القائم بأمر الله
القائم بأمر الله أبو جعفر عبدالله، هو أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله. من خلفاء الدولة العباسية. حكم من 422 هـ - 467 هـ. ولد في نصف ذي القعدة سنة 391هـ وأمه أم ولد أرمنية اسمها بدر الدجى.
الخلافة
ولي الخلافة عند موت أبيه في يوم الاثنين 11 من ذي الحجة سنة 422هـ وكان ولي عهده في الحياة وهو الذي لقبه بالقائم بأمر الله..
صفاته
قال ابن الأثير: كان جميلا مليح الوجه أبيض مشرباً حمرة حسن الجسم ورعاً ديناً زاهداً عالماً قوي اليقين بالله تعالى كثير الصدقة والصبر له عناية بالأدب ومعرفة حسنة بالكتابة مؤثراً للعدل والإحسان وقضاء الحوائج لا يرى المنع من شيء طلب منه.
القبض عليه
قال الخطيب: ولم يزل أمر القائم بأمر بالله مستقيماً إلى أن قبض عليه في سنة 445هـ. وكان السبب في ذلك أن ارسلان التركي المعروف بالبساسيري كان قد عظم أمره واستفحل شأنه لعدم نظرائه وانتشر ذكره وتهيبته أمراء العرب والعجم ودعى له على المنابر وجبي الأموال وخرب القرى ولم يكن القائم يقطع أمراً دونه ثم صح عنده سوء عقيدته وبلغه أنه عزم على نهب دار الخلافة والقبض على الخليفة فكاتب الخليفة أبا طالب محمد ابن مكيال سلطان الغز المعروف بطغرلبك وهو بالري يستنهضه في القدوم ثم أحرقت دار البساسيري.
حدث في خلافته
- في سنة 447هـ قدم طغرلبك فذهب البساسيري إلى الرحبة وتلاحق به خلق من الأتراك وكاتب صاحب مصر فأمده بالأموال وكاتب تبال أخا طغرلبك وأطمعه بمنصب أخيه فخرج تبال واشتغل به طغرلبك.
- في سنة 450هـ قدم البساسيري بغداد ومعه الرايات المصرية ووقع القتال بينه وبين الخليفة ودعي لصاحب مصر المستنصر بجامع المنصور وزيد في الأذان حي على خير العمل ثم خطب له في كل الجوامع إلا جامع الخليفة ودام القتال شهراً. ثم قبض البساسيري على الخليفة في ذي الحجة وسيره إلى غابة وحبسه بها.
- في 25 من ذي القعدة سنة 451هـ ظفر طغرلبك بأخيه وقتله ثم كاتب متولي غابة في رد الخليفة إلى داره مكرماً فحصل الخليفة في مقر عزة ودخل بأبهة عظيمة والأمراء والحجاب بين يديه. وجهز طغرلبك جيشاً فحاربوا البساسيري فظفروا به فقتل وحمل رأسه إلى بغداد ولما رجع الخليفة إلى داره لم ينم بعدها إلا على فراش مصلاه ولزم الصيام و القيام وعفا عن كل من آذاه ولم يسترد شيئاً مما نهب من قصره إلا بالثمن وقال: هذه أشياء احتسبناها عند الله ولم يضع رأسه بعدها على مخدة. ولما نهب قصره لم يوجد فيه شيء من آلات الملاهي. وروي أنه لما سجنه البساسيري كتب قصته وأنفذها إلى مكة فعلقت في الكعبة فيها: إلى الله العظيم من المسكين عبده اللهم إنك العالم بالسرائر المطلع على الضمائر اللهم إنك غني بعلمك وإطلاعك على خلقك عن إعلامي هذا عبد قد كفر نعمك وما شكرها وألغى العواقب وما ذكرها أضغاه حلمك حتى تعدى علينا بغياً وأساء إلينا عتواً وعدواً اللهم قل الناصر واعتز الظالم وأنت المطلع العالم المنصف الحاكم بك نعتز عليه وإليك نهرب من بين يديه فقد تعزز علينا بالمخلوقين ونحن نعتز بك وقد حاكمناه إليك وتوكلنا في أنصافنا منه عليك ورفعنا ظلامتنا هذه إلى حرمك ووثقنا في كشفها بكرمك فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين.
- في سنة 428هـ مات الظاهر العبيدي صاحب مصر وأقيم ابنه المستنصر بعده وهو ابن سبع سنين فأقام في الخلافة ستين سنة وأربعة أشهر. قال الذهبي: ولا أعلم أحداً في الإسلام لا خليفة ولا سلطاناً أقام هذه المدة وفي أيامه كان الغلاء بمصر الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف فأقام سبع سنين حتى أكل الناس بعضهم بعضاً وحتى قيل: أنه بيع رغيف بخمسين ديناراً.
- في سنة 443هـ قطع المعز بن باديس الخطبة للعبيدي بالمغرب وخطب لبني العباس.
- في سنة 451هـ كان عقد الصلح بين السلطان إبراهيم بن مسعود ابن محمود بن سبكتكين صاحب غزنة وبين السلطان جغري بك بن سلجوق أخي طغرلبك صاحب خراسان بعد حروب كثيرة ثم مات جغري بك في السنة وأقيم مكانه ابنه ألب ارسلان.
- في سنة 454هـ زوج الخليفة ابنته لطغرلبك بعد أن دافع بكل ممكن وانزعج واستعفى ثم لان لذلك برغم منه وهذا أمر لم ينله أحد من ملوك بني بويه مع قهرهم الخلفاء وتحكمهم فيهم.
