الأحد، 18 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : العفة

العفة

معنى العفة لغة واصطلاحاً:
معنى العفة لغة:
تقول عَفَّ عن الحرام يعِف بالكسر عِفَّةٌ وعَفًّا وعَفَافَةً أي كفَّ فهو عَفُّ وعَفِيفٌ والمرأة عَفَّةٌ وعَفِيفَةٌ وأعَفَّهُ الله واسْتَعَفَّ عن المسألة أي عفَّ وتَعَفَّفَ تكلف العِفَّةَ.
والعِفّة الكَفُّ عما لا يَحِلّ ويَجْمُلُ عَفَّ عن المحارِم والأُطْماع الدَّنِية. والاسْتِعْفاف طلَبُ العَفافِ (1).
معنى العفة اصطلاحاً:
هي: (هيئة للقوة الشهوية متوسطة بين الفجور الذي هو إفراط هذه القوة والخمود الذي هو تفريطها فالعفيف من يباشر الأمور على وفق الشرع والمروءة) (2).
وقيل هي: (ضبط النّفس عن الشّهوات وقصرها على الاكتفاء بما يقيم أود الجسد ويحفظ صحّته فقط، واجتناب السّرف في جميع الملذّات وقصد الاعتدال) (3).
وقيل هي: (ضبط النّفس عن الملاذّ الحيوانيّة، وهي حالة متوسّطة من إفراط وهو الشّره وتفريط وهو جمود الشّهوة) (4).

(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (9/ 253). ((مختار الصحاح)) للرازي (4/ 1405)
(2) ((التعريفات)) للجرجاني (ص151).
(3) ((تهذيب الأخلاق)) للجاحظ (ص 21)
(4) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص 318)

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الأمر بالعفة
الأمر بالعفة في القرآن الكريم:
- قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ. [النور:30]
- وقال سبحانه: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور: 33]
(أي: ليطلب العفة عن الحرام والزنا الذين لا يجدون ما لا ينكحون به للصداق والنفقة، حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي: يوسع عليهم من رزقه) (1).
- وقال سبحانه: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور: 60]
(وقوله: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ أي: وترك وضعهن لثيابهن وإن كان جائزًا خير وأفضل لهن، والله سميع عليم) (2).
- وقال سبحانه: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة: 273]
(الْجَاهِل بحالهم أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ أي من تعففهم عن السؤال وقناعتهم يظن من لا يعرف حالهم أنهم أغنياء، والتعفف التفعل من العفة وهي الترك يقال: عف عن الشيء إذا كف عنه وتعفف إذا تكلف في الإمساك.
تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ السيماء والسيمياء والسمة: العلامة التي يعرف بها الشيء، واختلفوا في معناها هاهنا، فقال مجاهد: هي التخشع والتواضع، وقال السدي: أثر الجهد من الحاجة والفقر، وقال الضحاك: صفرة ألوانهم من الجوع والضر وقيل رثاثة ثيابهم، لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا قال عطاء: إذا كان عندهم غداء لا يسألون عشاء، وإذا كان عندهم عشاء لا يسألون غداء، وقيل: معناه لا يسألون الناس إلحافا أصلا لأنه قال: من التعفف، والتعفف ترك السؤال) (3).
- وقوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً [النساء:6]

