السبت، 25 فبراير 2012

موسوعة الأدب العربى : أنواع النثر العربى


أنواع النثر العربى





للنثر الأدبي أنواع عدة منها:
الخطابة – المقالة- القصة – المسرحية – الخاطرة – الوصايا – الرسائل – المقامات – المحاضرات العلمية – السيرة الأدبية.

1/ الخطابة:

لغة، مصدر خطب من باب قتل يتعدى بنفسه ويجر بحرف الجر قال الجوهري خطب على المنبر خطبة ويقال: فلان خطيب القوم إذا كان هو المتكلم عنهم، والجمع خطباء. أما اصطلاحاً: يقول ابن رشد الخطابة هي قوة تتكلف الإقناع الممكن في كل واحد من الأشياء المفردة.
وإذا وجهنا وجهتنا إلى الأمة العربية وجدناها قد بلغت من الفصاحة والبلاغة والبيان ما لم تبلغه أمة من الأمم قبلها وبعدها، وكان الشعراء والبلغاء هم فخر القبيلة وعزها ومجدها، وكانت لهم معلقات تعلق في جوف الكعبة وكان من اشهر خطباء العرب قس بن ساعدة الايادي، وخارجه بن سنان، وخويلد بن عمرو الغطياني.
يقول قس بن ساعدة الايادي في خطبة له في سوق عكاظ: أيها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة.
إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؟! أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا، يقسم قس بالله قسما لا إثم فيه إن لله دينا هو أرضى له وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، وإنكم لتأتون من الأمر منكرا.
ويروى أن قسا أنشأ بعد ذلك يقول :
في الذاهبين الأوليـ ـن من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها تمضي الأكابر والأصاغر
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر

2/ المقالة:

هي قطعة نثرية محدودة يعرض فيها كاتبها فكرة من الأفكار أو موضوعاً من المواضيع بأسلوب أدبي.
وهناك من يقول أن ظهور المقالة كفن أدبي لم يكن مرتبطاً بظهور الصحف والمجلات. فقد عرفت قبل أن يعرف فن الطباعة بقرون طويلة .حيث اختاره عدد من الأدباء قالبا فنيا منذ عصر اليونان القدماء، وربما كانت اقدم صورة للمقالة هي صورة الشخصيات النمطية كما كتبها الكاتب الإغريقي (تيوفراست) عنوانها (صور نمطية) وفي كل صورة منها يرصد ويحلل السمات المختلفة الأنواع من السلوك البشري السليم أو المعيب بحيث تعتبر كل صورة تجسيد لنمط من السلوك كسلوك البخيل والكريم والجبان والشجاع والمنافق وغيرها.
وقد كتب الجاحظ رسائل صغيرة مثل (رسالة التربيع والتدوير) وفعل مثله السيوطي. وتمثل هذه الرسائل مقالة من المقالات وان لم تحمل نفس الاسم.
وقد كتب الكتاب الغربيون تلك المقالات ليتضمنها كتاب كما فعل الجاحظ.
ثم كانت المقالة الفلسفية ثاني نوع من أنواع المقالة ظهوراً على خط التاريخ وكان ذلك في عصر النهضة الأوروبية، أي في القرن السادس عشر ولدينا من هذا النوع من المقالات الفلسفية مجموعتان كبيرتان إحداهما للفيلسوف الإنجليزي (فرنسيس بيكون) الذي قلب عالم المنطق والتفكير والبحث عن الحقائق رأساً على عقب بفضل كتابة المسمى (المقالات) وهو يتضمن بالفعل مجموعة من المقالات التي اثبت فيها عقم المنطق الشكلي (الأرسطوطاليسي)
الذي كان يطغى على عقول البشر خلال القرون الوسطى. وأما المجموعة الثانية فتتضمنها أربعة مجلدات كبيرة للفيلسوف الفرنسي (مونتين).
ويعد (ميشال موناتني) الفرنسي أول من استخدم (مصطلح) المقالة في كتاباته التأملية.
وللمقالة مكانة مهمة في الحياة الأدبية وخاصة الحديثة وقد زادت أهميتها بانتشار الصحافة فأصبحت بذلك صوتاً مسموعاً وأسلوباً له تأثيره ومكانته.
أنواع المقالة:
1/ المقالة الذاتية:
وهي المقالة التي تبرز فيها وتبدو ملامح شخصية الكاتب وتكون فيها بارزة وواضحة وهي غالبا ما تمثل تجربة خاصة أو موقفاً من المواقف التي عاشها الكاتب أو مر بها أو كان مرتبط بوقوعه.
2/ المقالة الموضوعية:
يبرز في المقالة الموضوعية الجانب الموضوعي ويظهر جلياً فيها ويختفي الجانب الذاتي. وهذه المقالة تتناول فكرة من الأفكار العامة أو دعوة حقيقة من الحقائق العلمية والتي تكون محط حديث الكاتب أو دعوة إلى قضية من القضايا التي يؤمن بها الكاتب أو مناقشة مشكلة من مشكلات الحياة والمجتمع.
وليست هناك حدود فاصلة للتفريق بين النوعين فربما اجتمع النوعان في مقالة واحدة ولكنها تسمى وتوصف بالجانب الغالب فيها.
خصائص المقالة :
1/ الإيجاز: وهذا الأمر يختلف من كاتب إلى آخر ومن مطبوعة إلى أخرى فهي تتضمن قدراً مناسباً من المعلومات والأفكار بقدر قليل من المساحة والكلمات.
2/ سعة موضوعاتها: هذه الميزة الغالبة في المقالة والتي تجعلها تتصدر فنون النثر حيث تتسع لجميع الموضوعات ويتسع قالبها لاحتواء أي فكرة في أي مجال كان أدبي أو علمي.
3/ الطرافة والجدية: تمتاز المقالة بالطرافة غالباً فتجذب القراء، وأيضاً صياغة المقال وطريقة عرضه والعنوان الذي يقدمه الكاتب للمقالة كل ذلك يسهم في إيجاد خاصية الطرافة أو الجدية.

