السبت، 25 فبراير 2012

موسوعة الأدب العربى : النثر العربى عبر العصور


النثر العربى عبر العصور

النثر العربي وُلِد من بطن الجزيرة العربية عند الأعراب البدويين في هيكله الساذج والبسيط ولما انتقل الأعراب إلی الحضر وأصبحوا مدنيين،‌تقدَّم وترعرع النثر العربي في المُدن والحضر وأصبح النثر يعلب دوراً هاماً في الحكايات والقصص الشعبية التي يرويها الشيوخ الكبار لأطفالهم وفي صناعة الأمثال العربية والخطب التي يلقيها رئيس القوم أوقائدهم في المجالس.
وهناك خلاف بين الأدباء في تقدم الشعر علي النثر أوبالعكس وفي التفصيل بينهما. ولكل منها أصحاب لديهم آراء ومذاهب مختلفة.
قد درج الأدباء في كتبهم شروح النظم والنثر، مما يجلب النظر هوإختلاف آرائهم علی تقدم النثر علی النظم وبالعكس. فكان لكل واحد منهم آراء في فضيلتها سنذكر بعضها: كما نعلم يتفق الأدباء والمورخون علی وجود الكتابة والنثر في جاهلية حسبما يقول الدكتور طه حسين:« هولاء متفقون منه وأغزر مادةً ولكن الرواة لم يحفظوا من النثر شيئاً يذكر بالقياس إلی ما حفظوا من الشعر لأن الوزن والقافية أعانا علی حفظ الشعر وروايته وخلامنها النثر فلم يحفظ منه إلا النزر اليسير» [1]
يبدوا أننا حينما تكلم عن حسن النظر بالنثر علی الشعر. فهو« أن النثر تُعلَّم فيه أمور لا تعلم في النظم. كالمعرفة بالمخاطباتوبينة الكتب والعهود والتقليدات وأمور تقع بين الرؤساء والملوك يعرف بها الكتب أمورهم ويطلع علي خفي أسرارهم وأن الحاجة إلي صناعة الكتابة ماسة والإنتفاع بها في الأغراض ظاهر » [2] من جانب آخر نلاخط بتفاضل النظم علی النثر حينما يقول: «التفضيل حين النظم والنثر فالذي يصلح أن يقوله من يفضل النظم أن الوزن يحسن الشعر ويحصل الكلام به من الرونق مالايكون لكلام المنثور ويحدث عليه من الطرب في إمكان التحلين والغناء مالايكون الكلام المنثور ولهذه العلة ساغ حفظه أكثر من حفظ المنثور حتی لوإعتبرت أكثر الناس لم تجد فيهم من يحفظ فصلاً من رسالة غير القليل ولايجد فيهم من لايحفظ البيت أوالقطعة إلا يسير ولولا ما إنفرد به من الوزن الذي تميل إليه النفوس بالطبع لم يكن لذلك وجه ولاسبب» [3]من جانب آخر حينماتأملنا في الشعر فنری « أنَّ الشعر يدخل في جميع ذلك فإنّ التشبيب لايحسن في يسير الشعر وكذلك غير من الأغراض وما صلح لجميع ضروب الكلام وصنوفه أفضل مما اقتصر علی بعضه » [4]
يبدوأن « الكلام كله منثوراً فاحتاجت العرب إلی الغناء بمكارم أخلاقها، وطيب أعراقها، وذكر أيامها الصالحة وأوطانها النازحة،‌وفرسانها الأنجاد، وسُمحائها الأجواد،‌لتهز أنفسها الی الكرم، وتدل أنباء ها علی حسن الشيم... فلما تم لهم وزنه سموه شعراً‌» [5] جدير بالذكر قد ذكر جاحظ في هذا الموضوع رأيه فيقول « ما تكلمت به العرب من جيّد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيّد الموزون،‌فلم يحفظ من المنثور عُشره ولا ضع من الموزون عُشره» [6]رُبما نشاهد بأن بعضي الكتاب المنتصرين للنثر، الطاعنين علی الشعر، يحتج بأن القرآن كلام الله تعالی منثورٌ وأن النبي غيرُ شاعرٍ،‌لقول الله تعالی:( وما علمنهُ الشعر وما يَنبَغَي له ) [7]
هناك أقوال كثيرة في سبقة النثر علي النظم بيد أن الباقلاني: « له رأي صريح في أسبقية النثر الفني علي الشعر، فقد وجد النثر أولاً،‌ثم جاء بعده الشعر شيئاً فشيئاً إذ كان يعرض للناس في تضاعيف الكلام ثم أستحسنه الناس وتتبعوه وتعلموه » [8] فعلي هذا واضح أنَّ النثر يختلف مع النظم بحيث قيل فيه « النثر والنظم – وهما في طرفين ضدين وعلی حالتين متباينتين – اولی وأخص» [9]
