السبت، 25 فبراير 2012

موسوعة الأدب العربى : الأدب فى العصر الأموى


الأدب فى العصر الأموى

بدأ العصر الأموى سنة 41 هـ بسيطرة معاوية بن أبى سفيان على الدولة الإسلامية ، ثم انتهى سنة 132 هـ ، بسقوط الدولة الأموية، وقيام الدولة العباسية، وانتقال الخلافة إلى بغداد
وضح حال كل من الشعر والنثر في العصر الأموي ؟
مرّ الشعراء بحالة من الركود في العصر الإسلامي، ولما قامت الدولة الأموية انطلق الشعر مزدهرًا مرة أخرى في كل المجالات كما كان في العصر الجاهلى بسبب تعدد الأحزاب السياسية وكثرة المفاخرة بين الشعراء ، بالإضافة إلى فساد الحكم وإطلاق حرية التعبير فازدهر شعر الغزل بنوعيه: العفيف والصريح، وظهر شعر النقائض على ألسنة الشعراء
تقدم النثر في العصر الإسلامي على الشعر لنزول القرآن نثراً وكذلك الحديث الشريف وقد استمر ازدهار النثر في العصر الأموى، وتعددت فنونه نظرًا لتعدد الأحزاب السياسية في هذا العصر وشدة الصراع بينها، وحاجة كل حزب إلى متحدثين بارعين في فن القول يؤيدون مبادئه ويهدمون مبادئ غيره
ما مظاهر تطور النثر في العصر الأموى؟
( أ ) تنوع الرسائل ( الديوانية والخاصة) وتعدد أغراضها .
( ب ) ظهور مجالس أدبية في قصورا لخلفاء والأدباء تدور حول النقد الأدبي .
( ج ) وضوح أثر القرآن الكريم والحديث الشريف في النثر الأموى من : البدء بالبسملة وحمد الله والصلاة والسلام على وسوله ، ( صلى الله عليه وسلم ) وكثر الاستشهاد بالآيات والأحاديث
ما الأسباب التى أدت إلى ازدهار الشعر في العصر الأموى؟
من هذه الأسباب مأتى
( أ ) ظهور الأحزاب السياسية .
( ب ) عودة العصبية القبلية .
( ج ) التنافس بين الشعراء
( د ) حياة الترف وكثرة مجالس اللهو والغناء
ظهرت أغراض شعرية جديدة وتطورت أغراض أخرى قديمة. وضح ذلك
من الأغراض الشعرية الجديدة التى ظهرت في العصر الأموي (الشعر السياسي) بسبب كثرة الأحزاب السياسية، والصراع من أجل الحكم . ومن نماذج هذا الشعر قصائد الفرز دق وجرير والكميت وغيرهم .
* ومن الأغراض الشعرية القديمة التى تطورت في العصر الأموي (الغزل الحضري أو الصريح- الغزل البدوي أو العفيف- شعر النقائض)
ما ذا تعرف عن كل من الغزل الحضرى والغزل البدوي ؟
( أ ) الغزل الحضرى أو الصريح، كما في شعر عمر بن أبى ربيعة، ومن عوامل ازدهاره :
1- حياة الترف التى عاشها الشعراء .
2- انتشار الغناء في عواصم البلاد العربية .
3- انصراف كثير من شعراء الحجاز عن السياسة واهتمامهم بالغزل .

بعد انتهاء الخلافة الراشدية وانتشار الاسلام خارج الجزيرة العربية انتقل الكثير من القبائل العربية الى المدن الواقعة في الاطار الجغرافي للدولة الاسلامية. في بدايات العصر الاموي وانتقال العاصمة الى دمشق، لم ترغب الكثير من القبائل بالانتقال اليها وذلك بسبب تواجد مركز القوة فيها وفضلوا الانتقال الى المدن التي يكون تأثير الخليفة فيها اضعف خاصة ان عدد منهم في صراع معاوية مع علي بن ابي طالب وقفوا الى جانب هذا الاخير. كما ان الحروب المستمرة على الحدود الشمالية حدت من امكانية التبادل التجاري مع بيزانطية وبالتالي الى خسائر مادية ليست بالقليلة. لذلك فضلت هذه القبائل الانتقال الى مدن العراق الغنية نظرا للامكانيات الزراعية الكبيرة التي وفرتها الظروف الطبيعية من ري وارض خصبة. وقد ادى غنى هذه المدن الى استقطاب الكثير من الشعراء الذين امتهنوا حرفة الكتابة.
