باب الصلاة : ترك الصلاة
ترك الصلاة جحودا بها وإنكارا لها كفر وخروج عن ملة الإسلام، بإجماع المسلمين.
أما من تركها مع إيمانه بها واعتقاده فرضيتها، ولكن تركها تكاسلا أو تشاغلا عنها، بما لا يعد في الشرع عذرا فقد صرحت الأحاديث بكفره ووجوب قتله.
أما الأحاديث المصرحة بكفره فهي:
1- عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة» رواه أحمد ومسلم، وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
2- وعن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» رواه أحمد وأصحاب السنن.
3- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ذكر الصلاة يوما فقال: «من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف» رواه أحمد والطبراني وابن حبان، وإسناده جيد.
وكون تارك المحافظة على الصلاة مع أئمة الكفر في الاخرة يقتضي كفره.
قال ابن القيم: تارك المحافظة على الصلاة، إما أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته أو تجارته.
فمن شعله عنها ماله فهو مع قارون ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسته ووزارته فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف.
4- وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: «كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الاعمال تركه كفر غير الصلاة» رواه الترمذي والحاكم على شرط الشيخين.
5- قال محمد بن نصر المروزي: سمعت إسحاق يقول: «صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن تارك الصلاة كافر» كان رأي أهل العلم، من لدن محمد صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
6- وقال ابن حزم: وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة «أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد» ولا نعلم لهؤلاء الصحابة مخالفا. ذكره المنذري في الترغيب والترهيب.
ثم قال: قد ذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة، متعمدا تركها، حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء رضي الله عنهم.
ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، والحكم بن عتيبة وأبو أيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وغيرهم رحمهم الله تعالى.
أما الأحاديث المصرحة بوجوب قتله فهي:
1- عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة.عليهن أسس الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان» رواه أبو يعلى بإسناد حسن.
وفي رواية أخرى: «من ترك منهن واحدة بالله كافر ولا يقبل منه صرف ولا عدل وقد حل دمه وماله».
2- وعن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل» رواه البخاري ومسلم.
3- وعن أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا يا رسول الله: ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا» رواه مسلم.
جعل المانع من مقاتلة أمراء الجور الصلاة:
4- وعن أبي سعيد قال: بعث علي - وهو على اليمن - إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة فقسمها بين أربعة، فقال رجل يا رسول الله: اتق الله. فقال: «ويلك!! أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله!» ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال لا: «لعله أن يكون يصلي» فقال خالد: وكم من رجل يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم» مختصر من حديث للبخاري ومسلم.
وفي هذا الحديث أيضا، جعل الصلاة هي المانعة من القتل، ومفهوم هذا، أن عدم الصلاة يوجب القتل.
رأي بعض العلماء الأحاديث المتقدمة ظاهرها يقتضي كفر تارك الصلاة وإباحة دمه، ولكن كثيرا من علماء السلف والخلف، منهم أبو حنيفة، مالك، والشافعي، على أنه لا يكفر، بل يفسق ويستتاب، فإن لم يتب قتل حد أعند مالك والشافعي وغيرهما.
وقال أبو حنيفة: لا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي، وحملوا أحاديث التكفير على الجاحد أو المستحل للترك، وعارضوها ببعض النصوص العامة كقول الله تعالى: «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء».
وكحديث أبي هريرة عند أحمد ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لكل نبي دعوة مستجابة.فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة، فهي نائلة - إن شاء الله - من مات لا يشرك بالله شيئا» وعنه، عند البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله، خالصا من قلبه».
مناظرة في تارك الصلاة:
ذكر السبكي في طبقات الشافعية أن الشافعي وأحمد رضي الله عنهما تناظرا في تارك الصلاة.
قال الشافعي: يا أحمد أتقول: إنه يكفر؟ قال: نعم.
قال: إذا كان كافرا فبم يسلم؟ قال: يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
قال الشافعي: فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه.
قال: يسلم بأن يصلي.
قال: صلاة الكافر لا تصح، ولا يحكم له بالإسلام بها.
فسكت الإمام أحمد، رحمهما الله تعالى.
تحقيق الشوكاني:
قال الشوكاني: والحق أنه كافر يقتل.
أما كفره، فلان الأحاديث قد صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم، وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة، فتركها مقتض لجواز الاطلاق، ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها المعارضون، لانا نقول: لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة، ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرا، فلا ملجئ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها.
على من تجب؟ تجب الصلاة على المسلم العاقل البالغ، لحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» رواه أحمد وأصحاب السنن والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، وحسنه الترمذي.