
فإن كانت من ذوات الحيض فعدتها ثلاثة قروء، لقول الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}.
والقروء جمع قرء.
والقرء: الحيض.
ورجح ذلك ابن القيم، فقال: إن لفظ القرء لم يستعمل في كلام الشارع إلا للحيض.
ولم يجئ عنه في موضع واحد استعماله للطهر.
فحمله في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشارع أولى، بل يتعين.
فإنه قد قال صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: «دعي الصلاة أيام إقرائك» وهو صلى الله عليه وسلم المعبر عن الله، وبلغة قومه نزل القرآن.
فإذا أورد المشترك في كلامه على أحد معنييه، وجب حمله في سائر كلامه عليه إذا لم يثبت إرادة الاخر في شيء من كلامه البتة.
ويصير هو لغة القرآن التي خوطبنا بها، وإن كان له معنى آخر في كلام غيره، وإذا ثبت استعمال الشارع للقرء في الحيض علم أن هذا لغته، فيتعين حمله عليها في كلامه.
ويدل على ذلك ما في سياق الآية من قوله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}.
وهذا هو الحيض والحمل عند عامة المفسرين.
والمخلوق في الرحم إنما هو الحيض الوجودي.
وبهذا قال السلف والخلف، ولم يقل أحد إنه الطهر.
وأيضا فقد قال سبحانه: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن}.
فجعل كل شهر بإزاء حيضة وعلق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر والحيض.
وقال في موضع آخر قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن}.
معناه: لاستقبال عدتهن، لا فيها، وإذا كانت العدة التي يطلق لها النساء مستقبلة بعد الطلاق، فالمستقبل بعدها إنما هو الحيض، فإن الطاهر لا تستقبل الطهر، إذ هي فيه، وإنما تستقبل الحيض بعد حالها التي هي فيها.
أقل مدة للاعتداد بالاقراء:
قالت الشافعية: وأقل ما يمكن أن تعتد فيه الحرة بالاقراء: إثنان وثلاثون يوما وساعة، وذلك بأن يطلقها في الطهر ويبقى من الطهر بعد الطلاق ساعة فتكون تلك الساعة قرءا، ثم تحيض يوما، ثم تطهر خمسة عشر يوما، وهو القرء الثاني، ثم تحيض يوما، ثم تطهر خمسة عشر يوما، وهو القرء الثالث.
فإذا طعنت في الحيضة الثالثة انقضت عدتها.
وأما أبو حنيفة فأقل مدة عنده ستون يوما، وعند صاحبيه تسعة وثلاثون يوما.
فهي تبدأ عند الإمام أبي حنيفة بالحيض عشرة أيام، وهي أكثر مدته، ثم بالطهر خمسة عشر يوما، ثم بالحيض عشرة والطهر خمسة عشر، ثم بالحيضة الثالثة، ومدتها عشرة أيام، فيكون المجموع ستين يوما، فإذا مضت هذه المدة وادعت أن عدتها انتهت صدقت بيمينها، وصارت حلالا لزوج آخر.
أما الصاحبان فيحسبان لكل حيضة ثلاثة أيام، وهي أقل مدته، ويحسبان لكل من الطهرين المتخللين للحيضات الثلاث خمسة عشر يوما، فيكون المجموع 39 يوما.
.عدة غير الحائض:
وإن كانت من غير ذوات الحيض، فعدتها ثلاثة أشهر، ويصدق ذلك على الصغيرة التي لم تبلغ، والكبيرة التي لا تحيض سواء أكان الحيض لم يسبق لها، أو انقطع حيضها بعد وجوده.
لقول الله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن}.
روى ابن أبي هاشم في تفسيره عن عمر بن سالم عن أبي بن كعب، قال: قلت: يا رسول الله: إن أناسا بالمدينة يقولون في عدد النساء، ما لم يذكر الله في القرآن، الصغار والكبار وأولات الاحمال، فأنزل الله سبحانه في هذه السورة: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن}.
فأجل إحداهن أن تضع حملها، فإذا وضعت فقد قضت عدتها.
ولفظ جرير، قلت يا رسول الله إن ناسا من أهل المدينة لما نزلت هذه الآية التي في البقرة في عدة النساء قالوا: لقد بقي من عدد النساء عدد لم يذكرن في القرآن: الصغار والكبار التي قد انقطع عنها الحيض وذوات الحمل قال: فأنزلت التي في النساء القصرى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم}.
وعن سعيد بن جبير في قوله {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم} يعني الايسة العجوز التي لا تحيض، أو المرأة التي قعدت من الحيضة، فليست هذه من القروء في شئ.
