علم المعانى : الوصل والفصل
(الوصل): عطف جملة على اُخرى بالواو.
و(الفصل): الإتيان بالجملة الثانية بدون العطف.
فمن الوصل قوله تعالى: (يا أيُّها الذين آمنوا اتَّقوا الله وكونوا مع الصادقين)(1).
ومن الفصل قوله تعالى: (ولاتستوي الحسنة ولا السيّئة ادفع بالّتي هي أحسن)(2).
والبلاغة في الوصل أن تكون بالواو، دون سائر العواطف.
ويشترط في العطف بالواو وجود الجامع الحقيقي بين طرفي الاسناد، أو الجامع الذهني.
فالحقيقي نحو: (يقرأ زيد ويقرأ عمرو) فإن القراءة والكتابة متوافقتان، وزيد وعمرو كذلك.
والذهني نحو: (بخل خالد وكرم بكر) فإن االمتضادّين كالبخل والكرم بينهما جامع ذهني، لانتقال الذهن من أحدهما إلى الآخر.
ولا يجوز(3) أن يقال: ( جاء محمد وذهبت الريح) لعدم الجامع بين محمد والريح، ولا: (قال علي وصاح معاوية) لعدم الجامع بين القول والصياح ـ كذا قالوا ـ.
موارد الوصل
ويقع الوصل في ثلاثة مواضع:
1 ـ إذا اتّحدت الجملتان في الخبرية والإنشائية، لفظاً ومعنىً، أو معنى فقط، مع المناسبة بينهما، وعدم مقتضى الفصل.
فالخبريتان نحو قوله تعالى: (إنّ الابرار لفي نعيم وإنَّ الفجّار لفي جحيم)(4).
والإنشائيتان نحو قوله سبحانه: (واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئاً)(5).
والمختلفتان نحو قوله تعالى: (إنّي اُشهد الله واشهدوا أنّي بريء ممّا تُشرِكون)(6).
فالجملة الثانية وإن كانت انشائية لفظاً، لكنها خبرية معنى.
2 ـ دفع توهّم غير المراد، فإنه إذا اختلفت الجملتان خبراً وإنشاءاً، ولكن كان الفصل موهم خلاف المراد وجب الوصل، كقولك في جواب من قال: (هل جاء زيد): (لا، وأصلحك الله) فإنك لو قلت: (لاأصلحك الله) توهّم الدعاء عليه، والحال أنك تريد الدعاء له.
3 ـ أذا كان للجملة الاولى محل من الاعراب، وقصد مشاركة الثانية لها، قال تعالى: (إنّ الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله)(7) حيث قُصد اشتراك (يصدّون) لـ (كفروا) في جعله صلة.
موارد الفصل
الأصل في الجمل المتناسقة المتتالية أن تعطف بالواو، تنظيماً للّفظ، لكن قد يعرض ما يوجب الفصل، وهي أمور:
1 ـ أن تكون بين الجملتين اتّحاد تامّ، حتى كأنهما شيء واحد، والشيء لا يعطف على نفسه، قال تعالى: (أمدكم بما تعلمون أمدّكم بأموال وبنين)(8).
2 ـ أن تكون الجملة الثانية لرفع الإبهام في الجملة الاولى، قال تعالى: (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدُلّك على شجرة الخلد)(9).
3 ـ أن تكون الجملة الثانية مؤكدة للأولى، قال تعالى: (وما هم بمؤمنين يخادعون الله)(10).
وهذه الموارد الثلاثة تسمى لما يكون بين الجملتين فيها من الإتّحاد التام بـ: كما الاتصال.
4 ـ أن يكون بين الجملتين اختلاف تامّ في الخبر والإنشاء أو اللفظ والمعنى، أو المعنى فقط، قال الشاعر: (وقال رائدهم: اُرسوا نُزاولها...).
5 ـ أن لايكون بين الجملتين مناسبة في المعنى ولا ارتباط، بل كل منهما مستقل، كقوله:
انّما المرء بأصــغريه كلّ امرىء رهن بما لديه
وهذان الموردان يسميان لما بين الجملتين من الاختلاف التامّ بـ: كمال الانقطاع.
6 ـ أن يكون بينهما شبه كمال الإتصال، بأن تكون الجملة الثانية واقعة في جواب سؤال يفهم من الجملة الاولى، فتفصل عن الاولى كما يفصل الجواب عن السؤال، قال تعالى: (وما اُبرّىءُ نفسي إنَّ النفسَ لأمّارة بالسوء)(11).
7 ـ أن يكون بينهما شبه كمال الإنقطاع، بأن تسبق الجملة جملتان، بينهما وبين الاولى مناسبة، ويفسد المعنى لو عطفت على الثانية، فيترك العطف، دفعاً لتوهّم كونها معطوفة على الثانية، كقوله:
وتظنّ سلمى أنّني أبغي بها بدلاً، أراها في الضلال تهيم
فـ(أراها) يفسد لو عطف على مظنون سلمى ولذا يترك العطف.
8 ـ أن تكون الجملتان متوسطة بين الكمالين مع قيام المانع من العطف، بأن تكون بينهما رابطة قوية، ولكن منع من العطف مانع: وهو عدم قصد التشريك في الحكم، قال تعالى: (وإذا خلوا الى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنَّما نحن مستهزِءون الله يستهزىء بهم)(12).
فجملة (الله يستهزىء بهم) لايصح عطفها على جملة (إنّا معكم) لاقتضاء العطف أنه من مقول المنافقين، والحال أنه دعاء عليهم من الله.
كما أنه لا يصح عطفها على جملة (قالوا) لاقتضاء العطف مشاركتها لها في التقييد بالظرف، وان استهزاء الله بهم مقيّد بحال خلوّهم إلى شياطينهم، والحال أن استهزاء الله غير مقيّد بهذه الحال، ولذا يلزم الفصل دون الوصل.
واعلم: أن مباحث هذا الباب مغلقة كثيرة، والبسط في المطوّلات.
1 ـ التوبة: 119.
2 ـ فصّلت: 34.
3 ـ أي لايكون من البلاغة.
4 ـ الانفطار: 13ـ14.
5 ـ النساء: 36.
6 ـ هود: 54.
7 ـ الحج: 25.
8 ـ الشعراء: 132-133.
9 ـ طه: 120.
10 ـ البقرة: 8-9.
11 ـ يوسف: 53.
12 ـ البقرة: 14 ـ 15.