كمانعلم أن النثر قسم من أقسام الأدب يقول المقدسي فيه:« النثر المطلق قديم في الأدب العربي نراه في عهده النبي (ص) ويحملنا الإستنتاج علی أنه كان في الجاهلية أيضاً... » [10]
صور النثر الجاهلي:
فكانت لنثر الجاهلي صورٌ في مقتضي عصره بحيث « حين نتحدث عن النثر الجاهلي ننحي النثر العادي الذي يتخاطب به الناس في شئون حياتهم اليوميه،‌فإنَّ‌هذا الضرب من النثر لايعد شيء منه أدباً إلا ماقد يجري فيه من أمثال،إنما الذي يُعَدُّ أدباً حقاً‌هوالنثر الذي يقصد به صاحبه إلی التأثير في نفوس السامعين والذي يحتفل فيه من أجل ذلك بالصياغة وجمال الأداء وهوأنواع،‌منه ما يكون قصصاً‌وما يكون الخطابة ومايكون رسائل أدبية محبرة ويُسمي بعض الباحثين النوع الأخير بإسم النثر الفني » [11]
ويلحق بالخطابة ما يعرف بسجع الكهان كما أثر عنهم بعض الوصايا والأمثال والحكم وبعضي القصص يرونها في أسمارهم حول أيامهم وحروبهم مما وهومبثوث في مصادر ترائنا الأدبي» [12]
سجع الكهان:
يبدوأن الأقوال المختلفة حول السجع من ناحية السلبية والإيجابية وفي هذا المقال يستندون بكلام رسول اكرم (ص) حينما يقول: « أسجعاً كسجع الكهان » [13]ولذلك يجب أن نخوض في هذا المقال كي نعلم أي سجعاً‌ مذموم عندالنبي (ص) ؟ وأيِّ كلام صحيحاً ؟ ماالفرق بين السجع والسجع الكهان،‌وفي هذا الأمر نكتفي احوال الأدباء والباحثين في السجع.
کما جاء في كتب الأقدمين حول السجع:« هوتواطؤ افاصلتين في النثر علی حرف واحد وهذا معنی يقول السكاكی الأسجاع في النثر كالقوافي في الشعر » [14] وهذا يجدد أنّ أسجع من أقسام النثر و« يختص بالکلام المنثور » [15] من المستحسن أن نعرف سجع الكهانة وإستعمالها في الجاهلية كما «كانت في الجاهلية طائفة تزعم أنها تطلع علی الغيب وتعرف مايأتي به الغد بما يلقي إليها توابعها من الجن » [16]
يبدوأن « الكهانة مختصة بالأمور المستقبلة » [17]كان في أمامها العرافة: هي « مختصة بالأمور الماضية » [18] الواضح أن العرب يبذلون إكراماً كثيراً فكانت « لهم قداسة دينية، وكانوا يلجأون إليهم في كل شئونهم،‌وقد يتخدونهم، حُكاماً في خصوماتهم ومنافراتهم علی نحوما كان من مفاخرة هاشم ابن عبد مناف وأمية بن عبد شمش وإحتكامها إلی الكاهن الخزاعي،‌وقد نفر هاشماً‌علی أمية » [19]
حينما تأملنا في آراء الأدباء نواجه بتحريم هذا الفن الخاصة سجع الكهان ومما يثبت هذا الامر هوحديث عن رسول اكرم (ص) « فقال الرجل: يا رسول الله أأدي من لاشرب ولاأكل،‌ولاصاح فاستهل ومثل ذلك يطل، فقال الرسول أسجعاً كسجع الكهان » [20] يبدوأن الجاحظ يستند بهذا الحديث ويقول فيها: « وهذا الفن من البيان يثير خلافاً بين العلماء والأدباء والديانيمين، فهناك حديث: أسجع كسجع الجاهلية ؟ فهوفي ظاهره حجة لمن يرفض إستعمال هذا الفن ويستهجنه وهوعند التأويل محمول علی‌السجع الذي يراد به إبطال الحق. علی أن من الأدباء من يري أن السجع إنما كان منهياً عنه في نأنأة الإسلام،‌لقرب عهدهم بالجاهلية، حيث كان السجع يجري في الكهانة والترجيم بالغيب،‌فمازالت العلة زال التحريم. ولهذا شبيه في النهي عن مرثية عن أبي الصلت لقتلي أهل بدر فمازالت العلة زال النهي » [21]كن نحن نري قول الأخرين في هذا الموضوع مثل قلقشندي وهويعتقد حينما تكلم « النبي (ص) أسجعاً كسجع الكهان: فليس فيه دلالة علی كرامة السجع في الكلام وإن تمسك به بعض من نباعن السجع طبعه ونفرت منه عنه إذ يحتمل أنه (صلي الله عليه وسلم ) إنما كره السجع من ذلك الرجل لمشابهة سجعه حينئذ سجع الكهان،‌لما في سجعهم من التكلف والتعسف » [22]انتنبه بالسجع الكهان ومعايبها إضافة إلی ذلك كان لابن الأثير رأی‌في سجع الكهان نظرة إلی مذمة سجع وأشار هؤلاء يذمون ثُم يرفض هذه القضية مع أدلة ويعتقد « أن اشخاص الذين قد ذمه هذه الصناعة ولا أري لذلك وجهاً سوي عجزهم أن يأتوا، به ويضيف إن كان مذموماً كيف جاء القرآن سور جميعاً مسجوعاً كما قدجاء في سورة القمر وفي سورة طه » [23]في موضع آخر يذكر أقوال النبي اكرم (ص) نقلاً عن عبدالله بن سلام حينما يقول « فكان أول شيء تكلم به أن قال: أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس ينام،‌تدخلوا الجنة بسلام » [24]
مما يجلب النظر قد إستفاد النبي عن سجع في كلامه. إضافة إلی‌ذلك ابن الأثير كان لها جواب علی قول النبي اكرم (ص) حينما يقول أسجعاً كسجع الكهان فيقول: »« أنّه إنما ذم من السجع ما كان مثل السجع الكهان لاغيره،‌وأنّه لم يذم السجع علی الإطلاق » [25]
جدير بالذكر كان نفوذ الكهان بين الناس إلی نهاية حده فكان إمتداده إلي بيوت الخلفاء والأمراء فقد لعبوا دوراً هاماً في أمور المملكة فدخلوا في بلاط الخلفاء وأثروا في آراء الحكام، كما رأينا تأثيرهم في أشعار الشعراء. مما وصلت إلينا وقل هذا التاثير علی مرالايام حسبما « تطور الدور الذي لعبه الجن في الشعر وصلتهم بالشعراء فقد كان في الجاهلية الإيمان بقدرتهم علی إلقاء الشعر علي ألسنة الشعراء إيماناً واثقاً‌،‌فجل شأنهم وعظمت مقدرتهم » [26]يد أنّ عظمتهم لم يلبث بظهور إسلام ونزول القرآن ثُم ذهبت جلالهم عندالناس.
الأمثال: « المثل عبارة تضرب في حوادث مشبهة للحوادث الأصلية التي جاءت فيها، كقولهم: (أمُّ الجبان لاتفرح ولاتحزن » [27]
يبدوأن الأمثال يستعمل في معاني مختلفة كما « يقول: ابوعبيد القاسم بن سلام أنَّ الأمثال حكمة العرب التي الجاهلية والإسلام،‌وبها كانت تعارض كلامها، فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق بكناية غير تصريح،‌فيجتمع لها بذلك ثلاث خلال،‌إيجاز اللفظ وإصابة المعني وحسن التشبيه» [28]کاه للعرب في جاهليتهم أقوال کثيرة ذهبت أمثالاً فمنها ماکان شعراً ومنها ماکان نثراً » [29]أما الأمثلة النثرية كمثل المثلين التاليين: (أخطبُ من سحبان وابلٍ) و(قطعت جهيزَةُ قول کل خطيب) المثل الأول يؤكد علی أهمية الخطابة في المجتمع الجاهلي ويبرز الخطيب رجلاً يشار اليه بالبنان،‌مهوالمحرك الأفئدة... والمثل الثاني فأنّه يبرز دور الخطابة الإجتماعي، حيث كانت تقام الإجتماعات التي تذكرنا بمهرجانات اليوم » [30]كان مثلاً في الشعر:
« ومنا حَكمٌ يقضي فلا ينُقضُ ما يقضي »  [31]
النثر في العصر الإسلامي:
لونتفحص في أدب هذا العصر نواجه بالتدهور العظيم في صور النثرية مع إستقرار النظام الإسلامي في الحضارة العربية. فكان مبدأها مبعث الرسول اكرم (ص) ونزول القرآن الذي أدّي إلی إرتفاع مستوي الأدب خاصة الخطابة النثرية وليس هذا التغير بمعني زوال النثر بل اتسع في هذا العصر قواعد الكتابة والفنون النثرية.