3/ القصة:

وهي حكاية تصور عددا من الشخصيات والأحداث، وتكتب بأسلوب نثري.
وأنواع القصة: ـ
أولاً: القصة القصيرة.
وهي التي تدور حول حادثة واحدة لشخصية واحدة أو عدة شخصيات ولا يتسع المجال فيها لكثرة السرد أو تعدد الأحداث.
وتتميز القصة القصيرة بصغر حجمها وسهولة قراءتها في وقت وجيز وتركيزها على حدث معين، وقد ساعد على انتشارها الصحافة والإذاعة مما يتفق مع طبيعة الإيقاع السريع للعصر.
البناء الفني للقصة القصيرة.
أبرز عنصر في البناء الفني للقصة القصيرة هو التركيز.
وبناء عليه ذلك يجب مراعاة الأمور التالية في القصة القصيرة:
1/ وحدة الانطباع: فهناك انطباع واحد يخرج به القارئ، ونوع واحد من الـتأثير الذي ينعكس عليه من خلال الهدف الذي سعى إليه الكاتب بعكس الرواية التي تعطي أكثر من انطباع بسبب كثرة الأحداث والشخصيات.
2/ وحدة الحدث: القصة القصيرة تصور حدثاً واحداً يركز عليه الكاتب، وتصوير هذا الحدث محدد ويبرز تأثر الكاتب به.
3/ وحدة الزمان والمكان: يجب أن تكون القصة القصيرة في إطار زمني واحد ومكان واحد ولو تعددت الحوادث لتعددت تبعاً لذلك أزمنتها وأمكنتها.
4/ البناء الفني الخاص: القصة القصيرة رغم صغر حجمها إلا أن لها بداية ووسط ونهاية (عقدة ـ صراع ـ نتيجة أو حل). ويمكن نقد الكاتب من خلال إجادته أو إخفاقه لكل عنصر من عناصر البناء الفني للقصة.
5/ الإيجاز: وهو ما تتميز به القصة القصيرة عن غيرها الذي يذهب إلى الإسهاب والإطالة.
ثانيا:ً الرواية.
هي أطول أنواع القصص وتمتاز عن القصة القصيرة بكثرة أحداثها وتعدد شخصيات القصة وإثارتها لقضية كبرى أو عدد من القضايا التي يعبر عنها من خلال سرد الأحداث.
وفي الرواية يظهر أسلوب الكاتب وطريقته في ربط الأحداث ونمو الشخصيات وتوظيفهم في الرواية حسب الطريقة التي يراها.
وهناك نقاط وخصائص تظهر في الرواية هي:
1/ تعدد الأحداث: ففي الرواية تتعد الأحداث وتسرد بطريقة الروائي وهذه الأحداث تبني عليها الحبكة القصصية للرواية وتنمو الأحداث وتتعدد بحسب نظرة الكاتب.
2/ الانطباع: يخرج القارئ بانطباعات عدة من خلال قراءة الرواية بحسب الأحداث والشخصيات.
3/ الزمان والمكان: في الرواية الحوادث قد تتعدى الأزمنة والأمكنة.
4/ البناء الفني للرواية: تتميز ببناءها الفني فبداية الرواية وتسلسل الأحداث وترتيب الشخصيات وظهورهم في النهاية تشكل بناء فني للرواية وتظهر مدى إجادة الكاتب لسرد الأحداث وتأثير الشخصيات فيها بحسب أسلوبه الفني.
5/ الإسهاب والتفصيل: نجد أن الرواية تتمتع بتفصيل الأحداث والإسهاب فيها وتحليلها حسب الكاتب وحسب شخصيات الرواية وأحداثها.
6/ تعدد الشخصيات: في الرواية تتعدد الشخصيات وتنمو أو تختفي حسب التركيبة في الرواية ومواقعهم منها سواء أكانوا شخصيات رئيسية أو ثانوية. فالشخصيات الرئيسية تنمو مع الرواية والثانوية قد تختفي أو تظهر لغرض معين ثم تختفي وهكذا.
وقد أخذ فن القصة القصيرة والرواية في أدبنا المعاصر من الأدب الأوروبي، ففي الرواية تأثر كبير بالمدرسة الفرنسية كالكاتب بلزاك، وموباسان بنوع خاص في فن القصة القصيرة. وهناك مدرسة أخرى أثرت في القصة وهي المدرسة الروسية وخاصة الكاتب تشيكوف الذي يعتبر من أكبر كتاب القصة القصيرة في العالم.

