الأحد، 12 فبراير 2012

شخصيات تاريخية - مسلمون - عمر بن عبد العزيز


عمر بن عبد العزيز

عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي القرشي، أَشَجُّ بني أمية وخامس خلفائها من الفرع المرواني، أمه أم عاصم بنت عاصم ابن عمر بن الخطاب، وجدته من بني هلال.
ولد عمرt بالمدينة، وقضى فيها معظم أيام شبابه ، فتأدب بآداب فقهائها واشتهر بالعلم والعقل على حداثة سنه، وعندما توفي أبوه عبد العزيز بعث إليه عبد الملك بن مروان، وخلطه بولده وقدّمه على كثير منهم، وزوّجه ابنته فاطمة.
لم تُشر المصادر إلى اشتراك عمر في الإدارة قبل أن يوليه الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة 87هـ/705م ولاية الحجاز بعد عزله هشامَ بن إسماعيل المخزومي حين ساءت سيرته، وقد اشترط عمر قبل أن يتولى الإمارة أن يُتركَ حرّاً في عمله، فقال له الوليد: اعمل بالحق وإن لم تدفع إلينا درهماً واحداً.
نزل عمر بن عبد العزيز حينما وصل إلى المدينة بدار جده مروان بن الحكم، ودعا عشرة من فقهاء المدينة وأخبرهم أنه دعاهم لأمر يؤجرون عليه، يكونون فيه عوناً على الحق، وأنه لايريد أن يقطع أمراً إلا برأيهم، أو برأي من حضر منهم، وأنهم إذا رأوا أحداً يتعدّى على ضعيف أو بلغهم عن عامل له ظلامة أن يبلغوه ذلك، وفي أثناء ولايته أعيد بناء مسجد الرسولr بأمر من الخليفة الوليد بن عبد الملك، الذي كتب إليه يأمره بهدم مسجد الرسولr وهدم بيوت أزواج الرسولr وإدخالها في المسجد، وأن يشتري الأبنية والأراضي التي تقع خلفه أو حوله حتى تغدو مساحته 200 ذراع في 200 ذراع ، وأن يدفع أثمان الأراضي والبيوت التي تحتاجها عملية التوسيع وإعادة البناء.
دامت ولاية عمر بن عبد العزيز على الحجاز حتى سنة 93هـ/711م، حينما عزله الوليد بتأثير من الحجاج، ذلك أن عمر بن عبد العزيز كان قد كتب إلى الوليد يخبره بعسف الحجاج (ظلم) أهل عمله بالعراق واعتدائه عليهم بغير حق ولا جناية، فكتب الحجاج إلى الوليد يذكر له «أن أهل الفساد وأهل الشقاق، قد جَلَوا عن العراق ولَجَؤوا إلى مكة والمدينة وأن ذلك وهن». على أن عزل عمر لم يؤثر في مكانته عند الخليفة لما عرف عنه من تقوى وتمسك بأهداب الدين.
تذكر الروايات أن عمر بن عبد العزيز كان وزير صدق للخليفة سليمان بن عبد الملك (96ـ 99هـ) الذي طلب منه إثر توليه الخلافة أن يأمره بكل ما فيه مصلحة العامة، ولما حضرت سليمانَ الوفاة، أراد أن يستخلف فلم يرَ في ولده ما يريد لصغر سنهم، فاستشار رجاء بن حيوة فيمن يعقد له، وكان رجاء صاحب أمره ومشورته، فأشار عليه بعمر بن عبد العزيز، فلما تفاقم مرضه، عهد عهداً لم يُطلع عليه أحداً إلاّ رجاء بن حيوة استخلف في عمر بن العزيز ويزيد بن عبد الملك من بعده، وطلب من كعب بن حامد صاحب شرطته، وكان مرافقاً له بدابق، أن يجمع إليه إخوته وعمومته وجميع أهل بيته وعظماء أجناد الشام وأن يحملهم على البيعة لمن سمي في ذلك الكتاب، وأن يضرب عنق من يأبى منهم أن يبايع.