ادى الانتقال من الحياة البدوية الى الحياة الحضرية في البصرة والكوفة ثم لاحقاً في  دمشق الى تغيرات كبيرة في الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والادبي وتطورت  الحياة الفكرية لتشمل الخلفاء والحاشية، من امراء وكبار موظفي الدولة واشراف المدن بغض النظر عن منشئهم.
ورغم الاستمرار في النقل الشفوي للشعر الا ان الكثير من الشعر كان ينقل كتابيا. فمنذ منتصف القرن الثامن الميلادي بدأت كتابة الشعر على الورق الذي تم استيراده من الصين اولا قبل ان تبدأ صناعته في خرسان فدمشق.
كانت البصرة أحد المراكز المهمة في الحياى الادبية وخاصة الشعرية وبقيت تتنافس على مركز السيادة في العالم العربي مع الكوفة وليومنا هذا ، فبالبصرة سكن فحول الشعر في العصر الأموي ، الفرزدق . وامتاز شعر البصرة دائماً بالرقة والعذوبة والتجديد عكس الشعر الكوفي الذي امتاز بالمتانة والمحافظة ، وبقيت هذه الخاصية متأصلة إلى يومنا هذا. وكما اشتهرت مكة في الجاهلية بسوق عكاظ فقد اشتهرت البصرة بالمربد ، بل ان المربد كان اعظم اثراً واكبر مساحةً وأطول عمراً من سوق عكاظ بعشرات المرات ، ولم يكن أثره يقتصر على مدينة البصرة فحسب وانما امتد وانتشر صيته إلى كل العالم الإسلامي . فكان المدرسة التي نما فيها الشعر، وبنيت فيها قواعد اللغة العربية، وتم إثراء الفقه من خلاله، وتخرج منها الكثير من الشعراء والأدباء والفقهاء واللغويون. من المربد تخرج فطاحل العصر الاموي من الشعراء امثال جرير والفرزدق، بشار بن برد ولاحقاً وأبو النؤاس ، الفراهيدي وسيبويه، وغيرهم من قمم أعلام اللغة والشعر والفقه.
في العصر الاموي ازدهر الشعر بشكل كبير. وكان اكثر الشعراء في بداية العصر الاموي ينتسبون في معظمهم الى القبائل العربية الشهيرة التي قدمت من شبه الجزيرة العربية كالاخطل والفرزدق وجرير. ولعل اهم ما في هذه الفترة من عوامل اثرت على الشعر كان الرعاية  الرسمية له من قبل الخلفاء والامراء وقادة الجيش وايضاً وجهاء القبائل. فساعدت هذه الرعاية على توسيع الرقعة الجغرافية لانتشار الشعر وايضا تطور مواضيعه وادواته. فكانت العطايا حافزا مهما في ظهور قصائد المدح الجليلة وايضا في اعطاء شعر الغزل صفات اكثر خصوصية مما كانت عليه في الفترة السابقة.
ولعل العامل المهم الثاني الذي ظهر في هذه الفترة كان احتراف مهنة الشعر، اذ امتهنه عدد لا بأس به من الشعراء. وكان للخليفة وغيره من كبار موظفي الدولة ووجهاء العشائر أثر في توجيه الشعر وتطوره ، وأكثر ما كان هذا الأثر في المحترفين من الشعراء وفي شعرهم وعبرهم.
اما مفهوم الاحتراف فقد عنى تنفيذ السياسة العامة للخليفة الذي ان يحق له التصرف مع الشعراء تمتماً كما يتصرف بقادته العسكريين وفق ما تقتضيه مصلحة الخلافة. اذ كان الخليفة يحدد الطريق الذي يسلكه الشاعر، ففقد فيه هذا الاخير جزءاً من اتجاهه الذاتي الخاص وصار هذا الاتجاه بيد (المعيش) وهو هنا الخلافة الأموية التي أستفاد أربابها من التباين الذي حدث بين وضع الشاعر المالي، وبين موقعه الاجتماعي المؤثر، ومن كونها مصدر الرزق. هذا الواقع هو الذي أفقد الكثير من الشعراء التعبير عن تجربتهم ومواقفهم الخاصة وجعل الشاعر المحترف يحصر نشاطه في التعبير عن مواقف الخليفة
التطور والتجديد في الشعر الاموي.