4/ المسرحية:

هي فن من فنون الأدب ذات فكرة أساسية يجسدها الكاتب ويبرزها وتجسد هذه الفكرة موضوع او قصة بشخصيات ذات الأبعاد المحددة التي تنقل هذه الفكرة أو الموضوع.
وكان الأدب المسرحي قد ظهر عند اليونانيين القدماء بنوعين من المسرحية وهي: المأساة وتعبيرها الحديث تراجيديا – والملهاة وتعبيرها الحديث الكوميديا .
وقد تطورت المسرحية فمنذ أن كانت تجمع لدى اليونانيين بين الشعر والموسيقى والغناء والرقص كانت تجمع أيضاً بين أجزاء حوارية تمثيلية تتعاقب مع أجزاء غنائية وعندما بدأت النهضة الأوروبية بسقوط القسطنطينية عام 1453م في أيدي العثمانيين هرب الرهبان حاملين معهم المخطوطات التي التراث اليوناني القديم إلى إيطاليا ومنها إلى أوروبا كلها واتخاذها أساساً للنهضة الأوروبية.
وقد تم أخذ فن المسرحية من الأدب الأوروبي بل وعن إيطاليا بالتحديد، ويوجد وثيقة تدل على ذلك وهو كتاب بعنوان "أرزة لبنان" الذي يضم أول مسرحيات كتبت بالعربية في عالمنا العربي كله وهي مسرحيات التاجر اللبناني – مارون النقاش- الذي شاهد هذا الفن في إيطاليا أثناء رحلاته إليها، ومثل مع أصدقائه في بيته أول مسرحية كتبها بالعربية وهي مسرحية (البخيل).
أنواع المسرحية :
1/ المأساة (التراجيديا):
وهي مسرحية ذات موضوع جاد ولغة رفيعة تستمد موضوعاتها من البطولات المختلفة ما كان منها واقعياً أو أسطورياً أو من حياة الملوك والأبطال. وتتميز بالنهاية الحزينة أو الفاجعة. وجمهورها خاص ومتميز وتميل موضوعاتها إلى الموضوعات الكبرى في الحياة. ويرى البعض أن المأساة قد تطورت واختفى مسماها وظهر بدلاً منها الدراما الحديثة بفضل الكاتبين أبسن وبرناردشو في الغرب وتشيكوف في روسيا.
2/ الملهاة (الكوميديا):
وهي مسرحية ذات موضوع واقعي ولغتها بسيطة ومتداولة وهدفها نقد الواقع وما في الحاضر من مساوئ يراها الكاتب، وجمهورها من عامة الناس وتستقي موضوعاتها من الأمور اليومية وتهدف إلى التسلية والضحك وتتميز بالنهاية السعيدة والمفرحة.
ومن فرائد المسرحية الكوميدية – ارستوفانيس- وقد اتخذ من فنها وسيلة لنقد بعض نواحي الحياة في عصره حتى كادت أن تتحول إلى ما يشبه الهجاء الصريح لزعيم شعبي معاصر له اسمه (كليون). كما راح يهاجم ما أخذ في عصره من تحرر فكري، فقد هاجم جد الفلسفة اليونانية – سقراط – في إحدى كوميدياته هجوماً بالغ العنف واتهمه بالدعوة إلى الإلحاد (أي سقراط) وإفساد الأخلاق وذلك في الكوميديا المسماة (السحب) الذي يظهر فيها – سقراط- وهو جالس في قفص من السعف ومعلق في سقف المسرح زاعماً أنه لابد له من الارتفاع فوق الأرض لكي يستطيع أن يتفلسف دون أن تمتص الأرض رحيق فكره فتجففه. وكان لهذه الكوميديا أثر كبير في تأليب الرأي العام على – سقراط – مما حدا بمحكمة الشعب إلى إدانة هذا الفيلسوف والحكم عليه بالإعدام بالسم.
الأدب العربي والمذاهب الأدبية:
التعريف بالمذاهب
المذهب الكلاسيكي
المذهب الرومانسي
المذهب الواقعي
المذهب الرمزي