بمبايعة عمر بن عبد العزيز خليفة للمسلمين سنة 99هـ، تبدأ مرحلة جديدة في حياته، يبتعد فيها عن كل مباهج الحياة، ويوجه اهتمامه كله إلى ما فيه مصلحة رعيته وإحلال الحق والمساواة والعدالة في أرجاء دولته التي كانت قد وصلت أقصى اتساع لها قبل توليه الخلافة، ومع قصر مدة خلافته التي دامت سنتين وخمسة أشهر، فإنه لم يترك أمراً من أمور الدولة إلا ونظر فيه وحاول أن يطبق الإجراءات والإصلاحات التي تعود بالخير على الرعية والدولة في الوقت نفسه.
خاطب عمر بن عبد العزيز الناس بعد توليه الخلافة موضحاً شروطه لمن يريد مصاحبته قائلاً: «من أراد أن يصحبنا فليصحبنا بخَمْس: يوصل إلينا حاجة من لا تصل إلينا حاجته، ويدلنا من العدل إلى ما لا نهتدي إليه، ويكون عوناً لنا على الحق، ويؤدي الأمانات إلينا وإلى الناس، ولا يغتب عندنا أحداً، ومن لا يفعل فهو في حرج من صحبتنا والدخول علينا».
ويستنتج من خطب عمر بن عبد العزيز وأقواله وكتبه إلى عماله، أنه اتخذ من سيرة جده عمر بن الخطاب مثلاً يُحتذى ويُسار على هديه، ولذا نجد في خلافته عودة إلى النظام المركزي الذي كان متبعاً في خلافة عمر ابن الخطاب لأنه كان يؤمن كجده أن المسؤولية أولاً وأخيراً هي مسؤولية الخليفة، ولذلك لم يعين والياً واحداً على العراق يكون المسؤول عن المشرق كله، وإنما عين لكل من الكوفة والبصرة ولاتها المسؤولين تجاهه، وارتبطت خراسان وسجستان وعمان بالخليفة مباشرة، وعين من قبله والياً على الأندلس على الرغم من أن العادة جَرَت على تعيين واليها من قبل والي إفريقيا، ثم إن عمر بن عبد العزيز شغل أهم المناصب الكبرى بعمال جدد، وعمد إلى تعيين عمال للخراج مسؤولين أمامه وليس أمام الولاة، كما أن منصب القاضي صار في عهده أكثر استقلالاً وأكبر شأناً مما كان، فقد جاء في كتابه إلى عقبة بن زرعة الطائي: «إنّ للسلطان أركاناً لايثبت إلا بها، فالوالي ركن، والقاضي ركن، وصاحب بيت المال ركن، والركن الرابع أنا». ولم يكن عمر يكتفي باختيار الرجال واستخدام أصلحهم وأكفئهم، بل كان يراقبهم مراقبة دقيقة، وما أكثر كتبه إلى العمال والولاة والأمراء يحثهم فيها على تقوى الله والمحافظة على الصلوات في وقتها، والعناية بالمدارسة ونشر العلم، والسير على كتاب الله وسنة رسوله، والاهتمام بشؤون الرعية.