الافكار: تميزت الافكار عموما بوضوحها وعدم المغالاة في اخفائها وراء الكلمات. اهم المواضيع كانت الغزل العذري والاباحي والمديح والذم مثل المناظرات الكلامية الشهيرة بين جرير والفرزدق. كما كان هناك عدد من القصائد التي تناولت المواضيع الدينية ، خاصة وان عددا من الشعراء الذين عاصروا بداية الدعوة الاسلامية  كانوا لا يزالوا بين الاحياء.
العاطفة: حتى اللحظة لم يختلف الشعراء في رهافة عاطفيتهم وحساسيتها ولا في صورهم عن شعراء العصرين الجاهلي والراشدي فكانت الدافع المباشر الى القول وحددت موقف الشاعر ففتحت الباب الى نفس المتلقي وبعثت القصيدة فيها.
تشكل العاطفة الدعامة الاساسية للقصيدة وتكون أهم من الحقائق والافكار والهدف الرئسي منها اثارة الانفعال في نفوس القراء والسامعين بعرض الحقائق رائعة و تمتاز العبارة بالانتقاء والتفخيم والوقوف على مواطن الجمال كما تكون الصور الخيالية والصنعة البديعية والكلمات الموسيقية مظهر الانفعال العميق فاتت العبارة في القصيدة الاموية جزلة قوية ،اذا عبرت عن عاطفة قوية حية والعمل الأدبي هو صياغة هذه العناصر في وحدة متكاملة ،للتعبير عما يريد الاديب أن يقوله

الخطاب السياسى فى العصر الأموى
في العصر الاموي ( 40 – 132 هـ )(661 – 750 م) ازدهرت الخطبة بحيث كانت البوق الاعلامي للدولة الاموية وخصومها على السواء . والواقع ان الدولة الاموية وعصرها يمثلان نموذجا للعجب ، فتلك الدولة التي عاشت اقل من قرن هي التي امتدت فيها الفتوحات العربية فيما بين حدود الهند والصين شرقا إلى جبال البرانس جنوب فرنسا ، ودمرت اسطول البيزنطيين واحتلت بعض جزر البحر المتوسط .. هذا في الوقت الذي عاشت فيه الدولة الاموية حروبا هائلة في الداخل ضد خصومها من الخوارج والشيعة والموإلى والاقباط والبربر ، ومن الهاشميين والزبيريين وحتي من داخل الجيش الاموي نفسه ، مثل ثورة ابن الاشعث وثورة المهالبة ، وحتي من داخل البيت الاموي نفسه ، وهكذا إلى ان جاء الخطر الاكبر على الدولة متمثلا في الدعوة العباسية لتقضي على الدولة الاموية في ريعان شبابها بعد ان اجهدت نفسها في حروب داخلية وفتوحات خارجية .. وهذا الضجيج الحربي في الداخل والخارج يمكن ارجاعه إلى عامل اساسي هو قيام الامويين في تحويل الشوري الاسلامية (ديمقراطية العصر انذاك) الى حكم استبدادي قهري عنيف ، وتحويل الانتماء من الدين إلى الانتماء إلى العصبية العربية القبلية ، وقد حاول الامويون شغل المسلمين العرب عن هذا بالفتوحات، الا ان الخروج على الدولة استمر مقترنا بحركة الفتوحات احيانا مما ادي إلى اسقاطها في النهاية .. والدولة الاموية هي التي تمثل الثقافة العربية الاصيلة ، هذا اذا اعتبرنا الثقافة هي النمط السائد للسلوكيات والعادات والتقاليد الاجتماعية ، ولذلك ازدهر مع الضجيج الحربي والخلافات والثورات دخول اسلحة اخري في ميدان المعارك كان اهمها الشعر، والخطابة، وكانت