(1) ((معالم التنزيل)) للبغوي (6/ 41).
(2) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 84)
(3) ((معالم التنزيل)) للبغوي (1/ 338).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،(أي: من كان في غُنْية عن مال اليتيم فَلْيستعففْ عنه، ولا يأكل منه شيئا. قال الشعبي: هو عليه كالميتة والدم) (1).
الأمر بالعفة في السنة النبوية:
- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)) (2).
(أي العفة من الزنا. قال الطيبي: إنما آثر هذه الصيغة إيذانا بأن هذه الأمور من الأمور الشاقة التي تفدح الإنسان وتقصم ظهره، لولا أن الله تعالى يعينه عليها لا يقوم بها، وأصعبها العفاف لأنه قمع الشهوة الجبلية المركوزة فيه، وهي مقتضى البهيمية النازلة في أسفل السافلين، فإذا استعف وتداركه عون الله تعالى ترقى إلى منزلة الملائكة وأعلى عليين) (3).
- وعن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم)) (4).
قال ابن عبد البر في شرحه لهذا الحديث: (اضمنوا لي ستا: من الخصال ((من أنفسكم)) بأن تداوموا على فعلها ((أضمن لكم الجنة)) أي دخولها ((اصدقوا إذا حدثتم)) أي لا تكذبوا في شيء من حديثكم إلا إن ترجح على الكذب مصلحة أرجح من مصلحة الصدق في أمر مخصوص كحفظ معصوم ((وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم)) (5). ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)) قال البيهقي ودخل فيه ما تقلد المؤمن بإيمانه من العبادات والأحكام وما عليه من رعاية حق نفسه وزوجه وأصله وفرعه وأخيه المسلم من نصحه وحق مملوكه أو مالكه أو موليه فأداء الأمانة في كل ذلك واجب ((واحفظوا)) أيها الرجال والنساء ((فروجكم)) عن فعل الحرام لثنائه تعالى على فاعليه بقوله وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ [الأحزاب: 35] ((وغضوا أبصاركم)) كفوها عما لا يجوز النظر إليه ((وكفوا أيديكم)) امنعوها من تعاطي ما لا يجوز تعاطيه شرعا فلا تضربوا بها من لا يسوغ ضربه ولا تناولوا بها مأكولا أو مشروبا حراما ونحو ذلك فمن فعل ذلك فقد حصل على رتبة الاستقامة المأمور بها في القرآن وتخلقوا بأخلاق أهل الإيمان) (6).
- وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أنه قال: ((إن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم. حتى إذا نفد ما عنده. قال: ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم. ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله. ومن يصبر يصبره الله. وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر)) (7).
قال ابن عبد البر: (فيه الحض على التعفف والاستغناء بالله عن عباده والتصبر وأن ذلك أفضل ما أعطيه الإنسان وفي هذا كله نهي عن السؤال وأمر بالقناعة والصبر) (8).
- وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: ((سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وقعدت فاستقبلني وقال: من استغنى أغناه الله عز وجل ومن استعف أعفه الله عز وجل ومن استكفى كفاه الله عز وجل ومن سأل وله قيمة أوقية، فقد ألحف فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقية فرجعت ولم أسأله)) (9).
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)) (10).
قال النووي رحمه الله: (أما العفاف والعفة فهو التنزه عما لا يباح والكف عنه والغنى هنا غنى النفس والاستغناء عن الناس وعما في أيديهم) (11).

(1) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 216).
(2) رواه الترمذي (1655)، والنسائي (3120)، وابن ماجه (2518). وحسنه الترمذي، والبغوي في ((شرح السنة)) (5/ 6)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/ 5).
(3) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (5/ 296).
(4) رواه أحمد (5/ 323) (22809)، وابن حبان (1/ 506)، والحاكم (4/ 399). وصحح إسناده الحاكم، وقال الذهبي في ((المهذب)) (5/ 2451): إسناده صالح. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (1095).
(5) رواه أحمد (5/ 323) (22809)، وابن حبان (1/ 506)، والحاكم (4/ 399). وصحح إسناده الحاكم، وقال الذهبي في ((المهذب)) (5/ 2451): إسناده صالح. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (1095).
(6) ((فيض القدير)) للمناوي (1/ 683)
(7) رواه البخاري (1469)، ومسلم (1053).
(8) ((التمهيد)) لابن عبد البر (10/ 133).
(9) رواه النسائي (2595)، وأحمد (3/ 9) (11075). وصحح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/ 329)، وجود إسناده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (5/ 401).
(10) رواه مسلم (2721).
(11) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (17/ 41).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في العفة
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (المروءة مروءتان: مروءة ظاهرة، ومروءة باطنة، فالمروءة الظاهرة الرياش، والمروءة الباطنة العفاف.) (1).
- وقال رضي الله عنه وهو على المنبر: (لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة الكسب؛ فإنكم متى كلفتموها ذلك كسبت بفرجها، ولا تكلفوا الصغير الكسب؛ فإنه إذا لم يجد يسرق، وعفوا إذا أعفكم الله، وعليكم من المطاعم بما طاب منها) (2).
- وقال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما: (نحن معشر قريش نعد الحلم والجود السؤدد، ونعد العفاف وإصلاح المال المروءة) (3).
- وقدم وفد على معاوية فقال لهم: (ما تعدون المروءة؟ قالوا: العفاف وإصلاح المعيشة، قال اسمع يا يزيد) (4).
- وقال محمد بن الحنفية (الكمال في ثلاثة: العفة في الدين، والصبر على النوائب، وحسن التدبير في المعيشة) (5).
- وقال عمر بن عبد العزيز: (خمس إذا أخطأ القاضي منهن خطة كانت فيه وصمة: أن يكون فهما حليما عفيفا صليبا، عالما سؤولا عن العلم) (6).
- وقال أيوب السختياني: (لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان: العفة عن أموال الناس، والتجاوز عنهم) (7).
- وقال الحسن البصري: (لا يزال الرجل كريماً على الناس حتى يطمع في دينارهم، فإذا فعل ذلك استخفوا به وكرهوا حديثه وأبغضوه)
- وقال الشافعي رحمه الله: (الفضائل أربع:
إحداها: الحكمة, وقوامها الفكرة.
والثانية: العفّة, وقوامها الشهوة.
والثالثة: القوة, وقوامها الغضب.
والرابعة: العدل, وقوامه في اعتدال قوى النفس).
- وقال أبو حاتم رحمه الله: (أعظم المصائب سوء الخلق والمسألة من الناس والهم بالسؤال نصف الهرم فكيف المباشرة بالسؤال ومن عزت عليه نفسه صغرت الدنيا في عينيه ولا ينبل الرجل حتى يعف عما في أيدي الناس ويتجاوز عما يكون منهم والسؤال من الإخوان ملال ومن غيرهم ضد النوال) (8).
- وعن المديني قال: (كان يقال مروءة الصبر عند الحاجة والفاقة بالتعفف والغنى أكثر من مروءة الإعطاء) (9).