وفي قوله {إن ارتبتم} في الآية، يعني إن شككتم، {فعدتهن ثلاثة أشهر}، وعن مجاهد: إن ارتبتم ولم تعلموا عدة التي قعدت عن الحيض، أو التي لم تحض فعدتهن ثلاثة أشهر.
فقوله تعالى {إن ارتبتم} يعني إن سألتم عن حكمهن ولم تعلموا حكمهن وشككتم فيه فقد بينه الله لكم.
حكم المرأة الحائض إذا لم تر الحيض: إذا طلقت المرأة وهي من ذوات الاقراء.
ثم إنها لم تر الحيض في عادتها، ولم تدر ما سببه، فإنها تعتد سنة: تتربص مدة تسعة أشهر لتعلم براءة رحمها،
لان هذه المدة هي غالب مدة الحمل، فإذا لم يبن الحمل فيها، علم براءة الرحم ظاهرا، ثم تعتد بعد ذلك عدة الايسات ثلاثة أشهر، وهذا ما قضى به عمر رضي الله عنه.
قال الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والانصار، لا ينكره منهم منكر علمناه.
.سن اليأس:
اختلف العلماء في سن اليأس فقال بعضهم: إنها خمسون، وقال آخرون: إنها ستون، والحق أن ذلك يختلف باختلاف النساء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: اليأس مختلف باختلاف النساء، وليس له حد يتفق عليه النساء.
والمراد بالآية أن إياس كل امرأة من نفسها، لأن اليأس ضد الرجاء.
فإذا كانت المرأة قد يئست من المحيض ولم ترجه، فهي آيسة وإن كان لها أربعون أو نحوها، وغيرها لا تيأس منه وإن كان لها خمسون.
.عدة الحامل:
وعدة الحامل تنتهي بوضع الحمل، سواء أكانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها، لقول الله تعالى: {وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن} قال في زاد المعاد: ودل قوله سبحانه: {أجلهن أن يضعن حملهن} على أنها إذا كانت حاملا بتو أمين لم تنقض العدة حتى تضعهما جميعا.
ودلت على أن من عليها الاستبراء فعدتها وضع الحمل أيضا.
ودلت على أن العدة تنقضي بوضعه على أي صفة كان، حيا أو ميتا، تام الخلقة أو ناقصها، نفخ فيه الروح أو لم ينفخ.
عن سبيعة الاسلمية أنها كانت تحت سعد بن حواله وهو ممن شهد بدرا، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك - رجل من بني عبد الدار - فقال لها: مالي أراك متجملة، لعلك ترتجين النكاح؟ إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرا، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدالي.
وقال ابن شهاب: ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت، وإن كانت في دمها، غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر.
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.
والعلماء يجعلون قول الله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} خاصة بعدد الحوائل، ويجعلون قول الله تعالى في سورة الطلاق: {وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن} في عدد الحوامل فليست الآية الثانية معارضة للاولى.
.عدة المتوفى عنها زوجها:
والمتوفى عنها زوجها عدتها أربعة أشهر وعشرا، ما لم تكن حاملا، لقول الله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}.
وإن طلق امرأته طلاقا رجعيا، ثم مات عنها وهي في العدة اعتدت بعد الوفاة، لأنه توفي عنها وهي زوجته.
عدة المستحاضة: المستحاضة تعتد بالحيض.
ثم إن كانت لها عادة فعليها أن تراعي عادتها في الحيض والطهر، فإذا مضت ثلاث حيض انتهت العدة، وإن كانت آيسة انتهت عدتها بثلاثة أشهر.
.وجوب العدة في غير الزواج الصحيح:
من وطئ امرأة بشبهة وجبت عليها العدة، لأن وطء الشبهة كالوطء في النكاح في النسب، فكان كالوطء في النكاح في إيجاب العدة.
وكذلك تجب العدة في زواج فاسد إذا تحقق الدخول.
ومن زنى بامرأة لم تجب عليها العدة، لأن العدة لحفظ النسب، والزاني لايلحقه نسب، وهو رأي الأحناف والشافعية والثوري، وهو رأي أبي بكر وعمر.
وقال مالك وأحمد: عليها العدة، وهل عدتها ثلاث حيض أو حيضة تستبرى بها؟ روايتان عن أحمد.
تحول العدة من الحيض إلى العدة بالاشهر: إذا طلق الرجل زوجته وهي من ذوات الحيض، ثم مات وهي في العدة، فإن كان الطلاق رجعيا، فإن عليها أن تعتد عدة الوفاة، وهي أربعة أشهر وعشرا، لأنها لا تزال زوجة له، ولان الطلاق الرجعي لا يزيل الزوجة، ولذلك يثبت التوارث بينهما إذا توفي أحدهما وهي في العدة.