مؤهلات القائد اذا كان الخليفة او واليا او ثائرا ان يتمتع بالشجاعة والكرم والفصاحة وتذوق الشعر ونظمه ، مثلما اعتاد العرب في صحرائهم. وتلك الحركة المستمرة في الغزو او في الثورة والمواجهات الداخلية لم تعط فرصة كافية لقيام حركة تدوين للافكار السائدة او المعارك الضارية ، لذلك فان التأريخ لهذه الدولة الاموية قد تم بعد سقوطها وفي عهد الخلافة العباسية المعروفة بعدائها الشديد للامويين. وغياب التدوين وعدم الاهتمام الكبير بالمراسلات الخطية اوسع مكانا هاما للخطبة الشفهية المعبرة عن الروح الاصيلة للعربي الذي كان يفاخر وقتها بفصاحته وشجاعته ، او بأنه يملك فصاحة اللسان وشجاعة السنان . ومن هنا يمكن القول بأن الخطبة كانت اهم عنصر دعائي في العصر الاموي للخليفة او الوالي او الثائر على السواء … بحيث يمكن التأريخ للعصر وتفسيره من خلال الكم الهائل من الخطب التي قيلت فيه وقامت بالدعاية لقائل الخطبة واتباعه . ونتج عن طغيان الهدف الدعائي على الخطبة ، ان تحولت الخطبة الدينية ( خطبة الجمعة ) إلى خطبة سياسية . وبعد زوال الدولة الاموية لم ينته تحويل خطب الجمعة إلى غرض سياسي ، بل اصبح من شعائر الاعتراف بالحاكم هو الدعاء له في خطبة الجمعة ، ولا زال ذلك ساريا حتي الان . وقد سبق ان خطبة الجمعة في عصر الرسول كانت قراءة القرآن وتفسيره، أي كانت خطبة دينية صرفة ، ولكن تحولت في الدولة الاموية إلى خطب سياسية صرفة.
 وبازدهار الخطب السياسية الدعائية فقد عرف العصر الاموي ما يمكن تسميته بالمناظرات الخطابية ، حيث كانت الخطبة تحل محل السلاح في موضع لا مجال فيه لاستعمال هذا الاخير، وحينئذ يتم التحارب بالخطب بديلا عن السلاح .
 وحدثت الكوارث في الدولة الاموية بتولي يزيد الخلافة بعد ابيه معاوية ، كأول عملية وراثة للحكم في تاريخ المسلمين ، بعد نظام الشورة. وكي يمهد معاوية لهذا الامر الخطير فقد اقام حركة دعائية ضخمة عن طريق ولاته وكبار اتباعه وقادته ، وجري في هذه الحركة ما يمكن تسميته بمهرجان الخطب التي تباري فيها المتحدثون في تزكية يزيد وتأييد ولايته.
 وفي المواقف الهامة في التاريخ الاموي اشتهرت بعض الخطب . ومنها خطبة معاوية بن يزيد بن معاوية حين اعلن تنازله عن الخلافة الامر الذي ادي إلى تفكك الدولة وحروب اهلية وموت الخليفة المعتزل نفسه ، وقد قال في خطبته ( قد ضعفت عن امركم ، ولم اجد لكم مثل عمر بن الخطاب لأستخلفه ، ولا مثل اهل الشورة، فأنتم اولي بأمركم فاختاروا من احببتم) . وكذلك خطبة عبد الملك بن مروان في اهل المدينة ( يا معشر قريش ، وليكم عمر بن الخطاب فكان فظا غليظا مضيقا علىكم فسمعتم له واطعتم ، ثم وليكم عثمان فكان سهلا لينا كريما فعدوتم علىه فقتلتموه ، وبعثنا علىكم مسلما يوم الحرة فقتلكم ، فنحن نعلم يا معشر قريش انكم لا تحبوننا ابدا وانتم تذكرون يوم الحرة ، ونحن لا نحبكم ابدا ونحن نذكر مقتل عثمان ).