(1) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 150).
(2) رواه مالك (2/ 981) (42)، والطحاوي في ((شرح المشكل)) (2/ 86) (622)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (11/ 89) موقوفًا على عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(3) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (2/ 215).
(4) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 150).
(5) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (329).
(6) رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (7163).
(7) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص 319).
(8) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 146).
(9) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 151).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقسام العفة
(العفة نوعان: أحدهما العفة عن المحارم والثاني العفة عن المآثم
فأما العفة عن المحارم فنوعان:
أحدهما: ضبط الفرج عن الحرام.
والثاني: كف اللسان عن الأعراض.
فأما ضبط الفرج عن الحرام فلأنه مع وعيد الشرع وزاجر العقل معرة فاضحة، وهتكة واضحة ... وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أحب العفاف إلى الله تعالى عفاف الفرج والبطن)) (1) ...
وأما العفة عن المآثم فنوعان: أحدهما: الكف عن المجاهرة بالظلم، والثاني: زجر النفس عن الإسرار بخيانة) (2).

(1) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (321).
(2) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص329) بتصرف.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،آثار وفوائد العفة
من آثار وفوائد العفة:
1 - أن من عف عن محارم الله لا تمسه النار:
قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة أعين لا تمسهم النار عين باتت تحرس في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين عفت عن محارم الله)) (1).
2 - سلامة المجتمع من الفواحش:
فالمجتمع الذي تتسم فيه العفة يكون بعيدا من الفواحش والرذائل.
3 - أن العفيف من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
4 - العفة سبب للنجاة من الابتلاءات والمضائق:
فقد جاء في قصة أصحاب الغار، الذين انطبقت عليهم الصخرة أن أحدهم توسل إلى الله بقوله: ((اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلي وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمئة دينار فطلبتها حتى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها فقالت اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت وتركت المئة دينار فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا ففرج الله عنهم فخرجوا)) (2).
5 - أن العفيف من أول من يدخل الجنة:
كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة: شهيد وعفيف متعفف ...)) (3).
6 - إعانة الله لمن أراد العفاف:
إن الله سبحانه وتعالى تكفّل بمقتضى وعده إعانة من يريد النكاح حتى يعف، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة حقّ على الله عزّ وجل عونهم: المكاتَب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله)) (4).

