الأربعاء، 22 فبراير 2012

علم البلاغة - علم البديع : المحسنات المعنوية


علم البديع : المحسنات المعنوية

التورية
التورية، وتسمّى ايهاماً وتخييلاً أيضاً، وهي أن يكون للّفظ معنيان: قريب وبعيد، فيذكره المتكلّم ويريد به المعنى البعيد، الذي هو خلاف الظاهر، ويأتي بقرينة لا يفهمها السامع غير الفطن، فيتوهّم انّه أراد المعنى القريب، نحو قوله تعالى: (وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنهار)(1) أراد من (جرحتم): ارتكاب الذنوب، وكقوله:
أبيات شعرك كالقصور ولا قصور بها يعوق          ومن العجائب لفظها حرّ ومعناها رقيق
فللرقيق معنيان: قريب وهو العبد. وبعيد: وهو من الرقة، والشاعر أراد الثاني، لكن الظاهر من مقابلته للحرّ إرادة العبد.
الإستخدام
الإستخدام: وهو أن يكون للّفظ معنيان فيطلقه المتكلّم ويريد به أحد المعنيين، ثم يذكر ضميره ويريد به المعنى الآخر، نحو قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)(2) أراد بالشهر أوّلاً: الهلال، ثمّ أعاد الضمير عليه وهو يريد أيّام الشهر المبارك، وكقوله:
إذا نزل السماء بأرض قوم ق          رعينـــاه وإن كـــانوا غضابا
أراد بالسماء: المطر، وبضميره في (رعيناه) النبات.
الإستطراد
الإستطراد: وهو أن يشرع المتكلّم في موضوع، ثم يخرج منه قبل تمامه إلى موضوع آخر، ثم يرجع إلى موضوعه الأول، كقوله:
وانّا لقوم لا نرى القتل سبّة ق          إذا ما رأته عامر وسلول
يقرّب حبّ الموت آجالنا لنـا ق          وتـــكرهه آجالهم فتـطول
أراد مدح قومه، ثم خرج قبل تمام كلامه إلى ذم عامر وسلول، ثم رجع في الشطر الثالث إلى ما بدأ به في الشطر الأول.
الإفتنان
الإفتنان: وهو الجمع بين فنّين من الكلام، كالمدح والذم، والتهنئة والتعزية، والغَزَل والحماسة، وأمثالها، كقوله: (عينه كالذئب لكن سنّه كالاقحوان... ).
وقوله: (فقلبي ضاحك والعين تبكي...).
وقوله:
فوددت تقبيل السيوف لأنها ق          لمعت كبارق ثغرك المتبسم
الطباق
الطباق: ويسمّى بالمطابقة وبالتطبيق وبالتطابق وبالتكافؤ وبالتضاد أيضاً، وهو: الجمع بين لفظين متقابلين في المعنى، ويكون على قسمين:
1 ـ طباق الايجاب: وهو ما لم يختلف فيه اللّفظان المتقابلان ايجاباً وسلباً، نحو قوله تعالى: (وانّه هو أضحك وأبكي)(3) وقوله سبحانه: (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء)(4).
2 ـ طباق السلب: وهو ما اختلف فيه اللفظان المتقابلان ايجاباً وسلباً فمثبت مرّة ومنفي اُخرى، نحو قوله تعالى: (فلا تخشون الناس واخشون)(5) وقوله سبحانه: (هل يستوي الّذي يعلمون والّذين لا يعلمون)(6).
المقابلة
المقابلة: وهي أن يؤتى بمعنيين أو معان متوافقة، ثم يؤتى بمقابلها على الترتيب، قال تعالى: (فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنُيسِّرهُ لليُسرى وأما من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى)(7) ونحو قوله:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ق          واقبـــح الكفــــرَ والإفلاس بالرجل
مراعاة النظير
مراعاة النظير: وتسمّى بالتوافق والإئتلاف والتناسب أيضاً وهو: الجمع بين أمرين أو أمور متناسبة، كقوله تعالى: (اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانو مهتدين)(8).
