فرائض الصلاة
للصلاة فرائض وأركان تتركب منها حقيقتها، حتى إذا تخلف فرض منها لا تتحقق ولا يعتد بها شرعا.
وهذا بيانها:
.1- النية:
لقول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» رواه البخاري.
وقد تقدمت حقيقتها في الوضوء.
التلفظ بها:
قال ابن القيم في كتابه إعانة اللهفان: النية هي القصد والعزم على الشئ، ومحلها القلب لا تعلق بها باللسان أصلا، ولذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة في النية لفظ بحال، وهذه العبارات التي أحدثت عند افتتاح الطهارة والصلاة، قد جعلها الشيطان معتركا لاهل الوسواس يحبسهم عندها ويعذبهم فيها، ويوقعهم في طلب تصحيحها.
فترى أحدهم يكررها، ويجهد نفسه في التفظ، وليست من الصلاة في شئ.
.2- تكبيرة الاحرام:
لحديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» رواه الشافعي وأحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: هذا أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وصححه الحاكم وابن السكن، ولما ثبت من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله، كما ورد في الحديثين المتقدمين.
ويتعين لفظ «الله أكبر» لحديث أبي حميد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه ثم قال: «الله أكبر»، رواه ابن ماجه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
ومثله ما أخرجه البزار بإسناد صحيح على شرط مسلم، عن علي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال: «الله أكبر».
وفي حديث «المسئ في صلاته» عند الطبراني ثم يقول «الله أكبر».
.3- القيام في الفرض:
وهو واجب بالكتاب والسنة والاجماع لمن قدر عليه قال الله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}.
وعن عمر بن حصين قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة؟ فقال: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعل جنب» رواه البخاري.
وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء، كما اتفقوا على استحباب تفريق القدمين أثناءه.
والمراد بالقيام القيام للصلاة.
.القيام في النفل:
أما النفل، فإنه يجوز أن يصلي من قعود مع القدرة على القيام، إلا أن ثواب القائم أتم من ثواب القاعد، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة» رواه البخاري ومسلم.
العجز عن القيام في الفرض: ومن عجز عن القيام في الفرض صل على حسب قدرته، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وله أج ره كاملا غير منقوص.
فعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله وهو صحيح مقيم» رواه البخاري.
.4- قراءة الفاتحة:
في كل ركعة من ركعات الفروض والنفل: قد صحت الأحاديث في افتراض قراءة الفاتحة في كل ركعة، وما دامت الأحاديث في ذلك صحيحة صريحة فلا مجال للخلاف ولا موضع له ونحن نذكرها فيما يلي:
1- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، رواه الجماعة.
2- وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن - وفي رواية: بفاتحة الكتاب - فهي خداج هي خداج غير تمام» رواه أحمد والشيخان.
3- وعنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب» رواه ابن خزيمة بإسناد صحيح، ورواه ابن حبان وأبو حاتم.
4- وعند الدار قطني بإسناد صحيح «لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».
5- وعن أبي سعيد «أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر» رواه أبو داود، قال الحافظ وابن سيد الناس: إسناده صحيح.
6- وفي بعض طريق حديث المسئ في صلاته: «ثم اقرأ بأم القرآن» إلى أن قال له: «ثم افعل ذلك في كل ركعة».
7- ثم الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ الفاتحة في كل ركعة من ركعات الفرض والنفل، ولم يثبت عنه خلاف ذلك، ومدار الأمر في العبادة على الاتباع.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه البخاري.
.البسملة:
اتفق العلماء على أن البسملة بعض آية في سورة النمل، واختلفوا في البسملة الواقعة في أول السور إلى ثلاثة مذاهب مشهورة.
الأول: أنها آية من الفاتحة ومن كل سورة وعلى هذا فقراءتها واجبة في الفاتحة وحكمها حكم الفاتحة في السر والجهر، وأقوى دليل لهذا المذهب حديث نعيم المجمر، قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن» الحديث وفي آخره قال: والذي نفسي بيده أني لاشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان.
قال الحافظ في الفتح: وهو أصح حديث ورد في الجهر بالبسملة.
الثاني: أنها آية مستقلة أنزلت للتيمن والفصل بين السور، وأن قراءتها في الفاتحة جائزة بل مستحبة، ولا يسن الجهر بها.