(1) رواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (19/ 416)، وأبو يعلى (1/ 186) من حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه. قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/ 191): رواته ثقات إلا أن أبا حبيب العنقري لا يحضرني الآن حاله. وقال الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1900): حسن لغيره.
(2) رواه البخاري (3465) من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(3) رواه الترمذي (1642) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وحسنه الترمذي، وابن حجر في ((تخريج المشكاة)) (4/ 16)، وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (3702).
(4) رواه الترمذي (1655)، والنسائي (3120)، وابن ماجه (2518). وحسنه الترمذي، والبغوي في ((شرح السنة)) (5/ 6)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/ 5).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،شروط العفة
ذكر الراغب الأصفهاني شروطاً للعفة في كتابه (الذريعة) وهي كالتالي:
1 - (أن لا يكون تعففه عن الشيء انتظارا لأكثر منه.
2 - أو لأنه لا يوافقه.
3 - أو لجمود شهوته.
4 - أو لاستشعار خوف من عاقبته.
5 - أو لأنه ممنوع من تناوله.
6 - أو لأنه غير عارف به لقصوره.
فإن ذلك كله ليس بعفة بل هو إما اصطياد، أو تطبب، أو مرض، أو خرم، أو عجز، أو جهل، وترك ضبط النفس عن الشهوة أذم من تركها عن الغضب.
فالشهوة مغتالة مخادعة، والغضب مغالب والمتحيز عن قتال المخادع أردأ حالا من المتحيز عن قتال المغالب. ولهذا قيل عبد الشهوة أذل من عبد الرق، وأيضا بالشره قد يجهل عيبه) (1).

(1) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص319) بتصرف.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،صور العفة
1 - العفة عما في أيدي الناس:
وهي أن يعف عما في أيدي الناس وعدم سؤالهم المسألة فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا وأتكفل له بالجنة)). فقال ثوبان أنا. فكان لا يسأل أحدا شيئا. (1).
2 - العفة عما حرم الله:
وهي أن يعف عن المحرمات والفواحش ونذكر هنا عفة نبي الله يوسف عليه السلام حيث وجدت دواعي الفتنة ولم يستسلم أمام التهديدات والإغراءات وقد (ذكر الله عن نبيه يوسف عليه السلام من العفاف أعظم ما يكون، فإن الداعي الذي اجتمع في حقه لم يجتمع في حق غيره، فكان شاب في ريعان الشباب، مكتمل الرجولة، رائع الفتوة، تدعوه إلى نفسها امرأة ذات منصب وجمال، والأبواب مغلقة، والسبل ميسرة كما حكى القرآن الكريم: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ [يوسف: 23].
فماذا كان موقفه أمام هذا الإغراء وتلك الفتنة التي تخطف الأبصار هل لانت نفسه فاستسلم وخان عرضا اؤتمن عليه؟ كلا إنما قال: مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف: 23].
ولقد حاولت امرأة العزيز بكيدها ومكرها وبكل ما لديها من ألوان الإغراء والتهديد أن تذيب من صلابته وتضعضع من شموخه، وأعلنت ذلك للنسوة في ضيق وغيظ: وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف: 32].
كانت فتنة بين ضمير المؤمن وخشيته الربانية ومغريات الإثم ففشلت المغريات وانتصر الإيمان) (2).
- نموذج آخر في العفة عما حرم الله، وهو جريج العابد؛ تتعرض له بغي من بغايا بني إسرائيل، فيعف نفسه ولم يلتفت إليها فتحاول أن تنتقم منه لامتناعه:
فقد روى مسلم في (صحيحه) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه (( ... تذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها فقالت إن شئتم لأفتننه لكم - قال - فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج. فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال ما شأنكم قالوا زنيت بهذه البغي فولدت منك. فقال أين الصبي فجاءوا به فقال دعوني حتى أصلي فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال يا غلام من أبوك قال فلان الراعي - قال - فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب. قال لا أعيدوها من طين كما كانت (3).
3 - كف اللسان عن الأعراض:
يجب على المسلم كف لسانه عن أعراض الناس، وأن لا يقول إلا طيباً فعن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) (4).
وعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال: قل ربي الله ثم استقم قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: هذا. (5)