وإن كان الطلاق بائنا فإنها تكمل عدة الطلاق بالحيض ولا تتحول العدة إلى عدة الوفاة، وذلك لانقطاع الزوجية بين الزوجين من وقت الطلاق، لأن الطلاق البائن يزيل الزوجية، فتكون الوفاة حدثت وهو غير زوج، ولذلك لا يرث أحدهما صاحبه إذا توفي أحدهما وهي في العدة إلا إذا اعتبر فارا.
.طلاق الفار:
وطلاق الفار أن يطلق المريض مرض الموت امرأته طلاقا بائنا بغير رضاها، ثم يموت وهي في العدة، فإنه يعتبر في هذه الحال فارا من الميراث، ولهذا قال مالك ترث ولو مات بعد انقضاء عدتها وبعد نكاح زوج آخر، معاملة له بنقيض قصده.
ويرى أبو حنيفة ومحمد أن الحكم في هذه الحال يتغير، فتكون عدتها أطول الاجلين: عدة الطلاق أو عدة الوفاة، فإن كانت عدة الطلاق أطول، اعتدت بها، وإن كانت عدة الوفاة هي الاطول، كانت هي العدة.
أي إذا انقضت الحيضات الثلاث في أكثر من أربعة أشهر وعشر اعتدت بها، وإن كانت الأربعة أشهر وعشر أكثر من مدة الحيضات الثلاث اعتدت بها.
وذلك كي لا تحرم المرأة من حقها في الميراث الذي أراد الزوج الفرار منه بالطلاق.
وعند أبي يوسف أن المطلقة في هذه الحال تعتد عدة الطلاق وإن كانت مدتها أقل من أربعة أشهر وعشر.
ويرى الشافعي في أظهر قوليه: أنها لا ترث كالمطلقة طلاقا بائنا في الصحة.
وحجته أن الزوجية قد انتهت بالطلاق قبل الموت فقد زال السبب في الميراث.
ولا عبرة بمظنة الفرار، لأن الاحكام الشرعية تناط بالاسباب الظاهرة لا بالنيات الخفية.
واتفقوا على أنه إن أبانها في مرضه فماتت المرأة فلا ميراث له.
وكذلك تتحول العدة من الحيض إلى الأشهر في حق من حاضت حيضة أو حيضتين ثم يئست من الحيض فإنها حينئذ يجب عليها أن تعتد بثلاثة أشهر، لأن إكمال العدة بالحيض غير ممكن، لانقطاعه، ويمكن إكمالها باستئنافها بالشهور والشهور بدل عن الحيض.
.تحول العدة من الاشهر إلى الحيض:
إذا شرعت المرأة في العدة بالشهور لصغرها أو لبلوغها سن الاياس ثم حاضت، لزمها الانتقال إلى الحيض.
لان الشهور بدل عن الحيض فلا يجوز الاعتداد بها مع وجود أصلها.
وإن انقضت عدتها بالشهور، ثم حاضت، لم يلزمها الاستئناف للعدة بالاقراء، لأن هذا حدث بعد انقضاء العدة.
وإن شرعت في العدة بالاقراء أو الاشهر، ثم ظهر لها حمل من الزوج، فإن العدة تتحول إلى وضع الحمل، والحمل دليل على براءة الرحم من جهة القطع.
.إنقضاء العدة:
إذا كانت المرأة حاملا فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، وإذا كانت العدة بالاشهر، فإنها تحتسب من وقت الفرقة أو الوفاة حتى تستكمل ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وعشرا، وإذا كانت بالحيض فإنها تنقضي بثلاث حيضات وذلك يعرف من جهة المرأة نفسها.
.لزوم المعتدة بيت الزوجية:
يجب على المعتدة أن تلزم بيت الزوجية حتى تنقضي عدتها، ولا يحل لها أن تخرج منه، ولا يحل لزوجها أن يخرجها منه، ولو وقع الطلاق أن حصلت الفرقة وهي غير موجودة في بيت الزوجية وجب عليها أن تعود إليه بمجرد علمها: يقول الله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه}.
وعن الفريعة بنت مالك بن سنان - وهي أخت أبي سعيد الخدري: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإني لم يتركني في مسكن يملكه ولانفقة؟، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمربي فدعيت له فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي، فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله.
قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا.
قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته، فأتبعه وقضى به رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح.
وكان عمر يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء ويمنعهن الحج.
ويستثنى من ذلك المرأة البدوية إذا توفي عنها زوجها فإنها ترتحل مع أهلها إذ اكان أهلها من أهل الارتحال.
وخالف في ذلك عائشة وابن عباس وجابر بن زيد والحسن وعطاء، وروي عن علي وجابر.