لم يكن هَمُّ عمر الزيادة في اتساع رقعة الدولة؛ لأن أحوال الدولة في عهده اقتضت فترة من الاستقرار وتوقف الفتوح؛ حتى يدعم هذا الصرح العظيم الذي غدا يضم دولة مترامية الأطراف تمتد من حدود الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً ومن بحر آرال شمالاً إلى شلالات النيل السفلى جنوباً، لهذا أمر مسلمة بالعودة من القسطنطينية عندما رأى أن ظروف الجيش الإسلامي وقسوة شتاء سنة 99هـ أديا إلى هلاك الكثير من جند المسلمين، وأرسل إليه خيلاً عتاقاً وطعاماً كثيراً وحثّ الناس على معونتهم، وكتب إلى واليه عبد الرحمن بن نعيم بقُفول من وراء النهر من المسلمين بذراريهم نظراً لهجمات الأتراك المتكررة على المنطقة فلما رفض المسلمون العودة، كتب إلى واليه أن لايغزوَ بالمسلمين، فحسبهم الذي فتح الله عليهم، وكتب إلى واليه على سمرقند أن يبني خانات للمسلمين، وأن يقروا المسافرين المسلمين يوماً وليلة، وإذا كان المسافر مريضاً أن يقروه يومين وليلتين وإذا كان المسافر منقطعاً أن يقدموا له العون المادي حتى يصل إلى بلاده.
ونظراً لاهتمام عمر بن عبد العزيز برعيته، فإنه كان يقعد لحوائجهم يومه، فإذا أمسى وعليه بقيه من حوائجهم وصله بليلته، وعمد عمر إلى ردّ المظالم، فبدأ بنفسه وبأهل بيته فردّ ما كان بأيديهم من المظالم فمثلاً كان للوليد بن عبد الملك ابن يقال له روح وكان نشأ في البادية وكأنه أعرابي، فأتى ناس من المسلمين إلى عمر بن عبد العزيز يخاصمون روحاً في حوانيت بحمص كانت لهم، أقطعه إياها أبوه الوليد، فأمره عمر أن يردّ عليهم حوانيتهم، وأمر كعب بن حامد وهو على حرسه أن يخرج إلى روح فإن سلم الحوانيت فذلك وإن لم يفعل فليأته برأسه، وطلب من ولاته في العراق أن يردّوا المظالم إلى أهلها فردوها حتى نفد ما في بيت المال في العراق، فحمل إليهم عمر المال من الشام ـ وكتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم والي المدينة أن ينظر إلى كل ظلم أصاب مسلماً أو معاهداً، فيرده مظلمته، فإن كان أهل تلك المظلمة قد ماتوا أن يدفعه إلى ورثتهم.
ولعمر بن عبد العزيز إجراءات مالية تظهر أنه كان على درجة كبيرة من الوعي الاقتصادي فقد أصدر عام 100هـ قراراً بمنع العرب المسلمين من شراء أراضي الخراج من أهل الذمة حتى لا تتحول إلى أراض عشرية، وفي الوقت نفسه أبقى الأراضي الخراجية التي كان المسلمون قد اشتروها قبل سنة 100 بيدهم على العشر وجعل سنة 100هـ حداً فاصلاً لايجوز بعدها بيع أراض خراجية للمسلمين؛ لأنها فيء للمسلمين، ولأن وجوه إنفاق مال الفيء (الجزية والخراج وعشور التجارة من أهل الذمة وأهل الحرب) كانت تختلف عن وجوه إنفاق مال الصدقات وما يجني من أراضي العشر، وعن وجوه مال الخمس (خمس الغنائم التي للدولة) فإن عمر بن عبد العزيز جعل للفيء بيت مال على حده، وللصدقات بيت مال على حده وللخمس بيت مال على حده.