(1) رواه أبو داود (1643)، وأحمد (5/ 276) (22428)، والحاكم (1/ 571). وصحح إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/ 39)، وصحح إسناده النووي في ((رياض الصالحين)) (237)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (1643).
(2) ((مسؤولية التربية الجنسية)) عبد الله علوان (ص85 - 86).
(3) رواه مسلم (2550).
(4) رواه البخاري (10).
(5) رواه الترمذي (2410)، وابن ماجه (3972)، وأحمد (3/ 413) (15457). قال الترمذي: حسن صحيح. وصحح إسناده الزيلعي في ((تخريج الكشاف)) (3/ 230)، وصححه الألباني في ((صحيح الترمذي)) (2410).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الوسائل المعينة للعفة
1 - أن يتقي الله في سره وعلانيته:
قال الله تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:3] ويقول تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر: 19] قال ابن عباس في قوله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ قال: (هو الرجل يكون بين الرجال، فتمر بهم امرأة فينظر إليها، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره) (1).
2 - أن يدعو الله بأن يصرف عنه السوء والفحشاء:
قال سبحانه وتعالى عن نبيه يوسف عليه السلام وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يوسف: 33]، قال ابن تيمية رحمه الله: (فلا بد من التقوى بفعل المأمور والصبر على المقدور كما فعل يوسف عليه السلام اتقى الله بالعفة عن الفاحشة وصبر على أذاهم له بالمراودة والحبس واستعان الله ودعاه حتى يثبته على العفة فتوكل عليه أن يصرف عنه كيدهن وصبر على الحبس) (2).
3 - تنشئة الأبناء على التربية الإسلامية:
التربية الإسلامية تغرس الفضيلة والعفة في الأبناء، وتربيهم على الالتزام بالأحكام الشرعية منذ صغرهم
4 - الزواج:
الزواج المبكر من أقوى الوسائل المعينة للعفاف، قال صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشاب من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)) (3).
5 - سد الذرائع التي تؤدي إلى الفساد:
- عدم الخلوة بالمرأة الأجنبية.
قال صلى الله عليه وسلم: ((الحمو الموت))، وقال: ((ما خلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)) (4).
قال ابن تيمية رحمه الله: (ولهذا حرمت الخلوة بالأجنبية لأنها مظنة الفتنة والأصل أن كل ما كان سببا للفتنة فإنه لا يجوز؛ فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة؛ ولهذا كان النظر الذي يفضي إلى الفتنة محرما إلا إذا كان لمصلحة راجحة مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما فإنه يباح النظر للحاجة لكن مع عدم الشهوة) (5).
- عدم التبرج:
قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33].
- الاستئذان عند الدخول:
وقد جعل الاستئذان من أجل البصر كما قال صلى الله عليه وسلم، وقال سبحانه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور: 27].
- غض البصر:
قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور: 30].
قال ابن القيم: (فلما كان غض البصر أصلا لحفظ الفرج بدأ بذكره ... وقد جعل الله سبحانه العين مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته) (6).

(1) ((تفسير القرآن)) لأبي المظفر السمعاني (5/ 13)
(2) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/ 131)
(3) رواه البخاري (5065)، ومسلم (1400) واللفظ له، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(4) رواه البخاري (5232)، ومسلم (2172).
(5) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/ 251)
(6) ((روضة المحبين)) لابن القيم (ص 92)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه)) (1).
وكما قال الشاعر:
كل الحوادث مبدؤها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها ... في أعين العين موقوف على الخطر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها ... فعل السهام بلا قوس ولا وتر
يسر ناظره ما ضر خاطره ... لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
- التفريق في المضاجع:
لابد من التفريق في المضاجع بين الإخوة، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)) (2).
قال بكر أبو زيد رحمه الله: (فهذا الحديث نص في النهي عن بداية الاختلاط داخل البيوت، إذا بلغ الأولاد عشر سنين، فواجب على الأولياء التفريق بين أولادهم في مضاجعهم، وعدم اختلاطهم، لغرس العفة والاحتشام في نفوسهم، وخوفاً من غوائل الشهوة التي تؤدّي إليها هذه البداية في الاختلاط، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه) (3).
6 - إقامة الحدود:
فإقامة الحدود تردع لمن تسول له نفسه أن يقوم بأمر حذر منه الشارع.

(1) رواه مسلم (2657).
(2) رواه أبو داود (495)، وأحمد (2/ 187) (6756) من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه. وصححه إسناده أحمد شاكر في ((تخريج المسند)) (11/ 36)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (298).
(3) ((حراسة الفضيلة)) لبكر أبو زيد (ص129).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،النبي صلى الله عليه وسلم نموذجاً في العفة:
- كان النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى درجات العفة، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة)) (1).
- وعنه أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي، ثم أرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها)) (2).
- وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق قال: ((لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها)) (3).