ومنها: ما بني على المناسبة في (المعنى) وذلك بأن يختم الكلام بما بدأ به من حيث المعنى، كقوله تعالى: (لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير)(9). فاللطيف يناسب عدم ادراك الابصار، والخبير يناسب ادراكه للأبصار.
ومنها: ما بني على المناسبة في (اللفظ) وذلك بأن يؤتى بلفظ يناسب معناه أحد الطرفين ولفظه الطرف الآخر، كقوله تعالى: (الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان)(10) فالنجم لفظه يناسب الشمس والقمر، ومعناه - وهو النبات الذي لا ساق له ـ يناسب الشجر.
الإرصاد
الإرصاد، ويسمّى التسهيم أيضاً وهو: أن يذكر قبل تمام الكلام - شعراً كان أو نثرا ـ ما يدل عليه إذا عُرف الرويّ، كقوله تعالى: (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)(11) فإنّ (يظلمون) معلوم من السياق، وكقول الشاعر:
احلّت دمي من غير جرم وحرّمت ق          بــلا سبب عـــند اللقاء كلامي
فـــليس الــــذي حـــلّلته بمــــحلّل ق          ولـــيس الــذي حــرَّمته بحرام
فإن (بحرام) معلوم من السياق.
أو يدل عليه بلا حاجة إلى معرفة الرويّ، نحو قوله تعالى: (ولكلّ أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)(12).
الإدماج
الإدماج: وهو أن يدمج في كلام سيق لمعنى، معنى آخر غير مصرّح به، كقوله:
وليل طويل لم أنم فيه لحظة ق          أعد ذنوب الدهر وهو مديد
فإنه أدمج تعداد ذنوب الدهر بين ما قصده من طول الليل.
المذهب الكلامي
المذهب الكلامي: وهو أن يؤتى لصحة الكلام بدليل مسلّم عند المخاطب، وذلك بترتيب المقدمات المستلزمات للمطلوب كقوله تعالى: (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم)(13) فإن المسلّم عند منكر البعث ان اعادة الموتى أهون من خلق السماوات والارض، ولذا جعله تعالى دليلاً على البعث. 
حسن التعليل
حسن التعليل: وهو أن يأتي البليغ بعلة طريفة لمعلول علّته شيء آخر، كقوله:
مـا بـه قتلُ أعاديه ولـكن ق          يتقي إخلاف ما ترجو الذئابُ
فإنه أنكر كون قتل أعاديه للغلبة وقطع جذور الفساد، وادعى له سبباً آخر، وهو: أن لا يخلف رجاء الذئاب التي تطمع في شبع بطونها.
التجريد
التجريد: وهو أن ينتزع المتكلّم من أمر ذي صفة أمراً آخر مثله في تلك الصفة، وذلك لأجل المبالغة في كمالها في ذي الصفة المنتزع منه، حتى كأنه قد صار منها، بحيث يمكن أن ينتزع منه موصوف آخر، وهو على أقسام:
1 ـ أن يكون بواسطة (الباء التجريدية) نحو: (شربت بمائها عسلاً مصفّى...). فكأن حلاوة ماء تلك العين الموصوفة وصلت إلى حدّ يمكن انتزاع العسل منها حين الشرب.
2 ـ أن يكون بواسطة (من التجريدية) كقوله:
لي منك أعداء ومنه أحبة ق          تـــالله أيّكمــــا إلـــيّ حبيب
فكأنه بلغ المخاطب إلى حدّ من العداوة يمكن أن ينتزع منه أعداء، وكذلك بلغ غيره من المحبّة بحيث ينتزع منه أحبة.
3 ـ أن لا يكون بواسطة، كقوله: (وسألت بحراً إذ سألته) جرّد منه بحراً من العلم، حتى أنه سأل البحر المنتزع منه إذ سأله.
4 ـ أن يكون بطريق الكناية، كقوله: (... ولا يشرب كأساً بكف من بخلا) أي: أنه يشربها بكفّ الجواد، جرّد منه جواداً يشرب هو بكفّه، وحيث أنّه لا يشرب إلاّ بكف نفسه، فهو إذن ذلك الكريم.