ساعدت سياسة عمر بن عبد العزيز على تحقيق انتشار واسع للإسلام؛ لأن عمر رغم كونه أموياً عربياً، فإنه كان رجل دولة مسلم أولاً، ومن ثم فقد كان همه الأول والأكبر إحداث تغيير في التركيب الاجتماعي للدولة الإسلامية عن طريق جمع رعايا الدولة كلها حول العقيدة الإسلامية وتطبيق مبادئها على جميع أفراد المجتمع من دون تمييز وإعطاء كل إنسان الحقوق نفسها مقابل أدائه الواجبات نفسها، ولذلك كانت الخطوة الأولى هي إقناع الرعايا غير المسلمين بالدخول في الإسلام، فكتب كما يقول البلاذري إلى ملوك ما وراء النهر يدعوهم للإسلام، فأسلم بعضهم، وكتب إلى ملوك الهند يدعوهم للإسلام على أن يملكهم ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وكانت بلغتهم سيرته ومذهبه فأسلم عدد منهم وتسمّوا بأسماء عرب، وولى الخليفة عمر، إسماعيل بن أبي المهاجر مولى بني مخزوم ولاية إفريقيا وبعث معه عشرة من التابعين أهل علم وفضل، وكان من أهم أعمال إسماعيل حرصه على نشر الإسلام بين قبائل البربر، وقد أخذ عن هؤلاء التابعين عدد كبير من أهل إفريقيا؛ لأنهم كانوا وافِري العلم، إذ انتشر صيتهم ووفد الناس من شتى النواحي للأخذ عنهم.
ويلاحظ أن عمر بن عبد العزيز في رسائله إلى عماله يتجنب استخدام كلمة الموالي للمسلمين غير العرب، وهذا يوحي أن عمر كان يحاول أن يؤكد أن هذا المجتمع الجديد يجب أن يكون مرتكزاً على كون الإنسان مسلماً، وأن تماسك الدولة الإسلامية لا يتطلب استيعاب رجال القبائل ضمن بنية الدولة فحسب، وإنما استيعاب الرعايا المسلمين على اختلاف أجناسهم، وتطبيقاً لهذه السياسة أكدّ عمر أن العطاء لا يوزع على العرب غير المسجلين في ديوان الجند، في حين يعطى للمسلمين من غير العرب إذا سجلوا في الديوان وانضموا إلى صفوف المقاتلة.
وكان لكتاب عمر إلى ولاته بترك الاستعانة بأهل الذمة في شؤون المسلمين تأثير في انتشار الإسلام، فقد جاء في كتابه: «فإن المسلمين استعانوا بهم في أول الأمر لعلمهم بالجباية والكتابة والتدبير، فكان لهم بذلك مدة قضاها الله»، ولذلك طلب من عماله عزل الكتاب والموظفين من أهل الذمة واستبدل بهم رجالاً مسلمين، ولذلك اعتنق الإسلامَ العمال والكتاب والموظفون الذين كانوا يريدون الاحتفاظ بوظائفهم.
ولكن عمر بن عبد العزيز في الوقت نفسه عامل أهل الذمة معاملة كريمة حسب ما تنص عليه قواعد الدين، وترك لهم حرياتهم الدينية وكنائسهم وبِيَعهم وكتب إلى عماله «بأن لا يهدموا كنيسة أو بَيْعة أو بيت نار صولحوا عليه»، وحينما كتب إليه واليه على الكوفة بأن قوماً من أهل القرى من الذمة إذا رفضوا دفع الخراج جلوا من أرض إلى أخرى، وأنه يقترح أن تجعل أراضيهم صافية للدولة، منعه عمر عن اتخاذ هذا الإجراء وقال له «… وما يجلو رجل عن أرضه إلاّ أن يُحّمل فوق طاقته … فتألف أهل الأرض فإن أراضيهم وبلادهم أحب إليهم من الجلاء إذا عُدل فيهم ورفق بهم».
توفى عمر بن عبد العزيز بعد أن نشر الأمن والسلام والرفاهية والعدل في أنحاء دولته رغم قصر مدة حكمه، واختلف الرواة في مكان وفاته، وإن كانوا قد اتفقوا على مكان دفنه، فبعض الروايات تذكر أنه توفى في خناصرة التي كان قد اتخذها مقراً له ودفن في منطقة دير سمعان، وبعضها تذكر أنه توفى في دير سمعان (شمالي سورية) ودفن فيها، ومع أن عمر بن عبد العزيز لم يجزل العطاء يوماً للشعراء، دلّت مراثيهم على محبتهم له وتقديرهم إياه.