(1) رواه البخاري (1491)، ومسلم (1069).
(2) رواه البخاري (2432)، ومسلم (1070).
(3) رواه البخاري (2431).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج من عفة الصحابة رضي الله عنهم:
عفة حكيم بن حزام رضي الله عنه:
- عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه كالذي يأكل، ولا يشبع اليد العليا خير من اليد السفلى قال حكيم، فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر، رضي الله عنه، يدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه ثم إن عمر، رضي الله عنه، دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا فقال عمر إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي)) (1).
عفة مرثد بن أبي مرثد رضي الله عنه:
- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: ((كان رجل يقال له: مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلا يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها: عناق وكانت صديقة له، وإنه كان وعد رجلا من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط فلما انتهت إليَّ عرَفَتْ، فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد. فقالت: مرحبا وأهلا هلم فبت عندنا الليلة. قال: قلت: يا عناق حرم الله الزنا، قالت: يا أهل الخيام، هذا الرجل يحمل أُسراءَكم، قال: فتبعني ثمانية وسلكت الخندمة فانتهيت إلى كهف أو غار فدخلت، فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا فظل بولهم على رأسي وعماهم الله عني، قال: ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر، ففككت عنه أكبله فجعلت أحمله ويعييني حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أنكح عناقا؟ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد علي شيئا حتى نزلت الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، فلا تنكحها)) (2).
عفة عثمان بن طلحة رضي الله عنه:
- حادثة تبين لنا عفة وشهامة عثمان بن طلحة رضي الله عنه، ولنترك المجال لصاحبة الموقف أم سلمة رضي الله عنها تروي لنا القصة فتقول: (( ... وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت: ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسى سنة أو قريبا منها، حتى مر بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها، قالت: فقالوا: الحقي بزوجك إن شئت، قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني، قالت: فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، قالت: وما معي أحد من خلق الله، قالت: قلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال: أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: أريد زوجي بالمدينة، قال: أو ما معك أحد؟ قلت: لا والله إلا الله وبني هذا، قال: والله مالك من مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي به، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني، حتى إذا نزلنا استأخر ببعيري فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني، فقال: اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاد بي حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلا - فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة، قال: وكانت تقول: ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب أبو سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة)) (3).

(1) رواه البخاري (1472) ومسلم (1035). واللفظ للبخاري.
(2) رواه الترمذي (3177)، والنسائي (3228). قال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال ابن عربي في ((عارضة الأحوذي)) (6/ 260): حسن صحيح جدًا. وحسن إسناده الألباني في ((صحيح النسائي)) (3228).
(3) ((سيرة ابن هشام)) (1/ 469)، وذكره ابن منده في ((الفوائد)) (ص292 - 293).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج من عفة السلف:
عفة سالم بن عبد الله بن عمر:
- قال ابن عيينة: (دخل هشام الكعبة، فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال: سلني حاجة.
قال: إني أستحيي من الله أن أسأل في بيته غيره.
فلما خرجا، قال: الآن فسلني حاجة.
فقال له سالم: من حوائج الدنيا، أم من حوائج الآخرة؟
فقال: من حوائج الدنيا.
قال: والله ما سألت الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟) (1).
عفة الربيع بن خثيم رحمه الله:
- عن سعدان قال: (أمر قوم امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع بن خثيم فلعلها تفتنه وجعلوا لها إن فعلت ذلك ألف درهم فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده فنظر إليها فراعه أمرها فأقبلت عليه وهي سافرة فقال لها الربيع كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين أم كيف بك لو قد ساءلك منكر ونكير فصرخت صرخة فسقطت مغشيا عليها فوالله لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها أنها كانت يوم ماتت كأنها جذع محترق) (2).
عفة الأشرف، صاحب دمشق:
- قال سبط الجوزي: (كان الأشرف يحضر مجالسي بحران، وبخلاط، ودمشق، وكان ملكا عفيفا، قال لي: ما مددت عيني إلى حريم أحد، ولا ذكر ولا أنثى، جاءتني عجوز من عند بنت صاحب خلاط شاه أرمن بأن الحاجب عليا أخذ لها ضيعة، فكتبت بإطلاقها.
فقالت العجوز: تريد أن تحضر بين يديك.
فقلت: باسم الله، فجاءت بها، فلم أر أحسن من قوامها، ولا أحسن من شكلها، فخدمت، فقمت لها، وقلت: أنت في هذا البلد وأنا لا أدري؟
فسفرت عن وجه أضاءت منه الغرفة، فقلت: لا، استتري.
فقالت: مات أبي، واستولى على المدينة بكتمر، ثم أخذ الحاجب قريتي، وبقيت أعيش من عمل النقش وفي دار بالكراء.
فبكيت لها، وأمرت لها بدار وقماش، فقالت العجوز: يا خوند، ألا تحظى الليلة بك؟
فوقع في قلبي تغير الزمان وأن خلاط يملكها غيري، وتحتاج بنتي أن تقعد هذه القعدة، فقلت: معاذ الله، ما هذا من شيمتي.
فقامت الشابة باكية تقول: صان الله عواقبك) (3).