فقد كانت عائشة تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها وخرجت بأختها أم كلثوم، حين قتل عنها طلحة بن عبد الله إلى مكة في عمرة.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عطاء عن ابن عباس أنه قال: إنما قال الله عزوجل: تعتد أربعة أشهر وعشرا، ولم يقل تعتد في بيتها، فتعتد حيث شاءت.
وروى أبو داود عن ابن عباس أيضا قال: نسخت هذه الآية عدتها عند أهله، وسكتت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، لقول الله تعالى: {فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن} قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى تعتد حيث شاءت.
اختلاف الفقهاء في خروج المرأة في العدة:
وقد اختلف الفقهاء في خروج المرأة في العدة.
فذهب الأحناف إلى أنه لا يجوز للمطلقة الرجعية ولا للبائن الخروج من بيتها ليلا ولأنهارا.
وأما المتوفى عنها زوجها فتخرج نهارا وبعض الليل، ولكن لا تبيت إلا في منزلها.
قالوا: والفرق بينهما أن المطلقة نفقتها في مال زوجها، فلا يجوز لها الخروج كالزوجة، بخلاف المتوفى عنها زوجها فإنها لانفقة لها، فلابد أن تخرج بالنهار لاصلاح حالها.
قالوا: وعليها أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة.
وقالوا: فإن كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها، أو أخرجها الورثة من نصيبهم انتقلت، لأن هذا عذر، والكون في بيتها عبادة، والعبادة تسقط بالعذر، وعندهم: أن عجزت عن كراء البيت الذي هي فيه لكثرته، فلها أن تنتقل إلى بيت أقل كراء منه.
وهذا من كلامهم يدل على أن أجرة المسكن عليها.
وإنما تسقط السكنى عنها لعجزها عن أجرته، ولهذا صرحوا بأنها تسكن في نصيبها من التركة إن كفاها.
وهذا لأنه لاسكنى عندهم للمتوفى عنها زوجها - حاملا كانت أو حائلا - وإنما عليها أن تلزم مسكنها الذي توفي زوجها وهي فيه، ليلا ونهارا.
فإن بدله لها الورثة، وإلا كانت الاجرة عليها.
ومذهب الحنابلة جواز بالخروج نهارا، سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها.
قال ابن قدامة: وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا، سواء كانت مطلقة أو متوفي عنها زوجها، قال جابر: طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلها فلقيها رجل فنهاها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أخرجي فجذي نخلك لعلك أن تتصدقي منه أو تفعلي خيرا» رواه النسائي وأبو داود، وروى مجاهد، قال: استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم رسول الله، وقلن: يارسول الله نستوحش بالليل أفنبيت عند إحدانا؟ فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال: «تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل واحدة إلى بيتها».
وليس لها المبيت في غير بيتها، ولا الخروج ليلا إلا لضرورة، لأن الليل مظنة الفساد، بخلاف النهار، فإن فيه قضاء الحوائج والمعاش وشراء ما يحتاج إليه.
.حداد المعتدة:
يجب على المرأة أن تحد على زوجها المتوفى مدة العدة، وهذا متفق عليه بين الفقهاء واختلفوا في المطلقة طلاقا بائنا.
فقال الأحناف: يجب عليها الاحداد.
وذهب غيرهم إلى أنه لا حداد عليها.
وتقدم في المجلد الأول حقيقة الحداد.
.نفقة المعتدة:
اتفق الفقهاء على أن المطلقة طلاقا رجعيا تستحق النفقة والسكنى.
واختلفوا في المبتوتة؟ فقال أبو حنيفة: لها النفقة والسكنى مثل المطلقة الرجعية، لأنها مكلفة بقضاء مدة العدة في بيت الزوجية، فهي محتبسة لحقه عليها فتجب لها النفقة، وتعتبر هذه النفقة دينا صحيحا من وقت الطلاق، ولا تتوقف على التراضي ولاقضاء القاضي، ولا يسقط هذا الدين إلا بالاداء أو الابراء.
وقال أحمد: لا نفقة لها ولاسكنى، لحديث فاطمة بنت قيس: أن زوجها طلقها البتة، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليس لك عليه نفقة».
وقال الشافعي ومالك: لها السكنى بكل حال ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملا، لأن عائشة وابن المسيب أنكرا على فاطمة بنت قيس حديثها، قال مالك: سمعت ابن شهاب يقول: المبتوتة لا تخرج من بيتها حتى تحل، وليست لها نفقة، إلا أن تكون حاملا فينفق عليها حتى تضع حملها، ثم قال: وهذا الأمر عندنا.