« كان تأثر النثر بالإسلام أقوي قوة، فقد نزل فيه الذكر حكيم المعجز ببلاغة وألقی به الرسول (ص) أحاديثه وخطبة رائع وثنية ساذجة إلی ذات دين سماوي باهر،‌تخوض في معان جديدة...» [32]يقول طه حسين: « الذي ليس فيه شك أن أقدم نص يمكن أن نطمئن إليه هوالقرآن» [33]كما نعلم أن لغة القرآن تختلف إختلافاً غير يسير عن لغة الشعراء فهي تعرض،‌مرة في تاريخ اللغة العربية،‌ينكشف الستار من عالم فكري،‌تحت شعار التوحيد،‌لاتعد لغة الكهنة والعرافين الفنية المسجوعة إلا نموذجاً واهياً له، من حيث ظاهر وسائل الأسلوب،‌ومسالك المجاز في اللفظ والدلالة» [34] قد إتسع النثر في هذا العصر من ناحية الفنية فقسمه الباحثون إلي قسمين: الاول: النثر الإيجازي والثاني: النثر التفصيلي.
يشتمل « النثر الايجازي في هذا العهد إلی ثلاثة أنواع هامة: الخطابة والتوقيعات والرسائل» [35]
الخطابة في صدر الإسلام:
«لم تزدهر الخطابة العربية في عصر من العصور مثل ازدهارها في صدر الإسلام،‌فقد كانت العوامل متوافرة لشيوع هذا الفن وتقدمه،‌فمن فصاحة فطرية في العربي إلی براعة التصرف في ضروب الكلام ومن إنقلاب ديني عظيم،‌إلی‌إنقلاب سياسي عظيم، ومن حروب وفتوح ألی خروج وعصيان وأحزاب. فقدجاء الإسلام وهودين إجتماعي، فكانت الخطب الدينية تلقي في الجوامع، ثم إستعرت حروب الفتح والحروب الداخلية، وإنقسمت الجماعة أحزاباً من أجل الخلافة،‌فكانت الخطب العسكرية تضرم بها الحماسة في صدور الرجال، وکانت الخطب السياسية يلقيها الزعماء علی أحزابهم لتشد. أزرهم، أويردوابها علی خصومهم ليدحضوا أقوالهم أويخاطبوا بها بلداً... فلا عجب إذاً، أن يکون للخطابة شأن عظيم في ذاک العهد وهي تعتمد علی الدين من ناحية وعلی السياسة من ناحية أخری » [36]
ميزه الخطابة: « تمتاز الخطابة في صدر الإسلام بطلاوة أسلوبها وقصر جملها وتخير ألفاظها، والخطب علی الضربين: منها الطوال التي کثر فيها الإطناب ومنها القصار التي غلب عليها الإمجاز مع بلوغ القصد. وقصارها أکثر شيوعاً من طوالها، وکانت تبدأ بالحمدلة وکثيراً ما نعتمد علی الآيات، کما للقرآن من التاثير في نفوس المسلمين... » [37]
أشهر الخطباء في هذا العهد:
« اشتهر في الخطابة السياسة زياد ابن أبيه والحجاج ابن يوسف في الحزب الأموي ،والمختار الثقفي في الحزب الشيعی ،وقطري ابن الفجاءة حزب الخوارج، وإشتهر في الخطابة الدينية علی بن أبي طالب، وتميم داري بالمدينة ،والحسن البصري، وواصل بن عطاء والفضل بن عيسی في العراق وغيلان ولأوزاعي في الشام. » [38]
جدير بالذکر أنّ الخطباء في إلقاء کلامهم علی السامعين يستندون إلی الأدلة والبراهين « کثرة الإستشهاد بالقرآن والحديث والإقتباس من الشعر والأمثال فصلاً عن البراهين والأدلة التي يسوقها کل خطيب ليدعم رأيه ويؤيد مذهبه » [39] مع هذا کثيراً مانری إختلاف هذا السياق بالنسبة إلی الأمويين کما نعلم أنهّم يسبون علياً وأبناءه علی المنابر فکان « يملئون خطبهم بالشتائم والسباب والمطاعن والمثالب في علی (ع) وآل بيته » [40] التوقيعات:
يبدوأنّ « التوقيعات فن أدبي من فنون النثر ،تتوافر فيه عناصر التعبير البليغ وتناول البحث هذا الفن في العصر الإسلامي والعباسي » [41]
جدير بالذکر «يريدون بالتوقيع في دوائر الحکومة اليوم (الإمضاء ) أمام في أيام الخلفاء فکان يراد به ما يعلقه الخليفة علی القصص اؤ الرقاع العرضحالات المعروضة عليه لطلب أوشکوی أونحوذلک، فيکتب عليها بما يجلب إجراؤه مايفيد الجواب علی فحواها بما يشبه التأثير أوالتعليم في دوائر حکومتنا، وهومن واجبات صاحب الإنشاء أومن يتعين للتوقيع خاصة » [42]بحيث قيل: « إرتبطت نشأتها وإزدهارها بتطور الکتابة والتوقيع عبارة بليغة موجزة مقنعة » [43]
من المستحسن أن تقول هذا الفن يستوعب بالشروط الخاصة کما قيل: « يشرط في التواقيع البليغ أن يکون کاملاً بل قد يکون آية قرآنية أوحديثاً نبوياً أوبيت شعر أومثلاً أوحکمة » [44]
الرسائل:
حينما نتفحص في کتب المورخين نواجه أنتقال الخطابة إلی الکتابة النثرية حسبما أحتاج في الزمن الإسلامي فلم يکن للعربية دواوين وکتابة الرسائل من بدايتها يبدوأن الکتابة « تنتشر شيئاً فشيئاً بعد ظهور الإسلام لإمتداد سلطان العرب وحاجة الخلفاء والولاة ورؤساء الأ حزاب إلی الإتصال بمن يهمهم أمرهم » [45] و« کانت الرسائل في هذا العصر تتحلی بآيات القرآن الکريم، والمأثور من الأمثال والأشعار، وتتميز،بجزالة اللفظ وفصاحته، والإبتعاد عن التکليف والتصنع» [46]
کما نعلم أنه لم تکن الکتابة شائعة في الجاهلية وصدر الإسلام بيدأنه حينما ظهر الإسلام کتب عددَّ قليلٌ بحيث قيل « أحتاج المسلومن إلی أن يکتبوا ،کتب النبي رسائل، وکتب الخلفاء من بعده » [47] وفي موضع آخر قيل: « لم يکن يکتب بالعربية إلا بضعة عشر أنساناً، کلهم من الصحابة وفيهم علی بن أبي طالب ،وعمر بن خطاب وطلحة وعثمان وأبوسفيان وولداه معاوية ويزيد وغيرهم » [48]
النثر في العصر العباسي:
عندما تکلمنا عن النثر في العهد العباسي ليس هدفنا النثر العادي کما أنّه تطور علی مرّ العصور بحيث نشاهد « في العصر العباسي بلغ من النثر ذورته في زمن قصير، وبخاصة فيما بين منتصف القرن التاسع ونهاية العاشر (الميلادي ) وکما في الشعر کان العراق مصدر هذه النهضة ، عاش الناثرون الأکثر قدما، ولوأن تطور الحياة فيما بعد سوف يقود علی نحوما ألمحنا سابقاً إلی لا مرکزية الثقافة أيضا وفي هذا العصر واصل عبدالحميد الکاتب رسالته وانضم أليه ابن المقفع ،وهوفارسی الأصل أيضاً، يفوق زميله في سعة ثقافته وکثرة أنتاجه وأسلوبه أميل إلی الأيجاز ،وأقرب إلی القصد في السجع والبديع ،أکثر کليلة ودمنة ،وأعمالاً أخری أصيلة من الثقافة الساسانية من بينها (خدای نامه ) ». [49]فکان لها آثار عديدة يحاول فيها لرفع عيوب المجتمع والحصول علی الکمال يبدوأن النثر لعب دوراً هاماً فی هذين العصرين العباسي الأول والثاني حسب المقتضيات الزمنية.