5 ـ أن يكون المخاطب هو نفسه، كقوله:
لا خيل عـندك تـهديها ولا مـال ق          فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
فإنّه انتزع وجرّد من نفسه شخصاً آخر وخاطبه فسمي لذلك تجريداً، وهو كثير في كلام الشعراء.
المشاكلة
المشاكلة: وهي أن يستعير المتكلّم لشيء لفظاً لايصح اطلاقه على المستعار له إلاّ مجازاً، وانما يستعير له هذا اللفظ لوقوعه في سياق ما يصح له، كما في الدعاء: (غيِّر سوء حالنا بحسن حالك)(14) فإن الله تعالى لا حال له، وانما استعير له الحال بمناسبة سياق (حالنا) وكقوله تعالى: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك)(15) فإن الله تعالى لا نفس له، وإنما عبّر بها للمشاكلة، وكقوله:
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ق          قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً
أي: خيّطوا لي جبّة وقميصاً، فأبدل الخياطة بلفظ الطبخ لوقوعها في سياق طبخ الطعام.
المزاوجة
المزاوج: وهي المشابهة وذلك بأن يزاوج المتكلّم ويشابه بين أمرين في الشرط والجزاء، فيرتب على كل منهما مثل ما رتب على الآخر، كقوله:
إذا قــال قولاً فأكّد فيه ق          تجانبت عنه وأكّدت فيه
رتب التأكيد على كل من قول المتكلّم وتجانب السامع.
الطي والنشر
الطي والنشر، ويسمّى اللّف والنشر أيضاً، وهو: أن يذكر أموراً متعددة، ثم يذكر ما لكل واحد منها من الصفات المسوق لها الكلام، من غير تعيين، اعتماداً على ذهن السامع في إرجاع كل صفة إلى موصوفها، وهو على قسمين:
1 ـ أن يكون النشر فيه على ترتيب الطي، ويسمّى باللّف والنشر المرتّب كقوله:
آرائهم ووجــوهم وسيوفهم ق          في الحادثات إذا دجون نــجوم
منها معالـم للهدى ومصابح ق          تجلو الدجى والأخريات رجـوم
فالآراء معالم للهدى، والوجوه مصابح للدجى، والسيوف رجوم.
2 ـ أن يكون النشر فيه على خلاف ترتيب الطي، ويسمّى باللّف والنشر المشوّش، نحو قوله تعالى: (فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربّكم ولتعلموا عدد السنين والحساب)(16) فابتغاء الفضل في النهار وهو الثاني، والعلم بالحساب لوجود القمر في اللّيل وهو الأول، فكان على خلاف الترتيب.
الجمع
الجمع: وهو أن يجمع المتكلّم بين أمرين أو أكثر في حكم واحد، كقوله تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)(17) وقوله سبحانه: (إنَّما الخمرُ والميسرُ ولأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه)(18)، وكقوله:
انّ الشباب والفراغ والجده ق          مفسدة للـمرء أيَّ مــفسدة
التفريق
التفريق: وهو أن يفرق بين أمرين من نوع واحد في الحكم، كقوله تعالى: (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اُجاج)(19). 
التقسيم
التقسيم: وهو أن يأتي بمتعدّد ثم يحكم على كل واحد منها بحكم، كقوله تعالى: (كذَّبتْ ثمود وعاد بالقارعة فأمّا ثمود فاُهلكوا بالطاغية وأما عاد فاُهلكوا بريح صرصر عاتية)(20).
وقد يطلق التقسيم على أمرين آخرين:
1 ـ على استيفاء أقسام الشيء، كقوله تعالى: (يهب لمن يشاء اُناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوّجهم ذكراناً واناثاً ويجعل من يشاء عقيماً)(21) فإنّ الامر لا يخلو من هذه الاقسام الأربعة.
2 ـ على استيفاء خصوصيات حال الشيء، كقوله تعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)(22).