لحديث أنس قال: «صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، وكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» رواه النسائي وابن حبان والطحاوي بإسناد على شرط الصحيحين.
الثالث: أنها ليست بآية من الفاتحة ولا من غيرها، وأن قراءتها مكروهة سرا وجهرا في الفرض دون النافلة، وهذا المذهب ليس بالقوي.
وقد جمع ابن القيم بين المذهب الأول والثاني فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر {ببسم الله الرحمن الرحيم} تارة، ويخفيها أكثر مما يجهر بها، ولا ريب أنه لم يجهر بها دائما في كل يوم وليلة خمس مرات أبدا، حضرا وسفرا، ويخفي ذلك على خلفائه الراشدين وعلى جمهور أصحابه وأهل بلده في الاعصار الفاضلة.
.من لم يحسن فرض القراءة.:
قال الخطابي: الاصل أن الصلاة لا تجزئ، إلا بقراءة فاتحة الكتاب، ومعقول أن قراءة فاتحة الكتاب على من أحسنها دون من لا يحسنها، فإذا كان المصلي لا يحسنها ويحسن غيرها من القرآن، كان عليه أن يقرأ منه قدر سبع آيات، لأن أولى الذكر بعد الفاتحة ما كان مثلها من القرآن، وإن كان ليس في وسعه أن يتعلم شيئا من القرآن، لعجز في طبعه أو سوء في حفظه، أو عجمة في لسانه. أو عاهة تعرض له، كان أولى الذكر بعد القرآن ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم، من التسبيح والتحميد والتهليل.
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل الذكر بعد كلام الله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» انتهى.
ويؤيد ما ذكره الخطابي من حديث رفاعة بن رافع، أن النبي صلى الله عليه وسلم علم رجلا الصلاة فقال: «إن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فأحمده وكبره وهلله ثم اركع». رواه أبو داود والترمذي وحسنه.
والنسائي والبيهقي.
.5- الركوع:
وهو مجمع على فرضيته، لقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا}.
بم يتحقق: يتحقق الركوع بمجرد الانحناء، بحيث تصل اليدان إلى الركبتين، ولا بد من الطمأنينة فيه، لما تقدم في حديث المسئ في صلاته «ثم اركع حتى تطمئن راكعا» وعن أبي قتادة.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته فقالوا: يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها أو قال: لا يقيم صلبه في الركوع والسجود» رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح الاسناد.
وعن أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود» رواه الخمسة وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والبيهقي، وقال: إسناده صحيح.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، يرون أن يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود.
وعن حذيفة: أنه رأى رجلا لا يتم الركوع والسجود فقال له: ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري.
.6- الرفع من الركوع والاعتدال قائما مع الطمأنينة:
لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم «وإذا رفع رأسه استوى قائما حتى يعود كل فقار إلى مكانه» رواه البخاري ومسلم.
وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «فكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما» رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: «ثم ارفع حتى تعتدل قائما» متفق عليه.
وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده» رواه أحمد، قال المنذري: إسناده جيد.
.7- السجود:
وقد تقدم ما يدل على وجوبه من الكتاب وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله للمسئ في صلاته: «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا».
فالسجدة الأولى والرفع منها. ثم السجدة الثانية مع الطمأنينة في ذلك كله فرض في كل ركعة من ركعات الفرض والنفل.
.حد الطمأنينة:
الطمأنينة المكث زمنا ما بعد استقرار الاعضاء، قدر أدناها العلماء بمقدار تسبيحة.
.أعضاء السجود:
أعضاء السجود: الوجه، والكفان، والركبتان، والقدمان.
فعن العباس ابن عبد المطلب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه» رواه الجماعة إلا البخاري.
وعن ابن عباس قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعرا ولا ثوبا: الجبهة، واليدين والركبتين والرجلين.
وفي لفظ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة - وأشار بيده على أنفه - واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين» متفق عليه.
وفي رواية: «أمرت أن أسجد على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب، الجبهة، والانف، واليدين، والركبتين، والقدمين» رواه مسلم والنسائي.
وعن أبي حميد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، رواه أبو داود والترمذي وصححه، وقال: والعمل على هذا عند أهل العلم: أن يسجد الرجل على جبهته وأنفه.