- في سنة 455هـ قدم طغرلبك فدخل بابنة الخليفة وأعاد المواريث والمكوس وضمن بغداد بمائة وخمسين ألف دينار ثم رجع إلى الري فمات بها في رمضان، وأقيم في السلطنة بعده ابن أخيه عضد الدولة ألب أرسلان صاحب خراسان وبعث إليه القائم بالخلع والتقليد. قال الذهبي: وهو أول من ذكر بالسلطان على منابر بغداد وبلغ ما لم يبلغه أحد من الملوك وافتتح بلاداً كثيرة من بلاد النصارى واستوزر نظام الملك فأبطل ما كان عليه الوزير قبله عميد الملك من سب الأشعرية وانتصر للشافعية وأكرم إمام الحرمين و أبا القاسم القشيري و بني النظامية قيل: وهي أول مدرسة بنيت للفقهاء.
- في سنة 458هـ ولدت بباب الأزج صغيرة لها رأسان ووجهان ورقبتان على بدن واحد. وفيها ظهر كوكب كأنه دارة القمر ليلة تمامه بشعاع عظيم وهال الناس ذلك وأقام عشر ليال ثم تناقص ضوءه وغاب.
- في سنة 459هـ فرغت المدرسة النظامية ببغداد وقرر لتدريسها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فاجتمع الناس فلم يحضر واختفى فدرس ابن الصباغ صاحب الشامل ثم تلطفوا بالشيخ أبي إسحاق حتى أجاب ودرس.
- في سنة 460هـ كانت بالرملة الزلزلة الهائلة التي خربتها حتى طلع الماء من رؤوس الآبار وهلك من أهلها خمسة وعشرون ألفاً وأبعد البحر عن ساحله مسيرة يوم فنزل الناس إلى أرضه يلتقطون السمك فرجع الماء عليهم فأهلكهم.
- في سنة 461هـ احترق جامع دمشق وزالت محاسنه وتشوه منظره وذهبت سقوفه المذهبة.
- في سنة 462هـ ورد رسول أمير مكة على السلطان ألب ارسلان بأنه أقام الخطبة العباسية وقطع خطبة المستنصر المصري وترك الأذان بحي على خير العمل فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار وخلعاً. وسبب ذلك ذلة المصريين بالقحط المفرط سنين متوالية حتى أكل الناس الناس وبلغ الإردب مائة دينار وبيع الكلب بخمسة دنانير والهر بثلاث دنانير.
- في سنة 463هـ خطب بحلب للقائم للسلطان ألب ارسلان لما رأوا قوة دولتهما وإدبار دولة المستنصر. وفيها كانت وقعة عظيمة بين الإسلام والروم ونصر المسلمون ولله الحمد ومقدمه السلطان ألب أرسلان وأسر ملك الروم ثم أطلقه بمال جزيل وهادنه خمسين سنة. ولما أطلق قال السلطان: أين جهة الخليفة؟ فأشار له فكشف رأسه وأومأ إلى الجهة بالخدمة.
- في سنة 464هـ كان الوباء في الغنم إلى الغاية.
- في سنة 465هـ قتل السلطان ألب أرسلان وقام في الملك بعده ولده ملكشاه ولقب جلال الدولة ورد تدبير الملك إلى نظام الملك ولقبه الأتابك وهو أول من لقبه ومعناه الأمير الوالد. وفيها اشتد الغلاء بمصر حتى أكلت امرأة رغيفاً بألف دينار وكثر الوباء إلى الغاية.
- في سنة 466هـ كان الغرق العظيم ببغداد وزادت دجلة ثلاثين ذراعاً ولم يقع مثل ذلك قط وهلكت الأموال والأنفس و الدواب وركبت الناس في السفن وأقيمت الجمعة في الطيار على وجه الماء مرتين وقام الخليفة يتضرع إلى الله وصارت بغداد ملقة واحدة وانهدم مائة ألف دار أو أكثر.
وفاته
مات الخليفة القائم بأمر الله ليلة الخميس 13 من شعبان في سنة 467هـ، 4 أبريل 1075 وذلك أنه افتصد ونام فانحل موضع الفصد وخرج منه دم كثير فاستيقظ وقد انحلت قوته فطلب حفيده ولي العهد عبد الله بن محمد ووصاه ثم توفي ومدة خلافته خمس وأربعون سنة.
مات في عهده
مات في أيامه من الأعلام: أبو بكر البرقاني وأبو الفضل الفلكي والثعلبي المفسر والقدوري شيخ الحنفية وابن سينا شيخ الفلاسفة ومهيار الشاعر وأبو نعيم صاحب الحلية وأبو زيد الدبوسي والبرادعي المالكي صاحب التهذيب وأبو الحسين البصري المعتزلي ومكي صاحب الإعراب والشيخ أبو محمد الجويني والمهدوي صاحب التفسير والإفليلي والثمانيني وأبو عمرو الداني والخليل صاحب الإرشاد وسليم الرازي وأبو العلاء المعري وأبو عثمان الصابوني وابن بطال شارح البخاري والقاضي أبو الطيب الطبري وابن شيطا المقرئ والماوردي الشافعي والقضاعي صاحب الشهاب وابن برهان النحوي وابن حزم الظاهري والبيهقي وابن سيده صاحب المحكم وأبو يعلى بن الفراء شيخ الحنابله والحضرمي من الشافعية والهذلي صاحب الكامل في القراءات والفريابي والخطيب والبغدادي وابن رشيق صاحب العمدة وابن عبد البر.