(1) رواه الدينوري في ((المجالسة وجواهر العلم)) (1/ 384).
(2) ((صفة الصفوة)) لابن الجوزي (3/ 191)
(3) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (42/ 126).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أساس العفة وتمامها
قال الراغب الأصفهاني وهو يبين أساس وتمام العفة: (وأسها يتعلق: بضبط القلب عن التطلع للشهوات البدنية وعن اعتقاد ما يكون جالباً للبغي والعدوان.
وتمامها يتعلق: بحفظ الجوارح، فمن عدم عفة القلب يكون منه التمني وسوء الظن اللذان هما أس كل رذيلة، لأن من تمنى ما في يد غيره حسده، وإذا حسده عاداه، وإذا عاداه نازعه، وإذا نازعه ربما قتله.
ومن أساء الظن عادى وبغى وتعدى ولذلك نهى الله سبحانه عنهما جميعاً فقال: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء: 32] وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12] فأمر فيهما بقطع شجرتين يتفرع عنهما جل الرذائل والمآثم.
ولا يكون الإنسان تام العفة حتى يكون عفيف اليد واللسان والسمع والبصر.
فمن عدمها في اللسان: السخرية والتجسس والغيبة والهمز والنميمة والتنابز بالألقاب.
ومن عدمها في البصر: مد العين إلى المحارم وزينة الحياة الدنيا المولدة للشهوات الرديئة.
ومن عدمها في السمع: الإصغاء إلى المسموعات القبيحة.
وعماد عفة الجوارح كلها ألا يطلقها صاحبها في شيء مما يختص بكل واحد منهما إلا فيما يسوغه العقل والشرع دون الشهوة والهوى) (1).

(1) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص 318).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،العفة في واحة الشعر ..
قال الشافعي:
عفوا تعفُّ نساؤكم في المحرم ... وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنا دين إذا أقرضته ... كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يا هاتكاً حرم الرجال وقاطعاً ... سبل المودة عشت غير مُكرم
لو كنت حراً من سلالة ماجدٍ ... ما كنت هتّاكاً لحرمه مسلم
من يزن ُيزن به ولو بجداره ... إن كنت يا هذا لبيباً فافهم
وقال معن بن أوس:
لعمرك ما أهويتُ كفي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبةٌ ... من الدهر إلا قد أصابتْ فتى قبلي
ولست بماشٍ ما حييتُ لمنظر ... من الأمر لا يسعى إلى مثله مثلي
ولا موتراً نفسي على ذي قرابة ... وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي
وقال آخر:
تقنع بالكفاف تعش رخيا ... ولا تبغ الفضول من الكفاف
ففي خبز القفار بغير أدم ... وفي ماء الفرات عني وكاف
وفي الثوب المرقع ما يغطى ... به من كل عرى وانكشاف
وكل تزين بالمرء زين ... وأزينه التزين بالعفاف
وقال آخر:
لا تخضعن لمخلوق على طمع ... فإنّ ذلك نقص منك في الدين
لن يقدر العبد أن يعطيك خردلة ... إلا بإذن الذي سواك من طين
فلا تصاحب غنياً تستعز به ... وكن عفيفاً وعظم حرمة الدين
واسترزق الله مما في خزائنه ... فإن رزقك بين الكاف والنون ...