کما نعلم قد إتسع فنون الکتابة فکان للنثر فروع عديدة منها: الخطابة والوعظ والقصص والتوقيعات والمناظرات والرسائل التی تنقسم ألی القسمين:
1) الرسائل الديوانية.
2) الرسائل الإخوانية.
3) الرسائل الأدبية.
الخطابة في العصر العباسي:
حسبما ذکر الباحثون في الخطابة وهم يعتقدون بوجودالخطابة في تلک الفترة بقوتها في أوائلها وقلت عن قيمته في أواخر هذا العصر.
جدير بالذکر حينما نشير شالخطابة هدفنا الخطابة السياسية بحيث قيل فيه:« نشطت الخطابة السياسية في مطالع هذا العصر إذ إتخذتها الثورة العباسية أداتها في بيان حق العباسيين في الحکم » [50]
« فما لبث هذه النشاطات فضعفت الخطابظ السياسية في هذا العصر ضعفاً شديداً لأنها أنّما تزدهر حين تکفلُ للناس حرياتهم السياسية علی نحوما کان الشأن في عصر بني أمية، أما في هذا العصر فقد أخذ العباسيون الناس بالشدة فضعفت الأحزاب السياسية وفنيت أوذابت حريتهم في سلطانهم الباطش بکل من حدثته نفسه بخروج عليهم بل بخلاف أومايشبه الخلاف » [51]
إضافه إلی ذلک نشاهد الضعف في الخطابة الحفلية أيضاً من جانب آخر نلاحظ بقلة الخطابة الدينية حيثما قلت هذه الخطابة في لسان الخلفاء وهذا لايعنی محوها إذ أنّ الخطابة الدينية لم يجرعلی لسان الخلفاء بل « ظلت مزدهرة في المساجد وفي خطب الجمع والعيدين، فقد أصبحج من المعتاد ألايخطب الخليفة يوم الجمعة إلا ماکان من الخليفة المهتدي الورع الذي ظل في الحکم تحوعام، فانه کان يذهب إلی المسجد الجامع بسامراء في کل جمعة ويخطب الناس ويؤمهم ويروي أن الخليفة المعتضد حاول أن يخطب فی بعض الأعياد، فارتج عليه ولم تسمع خطبته ولم يخطب خليفة بعده فيا العصر سوی الراضي ولم تؤثر خطبته » [52] فکان في إمتداد الخطابة، الوعظ والقصص والنثر الصوفي: فکلهم « أخذت تنشأمند أوائل العصر طبقة جديدظ من الوعاظ، کانوا يسمون بالمذکرين ويسمی مجلسهم بإسم مجلس ذکرالله وتسبيحه وکانوا منه الصوفية، بل کانوا خطباءهم ووعاظهم الممتلئين صلاحاً وتقوی وورعاً وکانوا يعظون الناس في المساجد» [53]
التوقيعات في العصر العباسي:
کما نعلم أن التوقيعات من فنون النثرية کان إزدهارها من العصر الإسلامي حتی أفول نجمها في أواخر العصر العباسی » [54] إضافة إلی ذلک «تطور مفهوم التوقيعات في العصر العباسي وإکتسب معني أدبياً، فأصبحت تطلق علی تلک الأقوال البليغة الموجزة المعبرة التی يکتبها المسدول الدولة، أويأمر بکتابتها علی ما يرفع إليه من قضايا أوشکايات، متضمنة ينبغي إتخاذه من إجراء نحول کل قضية أومشکلة، وهي بهذا المفهوم أشبه ماتکون بتوجيه المعاملات الرسمية في الوقت الحاضر » [55]
بعد أن مضينا القول في الجاحظ واصل هذا الأمر إلی ابن العميد وهومن الکتاب الذين لهم طريقة في الکتابة بحيث النثر الفني سائراً في طريقة وکان للحضارة والترف أثر کبير في أساليبه ومعانيه فأخذ يتدرج في التنميق والزخرف کما تدرج الناس في تنميق ألبستهم وأطعمتهم وسائر مرافق حياتهم، وکثر فيه استعمال البديع والسجع ،وأصبحت الکتابة محضة يعنی فيها الکاتب أحياناً بالمبنی اکثر مما يعنی بالمعنی » [56] وفي جملة نستطيع أن نقول کان « عصر ابن العميد عصر تأنق وزخرف وعهد خيال وشعر فهداه طبعه إلی أستحداث أسلوب جديد متناسب الفقرأنيق الديباجة، بديع الوشي، طبع علی غراره مشايعوه لموافقته ذوق العصر » [57]