واشتهر الحجاج بن يوسف الثقفي بالشدة مع الفصاحة ، وخطبه كثيرة ، منها خطبته حين قدم الكوفة فاتاها ملثما وصعد المنبر وحسر اللثام عن وجهه و انشد : انا ابن جلا وطلاع الثنايا متي اضع العمامة تعرفوني ثم بدأ يقول ( اني والله لأري ابصارا طامحة واعناقا متطاولة ،ورءوسا قد اينعت وحان وقت قطافها واني صاحبها ..). ومنها خطبة طارق بن زياد حين احرق السفن بعد ان عبر إلى اسبانيا ، ذلك المضيق الذي سمي باسمه فيما بعد ، قال ( ايها الناس : اين المفر ؟ البحر من ورائكم والعدو امامكم وليس لكم والله الا الصدق والصبر ، واعلموا انكم في هذه الجزيرة اضيع من الايتام في مأدبة اللئام ، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه في اسلحته واقواته الموفورة وانتم لا وزر لكم الا سيوفكم ولا اقوات لكم الا ما تستخلصونه من ايدي عدوكم ..). وهذا التأثير الكبير للخطبة في العصر الاموي وصل إلى سرير الزوجية في ليلة الزفاف ، يحكي شريح اشهر قاضي في العصر الاموي انه ليلة ان دخل بزوجته التميمية وخلا البيت يقول ( فمددت يدي ناحيتها فقالت : على رسلك يا ابا امية كما انت، ثم قالت : الحمد لله احمده واستعينه واصلي على محمد واله ، اني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآته وما تكرهه فازدجر عنه .. ، يقول القاضي ( فأحوجتني والله إلى الخطبة في ذلك الموضع ، فقلت الحمد لله احمده واستعينه واصلي على النبي واله وسلم ، وبعد فانك قد قلتي كلاما ان تثبتي عليه يكن ذلك حظك وان تدعيه يكن حجة عليك ، احب كذا ..).
هكذا نرى ان الخطابة السياسية وجدت جذورها وترعرت في اطار الدولة الاموية واصبحت الخطب مثالا يحتذى به في العصور اللاحقة
في الدراسة الاحصائية تم رصد اسماء  166 شاعرا اموياً كتبوا ما مجموعه 6100 قصيدة فاق عدد الابيات فيها الخمسين الفاً. وتذكر معظم الابحاث ان الشاعر الكميت بن زيد الاسدي كان اكثر الشعراء الامويين عطاءاُ اذ رصد له 701 قصيدة ثم تلاه الفرزدق الذي جمع له  604 قصائد جمعت 7235 بيتاً شعرياً بينما حل في المرتبة الثالثة جرير بعدد 583 قصيدة حوت5640 بيتاً ثم تلاهم كلا من عمر بن ابي ربيعة ومجنون ليلى والاخطل وابو الاسود الدؤلي ومعاوية بن ابي سفيان وولداه يزيد وعبد الله
لقد تم البحث في الشعر الأموي على أنه امتداد للتجربة الجاهلية ,و تطوره تحت تأثير التحولات الكبرى لهذا العصر , بظهور الدين الإسلامي ,والتبدل العام على النواحي الحياة , السياسية , والفكرية , والإجماعية. ومن ناحية  أخرى نراها بالحياة المدنية . ويتمثل التحول الشعري , إبان العصر الأموي , برأي الشاعر والباحث أدونيس في كتابه " الثابت والمتحول " في تجربتين : الأولى يسميها التجربة الذاتية , ويعني بها إعطاء الأولية للعالم الداخلي , عالم العواطف والرغبات والأهواء , على العالم الخارجي , عالم القيم الأخلاقية والاجتماعية ,آو على الأقل ,تغليب الأولى على الثانية . والثانية هي التجربة السياسية الأيدلوجية , ويعني بها التوحيد بين الشعر والفكر , آو اعتبار الشعر شكلا من أشكال الفكر .   ....... ويتابع فيقول : وإذا أمكن أن نربط التجربة الأولى بامرئ القيس , فمن الممكن أن نعتبر التجربة الثانية  امتداد لموقف الإسلام من الشعر , وللمنحى الذي يتمثل في شعر عروة بن الورد وحياته .