الجمع والتفريق
الجمع والتفريق وهو أن يجمع بين أمرين في شيء واحد، ثم يفرق بينهما في ما يختص بكل واحد منهما، كقوله:
قلب الحبيب وصخر الصم من حجر ق          لكـــن ذا نــابع والقلـــب مغلوف
الجمع والتقسيم
الجمع والتقسيم: وهو أن يجمع بين متعّدد ثم يقسّم ما جمع، أو يقسم أولاً ثم يجمع، فالأول كقوله:
حتــى أقـام على أرباض خرشنة ق          تشقى به الــروم والصلبان والـبيع
للرق مـا نسلوا والقتل ما ولدوا ق          والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا
والثاني كقوله:
قــوم إذا حـاربوا ضروا عدوهم ق          أو حاولوا النفع في أشياعهم نفـعوا
سجية تلك فــيهم غــير مــحدثة ق          انّ الخلائق فــاعلــم شرّهــا الـــبدعُ
الجمع مع التفريق والتقسيم
الجمع مع التفريق والتقسيم: وهو أن يجمع بين أمرين في شيء واحد ثمّ يفرّق بينهما بما يخصّ كلّ منهما ثمّ يقسّم ما جمع، نحو قوله تعالى: (يوم يأتي لاتكلّم نفس إلاّ بإذنه فمنهم شقيّ وسعيد، فأمّا الّذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السماوات والارض إلاّ ما شاء ربّك انّ ربك فعّال لما يريد، وأمّا الّذين سُعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلاّ ما شاء ربّك عطاءاً غير مجذوذ)(23) جمع الانفس في عدم التكلّم ثمّ فرّق بينها بأن بعضها شقيّ وبعضها سعيد، ثم قسّم الشقي والسعيد إلى ما لهم هناك في الآخرة من الثواب والعقاب.
المبالغة
المبالغة: وهي الإفراط في الشيء، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ التبليغ، وهو أن يكون الإدعاء ممكناً عقلاً وعادة، كقوله:
جـــــــــــــاء رجـــــــــــال البلد ق          مــليكمـــهم كـــــــــــــالفرقـــــــد
فإن مجيْ جميع رجال البلد ممكن عقلاً وعادة.
أباد عسكرنا ما دب أو درجـــا ق          في أرض نجد وما فرد لهم برجا
فإن الإبادة ممكنة عقلاً، مستحيلة عادة.
2 ـ الغلو، وهو أن يكون الإدعاء مستحيلاً عقلاً وعادة، كقول الغالي:
ان الوصــــي هـو الإله وأنما ق          آياتــــــه احياء عظــــــم رمــــيم
فإن الوهية علي (عليه السلام) مستحيلة عقلاً وعادة.
المغايرة
المغايرة: وهي ـ أن، يمدح المتكلّم شيئاً ثم يذمّه، أو بالعكس، كقوله:
جـــزى الله الــحوادث منجيات ق          وأخـــزاها حــــوادث مـــاحــقات
فإن الحادثة قد ترفع الشخص وقد تضعه.
تأكيد المدح
تأكيد المدح بما يشبه الذمّ، وهو على ثلاثة أقسام:
1 ـ أن يأتي بمستــثـــنـــى فيه معنى المــــدح معمولاً لفعل فيـــه معنى الذمّ، نحو قوله تعالى: (وما تنقم منّا إلاّ أن آمنّا بأيات ربنا)(24).
2 ـ أن يستثني صفة مدح من صفة ذمّ منفية عن الشيء، نحو قوله:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ق          بــهنّ فلول من قـراع الكـــتائب
3 ـ أن يثبت صفة مدح لشيء ثمّ يأتي بعدها بأداة استثناء أو استدراك يعقبها بصفة مدح اُخرى، نحو قوله:
فتى كملت أوصـــافه غيـــر أنّه ق          جواد فما يبقى مــن المال باقياً
ونحو قوله في مثال الإستدراك:
وجوه كاظهار الـرياض نضارة ق          ولكــنها يــوم الهيـــاج صخــور
تأكيد الذمّ
تأكيد الذم بما يشبه المدح، وهو على قسمين:
1 ـ أن يثبت صفة ذمّ لشيء ثمّ يأتي بعدها بأداة استثناء أو استدراك يعقبها بصفة ذمّ اُخرى كقوله: (كله ذم سوى أنّ محياه قبيح(.