الخاتمة
النثر قد وضع لتنمية الأدب العربي، وکل أدب يحتاج إلی النثر في جميع حقوله لأنّه إن لم يکن النثر لم يستنتج الآثار الأدبية والعلمية، والشعر بنفسه دائن ألی النثر لأن النثر أعمّ وأشمل منه، ونستنتج من هذه المقالة أن النثر تطور في العصر الإسلامي ووصل إلی أعلی ذروته في العصر العباسي الأول لاسيما عند کبار الأدب العربي وهم، عبدالحميد الکاتب وعبدالله بن المقفع والجاحظ وابن العميد. والنثر العربي فی العصر العباسي شاهد ألواناً مختلفة من الفنون کأمثال: کتابة الرسائل والخطب وظهر فيه صور جمالية في شتی أضرابها، ويعالج الکتاب اللفظ والمعنی معاً دون رجحانِ ولکن في عصر ابن العميد ناول الکتاب زخارف القول وبدائعه في کتاباتهم وإهتموا کثيراً بالمباني دون المعاني بسبب شيوع السجع والصناعات اللفظية عند أصحاب الرسائل.
المصادر والمراجع
  1. ابن الأثير، ضياء الدين: المثَل السائر في أدب الكاتب والشاعر. تحقيق الدكتور أحمد الحوفي والدكتور بدوي طبانة، لاط، دارالنهضته،‌القاهره،‌لا تا
  2. ابن عاشور، محمدالطاهر: شرح المقدمة الأدبية لِشرح الإمام المرزوقي عی ديوان الحماسة لأبي تمام، ط:2، دارالعربية، ليبيا، 1978م
  3. أبوعلي، محمدتوفيق: الأمثال العربية والعصر الجاهلي، ط: 1،دارالنفائس، ‌1988 م
  4. البستاني، بطرس: أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، ط: 6، مکتبة صادر، بيروت، لاتا.
  5. الجاحظ، أبوعثمان:البيان والتبين، ط: 7،مكتبة الخانجي، القاهره، 1998محسين طه: من تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الأول )،‌ط: 2،دارالعلم الملايين،‌بيروت، 1976م
  6. في الأدب الجاهلي،لاط، مطبعة فاروق، قاهره،1352 ﻫ
  7. الزيات، أحمدحسن، تاريخ الأدب العربي، للمدارس الثانوية والعليا، لاط، دارالنهضة، القاهرة، لاتا.
  8. زيدان، جرجي ،تاريخ التمدن الإسلامي،،لاط، دارالمکتبة الحياة ، بيروت، لاتا
  9. الصعيدي، عبدالمتعال: بُغية الإيضاح لتلخيص المفتاح علوم البلاغة،ط:1، مکتبة الآداب، 1999م
  10. ضيف، شوقي: تاريخ الأدب العربي (العصر الجاهلی )، ط: 24،دارالمعارف، القاهره، 2003م
  11. تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الأول)، ط:16،دارالمعارف، القاهره، 2004 م
  12. تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الثاني)، ط: 12،دارالمعارف، القاهره، 2001م
  13. الفاخوری، حنا، تاريخ الأدب العربي، ج سوم، انتشارات توس، تهران 1383 ﻫ
  14. فک ،يوهان: العربية (دراسات في اللغة واللهجات والأساليب ) ترجمه الدکتور: رمضان عبدالتواب، لاط، مکتبة الخانجي بمصر، القاهره، 1400 ﻫ
  15. قلقشندی، أبی العباس، صبح الأعشی فی صناعة الإنشاء،لاط، دارالکتب المصرية، القاهره ،1340 ﻫ
  16. کيلاني محمد: أثرالتشيع في الأدب العربي ، لاط،دارالعرب، القاهرة، 1995م
  17. المکی، الطاهر:مقدمة في الأدب الإسلامی المقارن، لانا، ط: 1، 1414 ﻫ
  18. نعمة، نهاد توفيق: الجن فی الأدب العربي،لاط، لانا. بيروت، 1960م
  19.