5/ الخاطرة:

كما اتفق أهل الأدب الحديث على تعريفها بأنها قطعة نثرية قصيرة فيها الخيال والعواطف والأسلوب العذب. ولم تذكر إلا في الأدب الحديث. وبرأيي أن الخواطر لا تعدو عن كونها مجرد كلمات عابرة في الخاطر.

6/ الوصايا:

تندرج تحت فن الرسائل الإخوانية. وهذا وصية لقيس بن زهير العبسي عندما جاور يوم الهباءة النمر بن قاسط، وتزوج منهم، وأقام فيهم حتى ولد له، فلما أراد الرحيل عنهم قال: يا معشر النمر، إن لكم علي حقا، وأنا أريد أن أوصيكم، فآمركم بخصال، وأنهاكم عن خصال:
عليكم بالأناة؛ فإن بها تدرك الحاجة، وتنال الفرصة، وتسويد من لا تعابون بتسويده.
وعليكم بالوفاء؛ فإن به يعيش الناس، وبإعطاء من تريدون إعطاءه قبل المسالة، ومنع من تريدون منعه قبل الإلحاح، وإجارة الجار على الدهر، وتنفيس المنازل عن بيوت اليتامى، وخلط الضيف بالعيال.
وأنهاكم عن الغدر؛ فإنه عار الدهر، وعن الرهان؛ فإني به ثكلت مالكا أخي، وعن البغي؛ فإنه قتل زهيرا أبي، وعن الإعطاء في الفضول فتعجزوا عن الحقوق، وعن السرف في الدماء فإن يوم الهباءة ألزمني العار، ومنع الحرم إلا من الأكفاء؛ فإن لم تصيبوا لهن الأكفاء؛ فإن خير مناكحهن القبور -أو خير منازلها- واعلموا أني كنت ظالما مظلوما؛ ظلمني بنو بدر بقتلهم مالكا أخي، وظلمتهم بأن قتلت من لا ذنب له.

7/ الرسائل:

كان القرن الرابع هو العصر الذهبي لكتابة الرسائل، واتسمت الكتابة فيه بالإغراق في ألوان البديع، والولع بالزخارف اللفظية، حتى غدت الرسائل وكأنها نسيج رائع موشّى بالأسجاع، محلّى بالمحسنات البديعية ولآلئ البيان.
وقد انقسمت الرسائل تبعًا لأغراضها وأساليبها إلى نوعين:
الرسائل الديوانية: وهي التي تكتب في شئون الدولة، وتسجل الأحداث التاريخية أو الأوامر والتوجيهات الرسمية إلى الولاة والأمراء والقواد وكبار الموظفين في الدولة.
وكان من أشهر كتاب هذه الرسائل: أبو الفضل بن العميد، والصاحب بن عباد، والوزير المهلبي، والأمير قابوس بن وشمكير.
الرسائل الإخوانية: وهي التي يكتبها الأدباء عامة من غير العاملين في دواوين الدولة، وهي غير محددة بموضوعات معينة، وإنما يكتبها الأدباء في مناسبات خاصة أو مطارحات أدبية ومساجلات بلاغية فيما بينهم.
وكان من أشهر كتاب تلك الرسائل ـ بالإضافة إلى من سبق ـ: أبو حيان التوحيدي، وأبو بكر الخوارزمي، وبديع الزمان الهمذاني.
وتناولت الرسائل العديد من الأغراض: كالمدح والهجاء، والشكوى والعتاب، والتهنئة والاعتذار، والاستعطاف والاستجداء، والنصح والإرشاد، والصداقة والإخاء، والفخر والاعتزاز بالنفس، والوصايا.
وهذه رسالة من الحسن البصري لعمر بن عبدالعزيز بذم الدنيا:
أما بعد يا أمير المؤمنين؛ فإن الدنيا دار ظعن وانتقال وليست بدار إقامة على حال؛ وإنما أنزل إليها آدم عقوبة فاحذرها؛ فإن الراغب فيها تارك، والغني فيها فقير، والسعيد من أهلها من لم يتعرض لها.
إنها إذا اختبرها اللبيب الحاذق وجدها تذل من أعزها، وتفرق من جمعها فهي كالسم يأكله من لا يعرفه، ويرغب فيه من يجهله، وفيه والله حتفه؛ فكن فيها يا أمير المؤمنين كالمداوي جراحه يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا.
الصبر على لأوائها أيسر من احتمال بلائها، واللبيب من حذرها ولم يغتر بزينتها؛ فإنها غدارة ختالة خداعة، قد تعرضت بآمالها، وتزينت لخطابها فهي كالعروس العيون إليها ناظرة، والقلوب عليها والهة وهي -والذي بعث محمدا بالحق- لأزواجها قاتلة، فاتق يا أمير المؤمنين صرعتها، واحذر عثرتها فالرخاء فيها موصول بالشدة والبلاء، والبقاء مؤد إلى الهلكة والفناء.
واعلم يا أمير المؤمنين أن أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، وصفوها كدر، وعيشها نكد، وتاركها موفق، والمتمسك بها هالك غرق، والفطن اللبيب من خاف ما خوفه الله، وحذر ما حذره، وقدر من دار الفناء إلى دار البقاء فعند الموت يأتيه اليقين.
الدنيا -والله يا أمير المؤمنين- دار عقوبة، لها يجمع من لا عقل له، وبها يغتر من لا علم عنده، والحازم اللبيب من كان فيها كالمداوي جراحه يصبر على مرارة الدواء لما يرجو من العافية، ويخاف من سوء عاقبة الدار.
والدنيا -وأيم الله يا أمير المؤمنين- حلم، والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، والعباد في أضغاث أحلام، وإني قائل لك يا أمير المؤمنين ما قال الحكيم:
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة *** وإلا فإني لا أخالك ناجيا
ولما وصل كتابه إلى عمر بكى وانتحب حتى رحمه من كان عنده، وقال:
يرحم الله الحسن؛ فإنه لا يزال يوقظنا من الرقدة، وينبهنا من الغفلة، ولله هو من مشفق ما أنصحه، وواعظ ما أصدقه وأفصحه.

8/ المقامة:

المقامات فن من فنون الكتابة العربية ابتكره بديع الزمان الهمذاني، وهو نوع من القصص القصيرة تحفل بالحركة التمثيلية، ويدور الحوار فيها بين شخصين، ويلتزم مؤلفها بالصنعة الأدبية التي تعتمد على السجع والبديع.
عبارة عن كتابة مسجوعة حسنة التأليف، تتضمن نكته أدبية، تدور على رواية لطيفة مختلقة تنسب إلى بعض الرواة.
وقد راجت سوقها بين الأدباء في القرون التي تلت عصر مخترعها بديع الزمان الهمذاني المتوفى عام 398هـ حيث كان أول من فتح بابها، وسلك طريقها، واشتهر من بعده الحريري بمقاماته وتابعه كثيرون آخرون؛ والمقصود منها غالباً جمع درر البيان وشوارد اللغة ونوادر الكلام، منظوم ومنثور، فضلا عن ذكر الفرائد البديعة والرقائق الأدبية، كالرسائل المبتكرة والخطب والمواعظ والأضاحيك.
وتنسب المقامات غالبا بالمكان التي تجري فيه أحداثها فيقال المقامة الحلبية أو الموصلية أو الصنعانية أو تنسب للمروي عنه.
وأثيرت عدة أسئلة حول المقامات ويقال إنها بالمئات ولكنها ضاعت وبقيت منها 51 مقامة، وهي مقامات الشيخين المؤسسين الهمذاني والحريري.
وبطل مقامات بديع الزمان الهمذاني الملقب بابي الفتح الإسكندري، هو في حقيقته شاعر بائس من المتسولين بالشعر وكان معاصرا لبديع الزمان، وكان يستدعيه للمؤانسة، ووصف الراوية عيسى بن هشام أبا الفتح الإسكندري بأنه كان رجلاً يطأ الفصاحة بنعليه.
أما بطل مقامات الحريري فهو أبي زيد السروجي
ومثالها المقامة الحلوانية لبديع الزمان الهمذاني.
حدثنا عيسى بن هشام قال
لمّا قَفَلتُ من الحجِّ فيمن قَفَلَ* ونَزَلتُ مع من نَزَلَ
قلتُ لغلامي أجِدُ شَعري طويلاً وقد اتَّسَخَ بَدَني قليلاً
فاختَرْ لنا حمّاماً ندخلُهُ وحجّاماً نستعمِلُهُ
ولْيكُنِ الحمّامُ واسعَ الرُّقعَةِ نظيفَ البُقعَةِ طيِّبَ الهواءِ مُعتدلَ الماءِ
ولْيكُنِ الحجّامُ خفيفَ اليَدِ حديدَ الموسى نظيفَ الثيابِ قليلَ الفُضولِ
فخَرجَ مَليّاً عاد بَطيّاً وقال قد اخترتُهُ كما رَسمَتَ فأخَذْنَا إلى الحمّامِ السَّمْتَ*
وأتيناهُ فلم نَرَ قوّامَهُ لكنِّي دخلتُهُ ودَخَلَ على أثَري رجلٌ وعمد إلى قِطعَةِ طينٍ
فلطّخَ بها جبيني ووضَعَها على رأسي
ثم خرجَ ودخلَ آخرُ فجعلَ يَدلِكُني دلكاً يَكُدُّ العظامَ ويَغمِزُني غَمْزاً يَهُدُّ
الأوصالَ ويُصَفِّرُ صفيراً يرُشُّ البُزَاقَ
ثم عَمَدَ إلى رأسي يَغسِلُهُ وإلى الماءِ يُرسِلُهُ
وما لَبِثَ أن دخلَ الأوّلُ فحيّا أخدَعَ*الثاني بمضمومةٍ*قَعْقَعَتْ أنيابَهُ*وقال يالُكَعُ
مالكَ ولهذا الرأسِ وهو لي
ثم عَطَفَ الثاني على الأول بِمَجموعةٍ هَتَكَتْ حِجابَهُ*وقال بل هذا الرأسُ حقّي
ومِلكي وفي يَدي
ثم تَلاكَما حتى عَيِيَا وتحاكما لِما بَقِيَا فأَتَيَا صاحِبَ الحمّامِ
فقال الأولُ أنا صاحِبُ هذا الرّأسِ لأني لطّختُ جبينَهُ ووضعتُ عليه طينَهُ
وقال الثاني بل أنا مالِكُهُ لأني دَلَكتُ حامِلَهُ وغَمَزْتُ مفاصِلَهُ
فقال الحمّاميُّ ائتوني بصاحِبِ الرأسِ أسألهُ ألكَ هذا الرأسُ أم لهُ
فأَتَيَاني وقالا لنا عندَكَ شهادَةٌ فَتَجَشَّمْ* فقُمتُ وأتَيتُ شِئتُ أم أبَيتُ
فقال الحمّامِيُّ يا رجُلُ لا تَقُلْ غيرَ الصِّدقِ ولا تَشْهَدْ بغيرِ الحَقِّ وقُل لي هذا الرّأسُ
لأيِّهِما
فقُلتُ يا عافاك اللهُ هذا رأسي قَد صَحِبَني في الطريقِ وطافَ معي بالبيتِ العتيقِ
وما شَكَكْتُ أنه لي.
إضافة ..
سئل بديع الزمان: ما أحسن السجع؟
قال: ما خف على السمع.
قيل: مثل ماذا؟
قال: مثل هذا.