2 ـ أن يستثني صفة ذمّ من صفة مدح منفية عن الشيء، كقوله:
خلا مــــن الفضل غـــير أنّي ق          أراه فـــي الحُمـــق لا يجــــــارى 
التوجيه
التوجيه: وهو أن يؤتى بكلام يحتمل أمرين متضادين كالذمّ والمدح، والدعاء له وعليه، كقوله - في خيّاط اسمه عمرو، وكان أعور -:
خــــاط لــي عمــــــرو قبــاءأً ق          لـيــت عينيــــــــــه ســـــــــــواء
قلت شعــراً لــــــيس يــــدري ق          أمـــــــــديــــــــــح أم هجــــــــاء
والفرق بين التوجيه والتورية: أن التورية لا تكون إلا فيما له معنيان بأصل الوضع، بخلاف التوجيه.
نفي الشيء بإيجابه
نفي الشيء بإيجابه: وهو أن ينفعي شيئاً عن شخص فيوهم اثباته له في الجملة، نحو قوله تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله)(25).
وكقوله للخليفة:
لم يُشغَلَنْك عن الجهاد مكاسب ق          تــــرجو ولا لــــهو ولا أولاد
فإنه يوهم اشغال المكسب له في الجملة - كما في الأولاد - مع أنه لا كسب للخليفة.
القول بالموجب
القول بالموجب: وهو أن يحمل كلام الغير على خلاف مراده، كقوله:
وقــــالوا قد صفت مـــنّا قلوب ق          لـقد صدقوا ولكن عن ودادي
فإنهم أرادوا الخلوص له، فحمله الشاعر على الخلوّ من وداده.
ائتلاف اللّفظ والمعنى
ائتلاف اللفظ والمعنى: وهو أن يُختار للمعنى المقصود ألفاظ تؤديه بكمال الوضوح، كقوله ـ في الذمّ ـ:
ولو أن برغوثاً على ظهر قملـــــة ق          تـــكرّ علـــى صفيّ تميم لـــــــــولّت
وكقوله في المدح:
اذا مـــــا غضبنا غضبة مــــضرية ق          هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
التفريع
التفريع: وهو جعل الشيء فرعاً لغيره وذلك بأن يُثبت لمتعلّق أمر حكماً بعد أن يُشتبه لمتعلّق آخر على نحو يُشعر بالتفريع، كقوله:
طبّــــــــــــه يــــــــنفي الــــــمرض ق          فقهــــــه ينفــــــــــي البــــــــــدع
فله الله طبيباً وفقيهاً متّبع
الإستتباع
الإستتباع: وهو الوصف بأمر على وجه يستتبع الوصف بأمر آخر، مدحاً أو ذماً، مدحاً كقوله:
سمح البديهة لــيس يــمسك لفظه ق          فـــــــــــكأنما ألفاظه مـــــــــن ماله
وذمّاً، كقوله ـ في قاضٍ ردّ شهادته برؤية هلال شوال ـ:
أتــــــــــــــرى القاضــــي أعمــى ق          أم تــــــــــــــــراه يــــــــتعامـــــــــى
سرق العيـــــــــد كــــــــــــأنّ الـــ ق          عـــــــــــيد أمــــــوال اليتــــــامــــى
السلب والإيجاب
السلب والإيجاب: وهو أن يسلب صفة مدح أو ذم عن الجميع ليثبتها لمن قصد، فالمدح كقوله:
كـــــــل شخص لقـــيت فيــه هنـات ق          غـــــــير سلمى فخلقها من فضائل
والذم، كقوله: (لا أرى في واحد ما فيه من جمع الرذائل).
ويسمّى السلب والإيجاب: الرجوع أيضاً بمعنى العود على الكلام السابق بالنقض لنكتة، كقوله:
وما ضاع شعري عندكم حين قلته ق          بلــى وأبيكم ضـــاع فــــهو يضوع
الإبداع
الإبداع: وهو أن يكون الكلام مشتملاً على جملة من المحسنات البديعية، كقوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي مائك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقُضي الامر واستوت على الجوديّ وقيل بُعداً للقوم الظالمين)(26).
قيل: أنّه يوجد في هذه الآية الكريمة اثنان وعشرون نوعاً من أنواع البديع اشيرها إليها في المفصّلات.
