علم البيان : الكناية
(الكناية) من (كَنَيْت) أو (كنَوْت) بكذا عن كذا، إذا تركت التصريح به.
وهي في اللّغة: التكلّم بما يريد به خلاف الظاهر.
وفي الاصطلاح: لفظ أريد به غير معناه الموضوع له، مع إمكان إرادة المعنى الحقيقي، لعدم نصب قرينة على خلافه.
وهذا هو الفرق بين المجاز والكناية، ففي الأول لا يمكن ارادة الحقيقي لنصب القرينة المضادّة له، بخلاف الثاني.
نعم قد يمتنع المعنى الحقيقي لخصوص المورد، كقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)(1) فإنه كناية عن القدرة والإستيلاء، ويمتنع المعنى الحقيقي، لامتناع كونه تعالى جسماً.
ومثال الكناية: (فلان كثير الرماد) تريد انه كريم، للتلازم في الغالب بين الكروم وبين كثرة الضيوف الملازمة لكثيرة الرماد من الطبخ.
أقسام الكناية
تنقسم الكناية إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ الكناية عن الصفة، نحو (طويل النجاد) كناية عن طول القامة.
2 ـ الكناية عن الموصوف، نحو قوله:
فلما شربناها ودبّ دبيبهـــا إلى موطن الأسرار قلت لها قفي
أراد بموطن الأسرار: القلب.
3 ـ الكناية عن النسبة، كقوله:
إن السماحة والمروة والندى في قبة ضربت على ابن الحشرج
فإن تخصيص هذه الثلاثة بمكان ابن الحشرج يتلازم نسبتها إليه.
الكناية القريبة والبعيدة
ثم إن الكناية عن الصفة تكون على قسمين:
1 ـ قريبة، وهي التي لا يحتاج الإنتقال فيها إلى اعمال روية وفكر، لعدم الواسطة بينها وبين المطلوب.
2 ـ بعيدة، وهي التي يحتاج الإنتقال فيها إلى اعمال روية وفكر، لوجود الواسطة بينها وبين المطلوب.
فمثال الأول: (طويل النجاد) فإن النجاد حمائل السيف، وطوله يستلزم طول القامة بلا واسطة.
ومثال الثاني: (كثير الرماد) فكثرة الرماد تستلزم الكرم لكن بواسطة، لأنّ كثرة الرماد ملازمة لكثرة الإحراق، وهي ملازمة لكثرة النار والطبخ، وهي ملازمة لكثرة الضيوف، وهي ملازمة للكرم، المقصود(2).
الكناية باعتبار اللوازم
تنقسم الكناية باعتبار اللوازم والسياق إلى أربعة أقسام:
1 ـ التعريض، وهو أن يطلق الكلام ويراد معنى آخر يفهم من السياق تعريضاً بالمخاطب، كقولك للمهذار: (إذا تمّ العقل نقص الكلام)(3).
2 ـ التلويح، وهو أن تكثر الوسائط بدون تعريض، نحو: (كثير الرماد) و( وجبان الكلب) و(مهزول الفصيل).
3 ـ الرمز، وهو أن تقل الوسائط مع خفاء في اللزوم بدون تعريض، كقولهم: (فلان متناسب الأعضاء) كناية عن ذكائه، إذ الذكاء الكثير في الجسم المتناسب، وقولهم: (هو مكتنز اللّحم) كناية عن قوّته وشجاعته.
4 ـ الإيماء وهو أن تقل الوسائط، مع وضوح اللزوم بلا تعريض، كقوله:
اليمــــن يتبــــع ظلــــه والمجد يمشي في ركابه
من فوائد الكناية
ولا يخفى: أن الكناية أبلغ من التصريح، وذلك لأنها تفيد اُموراً، منها:
1 ـ القوّة في المعنى، وذلك لأنّها كالدعوى مع البينة، إذ لو قيل (فلان كريم) سئل عن دليل ذلك؟ فاللازم أن يقال: بدليل كثرة رماده، فإذا ذكر أولاً أراح، وأتى بالدعوى مع البيّنة.
2 ـ التعبير عن أمور قد يتحاشى الانسان عن ذكرها احتراماً للمخاطب.
3 ـ الإبهام على السامع.
4 ـ تنزيه الاُذن عمّا تنبو عن سماعه.
5 ـ النيل من الخصم دون أن يدع له مأخذاً يؤاخذه به وينتقم منه.
وهناك أغراض كثيرة اُخرى تترتّب على الكناية لا تخفى على البليغ
1 ـ طه: 5.
2 ـ ومن الكناية البعيدة جداً، ما قاله بعضهم: (اريد من شفتك ضد الشرقي بالعربي والفارسي والقلب والتصحيف)، وتفصيله: (ضد الشرقي: غربي، عربي، ربيع، بهار، نهار، روز، يوم، موسى، شعر، شعر، بيت، دار، راد، زاد، توشه، بوسه) أي القبلة، وهي المراد.
3 ـ بحار الأنوار: 1 / 159 ب 4 ح 34.