إذا صح القول أن الشعر في الجاهلية كان " ديوان العرب " وأنه لم يكن للعرب " علم أصح منه " , فأننا نستطيع أن نصف الشعر الجاهلي بأنه الأصل الأول للثقافة العربية . ولا يجوز أن يوحي هذا الوصف بأن الشعر الجاهلي نمط واحد , بخصائصه ومناحيه , ,انه بالتالي واحد في قضاياه وموضوعاته . ذلك أن دراسة هذا الشعر تؤكد ما يناقض ذلك .فلشعر الجاهلي شبكة من الخيوط والاتجاهات , وليس خيطاً وحيداً ....... وبرأي نفس الباحث : أن هذا التعدد تجلى ,بدءا من ظهور الإسلام , في اتجاهين : الأول يحافظ على القيم السائدة : القديمة التي أقرها الإسلام , والجديدة التي نشأت معه , والثاني يتمرد عليها ويخرج .

ويتابع بأن يصف شعراء التجربة الأولى أي التجربة الذاتية , بأنهم شعراء التمرد على القيم السائدة , وهي هنا , أو أخر , المنحى الذي يمثله امرؤ القيس , فان من الطبيعي أن نشير أولاً إلى مظاهر تمرده وخروجه , وخصوصاً أنه يمثل , في التراث العربي , النموذج الشعري الأول للخروج , أي التحول . تمرد الذات الشعرية وتطلعاتها : من خلال الدراسات المستفيضة على شعر هذا العصر , نلاحظ أن أهم التحولات والتغيرات التي طرأت على القصيدة ,كانت في منحاها الذاتي . حيث كان هناك توكيد على الصلة بين الشعر والحياة اليومية .... وخاصة جوانب  اللهو, واللذة من هذه الحياة . وهي التي تتجسد في شعر الحب , والخمرة ...

ونرى تعمق الحس المدني ,نتيجة الحياة الحضرية المترفة . كما في شعر عمر بن أبى ربيعه ,حيث ظهرت جمالية مدنية ,مقابل جمالية بدوية كانت . وهنا لابد من ملاحظة التمرد , ورفض القيم البدوية , والقيم الدينية الناشئة , والأخلاقية . فامتزجت القصيدة بالأغنية , حيث تم تلين اللغة الشعرية , وكتابة المقطوعات , والقصيدة ذات الموضوع الواحد , وكتابة الشعر بأوزان خفيفة , وإيقاعات سهلة .  بذلك اصبح الشعر تجربة ذاتية .

*_ لقد" وصل هذا المنحى الذاتي إلى أوجه الجمالي في شعر  ذي الرمة , والى أوجه الجنسي في شعر عمر بن أبي ربيعه , والى أوجه النفسي في شعر  جميل بثينة . فقد أعطى ذو الرمة اللغة الشعرية بعداً تصورياً لا عهد لها به , فأكمل بذلك ما بدأه أمرؤ القيس  , وفتح لمن سيأتي بعده العالم الشعري الحقيقي , وأعني به عالم المجاز . ففي شعره نتلمس البداية لاعتبار الشعر أكثر من مجرد تعبير عن الحياة , والنظر إليه كطاقة تكمل الحياة , وتضيف إليها ما لا تقدر عليه الطبيعة بذاتها .نتلمس بتعبير أخر , بدايات اعتبار إبداعا ,لا مجرد نقل وتفسير . وهكذا يضعنا شعره في أفق من المماثلات والمقابلات فيما بين عناصر الطبيعة وأشيائها , البدوية والحضرية ,الكونية  والذاتية , والجسدية والذهنية , بحيث تبدو الطبيعة كلها , على تباين عناصرها وتضادها , وحدة وجود ووحدة خيال . وفي هذا ما يحيد بالكلمات عما وضعت له أصلا , ويعطيها معاني جديدة وأبعادا جديدة .
والواقع أن شعر ذي الرمة يمثل مرحلة انتقال , أي مرحلة تجريب فهو انتقال بين اللغة الشعرية الواقعية , واللغة الشعرية المجازية ,وهو انتقال بين التقليد والتجديد , وهو انتقال بين الحساسية البدوية , والحساسية الحضرية . ولعل ذلك هو ما يفسر اضطراب النقاد في نظرتهم لشعره ."