عائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطئ )
بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن، وبنت الشاطئ هو الاسم المستعار الذي استقته من نهر النيل الذي تفتحت عيناها عليه حيث يقع بيت جدها على شاطئه، واختارته لتذيل به كتاباتها، فاشتهرت به. ولدت في مدينة دمياط بمصر، ونشأت في بيت علم ودين وتصوف، فقد كان أبوها عالماً أزهرياً وكانت أمها بنت الشيخ إبراهيم الدمهوجي الذي ولدت عائشة في بيته، وكان لهذه النشأة الأثر الكبير في تنمية مواهب عائشة وفي تحديد مسيرتها العلمية والأدبية. وهذا ما أكدته في حديث لها، فقالت: «لا ريب أن نشأتي في بيت علم ودين، وجهتني من بدء حياتي إلى الدرب الذي سرت فيه».
في سن الخامسة بدأت عائشة تحفظ آيات القرآن الكريم، وعندما حان زمن التحاقها بالمدرسة رفض أبوها لأنه كان يرى أن بنات المشايخ لا يخرجن إلى المدارس، وإنما يتعلمن في بيوتهن. وبعد محاولات مجهدة استطاع جدها أن يقنع والدها بالسماح لها بالذهاب إلى المدرسة، على شرط أن تتابع في البيت دراستها الدينية، وأن تنقطع عن المدرسة عند سن البلوغ.
تفوقت عائشة في دروسها المدرسية والبيتية إرضاءً لأبيها، ولما أتمَّت دراستها الابتدائية عاد الوالد إلى تعنته ورفض أن تواصل تعليمها في المدرسة. لكن جدّها استطاع على الرغم من عجزه الجسدي أن يلحقها بالمدرسة على كره من أبيها. وقد تحملت أمها بسببها قسوة الزوج وصلفه، وواجهت عنها «لطمات الرياح وهزات الموج، حتى أوصلتها إلى شط الأمان».
في بيت جدها، تعرفت عائشة عن طريق الصحف على الحياة العامة واطلعت على المشكلات التي تحدث في الواقع. وفي بداية الثلاثينات تواصلت مع الصحافة، فكتبت في مجلة النهضة النسائية والتقت صاحبتها السيدة لبيبة أحمد التي ألحقتها بالعمل معها. ونشرت مقالات عن الريف المصري وفلاحه في جريدة الأهرام، وبعد مدة أصبحت عضواً في أسرة التحرير.
عندما أتمت دراستها الثانوية، رغبت في الانتساب إلى مدرسة المعلمات، لكن والدها عاد من جديد إلى إصراره على حجزها في البيت. وحرصا على استمرار العلاقة بين أمها وأبيها، وكان جدها قد توفي، قبلت على مضض ودرست في البيت وتقدمت إلى الامتحان في طنطا، وكانت أولى الناجحات في مصر عام 1929م.
وفي عام 1934م نالت شهادة البكالوريا بعد دراسة شاقة ومتابعة دؤوب، واستطاعت في عام 1935م أن تدخل جامعة القاهرة بعد أن كانت تظن أن جميع الأبواب موصدة دونها. في عام 1939م نالت من كلية الآداب شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها ونالت شهادة الماجستير عام 1941م، وكانت عن «الحياة الإنسانية عند أبي العلاء المعري». وشهادة الدكتوراه عام 1950م وكانت في تحقيق «رسالة الغفران» للمعري.
ابتدأت بنت الشاطئ أول عمل لها في كلية البنات بالجيزة عام 1930م، بوظيفة كاتبة، ثم عملت مفتشة للغة العربية في وزارة التعليم بمصر 1943-1944م، ثم عينت أستاذة مساعدة بجامعة عين شمس من عام 1951-1961م وأستاذة كرسي ورئيسة قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في كلية الآداب بجامعة عين شمس عام 1962-1972م وأستاذة منتدبة للإشراف على بحوث الماجستير والدكتوراه في جامعة الأزهر عام 1968م، وعملت في جامعة السودان، وتونس، والمغرب، وبيروت، والرياض.
وتعد بنت الشاطىء مثالاً للمرأة المسلمة المفكرة، وقد وصفها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بأنها الوجه الإسلامي لمصر. وتعد أيضاً أحد الرموز الفكرية النسوية العربية التي تنتمي إلى عصر النهضة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. هذه النهضة التي شكلت وعي الإنسان العربي حضارياً وثقافياً وفكرياً واجتماعياً. وقد شاركت في بعض القضايا الاجتماعية، مثل: قضية المرأة وتحررها ومكانتها في الإسلام، وكتبت فيها عددا من المقالات الصحفية، وحصلت على جوائز وأوسمة عديدة في مصر وفي عدد من الدول العربية.
تزوجت بنت الشاطىء من أستاذها أمين الخولي الذي ساندها في مسيرة حياتها، وكان لها خير زوج وصديق، ورزقت منه بولد وابنتين. عانت الوحدة بعد وفاته ووفاة ابنها وإحدى ابنتيها، وهجرة ابنتها الثانية مع زوجها خارج مصر.
تمثل بنت الشاطىء ثقافة قرن بكامله، فقد عايشت الكثير من التحولات الثقافية والاجتماعية التي حصلت في القرن العشرين، وتأثرت بتوجهاتها الفكرية.
وتميزت بثراء إنتاجها العلمي والفكري والأدبي وتنوعه، فكتبت الدراسات القرآنية والفقهية والتاريخية والأدبية، كما كتبت المقالة الصحفية والسيرة الذاتية، وتركت تراثاً من الكتب المهمة في هذه المجالات، يذكر منها: «القرآن والتفسير العصري»، و«القرآن وقضايا الإنسان»، و«تراجم سيدات بيت النبوة» أم النبي، نساء النبي، السيدة زينب، السيدة سكينة، و«الشخصية الإسلامية» دراسة قرآنية، و«الخنساء»، و«تراثنا بين ماض وحاضر»، و«لغتنا والحياة»، و«قراءة جديدة في رسالة الغفران» نص مسرحي من القرن الخامس الهجري، و«الإسرائيليات في الغزو الفكري»، و«على الجسر» رحلة بين الحياة والموت. سجلت فيه جزءا من مذكراتها