فإن سجد على جبهته دون أنفه، فقال قوم من أهل العلم: يجزئه، وقال غيرهم: لا يجزئه حتى يسجد على الجبهة والأنف.
.8- القعود الأخير وقراءة التشهد فيه:
الثابت المعروف من هدى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقعد القعود الأخير يقرأ فيه التشهد، وأنه قال للمسئ في صلاته: «فإذا رفعت رأسك من آخر سجدة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك».
قال ابن قدامة: وقد روي عن ابن عباس أنه قال: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا: السلام على الله، ولكن قولوا: التحيات لله»، وهذا يدل على أنه فرض بعد أن لم يكن مفروضا.
.أصح ما ورد في التشهد:
أصح ما ورد في التشهد تشهد ابن مسعود، قال: «كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا السلام على الله قبل عباده، السلام على فلان وفلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن إذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض. أو بين السماء والأرض. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم ليختر أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به» رواه الجماعة.
قال مسلم: أجمع الناس على تشهد ابن مسعود، لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضا، وغيره قد اختلف أصحابه.
وقال الترمذي والخطابي وابن عبد البر وابن المنذر: تشهد ابن مسعود أصح حديث في التشهد، ويلي تشهد ابن مسعود في الصحة تشهد ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن، وكان يقول «التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» رواه الشافعي ومسلم وأبو داود والنسائي.
قال الشافعي: ورويت أحاديث في التشهد مختلفة، وكان هذا أحب إلي، لأنه أكملها.
قال الحافظ: سئل الشافعي عن اختياره وتشهد ابن عباس فقال: لما رأيته واسعا وسمعته عن ابن عباس صحيحا، وكان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره أخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح.
وهناك تشهد آخر اختاره مالك، ورواه في الموطأ عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات والصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
قال النووي: هذه الأحاديث في التشهد كلها صحيحة، وأشدها صحة باتفاق المحدثين حديث ابن مسعود ثم ابن عباس.
قال الشافعي: وبأيها تشهد أجزأه، وقد أجمع العلماء على جواز كل واحد منها.
.9- السلام:
ثبتت فرضية السلام من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله.
فعن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» رواه أحمد والشافعي وأبو داود وابن ماجه والترمذي.
وقال: هذا أصح شيء في الباب وأحسن.
وعن عامر بن سعد عن أبيه قال: «كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده» ورواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه.
وعن وائل بن حجر قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
وعن شماله: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام رواه أبو داود بإسناد صحيح.
.وجوب التسليمة الواحدة واستحباب التسليمة الثانية:
يرى جمهور العلماء أن التسليمة الأولى هي الفرض، وأن الثانية مستحبة.
قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمه واحدة جائزة.
وقال ابن قدامة في المغني: وليس نص أحمد بصريح في وجوب التسليمتين، إنما قال: التسليمتان أصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجوز أن يذهب إليه في المشروعية لا الايجاب، كما ذهب إلى ذلك غيره، وقد دل عليه قوله في رواية: وأحب إلي التسليمتان، ولان عائشة وسلمة بن الاكوع وسهل بن سعد قد رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة، وكان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة وفيما ذكرناه جمع بين الاخبار وأقوال الصحابة في أن يكون المشروع والمسنون تسليمتين، والواجب واحدة، وقد دل على صحة هذا الاجماع الذي ذكره ابن المنذر، فلا معدل عنه.
وقال النووي: مذهب الشافعي والجمهور من السلف والخلف أن يسن تسليمتان.
وقال مالك وطائفة: إنما يسن تسليمة واحدة، تعلقوا بأحاديث ضعيفة لا تقاوم هذه الأحاديث الصحيحة، ولو ثبت شيء منها حمل على أنه فعل ذلك لبيان جواز الاقتصار على تسليمة واحدة.
وأجمع العلماء الذين يعتد بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة، فإن سلم واحدة استحب له أن يسلمها تلقاء وجهه، وإن سلم تسليمتين جعل الأولى عن يمينه والثانية عن يساره. ويلتفت في كل تسليمة، حتى يرى من عن جانبه خده.
هذا هو الصحيح إلى أن قال: ولو سلم التسليمتين عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه، أو الأولى عن يساره والثانية عن يمينه، صحت صلاته، وحصلت تسليمتان، ولكن فاتته الفضيلة في كيفيتهما