وكقوله:
فضحتَ الحيا والبحر جوداً فقد بكى الـ ق          حــيا مـــن حـــــياء منك والتطم البحر
الأسلوب الحكيم
الأسلوب الحكيم: وهو اجابة المخاطب بغير ما سأل، تنبيهاً على كون الاليق هو السؤال عمّا وقع عنه الجواب، كقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للناس والحجّ)(27) فإنهم لّما لم يكونوا يدركون سبب اختلاف أشكال الهلال، اجيبوا بما ينبغي السؤال عنه، وهو فائدة اختلاف الأهلّة.
وكقوله:
قـــــلت: ثقلتُ إذ أتيتُ مـراراً ق          قـــــــال: ثقّلتَ كـاهلي بالأيادي
قلت: طوّلتُ، قال أوليتَ طَولاً ق          قلت: أبرمتُ، قال: حبل ودادي
تشابه الأطراف
تشابه الأطراف: وهو أن يكون بدء الكلام وختامه متشابهين لفظاً أو معنى:
الأول: وهو التشابه في اللــّفــــظ كقوله تعالى: (مثل نــــوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكبٌ درّيّ)(28).
الثاني: وهو التشابه في المعنى كقوله:
سم زعــــاف قـولـه وفعاله ق          عند البصير كمثل طعم العلقم
فإن العلقم يناسب السمّ في المذاق.
العكس
العكس: وهو أن يكون الكلام المشتمل على جزئين أو أكثر، في فقرتين، فيقدم ما أخّره في الفترة الأولى، ويؤخّر ما قدّمه، كقوله تعالى: (لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ)(29) وكقوله:
في هواكم يا سادتي متُّ وجداً ق          مـتُّ وَجداً يا سادتي في هـواكمُ
الهزل
الهزل: وهو أن يأتي بهزل يراد به الجدّ، كقوله:
إذا ما جاهلي أتاك مـــفاخراً ق          فقل: عَدّ عن ذا كيف أكلك العنب
الاطراد
الاطراد: وهو أن يأتي باسم من يقصده واسم آبائه على ترتيب تسلسلهم في الولادة بلا تكلّف في السبك، كقوله:
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ق          بعتيبة بن الحــارث بـن شهاب
ومنه قوله (صـــلى الله عليه وآله وسلم): الكريم ابن الـــكريـــم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم(30).
تجاهل العارف
تجاهل العارف: وهو أن يرى المتكلّم نفسه جاهلاً، مع أنه عالم، وذلك لنكتة كقوله: (أمنزل الأحباب ما لك موحشاً(...؟
أما إذا وقع مثل ذلك في كلام الله سبحانه، كقوله تعالى: (وما تلك بيمينك ياموسى)(31) أو في كلام أوليائه، فلا يسمّى بتجاهل العارف، بل يسمّى حينئذ: ايراد الكلام في صورة الإستفهام لغاية.

1 ـ الانعام: 60.
2 ـ البقرة: 185.
3 ـ النجم: 43.
4 ـ آل عمران: 26.
5 ـ المائدة: 44.
6 ـ الزمر: 9.
7 ـ الليل: 5 ـ 10.
8 ـ البقرة: 16.
9 ـ الانعام: 103.
10 ـ الرحمن: 5 ـ 6.
11 ـ العنكبوت: 40.
12 ـ الأعراف: 34.
13 ـ يس: 81.
14 ـ مستدرك الوسائل: 7/448 ب 14 ح 8623.
15 ـ المائدة: 116.
16 ـ الإسراء: 12.
17 ـ الكهف: 46.
18 ـ المائدة: 12.
19 ـ فاطر: 12.
20 ـ الحاقة: 4 ـ 6.
21 ـ الشورى: 49 ـ 50.
22 ـ المائدة: 54.
23 ـ هود: 105 ـ 108.
24 ـ الأعراف: 126.
25 ـ النور: 37.
26 ـ هود: 44.
27 ـ البقرة: 189.
28 ـ النور: 35.
29 ـ الممتحنة: 10.
30 ـ بحار الأنوار: 12/218 ب 9 ح 1.
31 ـ طه: 17.